ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع وجود نصف مليون إصابة مؤكدة و27419 حالة وفاة (على الرغم من أن عدد الوفيات الحقيقي قد يكون ضعف ذلك العدد)، تعتبر إيران واحدة من أكثر البلدان تضرراً من جائحة فيروس كورونا. في إيران، تتبوأ النخب السياسية والدينية في الجمهورية الإسلامية مكانةً بارزة ًبين الضحايا، وهذا ما يزيد من احتمالية تعرض المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لفيروس كورونا. فماذا سيحدث في حال عجز خامنئي أو وفاته؟ إلى ماذا قد يُفضي صراع الفصائل على الخلافة بعد خامنئي؟ وكيف سيؤثر ذلك على مسار العلاقات الأمريكية-الإيرانية؟
نظرياً، يمكن أن تكون العملية الانتقالية في الجمهورية الإسلامية منظمة جيداً لكون المادة 111 من دستور الجمهورية الإسلامية تتناول مشكلة الخلافة بشيء من التفصيل، “في حالة وفاة المرشد أو استقالته أو إقالته”، يقوم مجلس الخبراء الموسع المكون من 88 عضواً بتعيين المرشد الأعلى الجديد بناءً على “المؤهلات الأساسية” المنصوص عليها في المادة 109 من الدستور. وإلى أن يتم التعيين، يتولى مؤقتًا مجلس يتكون من الرئيس ورئيس السلطة القضائية وأحد رجال الدين من مجلس الوصاية، جميع واجبات المرشد الأعلى.
ولكن إذا كان لدينا من التاريخ عبرة، فإن خلافة خامنئي قد تُفضي عملياً إلى ما هو مختلف تماماً. فخامنئي نفسه تجاوز عن جميع القوانين للاستيلاء على القيادة بعد وفاة آية الله العظمى روح الله الخميني في عام 1989، فقد تآمر خامنئي وحلفاؤه على مدى سنوات ضد آية الله العظمى حسين علي منتظري، خليفة الخميني المعين الذي ينتمي إلى فصيل منافس، متحدياً بذلك سلطة الخميني. وتمت أخيراً إقالة منتظري في مارس/آذار 1989، وتوفي الخميني في يونيو/حزيران من ذلك العام، تاركاً المجال لظهور خامنئي في اللحظة الأخيرة كمرشح للقيادة. وبصفته من رجال الدين الصغار، كان خامنئي تعوزه “المؤهلات الأساسية” للقيادة، ولكن بدعمٍ من علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان رئيساً للبرلمان آنذاك، تم انتخاب رجل الدين المحنك سياسياً “مرشداً مؤقتاً”، وهو منصب لم يكن فيه نص دستوري. وكمرشد مؤقت، عمل خامنئي على تغيير “المؤهلات الأساسية” الدستورية للقيادة بأثر رجعي لتتناسب مع مؤهلاته في محاولة لخلق ما يشبه الشرعية.
ليس هناك ما يدعو لتوقع مسار عمل مختلف في الصراع على الخلافة بعد خامنئي. خوفاً من تحدي سلطاته وتكرار تجربة منتظري، لم يقم خامنئي بتعيين خليفة له، وما يزال الغموض يكتنف التسلسل القيادي. عندما خضع خامنئي لعملية جراحية في سبتمبر/أيلول 2014، ادعى رئيس الفريق الطبي، بطريقة لا تُصدق، أن المرشد الأعلى تلقى “تخديراً موضعياً” فقط. لو أنه خضع للتخدير العام، لكان النظام مجبراً على شرح التسلسل القيادي في فترة عدم أهلية خامنئي. لكن من خلال الادعاء بالاقتصار على التخدير الموضعي، تمكن النظام من الحفاظ على سرية التسلسل القيادي، إذا كان هناك تسلسل في الأصل.
لا شك أن الرئيس حسن روحاني يعكف على تشكيل الخلافة بعد خامنئي. وربما يكون قد ورث الإرث السياسي للراحل رفسنجاني وطموحاته وعلاقاته، وحتى لربما أنه يرى في نفسه مرشحاً لمنصب المرشد الأعلى. لكن هذه المرة، سيواجه روحاني وغيره من الطامحين في القيادة الدينية منافسة من الحرس الثوري الإيراني.
ولمواجهة المطالبات الداخلية القائمة منذ عقود، والتي تطالب بالإصلاحات السياسية والاقتصادية، والتي لا يستطيع خامنئي تنفيذها، ولا يرغب في ذلك أصلاً، والعقوبات الاقتصادية الخارجية التي تفرضها الولايات المتحدة، اعتمد خامنئي بشكل متزايد على الحرس الثوري الإيراني. ولكن في كل مرة يلجأ فيها إلى قادة الحرس الثوري الإيراني لقمع المطالب الشعبية والاحتجاجات المناهضة للنظام أو لحمايته من الولايات المتحدة، يلجأ الحرس الثوري للمطالبة بامتيازات اقتصادية وسياسية، الأمر الذي جعل من الحرس الثوري قوة اقتصادية وسياسية لا يستهان بها. لذلك، وعلى العكس من الخلافة عام 1989، التي قررتها النخب الدينية، من المرجح أن يبرز الحرس الثوري الإيراني كصاحب النفوذ في ترشيح خليفة خامنئي.
يشعر الجمهور الإيراني بمزيد من القلق إزاء سوء إدارة الحكومة للاقتصاد، والإخفاق في حمايتهم في مواجهة الجائحة المأساوية لفيروس كورونا، والعجز عن تحييد تأثير العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة. وبناءً على ذلك، فإن أولئك الذين قد يكون لديهم طموحات قيادية، بمن فيهم روحاني، ورئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وحسن الخميني (حفيد روح الله الخميني)، ومجتبى خامنئي (نجل علي خامنئي)، يتناوبون ما بين الانحياز أو إلقاء اللوم على بعضهم بعضاً وعلى الحرس الثوري الإيراني فيما يتعلق بالمسؤولية عن مشاكل إيران المزمنة. ولكن لا يمكن لأيٍ من الطامحين في القيادة الوصول إلى السلطة في إيران دون دعم الحرس الثوري الإيراني، وأي زعيم مستقبلي للجمهورية الإسلامية سيكون مديناً للحرس الثوري الإيراني على كل ما حققه من أهداف عملية.
كما أنه من المرجح أن يقرر الحرس الثوري الإيراني المبدأ الأساسي لسلوك إيران تجاه الولايات المتحدة. وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني، ستبقى واشنطن وطهران على خلاف حول رؤية الحرس الثوري الإيراني للجمهورية الإسلامية كقوة إقليمية مهيمنة. وفي هذا الصدد، فإنه من الأرجح أن تستمر إيران في سلوكها على أن تلجأ إلى التغيير.
وعلى الرغم من الجائحة، فإنه ينبغي على أولئك المنهمكين في صياغة سياسة الولايات المتحدة تجاه الجمهورية الإسلامية النظر إلى ما بعد خامنئي، والابتعاد عن التركيز على الأفراد المحتمل ترشحهم للقيادة، وإيلاء مزيد من الاهتمام لاحتمال تحول الجمهورية الإسلامية إلى ديكتاتورية عسكرية، وإن كانت بزعامة دينية صورية.