في زيارته التي قام بها في مطلع يونيو/حزيران إلى الولايات المتحدة، واتسمت باجتماعات مكثفة مع كبار صناع القرار في البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع، وكذلك في الكونجرس، من بين أروقة السلطة الأخرى، استطاع مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان تسليط اهتمام كبير على القضايا الاقتصادية، مثل تعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي وغيره من التكنولوجيا المتقدمة. سلط نائب حاكم أبوظبي، الذي يحظى كذلك بنفوذ محوري بحكم رئاسته لصندوق الثروة السيادي الإماراتي (ADQ) القابضة وهيئة أبوظبي للاستثمار، الضوء على اجتماعه مع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان (Jake Sullivan) على موقع إكس (المعروف سابقاً باسم تويتر). كما ركز الطرفان على العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وعلى القضايا الإقليمية. وأشارت البيانات الصادرة عن سفارة الإمارات في الولايات المتحدة بشأن الزيارة إلى إعادة التأكيد على الشراكة الثنائية الدائمة، ودعوة طحنون إلى تحقيق وقف فوري لإطلاق النار في غزة، يصاحبه زيادة ملحوظة في المساعدات الإنسانية. كما ناقش كلا المسؤولين مسارات تعميق وتوسيع اتفاقيات إبراهام.
وقد ازداد نطاق هذه المناقشات الاستراتيجية عبر سلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين الذين ركزوا على قضايا الأمن القومي، بمن فيهم نائب وزير الخارجية كيرت كامبل (Kurt Campbell)، ونائب وزير الخزانة والي أدييمو (Wally Adeyemo)، ومدير المخابرات الوطنية أفريل هاينز (Avril Haines)، ومنسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماك جورك (Brett McGurk)، ونائب مساعد وزير الدفاع لسياسات الشرق الأوسط دان شابيرو (Dan Shapiro)، بالإضافة إلى عضوي مجلس الشيوخ الديمقراطيين مارك هارمون (Mark Harmon) وكريس كونز (Chris Coons).
التأكيد على أن الولايات المتحدة هي الشريك المفضل في مجال الذكاء الاصطناعي
سافر طحنون أيضًا إلى ولاية واشنطن، حيث التقى بالرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت ساتيا ناديلا (Satya Nadella)، وبشكل منفصل مع مؤسس مايكروسوفت بيل جيتس (Bill Gates). ركزت تلك اللقاءات على “الشراكة والتعاون الثنائي في مجال التكنولوجيا المتطورة”. وحتى البيان القصير الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن اجتماع طحنون مع كامبل ركز بشكل شبه حصري على التعاون الثنائي في مجال الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا ذات الصلة، وذلك لدفع النمو الاقتصادي وإيجاد مجال أوسع للفرص، بما في ذلك في الجنوب العالمي. وقد شمل الوفد المرافق لطحنون، والمهتم بدرجة عالية بالتكنولوجيا والاستثمار، كلاً من خلدون خليفة المبارك، الرئيس التنفيذي لصندوق مبادلة – صندوق الثروة السيادية الإرماراتي الضخم، ومحمد السويدي وزير الاستثمار الوطني، وبنج شياو الرئيس التنفيذي لمجموعة الـ42 للذكاء الاصطناعي الإماراتي. شياو المولود في الصين، والذي كان مواطنًا أمريكيًا سابقًا، أصبح مواطنًا إماراتيًا في عام 2016.
أدت زيارة طحنون إلى توسيع الاهتمام من قبل الولايات المتحدة بالتعاون الثنائي في مجال الذكاء الاصطناعي. وأشار سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة إلى أن دولة الإمارات تعمل على “تحويل نفسها إلى مركز للذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة”، وأكد قائلا إن “الولايات المتحدة هي شريكنا المفضل” في مجال الذكاء الاصطناعي، وفي غيره من التقنيات المتقدمة.
هناك ثلاثة تطورات محورية في عام 2024 تساعد في تفسير التركيز الدقيق والكبير على التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي أثناء زيارة طحنون. في منتصف إبريل/نيسان، أعلنت مجموعة الـ42 وشركة مايكروسوفت عن توقيع اتفاقية شراكة تضمنت استثمارات لمايكروسوفت بقيمة 1.5 مليار دولار في مجموعة الـ42 – ما يمنح العملاق الأمريكي حصة أقلية – وتعيين رئيس مايكروسوفت براد سميث (Brad Smith)، في مجلس إدارة مجموعة الـ42. أدى التعاون خلال العام السابق، والذي تم تعزيزه بإعلان أبريل، إلى إلزام مجموعة الـ42 باستخدام منصة مايكروسوفت آزور للحوسبة السحابية في تطبيقاتها للذكاء الاصطناعي.
سحب الاستثمارات من الصين
تم التوصل إلى اتفاق إبريل/نيسان هذا في أعقاب القرار الذي اتخذته الإمارات في فبراير/شباط الماضي، الذي سهل بشكل كبير عملية سحب استثمارات مجموعة الـ42 من الصين. وأوضح ممثلو مجموعة الـ42 أنه من خلال المناقشات مع المسؤولين الأمريكيين خلال العام الماضي، أدرك كبار المسؤولين الإماراتيين والمدراء التنفيذيين للشركة، أنهم سيحتاجون إلى اتخاذ خيار أساسي بين مواصلة التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي مع الصين أو تكثيف التعاون مع الشركات الأمريكية الرائدة ذات الصلة بالذكاء الاصطناعي، وضمان استمرار الوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية في هذا المجال. عند تحليل قرار فبراير/شباط، صرح شياو الرئيس التنفيذي لمجموعة الـ42 في ديسمبر/كانون الأول 2023 قائلا، “نحن في وضع يتوجب علينا فيه الاختيار، لا يمكننا أن نعمل مع كلا الجانبين”. ولتعزيز إشارة النوايا هذه، أصر طلال القيسي، المسؤول الأول في مجموعة الـ42، على أن الشركة “تسير بشكل حثيث في العلاقة مع الولايات المتحدة”.
وجاء قرار سحب الاستثمارات هذا في ضوء الإجراء الذي اتخذه الكونجرس في شهر يناير/كانون الثاني، والذي كان محور اهتمام صانعي السياسات الإماراتيين ومسؤولي مجموعة الـ42 بشكل شبه مؤكد. في رسالة مفصلة وحادة من أربع صفحات إلى وزيرة التجارة جينا ريموندو (Gina Raimondo)، طالبت اللجنة المختارة في مجلس النواب الأمريكي، والمعنية بالحزب الشيوعي الصيني، بمزيد من الصرامة فيما يتعلق بمخاوف الكونغرس بشأن ما وصفته الرسالة بـ “علاقات مجموعة الـ42 النشطة مع الكيانات الصينية المدرجة على القائمة السوداء، بما في ذلك شركة هواوي ومعهد بكين لعلوم الجينوم” والقضايا ذات الصلة. كما أشارت الرسالة التي وقعها رئيس اللجنة آنذاك، النائب مايك جالاجير (Mike Gallagher) (الذي استقال من الكونجرس منذ ذلك الحين)، إلى خطر تحويل “الأجهزة والبرامج” التي طورتها الشركات الأمريكية، بما في ذلك شركات مايكروسوفت وديل وأوبن إيه آي، إلى الشركات التابعة للصين. وفي حين ساعدت التقارير الإعلامية المحيطة بقرار سحب الاستثمارات الذي اتخذته مجموعة الـ42 في فبراير/شباط في تهدئة بعض هذه المخاوف، أعرب النائب مايك ماك كول (Mike McCaul)، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مؤخرا عن قلقه بشأن ما إذا كانت هناك “حواجز حماية مناسبة” لحماية التكنولوجيا الأمريكية الحساسة من عمليات التجسس الصيني. ومع ذلك فإن جالاجير، الذي غادر منصبه مؤخرًا، قد رحب بصفقة مايكروسوفت، قائلا، “أمريكا بحاجة إلى أن تكون الإمارات ضمن فريقنا”.
دور الإدارة في تمهيد الطريق لصفقة الذكاء الاصطناعي
ومن المثير للاهتمام أن إدارة الرئيس جوزيف بايدن دعمت بشكل قوي صفقة مايكروسوفت مع مجموعة الـ42. وقد ساعدت عدد من الرحلات التي قام بها كبار المسؤولين الأميركيين إلى أبوظبي، بمن فيهم ريموندو ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز (William Burns) وآخرون، في تمهيد الطريق للاتفاقية من خلال تعزيز الترتيبات الأمنية للشراكة. وأعرب ريموندو عن ثقته في أن هذه الترتيبات تحمي التكنولوجيا الأمريكية. وأوضحت وزارة التجارة أن أي عمليات نقل للتكنولوجيا ستتم تغطيتها من خلال الضوابط التقنية، “ويشمل ذلك متطلبات الترخيص المعمول بها حاليًا” لرقائق الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ذات الصلة.
تفرض الاتفاقية على كل شركة “تقديم ضمانات أمنية لحكوماتها المحلية المعنية” وتفرض قواعد “اعرف عميلك” التي من شأنها أن تسمح لشركة مايكروسوفت بفرض عقوبات مالية على مجموعة الـ42 عبر محاكم التحكيم في المملكة المتحدة، وربما تشمل حتى الاستيلاء على الأصول في دول مختلفة، إذا ارتكبت الشركة الإماراتية مخالفة للاتفاقية. وكذلك تتطلب الاتفاقية من مجموعة الـ42 التخلص من التكنولوجيا الصينية الموجودة في أنظمتها، وهو الأمر الذي بدأت المجموعة مناقشته مع مايكروسوفت في أواخر عام 2023. وهناك حاجة إلى موافقة وزارة التجارة لتحقيق تقدم بشأن صفقة مجموعة الـ42 مع مايكروسوفت.
ويبدو أن جميع الأطراف تعي أن التطورات التقنية والاستثمارية ربما تتجاوز إطار القانون والتنظيم. في الكونجرس، هناك قلق بخصوص الثغرات المتعلقة بتصدير نماذج الذكاء الاصطناعي، وهو الخلل الذي تتحرك مجموعة من الحزبين في مجلس النواب لمعالجته من خلال التشريعات المقترحة. وفيما يتعلق بالشراكة بين الولايات المتحدة والإمارات، على الرغم من التعاون الوثيق على المستويين الحكومي والتجاري، لا يوجد إطار ثنائي للتعاون في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي. وأكدت بعض وسائل الإعلام أن جزءًا من زيارة طحنون تمحورت حول إحراز تقدم في صياغة هذا الإطار المشترك المطلوب، وهو جهد تمت الإشارة إليه أيضًا في البيانات الصادرة عن سفارة الإمارات بشأن الزيارة.
إقصاء الصين
وبعيدًا عن الأركان الأربعة لصفقة مايكروسوفت مع مجموعة الـ42 وتفاصيل زيارة طحنون، فإن التطورات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والإمارات تسير ضمن اعتبارات وتطورات مهمة أخرى. أولاً، كانت الولايات المتحدة تحاول سد الفجوة خلال النصف العقد الماضي بعد أن عجزت في البداية عن فهم الهيمنة التي كانت الصين تؤسسها في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في الخليج. كذلك كانت هناك جهود متسارعة من جانب الولايات المتحدة لإبعاد الصين ومنع جهودها لتطوير التكنولوجيا – وتأكيد النفوذ الإقليمي – على خلفية النجاحات التكنولوجية الأمريكية الكبيرة من خلال تجنيد الشركات الأمريكية للمساعدة في جذب دول الخليج بعيدًا عن التكنولوجيا الصينية. وفي الوقت نفسه، خلقت مشاريع الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة طلب لمستويات ضخمة من التمويل يمكن لدول الخليج، كدولة الإمارات، أن تساعد في تلبيتها، في حين تعمل دول الخليج العربية على زيادة الجهود للانتقال من الاعتماد على الهيدروكربونات إلى التركيز الشديد على الذكاء الاصطناعي والطاقة الخضراء كجزء من مبادرات عملية التنويع الاقتصادي.
ترمز زيارة طحنون، مع صفقة مايكروسوفت التي سبقتها، إلى الجوانب المتبادلة والمفيدة بشكل كبير للعلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات، على الرغم من – أو مع الأخذ بعين الاعتبار – استراتيجية التحوط الإماراتية والحفاظ على منظور استراتيجي متعدد الأقطاب يتطلع إلى ما هو أبعد من التركيز الفردي على المصالح الأمريكية، ويبدو أنها متشككة في مصداقية الولايات المتحدة كشريك أمني. وبصرف النظر عن أي أسئلة، أوضحت الإمارات أنها تعتمد على الولايات المتحدة، وتسعى إلى التزامات أمنية تكون وثيقة بشكل أكبر. وعلى الجانب الاقتصادي، تصل استثمارات الإمارات في الاقتصاد الأمريكي حاليًا إلى تريليون دولار، تقودها صناديق الثروة السيادية الممثلة في الزيارة. وفي عام 2023، وللعام الخامس عشر على التوالي، كانت الإمارات أكبر سوق لصادرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مع إجمالي صادرات بلغ 24.8 مليار دولار. وتواصل دولة الإمارات إظهار التزامها تجاه الدولار والدور المهيمن للتمويل الأمريكي. باختصار، تعزز الزيارة أوجه القوة الشاملة للعلاقة وتمهد الطريق أمام آفاق جديدة للتعاون، على الصعيدين الحكومي والخاص.