أشادت إيران بالهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على جنوب إسرائيل، ولكنها أنكرت تورطها في الهجوم، كما نفت الولايات المتحدة وإسرائيل إلى حد ما ضلوع إيران بشكل مباشر في الهجوم ــ أو لم تعترفا به. بصرف النظر عن النفعية السياسية التي توجه التصريحات الصادرة من العواصم الثلاث، فإن الجولات الخارجية التي أعلنت عنها وسائل الإعلام الإيرانية، الخاضعة للرقابة الحكومية، للواء إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية، تكشف عن بعض المفارقات الثانوية المتعلقة بالشأن الفلسطيني. وفي حين أن هذه الجولات لا تقدم “دليلاً دامغًا” على تورط فيلق القدس بشكل مباشر في هجوم حماس، إلا أنها تعطي نبذة عامة عن مهمات قاآني، وربما أولوياته منذ تعيينه قائدًا لفيلق القدس في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020.
لدى البحث عن “قاآني” و”فيلق القدس” باستخدام الترجمات الحرفية المتنوعة في المصادر الفارسية والإنجليزية على الإنترنت، بما في ذلك محرك بحث جوجل ومرصد البي بي سي للشرق الأوسط وقاعدة بيانات مجلات نور (Noor Mags)، نجد أن هناك 138 تقريرًا حول موقع قاآني في الفترة من الثالث من يناير/كانون الثاني 2020 إلى الثالث من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
واستنادًا لهذه التقارير، نجد أن قاآني قد أمضى معظم وقته في إيران (94 تقريرًا)، يليها العراق (32 تقريرًا)، وسوريا (10 تقارير)، ولبنان (تقريران). وبترجمتها إلى زيارات فردية، تذكر التقارير أن قاآني قد قام بـ 26 زيارة إلى الخارج منذ يناير/كانون الثاني 2020، منها 18 إلى العراق، و6 إلى سوريا، و2 إلى لبنان.
لا يوجد ما هو غير عادي في التغطية الإعلامية لنشاطات قاآني داخل إيران. من ضمن 94 تقريرًا تغطي نشاطات قاآني في إيران، نجد أن 53 من هذه التقارير تتعلق بحضوره تشييع جنازات أو مراسيم إحياء لذكرى أفراد فيلق القدس وعائلاتهم. ومن المرجح أن قاآني ينظر للدعم الشعبي باعتباره أمرًا بالغ الأهمية لعمليات التجنيد لصالح فيلق القدس، ويخصص وقتًا طويلاً للتعبير عن احترامه للجنود الذين سقطوا وعائلاتهم. ويتعلق 23 تقريرًا بمهماته العامة بصحبة مسؤولين حكوميين رفيعي المستوى، وإحاطة الهيئات الرسمية، مثل البرلمان أو مجلس خبراء القيادة، وحضور خطابات المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. وهذا أيضًا ليس بالأمر المفاجئ لأن قاآني، مثل أسلافه، يعمل من أجل تشكيل عملية صنع السياسة لمنافسة أطراف أخرى قي البيروقراطية الحكومية. كانت هناك ستة تقارير حول اجتماعات قاآني مع عدد من رجال الدين الشيعة في إيران، والتي قد تخدم أهدافًا تتراوح بين تأمين الشرعية الدينية لعمليات فيلق القدس إلى تجنيد الطلبة الأجانب الملتحقين بحوزات الفقه الديني في إيران. أما بقية التقارير فهي تغطي خطابات قاآني العامة في إيران، وخطاباته أمام مجالس كوادر حرس الثورة الإسلامية، وزياراته لأعضاء لواء فاطميون الأفغاني، وهي ميليشيا شيعية، وأقاربهم. وتمت هذه الزيارات في قواعد قريبة من مدينة مشهد (وفي سوريا)، ومن المرجح أن يكون ذلك بسبب هو عدم قدرة قاآني على زيارة أفغانستان.
تتماشى التقارير المتعلقة بزيارات قاآني الخارجية إلى حد كبير مع ما يمكن توقعه من قائد فيلق القدس، ومع التغطية باللغة الإنجليزية لنشاطات إيران الإقليمية. ولكن يبدو أيضًا أن هناك مفارقة ثانوية تتعلق بالشؤون الفلسطينية.
قام قاآني بزيارة العراق في 18 مناسبة. لم يكن لاغتيال قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020 تأثير يذكر على فيلق القدس، الذي يتمتع بطابع مؤسساتي عالي المستوى. لم يكن هناك نزاع على خلافة القيادة، وفي حين أن فيلق القدس بقيادة قاآني قد يكون مختلفًا في الأسلوب، إلا أن فاعليته لم تتغير أبدًا عما كانت عليه في عهد سليماني. لكن مقتل أبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي، وهي مجموعة من الميليشيات العراقية التي تضم قوات موالية لإيران، في الهجوم نفسه أدى إلى وضع قوات الحشد الشعبي، التي لا تتمتع بذلك الطابع المؤسساتي، في حالة من الفوضى لم تتمكن من التعافى منها بعد.
في أعقاب تعيينه مباشرة، عمل قاآني، خوفًا على الأرجح من أن اغتيال سليماني كان يهدف إلى شن حرب ضد إيران، على تكريس جهد كبير للدبلوماسية الهادئة التي تركز على الولايات المتحدة، وذكرت التقارير أنه أصدر تعليماته للميليشيات الشيعية بعدم إعطاء الولايات المتحدة أو إسرائيل أي مبرر لشن الحرب. كانت الميليشيات الشيعية العراقية تهاجم أحيانًا أهدافًا أمريكية في العراق، ولكن في اجتماعاته مع مسؤولي الحكومة العراقية، أفادت التقارير الواردة بأن قاآني قد نفى التلميحات بأن الهجمات كانت بأمر من إيران.
بصفته قائدًا لفيلق القدس، شارك قاآني أيضًا في مفاوضات مطولة للتوصل إلى تشكيل حكومة عراقية مقبولة لدى طهران. وقد ساهم ذلك في تحول المجتمع العراقي ضد إيران، التي أصبح يُنظر إليها على أنها عامل مزعزع للاستقرار في السياسة العراقية. وفي سياق منفصل، فإن وجود مقاتلي المعارضة الكردية الإيرانية المسلحة في إقليم كردستان العراق، واستخدام إسرائيل المزعوم للمجال الجوي العراقي لمهاجمة أهداف في إيران، قد استرعى اهتمام قاآني. ولكن كانت هناك كذلك مفارقة واحدة في زيارات قاآني إلى العراق، خلال زيارته الأخيرة من 5-13 سبتمبر/أيلول، كان من المقرر أن يلتقي بممثلين عراقيين وفلسطينيين. هذه هي الإشارة الوحيدة المعلنة ضمن اجتماعات قاآني الشخصية مع ممثلين فلسطينيين في أي مكان، وهذه هي المفارقة الوحيدة.
كانت زيارات قاآني الست إلى سوريا أيضًا ضمن نطاق ما يمكن توقعه من قائد فيلق القدس. بحلول عام 2020، استقر نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وتغير هدف التدخل العسكري لفيلق القدس في سوريا من تحقيق استقرار نظام البعث، وتأمين ممر بري يربط إيران والعراق وسوريا بلبنان، إلى إقامة جبهة نائمة ضد إسرائيل على الحدود السورية الإسرائيلية. دأبت إسرائيل بشكل ممنهج على قصف المواقع الإيرانية وحلفائها في سوريا، ما أدى في بعض الأحيان إلى وقوع خسائر إيرانية، لكن فيلق القدس كان محصنًا. ويذكر أن قاآني قد قام خلال زياراته بتفقد فيلق القدس والقوات المتحالفة معه بالإضافة إلى الحدود العراقية-السورية.
ومن اللافت للنظر أنه منذ توليه قيادة فيلق القدس، لم يقم قاآني بزيارة المناطق الخاضعة لحزب الله اللبناني إلا مرتين فقط. خلال زيارته للبنان في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020، يُزعم أن قاآني أصدر تعليماته لقيادة حزب الله بتفادي استفزاز إسرائيل بعد عملية اغتيال عالم نووي إيراني يُعتَقد أن إسرائيل كانت وراءها. وحسب التقارير الواردة، فإن زيارة قاآني الأخيرة إلى لبنان كانت في أبريل/نيسان، وقد جاءت لغرضٍ معاكس تمثل في تنسيق هجوم صاروخي ضد إسرائيل في السادس من أبريل/نيسان.
لا يوجد أي دليل معلن على تورط فيلق القدس في الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس، بل مجرد بضعة أمور ثانوية خارجة على المألوف. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع خطابات قاآني العامة ومراسلاته الأخيرة، والتي تتضمن جميعها كلمة “فلسطين”. ومع ذلك، فإن تتبع تحركات قاآني يعطي أفكارًا متبصرة حول المهمات المعلنة لفيلق القدس، وربما يكشف عن تعديلات في تركيز الفيلق بشكل عام مع مرور الوقت.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.