في أوائل يوليو/تموز، بدأت الأنباء تتوارد عن استعدادات حكومة دبي لنقل بعض إداراتها إلى الميتافيرس، الأمر الذي سيسمح للمستخدمين بالوصول إلى الخدمات في شبكة متكاملة من العوالم الافتراضية ثلاثية الأبعاد. وهذه واحدة من العديد من مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة في الميتافيرس– وهي صناعة عالمية سريعة التطور وأحد المكونات الهامة في تطوير مجتمع متقدم رقميًا. تتجه دولة الإمارات للتحول إلى عالم الميتافيرس لتحسين القدرة التنافسية الصناعية الشاملة وزيادة الإنتاجية والكفاءة في عالم يتزايد فيه الطابع الرقمي. ويأمل القادة الإماراتيون في أن توفّر تكنولوجيا الميتافيرس والثورة الصناعية الرابعة طرقًا جديدة لتنويع اقتصاد دولة الإمارات بعيدًا عن المصادر الهيدروكربونية.
الميتافيرس هي منصة واقع افتراضي للعيش في حياة ثانية عبر الإنترنت. وعلى أية حال، ففي حين أن الواقع الافتراضي المعزز هو عبارة عن تقنيات لخلق بيئات ثلاثية الأبعاد لأغراض ووظائف معينة، فإن الميتافيرس هو عالم افتراضي مفتوح ومشترك وغير محدود من الناحية النظرية يتم إنشاؤه من قبل المستخدمين. من المتوقع أن يتطور عبر ثلاث مراحل متداخلة: النشأة والتقدم والنضوج. ومن المتوقع أن تستمر مرحلة النشأة، التي بدأت بالفعل، خلال السنوات الأربع إلى الخمس القادمة. وتستكشف الأسواق، في الوقت الراهن، التطبيقات وتجربها. ومن المتوقع أن تحل مرحلة التقدم في الفترة من 2024 إلى 2027، وسوف توفر المزيد من الفرص المباشرة في الميتافيرس. أما مرحلة النضج، التي من المرجح الوصول لها بعد حوالي ثماني سنوات من الآن، فسوف تتقدم نحو تجارب تأسر المشاعر.
من المتوقع أن يصل حجم سوق الصناعة العالمي إلى 1.6 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل زيادة سنوية مركبة تبلغ 43.3%. فهناك سباق بين الشركات والدول للاستثمار في العالم الرقمي المستقبلي المنظور والتأثير على كيفية تطوره. وبدأت شركات مثل مايكروسوفت وجوجل وكوالكوم ونفيديا السباق باستثمارات هائلة في أوائل عام 2021. ووصلت الاستثمارات في هذه الصناعة من مجموعة واسعة من الشركات إلى 120 مليار دولار في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، أي أكثر من ضعف استثمارات عام 2021 بأكمله، التي بلغت 57 مليار دولار. وانضمت بعض الشركات الحكومية، أو الممولة من الحكومة في دبي وأبوظبي، إلى السباق، وأطلقت مبادرات جديدة في الميتافيرس، في محاولة منها لأن تصبح رائدة في هذه الصناعة العالمية المتنامية مع رؤية لاستبدال الثروة النفطية الإماراتية تدريجيًا بهذه التكنولوجيا المتقدمة.
الأخذ بزمام المبادرة الافتراضية
في أوائل شهر مايو/أيار، أعلن حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، عن انطلاق استراتيجية دبي للميتافيرس. تهدف الاستراتيجية إلى زيادة مساهمة قطاع الميتافيرس في اقتصاد الإمارة إلى 4 مليارات دولار بحلول عام 2030. ومع فريق عمل لتتبع آخر التطورات في الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك التكنولوجيا وتوجهات الميتافيرس، ولجنة للتركيز على الأركان الأساسية وأهداف استراتيجية دبي للميتافيرس، تهدف دبي لأن تصبح لاعبًا رئيسيًا في العالم الافتراضي؛ ولتحقيق ذلك، سوف تعتمد دبي على النجاحات التي حققتها الإمارة ودولة الإمارات فعلاً على نطاق أوسع في مجال التكنولوجيا، صنّف مؤشر المدن الرقمية 2022، التابع لإيكونوميست إمباكت، دبي في المرتبة الأولى في الشرق الأوسط والمرتبة 18 عالميًا في التصنيف الافتتاحي الذي يقيِّم مستوى الرقمنة وتأثيرها في 30 مدينة حول العالم.
جاءت استراتيجية دبي للميتافيرس نتيجة للعديد من الخطوات الهامة. في عام 2019، أنشأت دبي ترخيصًا للأعمال التجارية الافتراضية. في 27 ديسمبر/كانون الأول 2021، قدمت دبي أول مدينة افتراضية عملاقة في العالم – ميتافيرس دبي. وبخلاف أي مشروع ميتافيرس آخر في ذلك الوقت، استند ميتافيرس دبي إلى خريطة دبي الحقيقية، حيث أحيا جغرافيا المدينة وتضاريسها من جديد. واستهلت وزارة الصحة الإماراتية عام 2022 بالكشف عن منصة ميتافيرس جديدة تسمح للأشخاص بالوصول الافتراضي للرعاية الطبية. في أواخر مارس/آذار، أعلنت بلدية دبي عن خطط لإنشاء المدينة التوأم لدبي في الميتافيرس -“حقيقة إنسانية واحدة”– في حين استضافت وزارة الاقتصاد في دبي انفيستوبيا (Investopia)، وهي أول قمة اقتصادية في العالم تُعقد في الميتافيرس. في أبريل/نيسان، أعلن مركز دبي التجاري العالمي عن إطلاق ميتا انكيوبيتر MetaIncubator –وهي أول حاضنة في الميتافيرس في الشرق الأوسط – وأعلنت يونيون سكوير هاوس، وهي وكالة عقارية بمليارات الدراهم في دبي، عن خطط لإنشاء أول قصور ميتافيرس في المنطقة هذا العام، وهو ما سيساهم في الموجة المتزايدة من العقارات الافتراضية.
في الرابع من مايو/أيار، أعلنت هيئة تنظيم الأصول الافتراضية في دبي أنها أصبحت أول جهة تنظيمية في العالم تسجل ظهورها الأول في الميتافيرس وتنشئ مقرًا رئيسيًا لها هناك. في 19 مايو/أيار، وقعت دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي مذكرة تفاهم مع ساب (SAP)، وهي شركة برمجيات ألمانية متعددة الجنسيات، من أجل تسريع التحول الرقمي في دولة الإمارات. وهذا يتضمن خطة –”الصناعة 4.0″- لاستكشاف وإطلاق مبادرات تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة في أبوظبي. في 26 مايو/أيار، أعلنت هيئة موانئ دبي العالمية، مشغل الموانئ الرائد عالميًا في دبي، عن إنشاء دي بي ميتاورلد (DPMETAWORLD)، وهي منصة للحلول الرقمية في الميتافيرس، من المتوقع انطلاقها بحلول نهاية هذا العام. وبعد فترة وجيزة، في 30 مايو/أيار، بدأت إيفردوم (Everdome)، وهي لعبة ميتافيرس، ببيع 12,000 قطعة أرض ميتافيرس بالمزاد العلني بنظام إيفردوم في تجربة افتراضية لاستعمار المريخ. كما هو الحال على الأرض، سيكون للمالكين الحق في تطوير قطع الأرض الافتراضية هذه، ولديهم فرصة لجني الإيرادات أو إعادة بيع قطع الأراضي في المستقبل. سوف تبدأ الرحلة الآسرة للمشاعر “للعيش” على سطح المريخ في منطقة حتا، بدبي، موقع إطلاق مهمة إيفردوم.
كجزء من مبادرة الصناعة 4.0، عقدت دولة الإمارات اجتماعًا في منتصف شهر يونيو/حزيران لممثلين من 17 شركة تقنية وطنية وعالمية في “جمعية شبكة الأبطال” لدعم اعتماد التكنولوجيا في القطاع الصناعي. في أوائل شهر يوليو/تموز، أطلقت ماغناتي (Magnati)، وهي منصة للمدفوعات مقرها دولة الإمارات، أول سوق ميتافيرس في المنطقة.
تداعيات الثورة الصناعية الرابعة
أثار العدد الكبير من مبادرات الصناعة 4.0 [الثورة الصناعية الرابعة] التي تم إطلاقها على مدار العام الماضي نقاشًا حول الكيفية التي من الممكن أن يؤثر من خلالها الميتافيرس، إلى جانب تقنيات الثورة الصناعية الرابعة الأخرى، على قطاعات مختلفة من المجتمع. فيدعي بعض مؤيدي الميتافيرس أنه سيعزز الشمول في قطاعي الرعاية الصحية والتعليم، ما سيسمح بزيادة إمكانية الوصول لذوي الإعاقة، الذين سيتمكنون من دخول العالم الرقمي والتفاعل مع الآخرين من خلال الصور الرمزية الخاصة بهم، والتي يمكن إنشاؤها لتحاكي الصور المثالية للمستخدمين، ويمكنهم إخفاء أي إعاقات إذا اختاروا ذلك. ومع تقدم الميتافيرس، قد يتم توفير التعليم والرعاية الصحية بسهولة أكبر لعدد أكبر من سكان العالم، ما يتيح سهولة الوصول وتحسين الجودة وتخفيض التكاليف.
كما أن تأثيرات الميتافيرس على قطاع الأعمال التجارية تدعو للتفاؤل. فيعتقد معظم المدراء التنفيذيين الإماراتيين أن الميتافيرس سيؤثر إيجابيًا على أعمالهم ومؤسساتهم. على سبيل المثال، تتضمن دي بي ميتاورلد التابعة لموانئ دبي العالمية مبادرة لاستخدام الميتافيرس لحل تحديات سلسلة التوريد وغيرها من الأمور التشغيلية. ويمكن للميتافيرس أن يساعد في زيادة كفاءة وشفافية الشركات التجارية، مع الارتقاء باستدامة العمليات أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للفرص الجديدة لبرامج التدريب الشاملة والاجتماعات والإجراءات الروتينية الأخرى، التي تم تفعيلها بواسطة الميتافيرس، أن تقلل من أوقات التدريب بنسبة 50٪، والمساعدة في تقليل انبعاثات الكربون من خلال القضاء على الحاجة للسفر المادي.
ومع ذلك، هنالك بعض المخاوف المتعلقة بالميتافيرس، فيشعر الخبراء الإماراتيون بالقلق من الآثار التي يمكن أن يسببها الميتافيرس للصحة العقلية. ويجادل البعض بأنه سيزيد من القلق والإرهاق والاكتئاب- على غرار التأثيرات المصاحبة للتقنيات الأخرى. ومع ذلك، يجادل بعض مؤيدي الواقع الافتراضي أنه يمكن أن يزيد من التعاطف، لأن الميتافيرس يوفر فرصًا أكبر لزيادة التفاعل بين أشخاص ربما لم يصادف أن تقابلوا أبدًا.
كما أن دولة الإمارات قد أحرزت في الوقت ذاته تطورات أخرى في عالم التكنولوجيا، بما في ذلك المدفوعات الرقمية والعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي. ولكن كما تشير الأزمة الحالية في الصناعات المشفرة، فإن الاستثمار في التقنيات الجديدة، مثل الميتافيرس، يمكن أن ينطوي على مخاطر كبيرة. وعلى الرغم من العوامل العديدة التي تجذب اهتمام المستثمرين، مثل ارتفاع جاهزية السوق واستمرار التقدم التكنولوجي، إلا أن الميتافيرس يبقى استثمارًا عالي الخطورة لعدم وجود ضمان للنجاح أو فائدة طويلة الأجل أو حتى التطور بشكل سلس، على الرغم من الخطط التفصيلية التي تم وضعها.
نحو المستقبل
تُظهر دولة الإمارات استعدادها للمراهنة على صناعة التكنولوجيا المتقدمة عالية الخطورة. ولكون البلاد تسعى لتنويع اقتصادها، يحدو القيادة الإماراتية الأمل في أن يصبح قطاع التكنولوجيا هو المكافئ الاقتصادي الجديد لصناعة النفط. ومن المتوقع أن تعمل الثورة الصناعية الرابعة على تحسين القدرة التنافسية الصناعية الشاملة لدولة لإمارات وتخفيض التكاليف وزيادة الإنتاجية والكفاءة وتحسين السلامة وخلق فرص عمل جديدة. يمثل الميتافيرس، وهو جزء مهم من الثورة الصناعية الرابعة، حدود التكنولوجيا المستقبلية الواعدة، وتريد دولة الإمارات أن تتبوأ مكانًا مركزيًا مرموقًا في الطليعة.