أعلن البيت الأبيض، في 14 يونيو/حزيران، عن خطط للزيارة الأولى للرئيس جوزيف بايدن للشرق الأوسط منذ توليه منصبه. تنطوي الرحلة، المقرر إجراؤها في منتصف تموز/ يوليو، على ما هو أكثر بكثير من مجرد محاولة لتدعيم العلاقات مع الشركاء التقليديين، وخاصةً إعادة ضبط العلاقات مع المملكة العربية السعودية بشكل إيجابي. في أعقاب ما حققته الولايات المتحدة من تحول دولي بخصوص الغزو الروسي لأوكرانيا، يبدو أنها تحاول تكرار نجاحها في إحياء التحالف الغربي وإعادة توحيد حلف الناتو في أوروبا باستعادة التكتل الذي تقوده الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتفعيله من جديد.
تأتي هذه الجهود وسط فشل واضح لمفاوضات فيينا غير المباشرة لإحياء اتفاقية خطة العمل الشاملة المشتركة النووية [الاتفاق النووي] مع إيران. لقد تجمدت المحادثات إلى حد كبير بسبب مطالبة إيران لواشنطن بشطب حرس الثورة الإسلامية من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية. المفاوضات مستمرة من الناحية الفنية، ولكن حتى لو ظل الهدف الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية هو تأمين اتفاق مقبول مع طهران، فإن بناء نظام جديد، موثوق به، للاحتواء والردع ضد إيران ووكلائها الإقليميين هو أمر ضروري. باختصار، ستظل السياسة الخارجية الأمريكية كما هي إلى حد كبير سواء كانت إدارة بايدن لا تزال تعقد آمالاً حقيقية على قدرتها على تأمين اتفاق مع إيران أو لا.
إن أي معسكر قوي في الشرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة سيقوم على الشراكة الفعلية بين إسرائيل وأعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وعلى وجه الخصوص الإمارات العربية المتحدة والسعودية، إلى جانب دول عربية أخرى، مثل مصر والأردن. لقد بدأت واشنطن بالفعل اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات مع جميع هذه الدول وربطها معًا في إطار تعاون وثيق. لكن المفتاح، وكالعادة، يكمن في الرياض، وهذا هو سبب إصرار بايدن على أن لا تكون النقطة الرئيسية في رحلته تتعلق بأسعار الطاقة، بل بشيء “أكثر أهمية” ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن إسرائيل. يبدو هذا إلى حد كبير تصور سياسي يتم تقديمه للكونجرس من أجل سياسة شرق أوسطية جديدة، والتي، غير ذلك، قد يجدها بعض أعضاء الكونجرس للوهلة الأولى غير مستساغة سياسيًا.
أوكرانيا وفيينا والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط
خلال حملته الانتخابية، وفي الأيام الأولى لإدارته، بدى أن بايدن ينأى بنفسه عن السعودية، لذلك يبدو أن هذه الرحلة بمثابة تراجع كبير في سياسته. ومع ذلك، ونظرًا لكون بايدن آخر رئيس أمريكي يجعل موضوعات حقوق الإنسان جزءًا من سياسته الخارجية، فمن المرجح دائمًا أن تتدخل ضرورات فنون الحكم في مثل هذه الأجندة. بالإضافة إلى ذلك، خلق الغزو الروسي لأوكرانيا ضرورة ملحة جديدة وفرصة لواشنطن في الشرق الأوسط.
لقد غيرت الحرب الأوكرانية التصورات العامة والديناميكيات الفعلية للقوة العالمية بشكل كبير. يبدو الجيش الروسي وكأنه نمر من ورق، عاجزًا عن تحقيق انتصارات من المفترض أن تكون سهلة وأقل حدة في الميدان ضد خصم أصغر بكثير مما هو متوقع. على النقيض من ذلك، وعلى الرغم من عدم انخراطها بشكل مباشر في الصراع، فقد اكتسبت الولايات المتحدة قدرًا كبيرًا من الثقة والمصداقية من خلال الحشد غير المتوقع للمقاومة القوية والحازمة ضد العدوان الروسي من قبل الدول الأوروبية وحلف الناتو. في الواقع، إذا استمرت الأجواء الحالية، فستكون واشنطن قد أعادت إحياء التحالف الغربي في أوروبا، والذي كان في عداد المُحتَضر.
جاء هذا النجاح في إعادة بناء التحالفات ضد ما كانت يمكن أن تكون قوة مهيمنة في أوروبا مواكبًا للفشل الواضح في محادثات فيينا. في فبراير/شباط، أصر المفاوضون الأمريكيون، ربما من منطلق التكتيك التفاوضي إلى حد بعيد، على أن تطور التكنولوجيا النووية الإيرانية سوف يتسبب، خلال أسابيع، في جعل إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة غير ذي صلة بالموضوع. بعد أشهر، ومع عدم وجود اتفاق في متناول اليد، ووقوع إيران، بدلاً من ذلك، في شباك نزاع مرير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن المخلفات النووية التي اكتشفت الوكالة أن طهران لم تفسرها، لجأت الولايات المتحدة للبحث عن خطة بديلة. نظرًا لأن الخيارات الأخرى تتضمن الابتعاد عن منطقة الخليج أو الإذعان للمطالب الإيرانية اللامنطقية، أو الانخراط في عمل عسكري من المرجح أن يتسبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة بدرجة كبيرة، ومن غير المرجح أن يكتب له النجاح، يبدو أن البديل الناجع الوحيد يكمن في إنشاء نظام جديد لاحتواء طهران وردعها. حتى وإن كانت الإدارة تعقد آمالاً كبيرةً على التوصل إلى اتفاق في فيينا، فإن بذل الجهود الموثوقة في إنشاء مثل هذا البرنامج الجديد لاحتواء إيران سيكون الوسيلة الأوضح لاكتساب نفوذ جديد في مواجهة طهران.
لذلك، يبدو أن صانعي السياسة في الولايات المتحدة يدفعون نحو حملة ذات جبهتين من الاحتواء والردع في كلٍ من أوروبا الشرقية والشرق الأوسط. فكانت ردود شركاء الولايات المتحدة الأمنيين الرئيسيين الثلاثة في الشرق الأوسط – إسرائيل والسعودية والإمارات – تمتاز بالتحوط فيما يتعلق بالغزو الروسي لأوكرانيا، وكان هذا بمثابة إنذار بالخطر لواشنطن. وعلى مدى عقد من الزمان، فقدت هذه الدول، على نحو، مطرد ثقتها في الولايات المتحدة كضامن للأمن، وبالتالي بدأت تركز على التنويع الاستراتيجي. وكان من ضمن ذلك التواصل مع المنافسين العالميين لواشنطن، مثل روسيا والصين، وكذلك مع بعضهم البعض خاصة في حالة إسرائيل والإمارات. وكانت واشنطن قلقة بشكل خاص من تنامي النفوذ الصيني. كان التنازع حول النقل المزعوم أو المحتمل للتكنولوجيا الأمنية الأمريكية الحساسة إلى الصين يشكل مصدر خلاف مع إسرائيل ودولة الإمارات . كما أن السعودية تسعى أيضًا لإقامة جسور مع بكين. ردًا على ذلك، لا تحاول الولايات المتحدة إعادة بناء علاقاتها الثنائية مع هذه الدول فحسب، وإنما تحاول كذلك تعزيز تعاونها المتزايد ضد إيران والبناء عليه.
وقفت إسرائيل ودولة الإمارات والسعودية في نهاية المطاف إلى جانب الولايات المتحدة ضد روسيا في قرار شديد اللهجة للجمعية العامة للأمم المتحدة يدين الغزو. ومع ذلك، فقد استمرت الدول الثلاث أيضًا في إبقاء الباب مفتوحًا لموسكو، وربما بشكل أبلغ تعبيرًا، لبكين. ولكن بما أن كل هذا تم بناؤه على رواية تقهقر الولايات المتحدة ولا سيما افتقارها للإرادة والتأثير، مقابل صعود روسيا والصين، فقد قدم غزو أوكرانيا فرصة فريدة لتغيير هذه السردية، وبالتالي إعادة هيكلة الحسابات القائمة عليها.
تطور موقف بايدن تجاه السعودية
تنطوي رحلة الرئيس للسعودية على تحريك السياسة الأمريكية تجاه السعودية بشكل يتجاوز الغضب في الولايات المتحدة تجاه الحكومة السعودية، وبالأخص تجاه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وعلاقته بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. في حملته الانتخابية، عبر بايدن بشكل كامل عن غضب الديمقراطيين بسبب مقتله، إضافة إلى وجود انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان وللتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن. وقد أشرف الرئيس، في الأيام الأولى لتوليه منصبه، على إصدار تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية بتوريط محمد بن سلمان في جريمة القتل وفرض عقوبات على بعض المسؤولين السعوديين.
يعتقد العديد من المسؤولين السعوديين أنهم اتخذوا خطوات جوهرية لتلبية مطالب الولايات المتحدة المتمثلة بالسعي إلى وقف إطلاق النار في اليمن، وقبول اللاجئين الأفغان، وتقديم المساعدات للفصائل المتعاونة مع السياسة الأمريكية في دول مثل لبنان والعراق، ليجدوا فقط معاملة باردة من إدارة بايدن في كلتا القضيتين السياسيتين، وفيما يتعلق بتجاهل قادة السعودية شخصيًا، ومحمد بن سلمان بشكل خاص. وتصاعدت التوترات لدرجة أن كل طرف أخذ يتجاهل الطرف الآخر، حيث رفض الرئيس الأمريكي التعامل مع ولي العهد السعودي، الذي رفض بدوره مقابلة بعض المسؤولين الأمريكيين، وفي النهاية رفض مكالمة هاتفية مع بايدن شخصيًا.
إن لفتة اجتماع بايدن شخصيًا بمحمد بن سلمان وحدها سيكون لها كبير الأثر في الإشارة لعودة العلاقات إلى وضعها الطبيعي مع المملكة، وهي العلاقات التي قامت الحكومة الأمريكية بالفعل بتطبيعها مجددًا بعد فترة ما بعد خاشقجي، وأثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب. وقوبلت هذه اللفتة من بايدن بمعارضة داخل الولايات المتحدة، وخاصة بين الديمقراطيين في الكونجرس، ولكنها من المرجح أن تثبت أمرًا واقعًا ثنائيًا. ولكن فيما وراء التصورات العامة للزيارة، وبصرف النظر عن مدى أهميتها الدبلوماسية والسياسية، تكمن اللبنات الأساسية لتكتلات أكثر تكاملاً ونشاطًا بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة.
خطوات عملية لبناء هذا التكتل
على الرغم من استمرار الشكوك في الولايات المتحدة، ولا سيما في الكونجرس، وفي دول الخليج العربية حول مصداقية وإخلاص كل منهما للآخر، إلا أن عام 2022 كان حافلاً بالخطوات العملية التي اتخذتها واشنطن والشركاء الإقليميون للضغط من أجل بناء شراكة أكثر تماسكًا. اعتمادًا على الزخم الذي حققته اتفاقات إبرهام، يذكر أن إسرائيل نقلت أنظمة رادار متطورة للإنذار المبكر للإمارات والبحرين لتعزيز دفاعاتهما الصاروخية. لقد تنامت الشراكة الإماراتية-الإسرائيلية بسرعة بعد توقيع الاتفاقات في صيف عام 2020، وتم استحداث مكونات أمنية على نطاق واسع. وقامت السعودية بإلغاء القيود المفروضة على رجال الأعمال الإسرائيليين القادمين للمملكة، وذلك لتسهيل التجارة المتعلقة بالأمن في المقام الأول. وتم دعم تقارب البلدين من بعضهما بعضًا عندما تحركت الولايات المتحدة لإشراك إسرائيل في ترتيبات نقل السيادة على جزيرتين حيويتين في البحر الأحمر من مصر إلى السعودية.
يواصل المسؤولون الإسرائيليون دعوتهم إلى تحالف مفتوح مع دول الخليج العربية ضد إيران. يبدو أن بايدن لمّح إلى مثل هذه الأجندة أثناء مناقشة رحلته مع الصحفيين في 12 يونيو/حزيران. لقد شدد على أن رحلته لا تتعلق بتسعير الطاقة بشكل أساسي، حيث قال إن “التزامات السعوديين” التي كان يسعى إليها “لا تتعلق بأي شيء له صلة بالطاقة”. وقال إن الرحلة، بدلا من ذلك، تتعلق “بالأمن القومي لهم – للإسرائيليين”. وتابع قائلاً، “لدي برنامج – على أي حال، يتعلق بقضايا أكبر بكثير من مجرد التعامل مع جزئية الطاقة”. لم يوضح بايدن البرنامج الذي ذكره في مستهل حديثه، بل قرر إبقاءه طي الكتمان، لكن العنصر الأمني كان واضحًا، في الإيجاز الصحفي، ربط بايدن بين رحلته إلى السعودية وبين أمن إسرائيل.
يبدو أن ثمة مكونًا رئيسيًا آخر تم وضعه في مكانه الصحيح. منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021 على الأقل، أخذت الإمارات تبذل جهدها لتأمين ضمانات دفاعية متبادلة مع الولايات المتحدة. وفي حين أن هذا هدف إماراتي قديم العهد، إلا أنه أصبح أكثر إلحاحًا منذ أن وجّه الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن ضربات صاروخية وبالطائرات المسيرة في يناير/كانون الثاني ضد أبوظبي الأمر الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص. وقد أفادت الأنباء، في أبريل/نيسان، عن اعتذار وزير الخارجية أنتوني بلينكن لولي عهد أبوظبي آنذاك، محمد بن زايد آل نهيان، عما أقرت واشنطن بأنه رد متأخر على الهجمات. استمرت المحادثات حتى وقت مبكر من يونيو/حزيران حيث أفادت التقارير أن “اتفاقية الإطار الاستراتيجي” كانت قيد المناقشة الجادة، وأن منسق البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، بريت ماكجورك (Brett McGurk)، قد سلم مسودة الاتفاقية للإمارات في أواخر مايو/أيار. ورغم أنه لم يتم الإعلان عنها بشكل رسمي من قبل أي من الجانبين، إلا أن عالم السياسة الإماراتي البارز وصاحب العلاقات المتنفذة عبد الخالق عبد الله قد غرد، في 15 يونيو/حزيران، بأن البلدين على وشك توقيع اتفاقية دفاع مشترك تفي بجميع “المواصفات” التي حددتها دولة الإمارات.
يمكن لهذا الاتفاق أن يشكل انطلاقةً كبيرةً في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، ومن المرجح أن يتجاوز الفوائد التي تتمتع بها كلٌ من الكويت والبحرين وقطر باعتبارهم “حلفاء رئيسيين من خارج حلف الناتو” للولايات المتحدة. ويعد الاتفاق الذي يشير إلى التزام الولايات المتحدة الكامل تجاه أمن الإمارات أحد المكونات الضرورية لتجهيز حملة قوية جديدة، وأكثر تنسيقًا، من أجل احتواء إيران وردعها لأنه – في ظل غياب الردع النووي الإسرائيلي المستقل والعمق الاستراتيجي للسعودية – تظل الإمارات معرضة بشكل خاص لهجمات مدمرة صاروخية وبالطائرات المسيرة من إيران أو، كما تُظهِر الضربات الموجهة من اليمن، من حلفاء طهران.
علاوة على ذلك، سيكون من الضروري إقناع أبوظبي – وربما السعودية – بأن الولايات المتحدة لا تدير ظهرها لحلفائها العرب الخليجيين وأنها، بدلاً من ذلك، مستعدة للالتزام مجددًا بأمنهم الأساسي. قد يكون إقناع هذه الدول، وحتى إسرائيل، بصرف النظر عن عشر سنوات من التنويع الاستراتيجي والعودة للالتزام بإطار عمل أمني تعمل فيه واشنطن كمركز للتنسيق أمرًا في غاية الأهمية، ولا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع روسيا والصين. وفي الوقت ذاته، ستنظر واشنطن إلى هذه المناقشات على أنها طريق ذو اتجاهين، وسوف تضطر الإدارة للرد على منتقدي مثل هذا النهج، في الكونجرس وفي مواقع أخرى، وستحتاج لإثبات أن المصالح الأمريكية تؤخذ أيضًا بعين الاعتبار.
في واشنطن، يلجأ بعض مؤيدي رحلة بايدن والالتزام الأمني الجديد نحو دول الخليج العربية، بالتعاون مع إسرائيل، لوصفها بأنها بمثابة الخطوة الأولى نحو تحمل هذه الدول للمسؤولية الأساسية عن أمنها واستقرارها الإقليميين. سوف يتطلب الأمر من الولايات المتحدة أن تلعب دورًا رئيسيًا في بادئ الأمر لدعم هذا التحالف المحتمل وحمايته. ومع ذلك، فإنه من الممكن لمثل هذه البنية الأمنية الإقليمية، إذا أثبتت فاعليتها واستدامتها، أن تكون عاملاً رئيسيًا في تقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في المنطقة، وتحويل عبء الدفاع تدريجيًا وبشكل متزايد إلى الشركاء المحليين.