ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
توقف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في أول محطة له في جولته غير المسبوقة على عدد من أهم البلدان في شرق آسيا، بما فيها ماليزيا وإندونيسيا وسلطنة بروناي والصين واليابان وجزر المالديف. وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها عاهل سعودي اليابان، إحدى أهم الاقتصادات والقوى الصناعية في العالم، وسيكون أول عاهل سعودي يزور إندونيسيا، وهي تعتبر أكبر بلد مسلم من حيث عدد السكان منذ السبعينات. إلا أن المحطة الأكثر رمزية وأهمية والتي من المحتمل أن تكون الأبعد على خارطة طريق الملك سلمان فستتمثل في زيارته لبكين في خلال محطته الثالثة من جولته الآسيوية. لا بد من فهم حيثيات هذه الجولة الشرق آسيوية، ولاسيما زيارة الملك للصين، فضلًا عن تطلعات المملكة العربية السعودية إلى الوصول إلى بكين والتقرب منها، على صعيد العديد من السياقات الواسعة النطاق.
تعتبر هذه الجولة جزءًا من حملة دبلوماسية سعودية إقليمية ودولية على جبهات متعددة. فبعد أن جازفت المملكة أكثر من أي وقت مضى في معترك القوة الصلبة، ولاسيما في اليمن، وكانت النتيجة في أحسن الأحوال متضاربة، يبدو أن الرياض تسعى إلى توسيع أفقها الدبلوماسية والسياسية، ولاسيما في آسيا. وفي هذا الصدد، من المقرر أن يحضر الملك سلمان قمة عربية في الأردن، في وقت ستحتلّ فيه المملكة العربية السعودية وكافة شركائها في مجلس التعاون الخليجي موقع القيادة بشكل حازم أكثر من أي وقت مضى.
ويشير هذا المستوى من العمل الدبلوماسي إلى تطور مهم في الانفتاح الدبلوماسي السعودي وتوسع ملحوظ في النطاق الذي تبذل فيه المملكة جهودها الرامية إلى بناء علاقات وتوطيدها ولاسيما في آسيا والشرق الأوسط. وإنه لأمر بالغ الأهمية أن يؤدي الملك بنفسه دور كبير الدبلوماسيين، فذلك لا يشدد فقط على قيادته الفعلية بل يؤكد أيضًا على الأهمية التي تعلّقها الرياض على هذه المبادرة الدبلوماسية. فسيكون هذا السباق الدبلوماسي دليلًا هامًا على حيوية الملك على الصعيد الشخصي وأدائه لمهامه كملك. فهو يبلغ من العمر 81 عامًا ولا يزال المسؤولون السعوديون ينفون باستمرار الشائعات التي تطال صحّته الجسدية ورجاحته الذهنية. فإن أجاد التصرف في خلال جدوله الزمني المزدحم فسيحبط مثل هذه الشائعات لبعض الوقت. وإن هذا الأمر يعتبر فائق الأهمية في هذا الوقت نظرًا إلى المخاوف التي يثيرها موضوع الخلافة في المملكة، والشائعات، التي وإن نُفيت رسميًا، تشير إلى تنافس بين ولي العهد وولي ولي العهد.
وبالإضافة إلى ذلك، لا بد من دراسة الجزء المتعلق بالصين من هذه الرحلة الدبلوماسية على ثلاثة مستويات أساسية.
أولًا، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع الصين، بما في ذلك صفقات بيع الأسلحة والتعاون العسكري والاستخباراتي، والتنسيق الدبلوماسي، إذ تقرّ بتعاظم النفوذ الصيني في العالم وفي العديد من أبرز المناطق التي تندرج تحت نطاق المصالح السعودية. تعاظمت جهود المملكة العربية السعودية الرامية إلى تنويع قاعدتها الشعبية الداعمة ومصادر إمدادها بالأسلحة نظرًا إلى تراجع الولايات المتحدة الملموس عن التدخل في الشرق الأوسط، والتباين في وجهات النظر بين واشنطن والمملكة العربية السعودية حول إيران وسوريا وقضايا أخرى، ونظرًا إلى قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المثير للجدل الذي صدر عام 2016 والذي يسمح للأمريكيين أن يقاضوا حكومات أجنبية، ولاسيما حكومة المملكة العربية السعودية، والمسؤولين الذين يشتبه بتورطهم بأعمال إرهابية. ولقد أعربت الصين مسبقًا عن رغبتها في توطيد علاقاتها العسكرية مع المملكة العربية السعودية وفي تفعيل التعاون بينهما لأغراض دفاعية، بما في ذلك التوقيع على خطة لخمس سنوات تضمن تعاونًا أمنيًا وتدريبات عسكرية مشتركة بين المملكة العربية السعودية والصين.
ثانيًا، ستسعى المملكة العربية السعودية إلى طرح نفسها على أنها الشريكة الفضلى للصين في منطقة الخليج، وليست إيران. نظرًا إلى علاقات الصين الطويلة الأمد الوطيدة مع إيران، فإن هذا الهدف صعب المنال، ومن المحتمل أن تكون المملكة العربية السعودية لا تعتقد أنه يمكن فصل بكين عن طهران نهائيًا وبشكل قاطع، حتى هذه الساعة على الأقل. إلا أن السعوديين سيحاولون أن يسلطوا الضوء على ما يستطيعون أن يقدموه للصين في المنطقة. وبالتالي، سيبدأون بالإشارة إلى حقيقة فرض وزارة التجارة الأمريكية غرامًة ماليًة بقيمة 1.19 مليار دولار على زد تي إي، أكبر شركة متخصصة بخدمات الاتصالات في الصين، على خلفية خرقها للعقوبات المفروضة على إيران وشمال كوريا. كما سيشيرون إلى تحقيق أجرته الولايات المتحدة عن شركة أخرى تعنى بخدمات الاتصالات، كدليل على المجازفات التي تقوم بها أي دولة عندما تكون على علاقة وطيدة بإيران في ظل خضوع طهران لعقوبات دولية هائلة على خلفية نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ابتعدت الصين قليلًا عن إيران مؤخرًا، ولاسيما من خلال رفض محاولة طهران الانضمام إلى المجموعة الأمنية المتعددة الأطراف بقيادة بكين، أي منظمة شنغهاي للتعاون، في شهر حزيران/يونيو 2016.
سيثبت السعوديون أن الصين ستجني في نهاية المطاف ثمار الاستقرار في جنوب آسيا وفي التجارة العالمية وأسواق النفط، وسيجادلون بحزم أن الرياض، وليست طهران، هي من تسعى إلى اعتماد سياسات تعزز هذه المآرب الصينية. وسيضيفون على ذلك أنهم يستطيعون أن يساعدوا الصين في تحسين علاقاتها مع باكستان، وفي تحقيق أهدافها في أفغانستان وفي أجزاء أخرى من آسيا الوسطى، وفي احتواء الخطر المحدق بها من الإسلاميين المتطرفين الذين يشكلون جزءًا من شعب الأويغور الصيني عينه. يؤكد جايمس دورسي أن إيران قادرة على المساهمة في تحقيق أهداف السياسة الصينية، أكثر من المملكة العربية السعودية، ولاسيما تلك المتمثلة بمشروع البنى التحتية الصيني في أوراسيا. ولكن إن بقيت تطلعاتها الإقليمية في الشرق الأوسط تجارية بحتة، أو حتى إن كانت استراتيجية ولكن محدودة، على غرار التطلعات الروسية، فقد تتوطّد علاقة بكين بالرياض وطهران على حد سواء. ولقد مهّد أول اجتماع عقدته لجنة مشتركة سعودية –صينية رفيعة المستوى في شهر آب/أغسطس 2016 في بكين لتحسين التعاون الثنائي في مجموعة من القطاعات لتوطيد العلاقات وسيشكل قاعدة أساسية للتقدم خلال زيارة الملك، علمًا أن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ونائب رئيس الوزراء الصيني زانغ غاولي، ترأسا الاجتماع.
وقد لا تكون الصين مجبرًة، على خلاف أيّ من القوى الشرق أوسطية أو القوة العظمى العالمية أي الولايات المتحدة، على الانتقاء بين إيران والمملكة العربية السعودية. ففي الواقع، تستطيع أن توطّد علاقتها بالاثنتين. وبما أن إيران تتمتع مسبقًا بعلاقات وطيدة مع الصين، فإن المملكة العربية السعودية ستدخل في هذه الصورة وإن لم تتمكن من إخراج إيران من المعادلة. وسيكون هذا الأمر بمثابة مكسب للرياض إن لم يكن خسارة لطهران. وعلاوة على ذلك، يدرك السعوديون أن إبعاد الصين عن إيران هو بحكم الضرورة احتمالية على المدى البعيد، وبالتالي فإن هذه الجولة تشكل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح (إن افترضنا أن كل شيء سيسير على ما يرام).
ثالثًا، تعدّ الصين من أهم الأسواق التي تستقبل صادرات المملكة من الطاقة، وسيكون للعلاقات التجارية والاستثمارات حصة مهمة من النقاش في كل محطة من جولة الملك الآسيوية. وفي الصين، ثمة أبعاد عسكرية واستراتيجية إضافية بارزة بشكل أكبر في هذه المحطة مقارنة مع أي محطة أخرى من هذه الجولة تتميز غالبيتها بالطابع الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي والثقافي إلى حد كبير.
وتعتبر زيارة الملك سلمان لبكين، لأسباب عدّة، أكثر مراحل الجولة تعقيدًا ومن المحتمل أن تكون أكثرها أهمية. فإن تحققت آمال السعوديين وأثمرت الجولة، فقد تكون تاريخية. ولكن وإن لم تكن على قدر هذه التطلعات والطموحات، فقد تعتبر أيضًا إنجازًا مهمًا سيشكل بداية الانفتاح السعودي على الصين وعلى باقي آسيا الشرقية.