أثار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الكثير من الدهشة بتعليقاته الأخيرة التي تبدو تصالحية على غير العادة تجاه إسرائيل. قال محمد بن سلمان لرئيس تحرير صحيفة “ذي أتلانتك“، جيفري غولدبرغ: “أعتقد أنه يحق لكل شعب، أينما وجد، أن يعيش في بلاده بسلام. أعتقد أنه من حق الفلسطينيين والإسرائيليين امتلاك أرضهم الخاصة”. ثم أردف بحزم: “ولكن من الضروري أن يكون لدينا اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية”. هل فتح محمد بن سلمان بهذا آفاقًا جديدة؟ نعم ولا. كما أن التمييز بين ما هو متناسب وما هو جديد يوفر مقياسًا مهمًا لسياسات المملكة العربية السعودية تجاه إسرائيل التي كثيرًا ما يساء فهمها.
لم يغير محمد بن سلمان من الموقف السياسي السعودي الجوهري كما لم يبدل من حصيلة الدبلوماسية الملموسة المعروضة. بل كرر التزام المملكة العربية السعودية بحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين. وهذا هو الموقف العربي الفعلي منذ أن بدأت الحكومات العربية بقبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي ينص على مبدأ “الأرض مقابل السلام”، باعتباره الإطار الأساسي للسلام العربي الإسرائيلي. كما لعبت السعودية ودول عربية أخرى دورًا فعالاً في توفير الغطاء السياسي والدبلوماسي والديني لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي توجهت هي الأخرى خلال السبعينيات والثمانينيات نحو تبني حل الدولتين كإستراتيجية وطنية فلسطينية.
لقد أضفت مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها الجامعة العربية عام 2002 وتم التأكيد عليها مرتين منذ ذلك الحين: في عامي 2007 و 2013، صبغة رسمية على التزام عربي شامل بحل الدولتين. لقد بدأت بمبادرة من ولي عهد السعودية آنذاك عبد الله بن عبد العزيز، وكانت تمثل التخلي نهائيًّا عن “اللاءات الثلاث” التي اعتمدتها الدول العربية بعد حرب عام 1967، وهي (لا اتفاقيات سلام مع إسرائيل، لا تفاوض مع إسرائيل، ولا اعترافا رسميًّا بإسرائيل).
تلزم مبادرة السلام العربية العالم العربي بإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل بمجرد حل النزاع مع الفلسطينيين من خلال التوصل إلى اتفاقية بالمفاوضات، مع أن القادة الإسرائيليين كانوا وما زالوا يظهرون برودًا واضحًا من العرض. هناك اعتراض شائع وهو الافتراض بأن هذه المبادرة وضعت كأمر واقع، حيث يجب على إسرائيل إما قبولها أو رفضها بالكامل. لكن في عام 2013، أوضحت الدول العربية أنه في ظل هذا الإطار، يمكن تعديل حدود 1967 من خلال الاتفاق على تبادل الأراضي.
لذا، لا يوجد فيما قاله محمد بن سلمان ما يتجاوز الموقف السعودي القائم. إلا أنه من الواضح أن المقابلة أوجدت أرضية جديدة على أسس متناغمة مع المواقف المتعلقة بالأفكار الأساسية التي توجه هذه السياسات نفسها. يمكن للقادة العرب أن يقبلوا حقيقة إسرائيل، والحاجة إلى حل الدولتين، حتى على أساس دائم، دون التخلي عن المفاهيم التقليدية التي تقول إن الصهيونية هي كيان مصطنع أو إسرائيل هي استعمار مفروض. في الواقع، في خطابه الغاضب المفعم بالتقريع مؤخرًا، وصف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس -الذي استندت كل مسيرته وإستراتيجيته الوطنية إلى أساس التفاوض مع إسرائيل حول حل الدولتين- الصهيونية بأنها مؤامرة غربية يعود تاريخها إلى نابليون.
بوضعه لليهود الإسرائيليين ضمن “شعوب” العالم الذين لهم “الحق في العيش في وطنهم بسلام”، يعتبرهم محمد بن سلمان، بالمقابل، جماعة عرقية قومية مشروعة ذات طموحات وحقوق وطنية طبيعية. من هذا المنطلق، يترتب على ذلك أن إسرائيل ليست دولة خارجية مفروضة أو بلدًا زائفًا قويًّا إلى درجة أنه لا بد من استيعابها. وعلاوة على ذلك، فإن القومية اليهودية الإسرائيلية، وهي ما تعنيه “الصهيونية” الآن، على حد تعبير محمد بن سلمان، هي في جوهرها عادية وند للفلسطينيين، أو أي نوع آخر من القوميات الحقيقية.
ليس من المستغرب أن يكون محمد بن سلمان هو أول زعيم عربي كبير له تطلعات قيادية إقليمية لإضفاء صفة لا لبس فيها على أن إسرائيل والقومية اليهودية هي واقع سياسي آخر في الشرق الأوسط، تمامًا مثل أي عنصر شرعي آخر. كونه في الثانية والثلاثين من العمر، فهو ينتمي إلى جيل جاء بعد فترة طويلة من الحروب العربية الإسرائيلية الكبرى، ومع إسرائيل كحقيقة ثابتة ومبادرة السلام العربية كأساس للسلام العربي. من هذا المنظور، تبدو “اللاءات الثلاث” وكأنها من بقايا العصر الغابر.
علاوة على ذلك، أصبح من الواضح أن محمد بن سلمان هو ولي العهد السعودي في حقبة أصبحت فيها التحديات الأمنية الإقليمية الرئيسية هي توسع الهيمنة الإيرانية وصعود جماعات مثل القاعدة والدولة الإسلامية في العراق والشام. وكما قال لـ “ذي أتلانتك”: “لدينا الكثير من المصالح المشتركة مع إسرائيل، وعندما يكون هناك سلام، سيكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول مثل مصر والأردن”، فقد أصبح هذا الانحياز الاستراتيجي المحتمل جليًّا لبعض الوقت، ولا سيما فيما يتعلق بإيران.
لكن هذا لا يعني أن هناك، أو أنه سيكون هناك بالضرورة شراكة إستراتيجية مع إسرائيل. وأثناء المقابلة نفسها، أكد محمد بن سلمان على أن المملكة العربية السعودية لديها “مخاوف دينية حول مصير المسجد الحرام في القدس وحول حقوق الشعب الفلسطيني”، وهذا ما جعله يؤكد على الحاجة إلى اتفاق سلام.
سارع العديد من المعلقين بمختلف وجهات نظرهم إلى إعلان عن تقارب إسرائيلي- سعودي كأمر واقع. وكانت هناك بالفعل سلسلة من الخطوات الثانوية ولكن المهمة في هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة، كان آخرها منح شركة الطيران الهندية حقوق التحليق في المجال الجوي السعودي في رحلاتها المتوجهة إلى إسرائيل. لكن في الواقع، ستحتاج المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، كما أشار محمد بن سلمان، إلى جهود سلام قوية، وإلى اتفاقية في نهاية المطاف، لإعادة هيكلة العلاقات مع إسرائيل بشكل ملحوظ. هناك ثلاثة أسباب رئيسية لذلك. أولا، هناك خطر حدوث ردة فعل سياسية عكسية. ثانياً، قادة الخليج هم عرب يهتمون في نهاية المطاف بفلسطين والفلسطينيين. وثالثًا، وهو الأهم على الرغم من تجاهله في أغلب الأحيان، يقر قادة الخليج بأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر هو متغير يزعزع الاستقرار إلى حد كبير، ويدركون أنه لا يمكنهم تحقيق الأمن الذي يصبون إليه دون حل القضايا الفلسطينية (التي تعد الاضطرابات الأخيرة في غزة مجرد تذكير بها).
كل هذه المخاوف الثلاثة انعكست في رد الفعل السلبي الواضح للرياض (الذي بدا أنه قد فاجأ إدارة الرئيس دونالد جي. ترامب) على اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل. وأكد الملك سلمان بن عبد العزيز التزام المملكة العربية السعودية الثابت بـ “الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس”، وذلك في مكالمة هاتفية مع ترامب في الثالث من نيسان/ أبريل. توضح تعليقات محمد بن سلمان في صحيفة “ذي أتلانتك” مدى تطور المواقف الخليجية والعربية الأخرى فيما يتعلق بإسرائيل، وحتى الصهيونية، من العقيدة العربية التقليدية. هذا شيء جديد. ما لم يتغير، هو أن على إسرائيل أن تتصالح مع الفلسطينيين إذا أرادت بناء علاقة طبيعية، بصرف النظر عن التعاون مع المملكة العربية السعودية والعالم العربي.