في أعقاب قمة مجموعة العشرين المنعقدة في مدينة هامبورغ، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيته بزيارة كلٍّ من دولة الكويت والمملكة العربية السعودية وقطر.
في أعقاب قمة مجموعة العشرين المنعقدة في مدينة هامبورغ، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن نيته بزيارة كلٍّ من دولة الكويت والمملكة العربية السعودية وقطر. لكن من المستبعد أن يسهم وجود أردوغان في المنطقة في التخفيف من حدة التوتر الإقليمي في ظل استمرار الأزمة الدبلوماسية داخل مجلس التعاون الخليجي. فزيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون نفسه أسفرت عن اتفاق أمريكي – قطري بمكافحة تمويل الإرهاب إنما لم تفضِ إلى أي اتفاق ناجح بشأن الحظر المفروض على قطر الذي تقوده السعودية والإمارات.
ومع استمرار العزل الذي تتعرض له قطر، باتت تتجلى عواقبه الإقليمية شيئًا فشيئًا. فمن الممكن أن تنقاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بأسرها إلى النزاع سواء من خلال وكلاء هذه الدول أو عبر الاضطرار إلى الانحياز لطرف ما أو ببساطة بدافع الفرص الاقتصادية المفوّتة والعوائق التي تعترض التجارة والاستثمار. وتركيا من جهتها قد تجد صعوبةً متزايدة في التوافق سياسيًا مع أحد أطراف النزاع بدون تكبّد عواقب اقتصادية، هي التي تعتمد على الاستثمارات المالية من دولة قطر انما أيضًا من عدة دول خليجية أخرى. ونظرًا إلى النهج التركي المختلط ما بين اقتصاد ليبرالي وحكم قائم على المبادئ الإسلامية برئاسة أردوغان، تتضارب مصالح تركيا الاقتصادية بين طرفَي النزاع الخليجي.
تزامن تحرر تركيا الاقتصادي خلال السنوات الأخيرة مع نهضة حزب أردوغان السياسي، حيث كان نمط أردوغان المتمثل بحركة ديمقراطية إسلامية مدعومة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة وبسياسة خارجية قائمة على مبدأ “ تصفير المشاكل مع الجيران” (وهي سياسة أصيبت بالجمود خلال الربيع العربي وباءت بالفشل مع إسرائيل) يعتمد بشكل كبير على “الأموال الخليجية” – وليس على قطر وحدها. فمع أن الاستثمارات القطرية في تركيا شهدت طفرة في العام 2013، إلا أن 1.2 مليار دولار من قيمتها الإجمالية البالغة 1.5 مليار يأتي من استثمارات تعود إلى السنوات الأربعة الماضية. وفي حين تعتبر قطر حليفًا ماليًا وسياسيًا مهمًا لتركيا، فإن السعودية والإمارات والكويت وحتى اليمن تشكل هي أيضًا جهات استثمار كبيرة في تركيا. وفي الوقت عينه، تشكل دول مجلس التعاون الخليجي وُجهاتٍ مهمة للشركات التركية وخصوصًا في مشاريع مقاولات بناء المطارات في السعودية والكويت وقطر.
الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا حسب الدولة (بملايين الدولارات)
أفاد تقرير صادر عن منتدى أكسفورد للدراسات حول الخليج وشبه الجزيرة العربية أن حجم التجارة المشترك الناتج عن أكبر الشركاء التجاريين لتركيا في دول مجلس التعاون الخليجي بلغ نحو 16 مليار دولار سنة 2014 مسجلاً ارتفاعًا من 1.49 مليار دولار في العام 2002، بينما وصلت قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في تركيا من دول الخليج بين عامَي 2010 و2014 إلى حوالي 2.8 مليار. ويشير التقرير نفسه إلى أن الإمارات والسعودية كانتا عام 2014 كبرى أسواق الصادرات التركية إلى دول الخليج، وتضمنت هذه الصادرات منتجات رئيسية كمواد البناء والحديد والفولاذ، بحيث تلقّت السعودية والإمارات 10 في المئة من صادرات الفولاذ التركية عام 2010. أضف إلى أن التجارة بين تركيا ودول الخليج في القطاعات الحساسة كالدفاع تعتبر متينة، بحيث استحوذت البحرين والسعودية والإمارات على نسبة 25 في المائة من صادرات الدفاع التركية بحلول العام 2012. ولذلك فإن العلاقات الجديدة بين تركيا وقطر في مجال الدفاع قد لا تعادل أو تستبدل هذه التدفقات التجارية المهمة.
كما أن المقاولين الأتراك هيمنوا في السنوات الأخيرة على أسواق البنى التحتية الخاصة ببناء المطارات الجديدة وتشغيلها في مختلف دول الخليج، وسوف يثمر عقدٌ جديد أبرم في حزيران/يونيو عن ثلاثة مطارات جديدة في السعودية تشغلها شركة المقاولات التركية “تي إي في”. وكذلك سوف يبني المقاولون الأتراك محطة طيران إضافية بقيمة 4.4 مليار دولار في الكويت هذا العام.
علاوةً على ذلك، يعتمد القطاع المصرفي في تركيا على التمويل الخليجي إلى حدٍّ كبير ولا سيما في القطاع المالي الإسلامي المعروف باسم “المصارف التشاركية” في تركيا. فملكية المصارف الصغيرة التي تشكل النسبة الكبرى من القطاع المالي الإسلامي في تركيا تعود لأطراف خليجية.
وبحسب البحث الذي أجرته شركة جي. بي مورغان، تعود ملكية 90 في المائة من أصول السوق “التشاركية” أو التمويل الإسلامي إلى ثلاث مؤسسات مالية هي بنك البركة التركي وبنك تركيا فاينانس والبنك الكويتي التركي، مع الإشارة إلى أن بنك البركة ينتمي إلى مجموعة البركة المصرفية – البحرين التي تملك حصة 54 في المائة من فرعها التركي، فيما يعدّ بنك تركيا فاينانس ثاني أكبر مصرف تشاركي في تركيا مع أصول قيمتها حوالي 11 مليار دولار ويخضع للبنك الأهلي التجاري وهو أكبر مصرف في السعودية ويستحوذ على حصة 67 في المائة من رأسمال المساهمين وله نية بالاستحواذ على حصة أكبر. أما البنك الكويتي التركي فهو مصرف خاص تابع لبيت التمويل الكويتي ومملوك من الهيئة العامة للاستثمار في الكويت وجهات حكومية أخرى.
مع تمادي الخلاف بين دول مجلس التعاون الخليجي، سوف تنتشر تأثيراته الاقتصادية على التجارة والتمويل في كافة أرجاء المنطقة. وفي حين أن قطر قد تتمكن من تخطي الصعوبات الناجمة عن العزل الذي تفرضه عليها دول الخليج المجاورة، تبقى العديد من الاقتصادات الأخرى في المنطقة على غرار تركيا معرضة للإضرار بالاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إليها في القطاعات الحساسة كالقطاع المصرفي. والواقع أن قدرة تركيا على تسيير أعمالها في مختلف دول الخليج ضمن عقود مقاولات ضخمة تواجه هي أيضًا صعوبات جمة.
مع اقتراب عام 2024 من نهايته، لا يزال عدم اليقين يخيم على أسواق النفط بسبب المخاطر الجيوسياسية، وضعف الطلب الصيني الذي جاء أقل من المتوقع، والتطورات المتعلقة بالتحول في مجال الطاقة.
مع سعي ترامب لتحقيق زيادة هائلة في إنتاج النفط والغاز الأمريكي، وعرقلة صادرات النفط الإيرانية، فإنه لن يتردد في التدخل بقوة في سوق النفط.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.