قال القديس أغسطينوس معلقا على أهمية السفر: “إن العالم مثل كتاب، من لا يسافر فيه لا يرى إلّا صفحة واحدة منه فقط”. وفي السنوات الأخيرة، أطلقت الحكومة البحرينية استراتيجية متعددة الأبعاد لضمان زيادة أعداد السياح الأجانب للمملكة. هل يمكن لهذه الخطة النجاح في منطقة مليء بالتهديدات الأمنية؟
تؤكد الخطط الاقتصادية لدى كل الدول الخليجية على أهمية تنمية القطاع السياحي، كجزء من استراتيجية شاملة للتنويع الاقتصادي. وفي البحرين، يمثل القطاع السياحي 5% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة أعلى بشكل بسيط من الوظائف. ولكن على عكس الدول الخليجية المجاورة، فقد كانت البحرين تستقطب المسافرين منذ العصور القديمة، نتيجة لموقعها الاستراتيجي على خطوط التجارة، فضلاً عن ينابيعها الطبيعية، وهي ميزات جذبت شخصية جلجامش الأسطوري إلى الجزر، حسبما يُذكر في النقوشات المسمارية السومرية.
وعلى الرغم من ذلك، فهناك شعور عند المقيمين في المملكة أن القطاع السياحي الحديث لم يغتنم بعد كل الفرص الكامنة: فمن بين الزوار الـ 12.2 مليون في عام 2016، شكّل السعوديون 60%، وهي نسبة لا تعكس واقع العلاقات المتينة بين البحرين ودول العالم الأخرى.
وقد شهدت البحرين نمواً ملحوظاً في السياحة، حيث ارتفع عدد الزوار بنسبة 26% خلال الفترة 2010-2016. ولتحقيق مزيد من النمو، سعت ثلاث منظمات حكومية مكمّلة لتعزيز مؤهلات البحرين السياحية وهي: هيئة البحرين للثقافة والآثار، وهيئة البحرين للسياحة والمعارض، ومجلس التنمية الاقتصادية. وأدت جهود هذه المجموعة إلى تغيير جذري فيما هو متاح للسياح خلال زياراتهم للمملكة.
ويستهدف شعار “بلدنا، بلدكم، البحرين” الذي أطلقته المملكة السواح المفترضين حتى قبل مغادرتهم لمنازلهم، ويمثل محاولة في توظيف سمعة البحرين في كرم الضيافة. وتم تأسيس مكاتب سياحية في دول تعتبَر من الشركاء الاقتصاديين، منها الصين، والهند، وروسيا، والمملكة المتحدة. وتخطط الخطوط الجوية الخليجية – الطيران الوطني – لتوسيع أسطولها، بينما يمر المطار بخطة تحديث بقيمة مليار دولار. وتم وضع أهداف محددة لعام 2018، منها: استقطاب 15.2 مليون زائر، وزيادة الإنفاق اليومي للسائح بنسبة 15%، ورفع متوسط مدة الزيارة من 2.2 ليلة إلى 2.5 ليلة؛ وتعزيز مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي؛ لكي تمثل 6.6%.
وللسعوديين الذين يشكلون نصيب الأسد من السياح الحاليين، فإن التسوق، والمطاعم، والسينمات تمثّل أهم ميزات البحرين، وانفراجاً مرحباً به مقارنة بالبيئة المقيّدة التي يفرضها المجتمع المحافظ في السعودية.
ولكن عملية استقطاب سياح من خارج الخليج تتطلب باقة مختلفة من الخدمات، وهذا هو سبب الجهود الحكومية الحالية لتعزيز المنشآت الثقافية والترفيهية. فقد تم تطوير مختلف المواقع التراثية التابعة لنظام «يونسكو» العالمي، منها طريق اللؤلؤ البحريني، الذي يروي للزوار قصة الحياة اليومية في الخليج في فترة ما قبل اكتشاف النفط، حينما كان الاقتصاد مبنياً على تجارة اللؤلؤ. ويتم حالياً تطوير جزيرة حوار – التي تتصف بنوعيات فريدة من الحيوانات – كمحاولة إضافية لتنويع الخدمات السياحية.
وتمثل هذه المشاريع جزءاً مهماً مما يميّز البحرين عن الدول الخليجية الأخرى كوجهة سياحية. وعلى سبيل المثال، تبرز سلطنة عمان الجمال الطبيعي لمناطقها الريفية، بينما تقدم الإمارات خدمات ترفيهية تناسب أذواقاً عالمية منوّعة. وفي ظل الحجم الجغرافي الصغير نسبياً لدى دول مجلس التعاون، فإن استراتيجية التخصص في الخدمات السياحية التي تتبعها الدول الأعضاء تخدم مصلحة كل الدول، لأنها تخلق فرصة للزوار كي يزوروا مختلف أوجه الخليج من خلال تنقلهم من دولة إلى أخرى. ولذا فيجب التعامل مع سلطنة عُمان والبحرين كوجهتين سياحيتين مكملتين لبعضهما البعض وليست متنافسة.
وحسب منظور مجلس التنمية الاقتصادية، فيعتبَر تحويل السياح إلى مستثمرين محتملين جزءاً ضمنياً من الاستراتيجية العامة. فتتميز البحرين بمستوى أقل من القيود على الملكية الأجنبية للأنشطة التجارية والعقار، ممّا يوجد في معظم الدول، ومنها دول مجلس التعاون الأخرى، وتسعى الحكومة دائماً إلى لفت انتباه أصحاب رؤوس الأموال الأجانب إلى تميز البحرين الدائم في التصنيفات الدولية حول مؤشرات الحرية الاقتصادية .
وتتعاون هيئة السياحة والمعارض مع هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية لتثبيت نظام متقدم لرصد عدد الزوار وأنشطتهم، فقد أكد تراجع أسعار النفط على ضرورة الإنفاق بصورة فعالة ومن دون هدر، مما يتطلب توفر بيانات دقيقة. وبالإضافة إلى ذلك، ترى الجهات العليا أن التنسيق الصحيح بين الأنشطة السياحية قد يؤدي إلى مردود مضاعف، وبالتالي فإنّ بيانات أنماط الإنفاق الخاصة بالسياح، وتقييمهم للخدمات، ضرورية لتشغيل القطاع السياحي بشكل فعال.
وهناك ميزة إضافية تلفت الانتباه للاستراتيجية السياحية لدى المملكة، وهي دور الدعم المالي المقدّم من دول مجلس التعاون الخليجي. ففي عام 2011، استجابةً للاضطرابات المدنية التي شهدتها كل من البحرين وسلطنة عُمان، وافقت الدول الأربع الأخرى على منح الدولتين 10 مليارات دولار لتطوير البنية التحتية. وكما تعوّد الأمريكيون على مشاهدة لافتات على الطرق الخارجية تدل على تمويل من «قانون الإصلاح وإعادة الاستثمار الأمريكي لعام 2009»، فكذلك يرى البحرينيون بانتظام أعلام الدول الخليجية الممولة على اللافتات الإرشادية التي ترافق مشاريع البنية التحتية، مثلاً الدعم الإماراتي لتوسعة المطار، أو حالات متعددة لتمويل كويتي أو سعودي لإنشاءات مرورية.
وفي نفس الوقت الذي تقوم فيه الجهات العليا في البحرين بالترويج للمملكة كوجهة سياحية للسياح المفترضين الملتزمين بالقانون، فإن الجهات الدبلوماسية والأمنية تعمل على مكافحة محاولات ممارسي العنف الخارجيين للدخول إلى البحرين، أو لدعم المقاتلين المحليين مالياً أو عينياً. وتعميمات الحكومة حول جهودها لمكافحة الإرهاب تصعّب عملية الترويج السياحي، ممّا يشير إلى احتمالية الحصول على مردودات أعلى في حال اتباع وسائل بديلة لتنويع الاقتصاد، مثلاً توسيع الصندوق السيادي، أو تنمية القطاع الصناعي.
ولكن ينبغي استمرار الهيئات السياحية في عملها للأسباب التالية:
أولاً: تعتمد البحرين أساساً على الجهود الترويجية للسياح أنفسهم لاستقطاب الزوار، بسبب حجمها الجغرافي الصغير، وتدل الحوارات التي تجرى مع الزوار قبل مغادرتهم البحرين على أنهم يغادرون المملكة بانطباع إيجابي، وبالتالي يحتل الإعلام التقليدي دوراً ثانوياً في عملية الترويج، كما يحصل لمطاعم «البوتيك» في المدن الكبرى.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير تطورات معينة كخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والانتخابات الرئاسية الأمريكية، فضلاً عن استطلاعات الرأي الرسمية في أمريكا، إلى تدهور ثقة المجتمع في الوسائل الإعلامية التقليدية عالمياً. ويحد ذلك انعكاس التغطية الإعلامية – إن كانت إيجابية أو سلبية – على اختيارات السياح، كما أنه يعزز أهمية قنوات «النظير للنظير»، كتقييمات الزوار أنفسهم المنشورة في موقعَيْ «إكسبيديا» و«تريب أدفايزور».
ثانياً: تتصف السياحة بميزات عدة في الاقتصاد المتوازن، لذلك يكرر صندوق النقد الدولي القول لدول مجلس التعاون الخليجي عن الحاجة لضرورة تنويع صادراتها، وليس فقط اقتصاداتها، ويمكن للسياحة أن تقوم بهذا الدور.
وعلى عكس الموارد المعدنية الطبيعية، فإن الميزات السياحية- كقلاع البحرين التراثية، والضيافة الكريمة في المملكة – قابلة للتجديد، وهي صفة مرغوب فيها في العقد الذي أصبحت فيه التنمية المستدامة ركن الشراكات العالمية.
قبل آلاف السنين، أطلق السومريون على دلمون (الاسم السابق للبحرين) اسم أرض الفردوس بسبب جمال طبيعتها، ودفنت الحضارات المعاصرة آلافاً من موتاها هناك بحثاً عن طريق مختصر للجنة. ولا تزال الكثير من تلك القبور هناك إلى اليوم، تنبه المقيمين والزوار إلى جاذبية البحرين. وفي الفترة ما قبل أزمة أسعار النفط في عام 2014، فإن تنفيذ استراتيجية شاملة ومتكاملة للاستفادة اقتصادياً من موجودات البحرين السياحية غير الملموسة كان ترفاً، بينما في عام 2017، أصبح ضرورياً.