في سعيهم لتوفير المصادر الهيدروكربونية غير الروسية، جاء المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يطرقون أبواب الوجهات المعتادة، الرياض والدوحة وأبوظبي، وبعض الدول التي لا يتم التوجه لها عادة، حيث توجه المسئولون الأمريكيون للعاصمة الجزائرية وحتى كاراكاس على سبيل المثال. حتى الآن لم يصلوا إلى طهران. يبدو أن هذا البلد، الذي يمتلك ثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم، وأحد البلدان القليلة التي لديها قدرة إنتاجية كبيرة من احتياطي النفط، وكأنه وجهة واضحة – ولكنها وجهة لها القدر نفسه من المشاكل الواضحة.
تتواصل المفاوضات في فيينا حول عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المتمثل في خطة العمل الشاملة المشتركة، التي انسحبت منها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو/أيار 2018. بعد إحراز تقدم مؤخراً، توقفت المحادثات بسبب طلب روسي في اللحظة الأخيرة للإعفاء من العقوبات. وبما أنه تم حل ذلك على ما يبدو، واجهت واشنطن قضية شائكة تتمثل في مطالبة إيران للولايات المتحدة برفع تصنيف حرس الثورة الإسلامية كمنظمة إرهابية أجنبية.
لكن إذا ما تم رفع العقوبات الصارمة عن إيران، هل ستُحدث فرقًا في ميزان النفط الحالي؟
هنالك تفاوت كبير في التقديرات الخاصة بصادرات النفط الإيراني ومخزونه بسبب الشحنات الواردة إلى الصين بزعم أنها من عُمان وماليزيا، ولكنها في الواقع قادمة من إيران. ربما تمتلك إيران ما يصل إلى 90 مليون برميل من الخام والمتكثف (وهو أحد مشتقات النفط الخفيفة من الغاز الطبيعي) مخزنة على أراضيها وفي البحر وفي خزانات في الصين، وهو ما يكفي لإضافة حوالي مليون برميل يوميًا إلى السوق لمدة ثلاثة أشهر.
سوف يستغرق الأمر إيران بضعة أشهر للاستعداد لإنتاج كامل الكمية من النفط الخام التي كان يتم انتاجها قبل العقوبات، والبالغة 3.8 مليون برميل يوميًا، والتي سيكون حوالي 2 مليون برميل منها متاحًا يوميًا للتصدير (بعد تلبية الطلب المحلي)، على الرغم من أن إيران قد تصل إلى هذا المستوى بأسرع مما يتوقع معظم المحللين. لقد خاض الإيرانيون عملية إعادة التشغيل هذه بعد خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية عام 2015، وكان الإنتاج قريبًا من مستويات ما قبل العقوبات في غضون ثلاثة أشهر. وهذا من شأنه أن يعزز إجمالي الصادرات الإيرانية بمقدار يتراوح ما بين 1.2 إلى 1.4 مليون برميل يوميًا. هنالك فقط دولتان أخريان من أعضاء أوبك، الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، لديهما إمكانيات احتياطية مماثلة أو أكبر. وأشارت وكالة الطاقة الدولية إلى أن إنتاج روسيا قد ينخفض بمقدار 3 ملايين برميل في اليوم في أبريل/نيسان بسبب العقوبات ونفور المشترين. لذلك، ففي حين أن عودة إيران بشكل كامل لن تعوض كل النقص، إلا أنها ستشكل مساهمة كبيرة.
تخطط إيران لإنفاق 90 مليار دولار لتصل إلى طاقة إنتاجية تبلغ 5 ملايين برميل في اليوم خلال العقد القادم. ما من شأنه أن يجعلها تواكب الإمارات، ولا يتقدم عليها في أوبك سوى السعودية والعراق. وهناك قائمة طويلة من الحقول التي يمكن تطويرها أو توسيعها، وأبرزها حقول كارون الغربية بالقرب من الحدود العراقية (بما في ذلك حقول يادافاران وياران وأزاديجان، وداركوين وجوفيير)، إضافة إلى اكتشاف حقل “نامافاران” الكبير للنفط الثقيل في محافظة خوزستان، وطبقة حقل فارس الجنوبي النفطية البحرية، والتي تعلو خزان الغاز وتمتد إلى القسم القطري (حقل الشاهين النفطي الكبير).
سوف تعتمد مثل هذه التطورات النفطية الجديدة، في الغالب، على الشركات المحلية، والتي ستحصل بحرية أكبر على التمويل والتكنولوجيا، على فرضية أن العقوبات سوف يتم رفعها. وستكون عودة الشركات الأوروبية بطيئة في ظل التهديد المزدوج المتمثل في انسحاب أمريكي آخر من خطة العمل الشاملة المشتركة بعد الانتخابات الرئاسية في عام 2024، والبيروقراطية الإيرانية والتردد السياسي وشروط الاستثمار غير المشجعة. لن يكون لدى الروس رأس مال أو تركيز على أية جهود لإنتاج النفط الإيراني. ما من شأنه أن يفتح المجال للشركات الصينية، مثل سينوبك ومؤسسة البترول الوطنية الصينية، التي كان لها مشاركة كبيرة في الماضي. لذلك من الناحية الواقعية، في عالم ما بعد العقوبات، وبعد استعادة الطاقة الإنتاجية القصوى الحالية، ستبدأ طاقة إيران في إنتاج النفط بالارتفاع تدريجيًا في ذلك الوقت وبصورة تصاعدية – وهو ثقل موازن لانخفاض الإنتاج الروسي، ولكن لن يسد سوى جزء واحد من العجز.
الغاز قصة مختلفة. تصدر إيران كميات كبيرة إلى تركيا والعراق، ولكن لم تكن الإمدادات منتظمة بسبب النقص المحلي. يمكن لزيادة المبيعات، المؤكدة، لتركيا أن تؤدي إلى إزاحة الغاز الروسي هناك، وتوفير واردات الغاز الطبيعي المسال، والسماح بتدفق كميات أخرى من الغاز عبر تركيا إلى جنوب شرق أوروبا، الأمر الذي سيساعد في تحقيق أهداف تأمين الطاقة الأوروبية. لذلك، اتبعت روسيا لبعض الوقت نهجًا هادئًا لتحييد صادرات الغاز الإيرانية على نطاق واسع.
إن رفع العقوبات سوف يساعد قطاع الغاز الإيراني على الفور بطريقتين. أولاً، سوف تُزيل القيود المفروضة على تسويق الغاز المتكثف الذي كان ينفد مخزون إيران منه في بعض الأوقات. ثانيًا، سوف يسمح بشراء معدات الضغط، التي لإيران حاجة ماسّة لها في حقل فارس الجنوبي (القسم الإيراني مما تسميه قطر حقل الشمال)، بدون هذه المعدات سينخفض الإنتاج سريعًا بعد عام 2023 لأن الضغط في الخزان سوف ينفد بسبب استخراج الغاز.
وكما هو الحال مع النفط، فإن المكاسب الأكبر سوف تستغرق وقتًا أطول. في عام 2021، كشف محسن خوجاشمهر، المدير الإداري لشركة النفط الوطنية الإيرانية، عن وجود خطط لاستثمار 70 مليار دولار لإضافة 23 مليار قدم مكعب في اليوم إلى الطاقة الإنتاجية بحلول عام 2030، منها 20.6 مليار قدم مكعب في اليوم سوف تأتي من الحقول المطورة حديثًا. كما تحرق إيران حوالي 1.4 مليار قدم مكعب في اليوم من الغاز غير المرغوب فيه، والذي يمكن توفيره في عملية إنتاج النفط.
يُقدر العجز شتاءً بين العرض والطلب، عندما تعاني إيران من النقص في غاز التدفئة المنزلية، بنحو 7 مليارات قدم مكعب يوميًا، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 12 مليار قدم مكعب يوميًا بحلول عام 2030. وبالتالي، فإن زيادة الإنتاج المخطط لها ستلبي الطلب المحلي بكامله وتعزز الصادرات بنحو 11 مليار قدم مكعب يوميًا. وهذا يعادل أكثر من نصف إجمالي واردات أوروبا من الغاز الروسي سنويًا. وهذا من شأنه أن يتجاوز حتى الزيادات المتوقعة في الصادرات من قبل الولايات المتحدة وقطر، وهما أيضًا دولتان لهما وزنهما في زيادة صادرات الغاز، خلال هذه الفترة. في مارس/آذار، دعت شركة النفط الوطنية الإيرانية المستثمرين إلى تقديم مقترحات لبناء وحدات صغيرة الحجم للغاز الطبيعي المسال، دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
كما أن تخفيف العقوبات سوف يساعد على معالجة استهلاك إيران المتسارع من الغاز المحلي، من خلال السماح بالاستثمار في كفاءة الطاقة والطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والتي لا تكاد تظهر في مزيج توليد الكهرباء اليوم على الرغم من الموارد الطبيعية الممتازة. ومن ناحية أخرى، سيتم الانتهاء من قائمة من المنشآت الصناعية نصف المكتملة والقائمة على الغاز، الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع الطلب في هذا القطاع.
ومع ذلك، لا بد من تقييم طموحات إنتاج الغاز هذه بنوعٍ من التشكيك. وكما هو الحال بالنسبة للنفط، من المرجح أن يكون الاستثمار الدولي بطيئًا ومتوقفًا وينظر إليه بارتياب وتوقع العراقيل من جانب بعض أطراف النظام الإيراني. في أفضل سنواتها التاريخية، 2018، عندما التحقت إيران أخيرًا بتطوير حقل فارس الجنوبي، أضافت 1.76 مليار قدم مكعب يوميًا إلى الإنتاج. سوف تحتاج إلى انتاج 3.3 مليار قدم مكعب يوميًا في كل عام من 2023 وحتى 2030 لتحقيق أهدافها. ستكون هناك حاجة إلى خط أنابيب جديد بسعة هائلة للوصول إلى تركيا وأوروبا وعمان وباكستان، وأي أسواق أخرى يتم استهدافها في الجوار. أو قد تحتاج إيران، خلال سبع سنوات، لبناء صناعة للغاز الطبيعي المسال أكبر من صناعة قطر الرائدة عالميًا في مجال صادرات الغاز الطبيعي المسال منذ فترة طويلة.
هذا أمر بعيد المنال حتى في بيئة استثمارية أكثر جاذبية، نظرًا للتكاليف التعجيزية المحتملة وظروف الاستثمار الصعبة لزيادة سعة الأنابيب أو كثافة الغاز الطبيعي المسال. لذلك، في حين أن إيران قد تعزز بشكل معتدل من صادراتها إلى تركيا، وقد تبدأ حتى ببعض مبيعات الغاز الطبيعي المسال المتواضعة، لن يشكل ذلك سوى جزء يسير من الحل الأوروبي للمشكلة الروسية بحلول عام 2030. وإذا أصبحت إيران فعلاً لاعبًا دوليًا كبيرًا في مجال الغاز، فإن ذلك سيكون قريبًا من عام 2040، وسيكون موجهًا أكثر نحو جنوب آسيا.
من الطبيعي أن يعمل إحياء الاتفاق مع إيران على حل بعض مشاكل الطاقة، ولكنه سيثير مشاكل أخرى. من الجدير بالذكر أن الرياض وأبوظبي كانتا مترددتين في إطلاق العنان لطاقتيهما الإنتاجية الاحتياطية من النفط. جزئيًا، قد يكون هذا الحذر منطقيًا، فظهور الدليل القاطع على تعطل الإمدادات الروسية سوف يستغرق وقتًا، وإمكانية عودة إيران يجب أن يتم التحسب لها في موازين السوق.
لكن السعودية والإمارات أعربتا بوضوح عن استيائهما من سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. أعلنت وزارة الطاقة السعودية أن المملكة غير مسؤولة عن أي نقص في إمدادات الخام العالمية في الوقت الذي تواصل فيه قوات الحوثي، المرتبطة بإيران في اليمن، مهاجمة البنية التحتية للطاقة.
في 25 مارس/آذار، تسبب هجوم صاروخي وطائرة مسيرة بإضرام النيران في صهاريج تخزين النفط التابعة لشركة أرامكو السعودية في جدة. وفي سبتمبر/أيلول 2019، تسببت الضربة التي تم تخطيطها بعناية في فترة وجيزة بتدمير حوالي 5.7 مليون برميل يوميًا من طاقة السعودية لإنتاج النفط في منشأة بقيق الرئيسية لمعالجة النفط وحقل خريص النفطي. إن أي اضطراب مماثل اليوم من شأنه أن ينشر الفوضى في سوق النفط المتوترة.
بالنسبة لإدارة الرئيس جوزيف بايدن، يبدو أنه يدعو إلى الحد من التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران، وبين طهران والدول الخليجية المجاورة، وذلك لإعطاء واشنطن الحرية في مواجهة عدوان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعيدًا عن مخاطر الأزمات المتزامنة. ومع ذلك، تخشى كل من السعودية والإمارات من إطلاق العنان للتوجه الإيراني المغامر في ظل عدم وجود شروط أمنية أمريكية صريحة، وربما بضربات أكثر خطورة ضد البنية التحتية للنفط والغاز في دول الخليج العربية.
كما هو الحال في تعامل الولايات المتحدة مع النظام في فنزويلا، فإن الضرورة تصنع بعض الصداقات الغريبة. سوف تصبح إيران بعد العقوبات طرفًا مهمًا في استبدال مصادر الطاقة الهيدروكربونية الروسية – لكن تأثيرها المحدود يؤكد فقط على حجم المهمة. إن إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة من شأنه أن يحل بعض التعقيدات في مجال الطاقة في حين سيعمل على تشديد تعقيدات أخرى.