ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يبدو أن مقاطعة قطر الواسعة النطاق التي تم فرضها في يونيو/حزيران 2017 من قبل ما تسمي نفسها “الرباعية لمكافحة الإرهاب”، والتي تضم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، أصبحت أخيراً على وشك اتخاذ قرار واسع النطاق بشأنها. أعطت إدارة الرئيس دونالد ترامب – الراحلة في يناير – الأولوية في الأشهر الأخيرة لحل النزاع، وقد أشار الفريق القادم للرئيس المنتخب جوزيف بايدن بقوة إلى أنه لا يرغب بأن يرث هذه المواجهة بين شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين في منطقة الخليج. كان يبدو أن الوساطة الكويتية قد اقتربت من تحقيق مصالحة ثنائية على نطاق ضيق بين الرياض والدوحة في أوائل ديسمبر/كانون الأول، لكن ذلك توقف في اللحظة الأخيرة، فاسحًا المجال لما يبدو أنه تقارب أوسع في مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فإن العديد من الخلافات البارزة قد تستمر، ما يشير إلى مستقبل غير مضمون.
على مدى عدة سنوات، كانت واشنطن تضغط من أجل تسوية المواجهة بين دول الخليج. ولكن نظراً لأن الولايات المتحدة لم تجعل علاقاتها مع أي من هؤلاء الشركاء الرئيسيين مشروطة بنتيجة محددة، فقد تم تجاهل تدخلها بسهولة. ومع ذلك، بدأت مع مرور الوقت الجهات الفاعلة الرئيسية من كلا الجانبين ترى بوضوح فضيلة التنازل. وبمساعدة شريكتها الإقليمية الرئيسية، تركيا، وعلاقاتها الوثيقة مع إيران، تمكنت قطر من وضع حلول قصيرة المدى لعلاقاتها مع جيرانها الخليجيين، ولكن على المدى الطويل فإن الدوحة بحاجة إلى علاقات عمل مع هذه الدول، وخاصة المملكة العربية السعودية.
من جانبهم، أصبح السعوديون تدريجياً يدركون أن هناك تراجعاً في جدوى المقاطعة، وأرسلوا مرارًا وتكرارًا إشارات باهتمامهم بإيجاد حل لكل من الدوحة وواشنطن في الأشهر الأخيرة. بالنسبة للرياض، فإن الأساس هو تعزيز التحالف ضد إيران. ضغوط الولايات المتحدة المتزايدة على طهران، وهجمات إيران المتواصلة على المصالح الأمريكية والسعودية، وعدم التأكد من سياسات إدارة بايدن القادمة، عزز الاهتمام بإيجاد وضع خليجي موحد. بالإضافة إلى ذلك، فقد أقر القادة السعوديون تدريجياً بأن المقاطعة قد حققت كل ما كان من المحتمل أن تحققه، وأصبحت الرياض على قناعة بأنها ستكسب أكثر مما ستخسر بعد تأكيدها على وجهة نظرها، وأن الوقت قد حان لإنهاء المقاطعة.
كانت الوساطة الأمريكية والكويتية على وشك التوصل إلى اتفاقية ثنائية محدودة بين المملكة العربية السعودية وقطر في أوائل ديسمبر/كانون الأول. وبالفعل، فقد أشار مسؤولون قطريون على تويتر إلى أن وزارة الخارجية الكويتية كانت على وشك إصدار إعلان مهم بشأن هذا الأمر، وما يُفهم من ذلك، إلى حد بعيد، أنه بداية لتقارب ثنائي بين اثنتين من دول الخليج العربي متحالفتين مع واشنطن. ولكن هذا الإعلان لم يصدر. يبدو أنه بدلاً من المضي في اتفاقية ثنائية محدودة جداً، فإن إمكانات مصالحة واسعة النطاق وفوائدها في مجلس التعاون الخليجي، بحيث تشمل الإمارات التي هي أشد منتقدي قطر، أصبحت واضحة. استمرت المحادثات حتى أواخر هذا الأسبوع، عندما تم نقل قمة دول مجلس التعاون الخليجي في يناير/كانون الثاني 2021 إلى الرياض، وبدأ مسؤولون ومحللون إماراتيون بارزون يشيرون إلى أن الإمارات لم تعد تعارض أي اتفاق، وأنه تم التوصل إلى “إجماع” لإنهاء المقاطعة.
إن استضافة القمة في الرياض يسمح بترسيخ بصمات السعودية على الاتفاقية على أنها “صُنعت في السعودية”. ومن المتوقع أن يحضر الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني، إلى جانب غيره من رؤساء دول وحكومات الخليج. ولا تزال تفاصيل الاتفاق غير معلنة. لكن واشنطن مارست ضغوطاً قوية من أجل إعادة فتح طرق الطيران التجاري للخطوط الجوية القطرية في المجال الجوي السعودي، والتي كان لمنعها أكبر تأثير عملي للمقاطعة حتى الآن. وقد أجبر ذلك الخطوط الجوية القطرية على اتخاذ العديد من المسارات الملتوية غير الفعالة، وخاصة، الحصول على أذونات التحليق من إيران. وهذا ما جعل طهران تحصل على نفوذٍ مهمٍ على الدوحة في هذه العملية، وربما يكون الشيء الأهم من منظور إدارة ترامب هو 100 مليون دولار سنوياً تحصلها إيران كرسوم لإعطاء هذا الامتياز.
نظراً لنطاق عقوبات “الضغوط القصوى” التي تفرضها الولايات المتحدة، فإن المئة مليون دولار هي أحد أبرز مصادر الإيرادات الأجنبية المنتظمة المتبقية لطهران، والتي لا يزال بإمكان الولايات المتحدة محاولة تعطيلها. وبالتالي، وعلى كلا الصعيدين، فإن إعادة فتح المجال الجوي السعودي أمام الخطوط الجوية القطرية تعتبره كل من الرياض وواشنطن بمثابة ضربة قوية لإيران. وتسعى كل من إدارة ترامب والحكومة السعودية إلى تعزيز نفوذهما على طهران قدر الإمكان تحسباً من سياسة تصالحية متوقعة من إدارة بايدن القادمة. إذا تمت إعادة فتح هذا المجال الجوي، فإن معظم التأثير العملي للمقاطعة ضد قطر سينتهي، وإذا اقترن ذلك بإعادة فتح الحدود البرية مع المملكة العربية السعودية، فستنتهي المقاطعة فعلياً.
سيكون لدى المملكة العربية السعودية والإمارات توقعاتهما من قطر أيضًا. سيواصل البلدان الضغط على الدوحة من أجل المزيد من الاعتدال في استخدام وسائل الإعلام الممولة منها، ولا سيما قناة الجزيرة الناطقة باللغة العربية، في مؤازرة حركات المعارضة الشعبية في جميع أنحاء العالم العربي. وستتواصل ضغوطهما على قطر للحد من الترويج لجماعة الإخوان المسلمين، وما شابهها من الجماعات الإسلامية، والتي صنفتها عدد من دول الخليج العربية الأخرى على أنها منظمات إرهابية. وسوف يسعيا أيضاً إلى تقليص دعم قطر للخطاب القومي العربي. لكن الأهم بالنسبة للسعودية هو مطالبة قطر بالتوقف عن دعم واستضافة جماعات المعارضة من دول الخليج العربية الأخرى والتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة.
وعلى المدى البعيد، هنالك توقع قوي كذلك بأن تقلص قطر بشكل كبير من علاقاتها مع إيران، وستبدأ كذلك بالابتعاد عن تركيا. وقد يَثبت أن هذه النقطة الأخيرة مجرد أمنيات. فمحور أنقرة-الدوحة قد ترسخ الآن وأصبح قوياً، ويعمل على الأرض في الكثير من مناطق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد تعزز من خلال ظهور أنقرة كشريك رئيسي في العلاقة ومحور وبؤرة لشبكة أكثر تكاملاً، عمودياً، من الجهات الإسلامية السنية في المنطقة. إن ما كان يعتبر مجموعة من التحالفات غير الرسمية الفضفاضة وغير المتكاملة قد تعزز الآن في تحالف جديد في المنطقة تتزعمه تركيا بشكل واضح، وتعمل قطر كالمشجع والممول الرئيسي له.
ولأنه من شبه المؤكد أن هذه الخلافات بشأن دور الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية واستئناف الشراكة التركية الناشئة مع العالم العربي لن يتم حلها، فمن المرجح أن تستمر الخلافات الرئيسية التي أدت إلى المقاطعة، كما استمرت من قبل في أعقاب مواجهة دبلوماسية سابقة. حيث قامت السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى بسحب سفرائها من قطر في نزاع وقع في 2013 – 2014 حول هذه القضايا على وجه التحديد. وتم حل ذلك من خلال مجموعة من الاتفاقيات التي كان من المفترض أن تعالج مسألة سياسات قطر، التي تعتبرها القوى الخليجية الأخرى تقوض مصالحها الوطنية. لكن السعودية خلصتا إلى أن قطر لم تغير أساليبها، وأدت خيبة أملهما في نهاية المطاف إلى المقاطعة في عام 2017.
حتى وإن تم حل الأزمة الراهنة في مجلس التعاون الخليجي في قمة الرياض المزمع انعقادها في الخامس من يناير/كانون الثاني، فنظراً لعدد القضايا التي من المحتمل أن تبقى دون حل، هنالك احتمال قوي بحدوث خلاف مستقبلي، وربما تظهر أزمة أخرى حول السياسات القطرية في وقت ما في المستقبل المنظور.