ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الوقت الذي رحب فيه كبار مسؤولي الجمهورية الإسلامية رسميًا بقيام الرئيس العراقي برهم صالح في التاسع من أبريل/نيسان بترشيح مصطفى الكاظمي لمنصب رئيس الوزراء المكلف، أعلنت كتائب حزب الله، وهي إحدى أبرز الميليشيات الشيعية العراقية، المدعومة من إيران، معارضتها له على الملأ. فكيف يمكن تفسير هذه الإشارات المتضاربة؟ هل هي محاولة أخيرة من طهران للإبقاء على السياسة العراقية في حالة من الفوضى المسيطر عليها، أم أنها تعكس انعدام التنسيق بين الجمهورية الإسلامية وأحد وكلائها الرئيسيين في العراق؟ مطالعة المصادر المفتوحة باللغة الفارسية تميل إلى الخيار الأول.
لم تعمل الحكومة العراقية بكامل طاقتها منذ استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في ديسمبر/كانون الأول 2019. قام محمد توفيق علاوي، وهو مرشح صالح لرئاسة الوزراء، بسحب ترشيحه في الأول من مارس/آذار بعد أن أخفق مرتين في تحقيق النصاب القانوني، والحصول على موافقة مجلس النواب على حكومته. وكذلك فعل عدنان الزرفي، الذي استقال لأنه لم يحظَ بدعم الكتلة الشيعية في مجلس النواب، التي ينحاز بعض أعضائها بشكل كبير إلى الجمهورية الإسلامية. في التاسع من أبريل/نيسان، قام صالح بترشيح الكاظمي، ومنحه ثلاثين يومًا لتشكيل الحكومة، وعرضها على مجلس النواب للحصول على الموافقة.
هنالك ما يشير إلى دعم طهران السلبي الضمني، إن لم نقل العلني، لترشيح الكاظمي. في السابع من مارس/آذار، قام اللواء علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بزيارة إلى بغداد، حيث التقى الكاظمي. من المفترض، بطبيعة الحال، ألا نبالغ في أهمية هذا الاجتماع على وجه التحديد، لأنه التقى أيضًا كبار الشخصيات السياسية الآخرين؛ عبد المهدي وفالح الفياض، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي ومستشاره، على التوالي؛ وجعفر علاوي وزير الصحة؛ ومحمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب؛ ونوري المالكي وحيدر العبادي، وهما رئيسا وزراء سابقان؛ وعمار الحكيم، الرئيس السابق للمجلس الأعلى الإسلامي العراقي؛ وأخيرًا صالح.
وعَقِبَ زيارة شمخاني، وصل العميد إسماعيل قاآني، قائد العمليات الخارجية لقوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، إلى العراق في 30 مارس/آذار، وذُكِر أنه أعرب عن معارضة طهران لترشيح الزرفي. وفي الأيام التي تلت زيارة قاآني، شنت وسائل إعلام الجمهورية الإسلامية والميليشيات المدعومة من إيران وابلاً من الهجمات ضد الزُرفي، الذي وصفوه بأنه خادم وعميل للولايات المتحدة.
جاء هذا التجريح في سمعة الزرفي على تناقض صارخ مع الوصف المهذب والمباركة للكاظمي من قبل كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية ووسائل الإعلام الخاضعة للرقابة الحكومية الإيرانية فور ترشيحه.
في التاسع من أبريل/ نيسان، رحب سيد عباس موسوي، الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بترشيح الكاظمي، واصفًا ذلك بأنه “اتفاق بين الجماعات السياسية في العراق”. وفي اليوم التالي مباشرةً، قال إيرج مسجدي، سفير إيران في بغداد -وربما الأهم من ذلك كونه قائدًا كبيرًا في فيلق القدس- إن إيران سوف “تحترم وتدعم أي رئيس وزراء يحصل على ثقة مجلس النواب”، ولكنه استمر في الإشادة بالترشيح باعتباره “عملاً إيجابيًّا”.
وبعد ذلك بيومين، أجرى حسن دنائي فر، سفير ايران السابق في بغداد وزميل مسجدي وضابط في فيلق القدس، مقابلة أشار فيها إلى أهمية التواجد غير المسبوق لكبار القادة من الشيعة والسنة والأكراد في مراسم ترشيح الكاظمي. وخَلص دنائي فر إلى أن “فرص [الكاظمي] في تشكيل الحكومة أفضل بكثير مقارنة بأسلافه…. الذين تم تعيينهم من قبل الجانب الآخر [الولايات المتحدة]”. وفي مقابلة منفصلة في 13 أبريل/نيسان، أكد دنائي فر على أن “جميع التشكيلات السياسية في العراق تدعم الكاظمي، ويبدو أنه سينجح في تشكيل الحكومة الجديدة في بغداد”.
وعلى الرغم من كل الثناء والرسائل الإيجابية من طهران، إلا أن ميليشيا كتائب حزب الله المدعومة من إيران أصدرت في 11 أبريل/نيسان بيانًا أدانت فيه عملية الترشيح واعتبرته “خذلانًا لحقوق الشعب وتضحياته وخيانة لتاريخ العراق”. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعبر فيها هذه الميليشيا بالذات عن معارضتها للكاظمي. في أعقاب استقالة عبد المهدي في كانون الأول 2019، كان هنالك تكهنات حول ترشيح الكاظمي، حيث ردت كتائب حزب الله على ذلك باتهامه بالضلوع في مقتل اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، وأبو مهدي المهندس، نائب قائد قوات الحشد الشعبي على يد الولايات المتحدة.
إن تفسير معارضة كتائب حزب الله على أنها محاولة مقصودة لتخريب جهود فيلق القدس أمر في غاية الصعوبة. وعلى أية حال، فقد استخدم فيلق القدس نفوذه، في 20 فبراير/شباط، في انتخاب القائد السابق لكتائب حزب الله، أبو فدك المحمداوي، نائبًا للزعيم والقائد الفعلي لقوات الحشد الشعبي. لماذا تتصرف كتائب حزب الله ضد مصالح ولي نعمتها في طهران؟
من المرجح أن تستفيد الجمهورية الإسلامية من نهجٍ ذي شقين في تشكيل حكومة الكاظمي. فمن الجهة الأولى، تظهر الجمهورية الإسلامية بمظهر الجهةِ المسؤولة التي يهمها الاستقرار السياسي في العراق، حتى لو اقتضى ذلك دعمًا سلبيًّا لمرشح مستقل لرئيس حكومة لا يخضع بالضرورة لطهران. ومن الجهة الأخرى، فإن معارضة كتائب حزب الله -واتهامه بالضلوع بمقتل سليماني والمهندس- تُعد بمثابة تذكير للكاظمي بخطر العمل ضد الميليشيات الشيعية، أو خطر تأرجح وتغير سياسة بغداد تجاه واشنطن.