لأول مرة منذ عام 2013، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارة رسمية لدولة الإمارات العربية المتحدة لمدة يومين في 14 فبراير/شباط. كان في انتظاره والوفد المرافق له فور وصولهم، استقبال فخم بموكب من الخيّالة، وتحية بـ 21 طلقة مدفعية، وعرض جوي. بالإضافة إلى ذلك، أُضيئ برج خليفة بألوان العلم التركي. وحظيت زيارة أردوغان إلى الإمارات بالكثير من الاهتمام كخطوة أخرى في عملية التطبيع التي بدأتها أبوظبي في مطلع يناير/كانون الثاني 2021.
تسببت انتفاضات الربيع العربي عام 2011 في توتير العلاقات بين تركيا والإمارات على مدار العقد الماضي. فتبنت أبوظبي وأنقرة سياسات خارجية متناقضة وضعتهما في مسار تصادمي. وقد حظيت المواقف المتضاربة تجاه العديد من القضايا والتطورات الإقليمية باهتمام كبير من المراقبين والخبراء. وبالتالي، تم تجاهل مجالات التقارب المحتملة الأخرى، وأدى التنافس الإقليمي في مختلف المحاور إلى تفاقم الخلافات.
تأتي زيارة أردوغان إلى أبوظبي وسط فترة نادرة من انخفاض التصعيد في المنطقة في أعقاب هزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020، واتفاقية المصالحة في يناير/كانون الثاني 2021 الموقعة في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العلا. وجاءت هذه الزيارة كرد على زيارات مماثلة إلى أنقرة قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان في أغسطس/آب 2021، وتلتها زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي لدولة الإمارات في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.
أرست هذه الزيارات الأساس لمزيد من التعاون في مجالات التمويل والطاقة والبتروكيماويات والتكنولوجيا والنقل والبنية التحتية والرعاية الصحية والزراعة وغير ذلك. وأعلن المسؤولون الإماراتيون مؤخرًا عن خطط للاستثمار في تركيا، وأنشأت أبوظبي صندوقًا بقيمة 10 مليارات دولار بهدف إقامة استثمارات استراتيجية في أنقرة، ووافق البنك المركزي الإماراتي على اتفاقية لتبادل العملات بقيمة 5 مليارات دولار تقريبًا مع البنك المركزي التركي.
أثناء تواجدهم في أبوظبي، وقع المسؤولون الأتراك 13 اتفاقية ثنائية مع نظرائهم الإماراتيين، الأمر الذي يشير إلى فتح فصل جديد في العلاقة بين البلدين. وهنالك اتفاقيتان على وجه الخصوص تستحقان المزيد من الاهتمام. أولاً، أعربت أبوظبي عن استعدادها للتفاوض على اتفاقية تجارة حرة مع أنقرة – وهذا أحد الأهداف الاستراتيجية التركية التي طال انتظارها مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. ثانيًا، وقعت تركيا والإمارات خطاب نوايا لعقد اجتماعات تعاون في مجال الصناعات الدفاعية.
أكد محمد بن زايد، مخاطبًا أردوغان والوفد المرافق له، أن بلاده “حريصة على تعزيز شراكتها الناشئة مع تركيا وسط التحديات الإقليمية المتزايدة، وتطمح للتصدي لهذه التحديات بشكل مشترك من خلال الحوار والتفاهم والتشاور”. وشدد أردوغان، على نحو مماثل، أن “التعاون بين تركيا والإمارات هو مفتاح السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة”. ولمزيد من التأكيد على هذه النقطة، قال أردوغان، “إن أمن تركيا واستقرارها وازدهارها مرتبط بالخليج”. يعكس هذا التصريح موقفه السابق الذي كتبه في مقال نشرته صحيفة “الخليج تايمز”، وقال فيه “لا نُفرّق بين أمن واستقرار دولة الإمارات وإخواننا الآخرين في منطقة الخليج وبين أمن بلادنا واستقرارها”.
التهديد الإيراني
يُظهر البعد الأمني للاتفاقيات بين تركيا والإمارات اعترافًا بوجود تصور للتهديد المشترك الناتج عن انتشار الميليشيات الشيعية المسلحة الموالية لإيران في المنطقة، بالإضافة إلى مخاوف بشأن النتائج المحتملة لاتفاق نووي بين طهران وإدارة الرئيس جوزيف بايدن.
في الأسابيع القليلة الماضية، قام الحوثيون، المدعومون من إيران في اليمن، بشن سلسلة من الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة ضد الإمارات. في 17 يناير/كانون الثاني، تسبب هجوم للحوثيين في انفجار خزان وقود في منشأة تخزين في أبوظبي أسفر عن مقتل هنديين وباكستاني يعملون لصالح شركة بترول أبوظبي الوطنية. كما استهدف الحوثيون قاعدة الظفرة الجوية إلى جانب مناطق حيوية في دبي، هذا بالإضافة إلى توجيه مئات الضربات الصاروخية وبالطائرات المسيرة نحو السعودية منذ عام 2015.
قبل أقل من أسبوعين من زيارة أردوغان إلى الإمارات، شنت جماعة عراقية تكاد تكون غير معروفة، تدعى ألوية الوعد الحق، هجومًا بأربع طائرات مسيرة استهدفت منشآت حيوية في أبوظبي. وأعلنت المجموعة نفسها مسؤوليتها عن هجوم يناير/كانون الثاني 2021 على السعودية.
بموازاة هذه التهديدات الأمنية الجديدة للإمارات والسعودية، أصدر قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق، وهي جماعة شيعية متحالفة مع إيران في العراق، بيانًا يهدد تركيا بشكل صارم. وتعهد بأن مجموعته والميليشيات الصديقة سيُلقّنون الأتراك دروسًا قاسية. جاء البيان على خلفية الحملة العسكرية التركية في شمال العراق ضد المواقع العسكرية لحزب العمال الكردستاني (PKK) – وهو جماعة إرهابية مصنفة من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى جهات أخرى. لقد قامت إيران والميليشيات الشيعية المتحالفة معها بدعم حزب العمال الكردستاني ضد تركيا في التنافس الإقليمي بين أنقرة وطهران، وخاصة في سوريا والعراق والقوقاز والخليج.
في عام 2018، قامت الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بتقديم المساعدة لوحدات حماية الشعب الكردي (YPG) بالأسلحة والمركبات والمقاتلين خلال عملية غصن الزيتون التركية في سوريا. في عام 2020، صعّد وكلاء إيران في العراق وسوريا من جهودهم في استهداف تركيا، وإن كان ذلك بشكل مباشر هذه المرة. ومع ذلك، كان رد تركيا سريعًا وفتاكًا. حيث شنت تركيا غارة دقيقة بطائرة مسيرة من طراز TB2 ضد الميليشيات الشيعية المتحالفة مع فيلق حرس الثورة الإسلامية التي تدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد خلال معركة إدلب، أفادت التقارير بمقتل أكثر من 50 عنصرًا من لواء زينبيون وفرقة الفاطميون وحزب الله، وحتى من فيلق حرس الثورة الإسلامية.
في أعقاب هذه التطورات، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، ادعى الخزعلي أن وجود تركيا في العراق أشد خطورة من وجود الولايات المتحدة، وتعهد بحمل السلاح شخصيًا ضد أنقرة. في فبراير/شباط 2021، بثت قناة العالم الإيرانية مشاهد لمجموعة “أصحاب الكهف” وهي تستخدم صواريخ إيرانية الصنع لاستهداف مواقع تركية في شمال العراق. قد يؤدي الاتفاق النووي المحتمل بين طهران وواشنطن إلى تعزيز نفوذ إيران الإقليمي، وزيادة الأنشطة التي تزعزع الاستقرار على يد وكلائها الإقليميين، ما من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم التهديدات الأمنية في المنطقة. إذا استمرت مثل هذه التهديدات، فقد يؤدي ذلك إلى تعجيل مزيد من التعاون بين الإمارات وتركيا، الأمر الذي من شأنه أن يحفز، في نهاية المطاف، ترسيخ الشراكة التركية-الإماراتية.
تركيا كمصدر للأمن في الخليج
مع المخاوف من تردي الأوضاع غير الآمنة وسط تصور انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، تعمل تركيا بشكل متزايد للترويج لنفسها كحليف موثوق ويمكن الاعتماد عليه، ولديه القدرة لأن يكون مصدرًا للأمن في منطقة غير مستقرة.
يتزايد شعور شركاء الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بأن الولايات المتحدة تتخلى عنهم بعد تركيزها على آسيا. مع غزو روسيا لأوكرانيا، سيزداد الشعور بعدم الأمان في الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أنه لا يزال من المبكر توقع التداعيات، إلا أن هذا التطور قد يدفع إلى إقامة شراكات أمنية بين دول المنطقة مع بعضها البعض، بما في ذلك شراكة بين الإمارات وتركيا.
في عام 2014، شكلت تركيا وقطر تحالفًا، وأنشأت أنقرة قاعدة عسكرية في هذه الدولة الغنية بالغاز، ونشرت قواتها في منطقة الخليج للمرة الأولى منذ ما يقارب المئة عام. ووفقاً لمسؤول تركي، لم يكن الإيرانيون سعداء بهذا، لكن عداءهم للسعودية أجبرهم على استيعاب الخطوة التركية في ذلك الوقت. في يونيو/حزيران 2017، كشف أردوغان أن تركيا عرضت بناء قاعدة تركية في السعودية، “لقد قدمت العرض للملك سلمان… وقلت إذا كان ذلك مناسبًا، فيمكننا أيضًا إنشاء قاعدة في المملكة العربية السعودية”.
في حين أنه قد لا تتم إقامة قاعدة عسكرية تركية في الإمارات في القريب العاجل، إلا أن الدولتين تعملان على توسيع التعاون الدفاعي بينهما. كانت الإمارات بالفعل رابع أكبر مستورد للمعدات الدفاعية من تركيا في عام 2021، حيث بلغت قيمتها ما يقارب 161,5 مليون دولار، ويأتي ترتيبها بعد قطر مباشرة. تتطلع أبوظبي إلى شراء المزيد من المعدات العسكرية من أنقرة، والاستثمار في قطاع الدفاع المتنامي في تركيا.
يعد أداء هذا القطاع قصة نجاح. فاكتسبت المعدات العسكرية مثل الطائرة المسيرة من طراز TB2 سمعة عالمية بعد دورها الحاسم في المسارح الجيوسياسية المعقدة مثل سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ. وبحسب إسماعيل دمير، رئيس هيئة الصناعات الدفاعية، “لقد صدرت الصناعات الدفاعية التركية 228 منتجًا إلى 170 دولة” في السنوات العشر الماضية. وأضاف قائلاً، “في حين أنه قد تم تنفيذ 62 مشروعًا دفاعيًا فقط منذ ما يقرب من 20 عامًا، فقد تجاوز هذا العدد اليوم 750 مشروعًا. حيث تم إطلاق حوالي نصف هذه المشاريع في السنوات الخمس الماضية”.
ومن هذا المنطلق، سيكون خطاب النوايا لعقد اجتماعات تعاونية في مجال الصناعات الدفاعية أمرًا بالغ الأهمية في المحادثات المستقبلية بين تركيا والإمارات. سوف تؤسس الاتفاقية لعقد اجتماعات دورية بين المسؤولين والفرق الفنية لأنقرة وأبوظبي لضمان المضي في مجالات التعاون حتى مرحلة نضجها ومتابعة نتائج تلك الاجتماعات. ومع ذلك، فإنه لا يزال من غير الواضح تحديد مدى استعداد كل من الطرفين لرفع مستوى علاقتهما الناشئة إلى شراكة دفاعية أو أمنية.