بعد مرور أكثر من أربعة عقود على العلاقات المجمدة، بدأت تظهر بعض المؤشرات على أن إيران ومصر تسعيان إلى تحسين العلاقات بينهما. أعلنت جمهورية إيران منذ نشأتها التزامها الراسخ بالمثل العليا للتضامن الإسلامي، لكن على الأغلب كان هذا الإقرار أجوف، نظرًا لعلاقاتها الشائكة مع معظم دول العالم الإسلامي ذات الاعتبار، بما في ذلك مصر.
قال عضو بارز في البرلمان الإيراني في 14 مايو/أيار إن هناك مفاوضات سرية بين إيران ومصر، استضافتها بغداد، وأنهما على وشك عقد صفقة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما. وأخبر فدا حسين مالكي، الذي عمل سفيرًا لدى أفغانستان بين عامي 2007 و2012، وكالة تسنيم للأنباء، أن لقاء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أصبح مؤكدًا، لمتابعة إعادة فتح السفارتين في العاصمتين. والأهم من ذلك، قال المرشد الأعلى لإيران في اجتماعه يوم 29 مايو/أيار مع سلطان عُمان، الذي يزور البلاد، إنه “يرحب” باستعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر وإيران، ما من شأنه أن يزيد من احتمالية تطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران بعد عقود من التوتر.
إن إشارة المرشد الأعلى للانفتاح على التقارب مع مصر خلال اجتماعه مع سلطان عُمان، حيث لعبت القيادة العُمانية تقليديًا دور الوسيط الموثوق به في نزاعات إيران مع الدول الأخرى، قد عززت من التكهنات التي ألمح إليها مالكي سابقًا. من المرجح جدًا أنه بجانب العراق، فإن عُمان تعمل كذلك من أجل تسهيل عودة العلاقات بين إيران ومصر.
حالها كحال علاقات إيران مع العديد من شركائها التقليديين، كانت علاقاتها مع مصر واحدة من أوائل ضحايا الثورة الإسلامية. في الواقع، حتى حدوث هذه القطيعة، وباعتبارهما اثنتين من أقدم الحضارات في العالم، فإن ارتباطهما يرجع إلى زمن مؤسس المملكة الفارسية الأولى، كورش الكبير، الذي حكم من 558-529 قبل الميلاد. قبل الانتقال السياسي الذي بشّر بحكومة دينية في إيران عام 1979، كان البلدان يعملان على إنشاء علاقات أخوية جديدة. على الرغم من أن مصر في عهد زعيم القومية العربية جمال عبد الناصر لم تكن متعاطفة مع ميول إيران العلمانية المؤيدة لإسرائيل، إلا أن خليفته، أنور السادات، عمل على إصلاح العلاقات المتوترة وأقام تحالفًا معها.
تعود انطلاقة العلاقات في العصر الحديث إلى عام 1939، عندما تزوج وريث عرش إيران محمد رضا بهلوي من الأميرة فوزية، ابنة الملك فؤاد الأول، سلطان مصر والسودان، الأمر الذي وفر تناغمًا ملكيًا عزز العلاقات الثنائية. على الرغم من أن طلاق الشاه من فوزية بعد تسع سنوات أدى إلى حدوث قطيعة دبلوماسية، إلا أن العلاقات عادت بعد ذلك بوقت قصير.
في عام 1960، قطعت القاهرة العلاقات الدبلوماسية مع طهران بسبب اعتراف الشاه بإسرائيل في وقت سابق. مرت عشر سنوات من الاضطرابات قبل أن يسترجع البلدان العلاقات بينهما. أصبح أنور السادات رئيسًا في عام 1971، وبدأ شراكة ودية جديدة مع الإمبراطورية الإيرانية. عندما أرسلت الثورة التي قادها آية الله العظمى روح الله الخميني الشاه إلى المنفى، منحته مصر الخاضعة لحكم السادات ملاذًا آمنًا. أثار قرار مصر بالترحيب ببهلوي، إلى جانب إبرام اتفاقيات كامب ديفيد في عام 1978 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في العام التالي، غضب الإسلاميين، الذين غرسوا عداوة جديدة ضد إسرائيل في السياسة الخارجية الإيرانية.
في الوقت الذي دعا فيه الخميني الشعب المصري للإطاحة برئيسه، كان السادات والخميني يمطران بعضهما بانتقادات لاذعة على الملأ. الرغبة المناهضة لإسرائيل نفسها، التي دفعت ناصر لقطع العلاقات مع إيران عام 1960، دفعت الخميني لاتخاذ قرار قطع العلاقات مع مصر عند توليه السلطة. أدى احتفال إيران غير اللائق باغتيال السادات، ودعم مصر فيما بعد لصدام حسين عند غزوه لإيران في عام 1980، إلى تعميق العداء المتبادل، وعلى الرغم من بعض محاولات التقارب المتفرقة في السنوات التالية، لم يتم تحقيق أي تقدم في عهد حسني مبارك، الذي حكم مصر لمدة ثلاثة عقود. استمرت مكاتب المصالح الصغيرة ذات الصلاحيات المتواضعة، وعدد محدود من الموظفين في العاصمتين بتمثيل البلدين دبلوماسيًا، ولم تتغير هذه الطبيعة الخلافية للعلاقات بين البلدين.
قدمت سلسلة التغييرات الثورية في العالم العربي والإطاحة بمبارك في عام 2011 فرصة للتحول. قام الرئيس محمد مرسي المنتخب حديثًا بزيارة إلى طهران في أغسطس/آب 2012 للمشاركة في قمة حركة عدم الانحياز، ليصبح أول زعيم مصري يزور إيران منذ عام 1979. ورد الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد الزيارة التاريخية بالسفر إلى القاهرة في فبراير/شباط 2013. أعلن البلدان عن اتفاق مبدئي لإعادة فتح سفارتيهما، بل وطرحا اقتراحًا لاستئناف الرحلات الجوية المباشرة لأول مرة منذ ثلاثة عقود.
ومع ذلك، لم تتحقق هذه الخطط على أرض الواقع، ربما لأنه لم يكن لدى الحكومة الإيرانية خارطة طريق متجانسة للسياسة الخارجية، والأرجح أنها تعثرت بسبب الانقلاب الذي قاده السيسي في مصر، وأعاد توجيه سياسة البلاد تجاه إيران. لكن حكومة السيسي تحاشت على مر السنين تبني أجندة صارمة بشكل مبالغ فيه، مناهضة لإيران، والتي كان من الممكن أن تدعمها ميولها المعادية للإسلاميين. بالنسبة لإدارة رئيسي، مع استعداء إيران للكثير من المجتمع الدولي، ومواصلة المواجهة مع الغرب والإصرار عليها، فإن التطلع لإصلاح العلاقات مع القوى في العالم العربي، واستعادة العلاقات بالكامل مع القاهرة سيكون أمرًا منطقيًا، ويبدو أن هذا يمنح طهران بعض المجال للمناورة في طموحاتها الإقليمية.
في الأشهر الأخيرة، قام المسؤولون الإيرانيون، من باب الذريعة نوعًا ما، بإثارة المصالحة مع مصر كوسيلة لبناء التماسك والوحدة في العالم الإسلامي. في الوقت الذي يتهم فيه منتقدو إدارة رئيسي فريقه الدبلوماسي بعدم الكفاءة وقلة الخبرة، يبدو أن وزارة الخارجية تستفيد من الزخم الناتج عن الصفقة الناجحة مع المملكة العربية السعودية، على الرغم من أن هذا الاتفاق، في غالبيته، تم التوصل إليه من قبل المجلس الأعلى للأمن القومي.
في شباط/ فبراير، قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إنه قد تم فتح صفحة جديدة في علاقات إيران مع دول المنطقة، ووصفها بأنها جاءت نتيجة لمبادرة التآزر الإقليمي لرئيسي، وأضاف قائلاً، “سيتم حل سوء التفاهم، وسيتم تعزيز علاقات إيران مع دول المنطقة، بما في ذلك مصر والأردن.” وقال، في مايو/أيار، إنه يأمل في رؤية “انفتاح جاد” في العلاقات الثنائية، مشيرًا إلى أن هناك دولًا تعمل على تحسين العلاقات بين طهران والقاهرة.
تعد مصر واحدة من الدول العربية القليلة التي لا تحتفظ بسفارة لها في طهران. ومع ذلك، فإن مكاتب المصالح التي تمثل البلدين يترأسها حاليًا دبلوماسيون كبار من كلتا الدولتين، وتشير رسائل الدبلوماسيين من كلا الجانبين إلى أن التقدم في العلاقات إلى المستوى التالي قد يكون ممكنًا. أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا أنها تعتزم اتخاذ الترتيبات اللازمة للإيرانيين المسافرين في مجموعات سياحية للحصول على تأشيرات حال وصولهم إذا كانت لديهم الرغبة في زيارة شبه جزيرة سيناء. لا يتم حاليًا إصدار التأشيرات السياحية لحاملي جوازات السفر الإيرانية.
في ظل غياب الأهداف الدبلوماسية ذات المغزى بشأن الفرص في أماكن أخرى من العالم، يبدو أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بالإضافة إلى آسيا الوسطى، تمثل أفضل رهانات رئيسي لتعزيز العلاقات التي يمكن أن تخفف من شدة العزلة التي تواجهها حكومته. من المؤكد أن هذه العلاقات التي تتم استعادتها، سواء مع مصر أو غيرها، سوف تبقى رهينة للتطرف في سياسة إيران الخارجية على النطاق الأوسع، والتي يشوبها الخلاف مع الغرب والبرنامج النووي الذي يزعزع الاستقرار. لكن على المدى القصير على الأقل، ربما يكون لانفراج العلاقات مع مصر أثر في مساعدة الحكومة الإيرانية المحاصرة اقتصاديًا، والتي تزعزعها الاحتجاجات الشعبية على تعزيز مكانتها الإقليمية.