قبل ظهور الإنترنت في الخليج، يتذكر جيل الألفية حقبة كانت فيها المحتوى الإعلامي مقتصراً على المحتوى الذي كان يُبث على التلفزيون، ونادراً ما كان هذا المحتوى من إنتاج خليجي. فربما يفتح الشاب العائد لبيته من المدرسة قناة MBC 4 ويشاهد برنامج “دكتور فيل” أو”أوبرا” أو برنامج (Days of Lives)، أو أي برنامج هزلي كان يعرض في ذلك اليوم من عقد التسعينيات أو العقد الأول من القرن العشرين من إنتاج هوليوود. فالسينما الخليجية التي أنتجت التحف الفنية، مثل أول فيلم روائي خليجي “بس يا بحر“، لم تعد موجودة، أما الأعمال الدرامية المحلية التي كانت تعرض على الشاشة فقد ظلت مرتبطة بالصور النمطية الدراماتيكية المألوفة.
تقوم عملية الترابط الرقمي عبر شبكة الانترنت اليوم بربط دول الخليج العربية بعضها ببعض وبالعالم بأسره. فالمحتوى الذي ينتجه الخليجيون، الذين أصبحوا صانعين محتوى ومستهلكين، أصبح اليوم يضاهي المحتوي الذي ييتم انتاجه في هوليوود وبوليوود. كما قامت حكومات دول الخليج العربي بالاستثمار في صناعة المحتوى، وبجذب الأفلام العالمية لأبوابها، حيث تقود السعودية هذا المجال باستثمار 234 مليون دولار من خلال برنامج تمويل قطاع الأفلام، الذي يهدف لتعزيز البنية التحتية في مجال الأفلام عبر توفير منح مادية للأفراد والشركات المتخصصة بتطوير وإنتاج الأفلام، ويعكس هذا الاستثمار التزام الدولة بتشجيع المبدعين، ودعم الاهتمامات التي يتبناها الشعب السعودي.
التقى معهد دول الخليج العربية في واشنطن مع المنتجة والكاتبة البحرينية إيمان الصباح. إيمان هي مؤسِّسَة فيبلميل Fablemill))، وهي شركة إنتاج واستشارات ناشئة تقدم الاستشارات في مجال الترفيه والثقافة، كما أسست إيمان منصة إندي سوق (IndieSouq) والتي هي أول منصة جماهيرية لتمويل المخرجين السينمائيين في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
أسست إيمان شركة فيبلميل عام 2020 بهدف تعزيز الأصوات العربية من خلال السينما والتلفزيون. فقد غادرت وظيفتها لكي تنتج الأفلام التي ترغب برؤيتها، وقد أفلحت في هذا الخيار حيث باتت فيبلميل للإنتاج شركة مرموقة في عالم الانتاج والاستشارات الإبداعية، وحازت على جوائز محلية وعالمية لفيلمها الأول “حلم صغير” منها جائزة أفضل فيلم من دول مجلس التعاون الخليجي في مهرجان أفلام السعودية، وجائزة الشراع الفضي في مهرجان الخليج للإعلام.
الرحلة نحو صناعة السينما وشركة فيبلميل
لطالما كانت إيمان تطمح في أن تكون مخرجة سينمائية، ولكن ندرة فرص الإخراج السينمائي وقت تخرجها من المدرسة الثانوية جعلتها تستسلم للعمل في مجال الهندسة. ومع ذلك، لم تتخلَّ إيمان أبداً عن حلمها في أن تصبح مخرجة سينمائية يوماً ما. لقد جربت العديد من الهوايات أملاً في إشباع رغبتها الإبداعية، إلا أنها تعيدها دائماً للسينما والتلفزيون.
عند النظر في المحتوى المتاح على شاشات التلفاز في الخليج ومن الخليج، قالت إيمان “لم يُسمح لنا بالتعبير عن إنسانيتنا في التلفاز أو الشاشة، حتى الإنتاج المحلي كان غارقاً في الصور النمطية نفسها التي ترسخها وسائل الإعلام الغربية”. بدأت إيمان في الكتابة لكي تحارب هذه الصور النمطية، وقررت أخيراً إنشاء فيبلميل، من أجل صناعة محتوى جديد، مبتكر والذي من شأنه أن يعبر عن واقعية الإنسان الخليجي بكل ما يحتويه، وبذلك تعرض فيبلميل المزيد من الأمثلة الواقعية والقصص المبتكرة والمواهب الجديدة.
حقبة قديمة من السينما الخليجية
عندما سُئلت عن العصر الذهبي للسينما الخليجية، قالت إيمان، “كانت للسينما الخليجية عصراً ذهبياً فيما بين التسعينات وبداية القرن الحالي. أتذكر أنه كان هناك مسلسل درامي مشهور في بدايات العقد الأول من هذا القرن الذي أثر في قلوب الناس. كان مسلسلاً مؤثراً للغاية لأنه سلط الضوء على جزء مهمش من المجتمع. أعتقد أنه نظراً لنجاح ذلك المسلسل، اعتقد منتجي المحتوى في ذلك الوقت أن صيغة هذا المسلسل ناجحة، فاستمروا في صناعة مسلسلات بذات الأنماط المستخدمة في المسلسل الذي حاز على قلوب الجماهير، ولكن مع حبكات قصصية لم تقدم موضوعات أو وجهات نظر جديدة، فكانت تلك هي ولادة المسلسلات الخليجية المفرطة في الدراما المعروف قصصها وحبكاتها لدى المجتمع الخليجي”
هذه الأعمال الدرامية هي ما يتذكرها جيل الخليجيين الألفي، والتي تمثل بالنسبة لبعضهم المحتوى الخليجي الوحيد، وغالباً ما كان يتم إنتاجها سنوياً، وتصدر خلال شهر رمضان. إن الشخصيات الكلاسيكية والصور النمطية التي تشير إليها إيمان لا تزال حية في بعض المسلسلات الخليجية، وتتمثل في حماة متسلطة، وزوجة ضحية العنف المنزلي، وأب متعسف، وزوج يعيش حياة سرية مع عائلة أخرى، ومراهق متمرد، وغيرها من الأنماط الدرامية. رداً على هذه الأنماط القديمة للمسلسلات الخليجية، تهدف شركة فيبلميل لتقديم منظور مختلف للثقافة الخليجية وتاريخها.
منظومة السينما والتلفزيون في دول الخليج
بدأت دول الخليج في الاستثمار بكثافة في الإنتاج السينمائي والتلفزيوني، تماشياً مع غيرها من المبادرات الهادفة للتنويع الاقتصادي. وقد رسخت الإمارات مكانتها كوجهة لمشاريع الإنتاج الإعلامي العالمي من هوليوود إلى بوليوود. وفي الآونة الأخيرة، أقامت دول الخليج أيضاً مهرجانات سينمائية لدعم المنتجين المحليين، ودعمت المخرجين السينمائيين بالمال. فمهرجان البحرين السينمائي على سبيل المثال يعقد الآن دورته الرابعة، والتي عرض فيها 89 فيلماً من جميع أنحاء العالم العربي صدرت في عام 2024. كما يعقد مهرجان أجيال السينمائي في دولة قطر دورته الرابعة عشر. كما تتصدر السعودية حالياً مشهد الإنتاج السينمائي الخليجي خلال تنظيم المهرجانات ودعم المنتجين والفنيين والحرفيين في مجال السينما. وأكدت إيمان ذلك بقولها، “إن ما حدث في السعودية وحدها في السنوات القليلة الماضية أمرٌ لا يصدق. فلدينا ثلاث مهرجانات سينمائية أُقيمت في السعودية، وقد أنتجت 95 فيلماً محلياً في العام الماضي وحده، والعديد منها حقق نجاحات كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي”.
وتتميز السعودية أيضاً بدعمها للسرد والإنتاج المحليين. فلا يقتصر الدعم المالي الحكومي على المبدعين السعوديين فحسب، وإنما تمنحهم أيضاً تصريحاً للتجريب والإبداع الفنيين، وهذا، على حد قول إيمان، يمنحهم تأثيراً متواصلاً على الإنتاج المحلي في الخليج والشرق الأوسط. تكتسب الأفلام السعودية اهتماماً دولياً بسبب هذه الحرية الفنية. وهذا بدوره يؤثر بشكل إيجابي على المخرجين السينمائيين الخليجيين، الذين كانوا على هامش فضاء الإخراج السينمائي الدولي- حيث أصبحوا اليوم جزءاً لا يتجزأ من السينما العالمية بسبب التأثير بعيد المدى الذي تحظى به الأفلام السعودية.
كما جمعت المهرجانات السينمائية الإقليمية، مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الفنانين والمبدعين الإقليميين الذين كانوا في معظم الأحيان يعملون في عزلة. فها هو المشهد السينمائي العربي يجتمع للمرة الأولى منذ ستينيات القرن الماضي. تقول إيمان، “ها هي الأفلام المصرية تعرض في المهرجانات السعودية، والعكس صحيح. لقد أصبح العالم العربي مثل القرية الواحدة أكثر مما كان عليه في السابق في مجال الإخراج السينمائي وإنتاج المحتوى. لقد اعتدنا على استهلاك المزيد من المحتوى الغربي، والآن نحن متحمسون لمشاهدة المزيد من روايات بلداننا”.
وفي سياق الحديث عن التحديات التي تواجه صناعة السينما والتلفزيون، ذكرت إيمان الصعوبة في تحقيق الربح لكل منهما. فثمة منافسة شديدة بين المنصات المختلفة والتلفزيون. فباستثناء السعودية، لم يتعاف الحضور في قاعات العرض السينمائي منذ جائحة فيروس كورونا. في الواقع، إن نسبة الحضور في القاعات السينمائية مستمرة في التراجع في جميع أنحاء العالم.
دار للإنتاج وشركة استشارية
يمثل فيبلميل أستوديو لإنتاج محتوى محلي لديه بعد عالمي في مجال التلفزيون والسينما. “نريد للسوق المحلي أن يشاهد قصصنا ويتفاعل معها. ونريد للعالم أن يرى ما نحن عليه من خلال ابتكار حكايات مشوقة تلقى صدى لها لدى الجمهور العالمي. ولكن إنتاج المحتوى الذي يرضي السوق المحلي والعالمي أمر صعب للغاية، لأنه يتطلب إرضاء السوقين. يجب علينا أن ننتج ونسق بأن أفلامنا وقصصنا المحلية لديها الفرصة بأن تكون جذابة عالمياً”.
عندما قررت إيمان تأسيس شركة فيبلميل، كانت تهدف في الأساس لإنتاج الأفلام والمسلسلات. ولكن من أجل تمويل دار الإنتاج، وتوسيع تأثيرها في مجال الترفيه والثقافة، أنشأت إيمان في البداية فرعاً استشارياً للشركة؛ تقول، “الاستشارات مهمة جداً بالنسبة لنا، ليس لأنها تدعم المحتوى الذي ننتجه فحسب، ولكنها تجعلنا كذلك جزءاً فعالاً من الصناعات الإبداعية من خلال دعم المؤسسات، وتمكين المواهب المحلية، وتنمية الفرص التي تساعد الاقتصاد الإبداعي على الازدهار. إن خبرتنا على أرض الواقع، وإمكانية وصولنا وفهمنا للأسواق المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي تمنحنا وجهة نظر فريدة، فنحن نفهم كلاً من الفاعلين وأصحاب المصلحة، ويمكننا سد الفجوة بين الطرفين، مما يخلق منظومة مزدهرة ومستدامة”.
منصة إندي سوق تسد فجوة التمويل
أعرب العديد من المخرجين السينمائيين عن أن عملية الحصول على التمويل يمكن أن تكون الجزء الأصعب والأكثر استهلاكًا للوقت في عملية صناعة الأفلام. يواجه العديد من المخرجين الشباب في الخليج مشاكل في تمويل أفلامهم، والوصول بها لمرحلة الإنتاج. فأدوات التمويل نادرة في الخليج والشرق الأوسط على نطاق أوسع. تقوم السعودية الآن بسد هذه الفجوة، ولكن على المستوى المحلي في معظم الأحيان.
تعمل منصة إندي سوق على معالجة مشكلة التمويل بكونها منصة تمويل جماعي مخصصة للإنتاج السينمائي والتلفزيوني. وتمنح المخرجين السينمائيين الفرصة لإنتاج النوع من الأفلام التي تلبي طلبات جمهورهم. وتعد واحدة من بين منصتين فقط للتمويل الجماعي القائم على نظام المكافآت في الشرق الأوسط. ومع ذلك، تقر إيمان بأن الناس في المنطقة لا يزالون غير معتادين على التمويل الجماعي، خاصةً عبر الإنترنت والمشاريع الإبداعية. وسوف تتمثل مهمة منصة إندي سوق في السنوات القليلة القادمة في توعية الجمهور بأهمية التمويل الجماعي وأساليبه.
إحياء القصص
عندما سُئلت إيمان عن أنواع الحكايات التي تتبناها شركة فيبلميل، قالت إنهم يرغبون في عرض قصص فريدة لأصوات لم يتم تمثيلها تقليدياً على الشاشة. لهذا السبب تعتبر فيبلميل الأصوات النسائية مهمة بشكل خاص، وهذا هو أيضاً سبب ظهورهن بكثافة في المحتوى الذي أنتجته الشركة حتى الآن.
وتضيف، “أتمنى أن تكون هناك جرأة أكبر في مجال سرد الحكايات. أريد سماع المزيد من القصص من أناس لم نسمعهم من قبل، وأريد عرض المزيد من جوانب الضعف التي لم نشاهدها على الشاشة. كما أنه سيكون من الممتع أن نرى أنواعاً مثل الخيال العلمي وأفلام الرعب التي لم تظهر في تاريخ المشهد السينمائي، الذي يتم انتاجه في الخليج. أملي أن تصبح فيبلميل شركة تُعرَف بطريقتها المبتكرة في سرد الحكايات، والمحتوى الجديد المشوق، وتقديم تجارب لم تكن موجودة من قبل. أما بالنسبة لمنصة إندي سوق، فإنني آمل أن تؤتي آلاف المشاريع ثمارها، من قصص الأطفال إلى الكتب والأفلام. وأتمنى اتاحة الفرصة لجميع المبدعين الشجعان في الشرق الأوسط ليكملوا إنتاج عملهم ويشاركونه مع العالم”.
يعود ترامب إلى البيت الأبيض بأسلوب صادمي، ويصدر قرارات مثيرة للجدل، من العفو عن مقتحمي الكابيتول إلى ترحيل المهاجرين ووقف المساعدات الأمريكية. كما بدأ حملة انتقام ضد خصومه.
تعد السعودية شريكًا مالياً واقتصادياً مهماً للولايات المتحدة، ولكن يتم حالياً المبالغة في أبعاد الاستثمارات والتجارة السعودية الفعلية المحتملة مع الولايات المتحدة.
إن الأمر التنفيذي الذي أصدره ترامب، والذي يعيد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية أجنبية، يعد تهديداً بالقيام بعمل عسكري مباشر ضد الحوثيين، ما من شأنه أن يزيد احتمال انجرار الولايات المتحدة إلى صراع آخر طويل الأمد في الشرق الأوسط.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.