تسلط الأعمال الفنية المعاصرة في بينالي الفنون الإسلامية 2025 الضوء على المبدعين الشباب من المنطقة وخارجها، مع التأكيد على قيم الجماعة والرعاية والروحانية.
تتجلى روائح وأصوات ومشاهد بينالي الفنون الإسلامية لعام 2025 في عبق الريحان المتصاعد من عمل فاطمة عبد الهادي، ونغمات صرير العمل التركيبي المعماري المصنوع من الخيزران والنخيل لعاصم واقف، والألوان النابضة بالحياة في عمل “درب زبيدة” المنسوج للفنان عمران قريشي 2025. يقدم المعرض، الذي يستمر حتى 25 مايو/آيار، عشرات المهام الفنية التي أوكلت للفنانين، وجائزة معمارية جديدة، ومئات القطع التاريخية تحت عنوان “وما بينهما” [وهي عبارة وردت في عدة مواضع في القرآن الكريم]. تُعرض الأعمال الفنية في خمس صالات عرض داخلية ومساحات خارجية في صالة الحجاج، لتعكس الخلفيات والممارسات والهويات المتنوعة لمئات الملايين من الحجاج المسلمين، الذين تقاطعوا تاريخياً في هذه الصالة التي تشبه الخيمة.
يجمع قسم الفن المعاصر في البينالي، الذي يشرف عليه الفنان السعودي مهند شونو، ما يزيد على 30 فناناً من جميع أنحاء العالم للانخراط في مواضيع الروحانيات والعجائب والتأمل والمقدس. تستمد الأعمال التركيبية الخاصة بالموقع والمتناغمة معه، والمعروضة تحت المظلة، الاستلهام من مفهوم الحديقة الإسلامية، باستخدام مواد طبيعية لتشجيع التواصل الأعمق مع الأرض والبيئة. وكما أوضح شونو في إحدى جولاته داخل المعرض، فإن هذه الأعمال الفنية تحث الزوار على إصلاح العلاقة غير المستقرة مع الأرض أسفلنا قبل تصور السماء في الأعلى.
وذكر شونو أن جوهر فرضيته في تنظيم المعارض يتمحور حول التركيز على “المداخل والمسارات، والمعرفة والفهم، والتعاون البشري وغير البشري، والتجدد والعطاء، والمجتمع والتجمع”. قام شونو بإيكال المهمة للعديد من الفنانين الذين لم يتم إدراجهم من قبل في معارض دولية كبيرة، والذين يستكشفون من خلال ممارساتهم حسابات ثقافية وتاريخية تتجاوز التصورات السائدة في السعودية. وبذلك، يهدف شونو من خلال نهجه في تنظيم المعارض إلى عرض وجهات نظر بديلة – طرق الرؤية في المشهد الفني السعودي – وطرق سرد هذه القصص.
نافورة القرن الحادي والعشرين
“وما بينهما”، بينالي الفنون الإسلامية 2025، مشهد للعمل التركيبي “نافورة الوسائط” للفنانة أنهار سالم. (صورة من مؤسسة بينالي الدرعية/ماركو كابيليتي)
مستترة بين الشجيرات تحت المظلة نجد “نافورة الوسائط”، وهي عمل تركيبي للفنانة أنهار سالم، وهي فنانة فيديوهات يمنية ذات أصول إندونيسية ولدت في جدة. لدى مشاهدته عن بعد، يبدو العمل الفني وكأنه نافورة مرصعة بالبلاط يمكن رؤيتها في أي حديقة ملكية، مزينة بنماذج دقيقة للأزهار، وزخارف بارزة ونقوش بارزة وتنفث مياهاً ذهبية. ولكن عندما يقترب المتفرجون، تظهر من البلاط الفسيفسائي الملون رموز وسائل التواصل الاجتماعي بأيقونات تذكرنا بالمشاهد الموجودة في الطبيعة، ولكن بلمسة “الإنترنت” الواضحة، أزهار منمقة بالألوان الزاهية، والتي يتم تداولها بشكل ملحوظ في تطبيقات المراسلة، وصور متوهجة فائقة الدقة للقمر في مختلف مراحله، وفراشات وطيور بديعة تتأهب للطيران.
ومن بين هذه الأيقونات هناك صور رمزية تجسد بعض الشخوص، وغالباً ما يتم تغطية أجزاء من وجوهها. وقد أُخذت العديد من هذه الصور الرمزية من عروض وأفلام لرسوم متحركة معروفة، حيث يرمز شخوصها للنقاء أو البراءة أو الانضباط. وُضعت هذه البلاطات جنباً إلى جنب مع أيقونات المساجد المأخوذة من شعارات تطبيقات الابتهالات الإسلامية التي يستخدمها مئات الملايين من المسلمين الذين يستخدمون الهواتف الذكية. تمثل هذه الكوكبة من الأيقونات، بالإضافة إلى كل صورة منفردة على بلاطاتها، مفهوم الحديقة الإسلامية التي تم تمثيلها في “المظلة”، والتي تستند للسجالات المعاصرة حول التمثيل والخصوصية، وإخفاء الهوية في المساحات الإلكترونية. وبدلاً من أن تقوم فوهة النافورة بنفث المياه أمام المستخدمين كما هو متوقع، تعرض مقاطع فيديو من إنتاج بالذكاء الاصطناعي، الذي تم تدريبه على محتوى بصري من العالم الإسلامي، وتم تنسيقها من قبل الفنانة أنهار لتعكس جمالية الصور الرمزية للبلاط. ومن خلال تكرار العمل على مقاطع الفيديو باستخدام خوارزمية خاصة بها، تضيف أنهار طبقة أخرى من إخفاء الهوية لهذا المحتوى الديني، وتزيد من غموض العلاقة بين الروحانية الحميمة والوسائط الرقمية الأدائية.
“وما بينهما”، بينالي الفنون الإسلامية 2025، مشهد للعمل التركيبي “نافورة الوسائط” للفنانة أنهار سالم. (صورة من مؤسسة بينالي الدرعية/ماركو كابيليتي)
ذكرت أنهار لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن أنها سعت، من خلال تغليف النافورة بصور رمزية مصغرة مستقاة من مختلف المنصات الاجتماعية، لتكوين “عبء رقمي وبصري ثقيل ومفرط للغاية، لقد بحثت على الإنترنت، وحفظت صوراً رمزية لمستخدمين مجهولين من العالم العربي، ومن السعودية على وجه التحديد. كانوا أشخاصاً من مجتمعات مختلفة، على سبيل المثال أشخاص يحبون كرة القدم، وآخرون ملحدون أو متدينون، وذوو أيديولوجيات مختلفة”، وقالت إنها كانت تتأمل كيفية تفاعل الناس سياسياً في هذه المساحات. وأضافت قائلة، “بالنسبة لي، تعد الطريقة التي يتصرف بها الناس عند إخفاء هويتهم نوعاً من الممارسة الدينية بطريقة أو بأخرى، وكأنك تكرس نفسك لفكرة ما. وتقول أيضاً، “سأكون منضبطاً خلال وجودي على الإنترنت. سأتواجد فقط من أجل هذه الأفكار”.
يستند مشروع أنهار “نافورة الوسائط” إلى ممارستها البحثية والسينمائية التي استمرت لسنوات، حيث كانت تبحث في علاقات التكنولوجيا والعولمة والوسائط المعاصرة، والترفيه من خلال الممارسات الإسلامية والثقافة البصرية، والهوية والمعاني الإيمانية. بالنسبة لها، يمثل هذا المشروع في بينالي الفنون الإسلامية “نوعاً من الإثنوجرافيا الرقمية المتعلقة بكيفية تقديم الناس للرموز، وكيفية تداولهم لكل هذه الإشارات”.
نبتة الريحان في الذاكرة الثقافية الجمعية
“وما بينهما”، بينالي الفنون الإسلامية 2025، مشهد للعمل التركيبي “جعلك بالجنّة” للفنانة فاطمة عبد الهادي. (صورة من مؤسسة بينالي الدرعية/ماركو كابيليتي)
على بُعد مسافة قصيرة من نافورة أنهار المرصعة بالبلاط، ثمة ممر تنسدل حوله بانسياب ستائر بيضاء شفافة مع ظلال نباتات الريحان مطبوعة على أذيالها. تصطف على جانبي الممر شجيرات من نباتات الريحان التي تنفث روائحها على المشاهد مع كل نسمة هواء أو لمسة من شبكة الستائر الحريرية. “جعلك بالجنّة” هو عمل تركيبي متعدد الحواس من إبداع فنانة الشاشة الحريرية والمعلمة السعودية فاطمة عبد الهادي، التي تسخر قوة الرائحة لربط الذكريات عبر الزمان والمكان.
وأوضحت فاطمة لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن قائلة، “قبل ثلاث سنوات، فقدت شخصاً عزيزاً بالنسبة لي. عندما نفقد شخصاً ما، فإنه من الضروري جداً بالنسبة لنا أن ندعو له، ونتذكر أنه في مكان أفضل. وقد أوضحت أمي أن “الريحان من روائح الجنّة”. لقد أهدتني قليلاً من الريحان، وكانت تضعه في غرفة معيشتها أيضاً، بحيث كلما شممنا رائحة الريحان كنا ندعو لأحبائنا المفقودين – حتى ولو كان ذلك في اللاوعي”. واستحضاراً للأهمية الشخصية والجمعية لهذه النبتة للمظلة، أنشأت فاطمة ممراً – واسعاً بما يكفي للسير فيه، ولكنه ضيق بما يكفي لخلق تجربة حميمية – يتيح للزوار أن يستنشقوا عبير الريحان وهم يتأملون مشاعرهم، أو يعالجون أحزانهم، أو يستمتعون بمشاهد الحديقة.
تتدلى على جانبي الممر شاشات شبكية مطبوع عليها ما تسميه فاطمة “أطياف” أو “صور روح الظل الخفي” للنباتات، والتي رسمتها باستخدام طلاء خاص بها يتكون من الريحان المتفحم بعد تجفيفه وطحنه. “قبل هذا المشروع انتابتني مشاعر أشبه بالنار، لأنني في الحقيقة لم أكن قد تعافيت بعد، لذلك بدأت بصناعة هذا الطلاء باستخدام اللهب والريحان المسحوق على الزجاج، ما أفضى لتكوين طلاء أسود برائحة أقرب لرائحة الريحان من رائحة النباتات المحترقة. أقوم بصناعة الطلاء من الأوراق المجففة لكيلا يموت النبات أبدا ًفي الواقع، بل يتخذ شكلاً جديداً تماماً مثل الأشخاص الذين فقدناهم”. وأوضحت فاطمة، “كانت هذه الصور بمثابة التقاط آخر صورة لروح النبات”.
أتاح ابتكار هذا العمل لفاطمة الفرصة لتحويل حزنها إلى نتاج إبداعي، ومواجهة ألم فقدان شخص كان بمثابة أمها الثانية، “لقد انبهرت بهذا الشعور القوي بالرغبة في تجميد اللحظة، واستحضارها في شكل جديد لكيلا أنساها”. ومع تراقص شبكة العمل التركيبي شبه الشفافة في مهب الريح، تنبض الحياة مجدداً في روح صور الريحان الشفافة متعددة الطبقات، وتتفاعل مع المساحات الخضراء المحيطة بها. ترمز الظلال المطبوعة في عمل فاطمة التركيبي لهذه المحاولة لالتقاط لحظة عابرة وتحويلها إلى مساحة تفاعلية تستحضر ذكريات أحد الأحبة المفقودين. ومن خلال استخدام نبتة شائعة الوجود في المنازل والأماكن العامة في شتى أرجاء السعودية، نبتة تُستخدم في الحداد والاحتفال على حد سواء، فإن عمل “جعلك بالجنّة” يفضي لخلق تصور جديد لعلاقات الحزن والتقاليد والروحانيات، ويضفي عليها طابعاً مكانياً.
على هذا النحو، ينعكس مفهوم “الحديقة” الذي يتجلى في المظلة بشكل مادي ومجازي، من خلال النباتات العطرة والألوان النابضة بالحياة في الأعمال التركيبية الخارجية إلى جانب الموضوعات التي تستحوذ على ما يعنيه قضاء الوقت في الحديقة، مثل التريث في الاستمتاع بالمناظر والروائح العطرة، والاهتمام بالحياة النباتية، والتأمل في عجائب الطبيعة.
المجتمع المحلي يتصدر المشهد الفني الإقليمي
“وما بينهما”، بينالي الفنون الإسلامية 2025، مشهد للعمل التركيبي “هديتي لك حديقة” للفنانة بشائر هوساوي. (صورة من مؤسسة بينالي الدرعية/ماركو كابيليتي)
من الأعمال الفنية الأخرى التي تستجيب لمفهوم الرعاية عمل بعنوان “هديتي لك حديقة” للفنانة بشائر هوساوي المقيمة في جدة. يتألف العمل من مكانس حمراء داكنة اللون مرتبة فوق عِصيّ مكانس خشبية لتوهمك بأنها سجادة منزلية. يستند هذا العمل التركيبي إلى تاريخ عائلة بشائر في استضافة الحجاج في طريقهم إلى مكة والمدينة، ما يعكس كيفية اعتماد الناس في كثير من الأحيان على كرم الآخرين في رحلاتهم الروحانية والمادية. كما هو الحال مع العمل التركيبي لفاطمة، “هديتي لك حديقة” يثير المشاعر نحو قصة شخصية مؤثرة تركت صداها على الفنانة.
لقد اختار مهند شونو الفنانين الذين يعكسون القيم التي يراها في الطبقة الناشئة من المبدعين في البلاد: المجتمع والرعاية. وقد انخرط في مناقشات مستفيضة مع الفنانين الذين تم اختيارهم كجزء من عملية التكليف التي شارك فيها. واتخذ شونو من الأستوديو الخاص به في حي جاكس في الرياض مكاناً لتجمع الفنانين الشباب، ويجسد شونو شخصياً فكرة كون المجتمع والرعاية الجماعية يمثلان القوتين الدافعتين وراء المشهد الفني السعودي.
قد تصبح صادرات الطاقة من القطاع للطاقة المتجددة والبطاريات المزدهر في الخليج المحرك الأساسي للاقتصاد، إلا أن القيود المفروضة على الربط الكهربائي مع الدول المجاورة تحول دون احراز أي تقدم ملموس في هذا المضمار.
يعود ترامب إلى البيت الأبيض أكثر قوة وتصميماً على إعادة تشكيل النظام الأميركي وفق رؤيته الأوتوقراطية. هل تواجه الديمقراطية الأميركية أكبر تهديد في تاريخها الحديث؟
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.