ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في أوائل عام 2019، افتتح أمير المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، الأمير سعود بن نايف، مشروع وسط البلد في العوامية. يعتبر هذا المشروع التنموي أكثر أهمية من غيره في المملكة بسبب موقع العوامية. تقع البلدة بالقرب من القطيف، وهي مدينة شيعية رئيسية ذات تاريخٍ من التوتر السياسي، وخاصة بعد اندلاع احتجاجات الربيع العربي عام 2011. ومن هنا، تأتي أهمية موقع مشروع التطوير، وقد حظي باهتمام كبير من الحكومة السعودية.
تصاعدت التوترات في العوامية في صيف 2013 في الوقت الذي صعدت السلطات السعودية من حملتها ضد المتظاهرين، فاعتقلت، وفي بعض الحالات أطلقت النار وقتلت قادة التظاهرات. بعد هزيمتهم، استقر العديد من المحتجين في الحي القديم من العوامية. يُعرف الحي باسم المسوّرة نظرًا للجدران التي تشكل سورا يحيط به، ويتميز بمحلاته الضيقة وأزقته الصغيرة التي يصعب على الشرطة السعودية اختراقها. في صيف عام 2017، كثفت الحكومة من إجراءات الملاحقة الأمنية وقامت بهدم المدينة القديمة لإفساح المجال لعملية التطوير الجديدة، ومصادرة الممتلكات وتعويض أصحابها، ما أدى إلى إثارة المزيد من العنف التي صاحبت عمليات الإخلاء. في مواجهة القتال وعمليات الهدم، أُجبر معظم سكان العوامية على الفرار من القرية. وألقت الحكومة باللوم على أعمال العنف الإرهابية التي قام بها المحتجون، في حين ألقى المحتجون باللائمة على الحكومة في استخدامها للقوة المفرطة.
من حالة الدمار شبه الكامل، استغرق مشروع وسط البلد في العوامية أقل من عام ليتم افتتاحه، مشكلًا بذلك نقطة تحول لسكان العوامية وربما للمنطقة الشرقية برمتها. سواء أكان السكان يدعمون أحداث الفترة ما بين 2011- 2017 أم يدينونها، فإنهم متفقون تقريبًا على وجود حالة من الإنهاك بسبب الاضطرابات ويرغبون الآن في العيش بسلام دون مواجهات ذات خلفية سياسية. بعد غياب طويل عن شوارع العوامية، سُمح للسكان بالعودة إلى منازلهم قبل الافتتاح. إن سكان المسوَّرة سابقًا -الذين حصلوا على تعويضات مالية مناسبة- موزعون الآن بين من عثروا على بيوتٍ أخرى في العوامية أو انتقلوا إلى أحياء أخرى داخل القطيف. ومع ذلك، فقد تمت إزالة مقر الشرطة السابق، الذي كان يستخدم سابقًا كأحد المرافق اللوجستية المجهزة بالعربات المدرعة.
لقد تحولت القرية التي وصفتها الحكومة السعودية بأنها “عشوائية خطيرة” إلى مركز سياحي، يجذب العائلات من البلدات والمدن الأخرى. حيث تشغل المتاجر، والمقاهي، والمطاعم، والمرافق الترفيهية معظم المساحة. ومع ذلك، فقد اشتمل المشروع أيضًا على مركزٍ ثقافي، والذي -كما وصفه الإعلام السعودي- يهدف إلى جلب العديد من الفنانين، والشعراء، والكُتّاب من القطيف والبلدات المحيطة بها إلى العوامية، ما يجعلها مركزًا للأنشطة الثقافية.
إنها مبادرة مهمة في منطقة كانت محرومة من الموارد الثقافية واستثمارات الدولة. في السابق، أَجبر غياب الدعم للفنانين والمثقفين وغيرهم من المبدعين على تنظيم أنشطتهم في الدّمام والخُبَر، المدينتان الرئيسيتان بالمنطقة الشرقية، أو حتى دول الجوار كالبحرين. ومع ذلك، وتقريبًا منذ عامٍ من الافتتاح، لم تكن هناك خطةٌ واضحة لإدارة الأنشطة، وكانت تتم البرامج آنذاك برعاية البلدية. لقد نشأت بالفعل منافسة اجتماعية للسيطرة على هذا المركز الثقافي بين الوجهاء المحليين في وقت يتعطش فيه المجتمع لوجود مثل هذه المؤسسات الرسمية لرعاية أنشطته ومساعدته للتكيف مع الواقع الجديد.
إن المبادرات الجديدة مثل المركز الثقافي قد تلعب دورًا حيويًا في جذب دعم المجتمع الشيعي للسياسات الحكومية. في الحقيقة، لقد أوجد هذا المشروع مجموعة جديدة داخل المجتمعات الشيعية في القطيف والعوامية ممن يقدمون أنفسهم “كمواطنين صالحين يدينون بالولاء الكامل للمملكة” على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقابلات التلفزيونية، وفي حديثهم مع زوار المشروع الذين حضروا من مناطق أخرى من المملكة العربية السعودية. هنالك موجة جديدة من الشخصيات البارزة المؤيدة للحكومة -رجال دين، وكتاب، وأكاديميين، وفنانين– يحلون محل الوجهاء القدامى، حيث إن الحكومة السعودية قد قامت بتقدير أولئك الذين عبروا عن ولائهم بتعيينهم في مناصب عليا. فللمرّة الأولى، يتم تعيين اثنين من أبناء العوامية في مناصب مرموقة: نبيه البراهيم كعضو في مجلس الشورى، والشيخ عبد العظيم المشيخص قاضيًا في دائرة الأوقاف والمواريث، التي تُعنى بشؤون الزواج، والطلاق، والميراث، والأوقاف الدينية للمجتمع الشيعي حصريًا.
ليس من المستغرب أن يثير هذا التقارب ردود أفعال عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي من حسابات تويتر مجهولة ومنشقين يعيشون في الخارج. يندد هؤلاء المنتقدون بالشخصيات الموالية للحكومة باعتبارها تعمل وفق مصالحها الشخصية بدلاً من مصالح مجتمعهم، بينما يعبرون عن مخاوفهم بشأن الاعتقالات المستمرة للأفراد- من الشيعة والسنة. اكتسب هذا الموقف زخمًا شعبيًا جرّاء عملية الإعدام الجماعية في 23 نيسان، والتي طالت 12 شخصًا من العوامية. من ناحية أخرى، فإن الشخصيات المؤيدة للحكومة التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي تدافع عن مواقفها معبرة عن أملها في مستقبل أفضل للمملكة العربية السعودية، ولقريتهم بشكل خاص، وترى في مشروع وسط البلد في العوامية إشارة ذات مغزى بشأن الموقف الرسمي الإيجابي تجاه القرية والشيعة بشكل عام.
قد يصبح مشروع التطوير الجديد في العوامية مركزًا آخر للحفلات والأنشطة التي تقيمها الهيئة العامة للترفيه، وهي المؤسسة الجديدة التي تهدف إلى تحديث المجتمع السعودي والتقليل من التعصب الديني لدى الشباب. حتى الآن كان الحدث الأكثر أهمية في منطقة القطيف هو مهرجان الزهور الذي بدأ في السابع عشر من تشرين الثاني. جذب المهرجان 6000 زائر في اليوم الأول و115.000 زائر على مدار ستة أيام.
تعمل المباني الأنيقة الجذابة في وسط البلد في العوامية والطموحات بأنشطة جديدة على تشجيع التغيير. ومع ذلك، فقد يستغرق الأمر وقتًا أطول لتقييم التطور في العلاقة بين القرية، ذات التاريخ الطويل من المعارضة، وبين الدولة السعودية.