غالبًا ما يُنظر لصناعة الأفلام في الخليج كظاهرة جديدة، حيث بدأ الأمر قبل خمسة عشر عامًا مع المبادرات الحكومية لصناعة الأفلام في الإمارات العربية المتحدة وقطر، وقد بدأت الصناعة بالظهور الآن في السعودية. لكن صناعة الأفلام في الخليج تعود إلى الأيام الأولى لظهور الكاميرا المتحركة، علمًا بأنها نادرًا ما كانت في أيدي صناع السينما الخليجيين. في عام 2013، طلب مهرجان دبي السينمائي الدولي من 475 شخصًا من صناع الأفلام، مخرجين ونقاد وأكاديميين، اختيار أبرز 100 فيلم عربي على مدى أكثر من 100 عام من صناعة الأفلام العربية. ولم يظهر على القائمة سوى فيلم واحد لمخرج خليجي، وهو فيلم “بس يا بحر” للمخرج الكويتي خالد الصدّيق. ويعد “بس يا بحر”، الذي ظهر عام 1971 أول فيلم روائي طويل يتم إنتاجه بواسطة مواطن خليجي، وشهد الفيلم الظهور الأول لاثنين ممن يعتبرون الآن من أساطير ممثلي المسرح والتلفزيون في الكويت، حياة الفهد وسعد الفرج. يلعب الممثلان دور والدي الشاب (محمد المنصور) الذي يصر على السير على خُطى والده ويصبح صياد للؤلؤ رغم توسلاتهما له بعدم القيام بذلك. ولكن في محاولة يائسة منه لكسب المال من أجل الزواج من جارته نورا (أمل باقر)، التي تنحدر من أسرة أكثر ثراء، عصى بشدة رغبات والديه.
تحفة فنية مستترة
حتى بعد مرور أحد عشر عامًا، أحيت قائمة مهرجان دبي السينمائي الدولي الاهتمام بالفيلم من جديد، وطرحت سؤال لم تكن له إجابة إلى حد ما، “أين يمكن مشاهدة الفيلم؟” حيث توفي الصدّيق عام 2021 دون أن يضع الفيلم بين يدي أي موزع. كان رجلاً نحيلًا وذكيًا، وكان مفعم بالحيوية حينما يتعلق الأمر بأفلامه، ما تسبب في بقاء أعماله في عزلة إلى حد ما. ومع زيادة الوعي الخليجي بضرورة تطوير تاريخ وتراث المنطقة، بما في ذلك التراث السينمائي، رفض الصدّيق إجراء المقابلات ومشاركة أفلامه لما سمّاها “أسبابًا قانونية.”
لقد كان محافظاً بشدة على فيلم “بس يا بحر” لدرجة أنه سلم قرص الدي في دي (DVD) يدويًا عند عرض الفيلم في جامعة نيويورك أبوظبي عام 2018. وطالب باستعادة القرص قبل فقرة النقاش. كان ذلك العرض هو آخر ظهور علني للصدّيق، الذي روى فيه قصة صناعة الفيلم. ولد الصدّيق عام 1945 لعائلة تعمل في التجارة، وتلقى تعليمه في مدرسة سانت بطرس الثانوية في بومباي في حقبة ما قبل النفط. استهل دخوله في صناعة الأفلام بالتطوع في أستوديوهات السينما في الهند. ثم خالف رغبة والده في التركيز على الأعمال التجارية، وبدأ في صناعة الأفلام. أخرج الصدّيق العديد من الأفلام القصيرة في الستينيات، حيث بدأ عام 1965 بفيلم “عليا وعصام”، وهو قصة حب سيئة الطالع مستوحاة من قصيدة شعر بدوية. لقد مثل في العديد من أفلامه، وقام بتمويلها جميعًا من ماله الخاص. وقال في عام 2018، “حتى إنني بعت بعض الأراضي لإنتاج فيلم “بس يا بحر”. لكن لم يرَ أحد في الكويت نسختي النهائية آنذاك”.
ولكون الفيلم يعكس زمن إنتاجه، وهى الفترة التي غالبًا ما يطلق عليها حقبة السينما العربية الجديدة، من منتصف الستينيات وحتى منتصف السبعينيات، وقد اجتمع تأثير مدرسة الواقعية الإيطالية والتعاطي مع الاضطرابات السياسية لإيجاد مجموعة من الأفلام العربية المستقلة التي تأثرت بالميلودراما العربية، ولكنها تجاوزت الحدود من خلال الاهتمام بالتاريخ المنسي أو غير الموثق والاختلافات الطبقية والجنسانية. ونتيجة لذلك، خضعت العديد من هذه الأفلام للرقابة، أو مُنعت من العرض في العالم العربي. لم يكن فيلم “بس يا بحر”، الذي يمتاز بالثراء البصري، استثناءً. وعلى الرغم من فوز الفيلم بجائزة فيبريسكي (FIPRESCI) من الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين في مهرجان البندقية السينمائي في أول ظهور له، ومستمر في الفوز بجوائز في المهرجانات السينمائية الدولية في شيكاغو وطهران ودمشق وقرطاج، إلا أن الكويت فرضت رقابة على الفيلم بسبب مشهد تم إخراجه بشكل مريع، يصور العنف الجنسي مصحوبًا برقص النساء وزغاريد الجلوة “يلوة” (طقوس الطهارة والنقاء) في حفل زفاف.
تقول هند مزينة، وهي فنانة وكاتبة إماراتية نظمت العديد من البرامج السينمائية، “يعتبر الفيلم كلاسيكيًا، فهو يتطرق لجزء من تاريخ الخليج الذي أعتقد أن الكثيرين يتجنبونه أو يلطفونه من حقبة ما قبل النفط… ويعد من الأفلام الهامة من المنظورين التاريخي والجغرافي. هناك فقط القليل من الأفلام ذات الجودة في المنطقة، والتي تستحق الحماية والمحافظة عليها وإحياءها من أجل الأجيال القادمة”.
لم يخرج الصدّيق سوى فيلم روائي آخر وهو “عرس الزين“، الذي تدور أحداثه في قرية أفريقية خيالية، ومُقتبس من قصة للكاتب السوداني الشهير الطيب صالح. تم اختياره لمهرجان كان السينمائي عام 1976، ولكن لم يتم تداوله أيضًا.
“بتصويره لفيلم “عرس الزين” في السودان، كان من أوائل المخرجين الكويتيين الذين قاموا بتصوير أفلام روائية خارج الكويت”. على حد قول نجاة الشريدة الباحثة الكويتية في مجال السينما، وتضيف “ولم تقتصر جهوده على إظهار الإبداع، وإنما كان يتعمد تجاوز الحدود أيضًا، وجذب بذلك الجماهير العالمية، وعرض وجهات النظر الخليجية على نطاق أوسع”.
في عام 1990، كان الصدّيق يعمل على مونتاج فيلم “شاهين الشتاء والصيف”، الذي تم تصويره في إيطاليا وآسيا، لكنه توقف عن العمل عليه بعد تخريب بعض اللقطات الأصلية خلال الغزو العراقي للكويت. ولم يقم بعرض الفيلم أبدًا.
إرث “بس يا بحر”
يظل فيلم “بس يا بحر” بمثابة إرث سينمائي للصدّيق، ويعد حاليًا الفيلم الخليجي الأشهر عالميًا، على الرغم من بعض الانتقادات الأكاديمية التي تفيد بأن الفيلم قد تغاضى عن الاختلافات العرقية والطبقية في المجتمع الكويتي على الرغم من جرأته في طرح القضايا الجنسانية.
منذ صناعة الصدّيق لفيلم “بس يا بحر” وحتى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقبل أن تبدأ الحكومات الإماراتية والقطرية والسعودية بالاستثمار في الإنتاج السينمائي، لم يكن هناك سوى عدد قليل جدًا من الأفلام الروائية الخليجية، ولم يعرض معظمها سوى في نوادي السينما والتعاونيات السينمائية الشعبية. منذ أن بدأت الحكومتان الإماراتية والقطرية الاستثمار في السينما والمهرجانات السينمائية في عام 2006، وانضمت إليهما السعودية في عام 2018، تم تعزيز إنتاج الأفلام السينمائية في الخليج، لكن نجاح هذا الإنتاج ظل محدودًا داخل حدود هذه الدول. وعلى غرار العديد من النقاد السينمائيين، كان الصدّيق رافضًا لما يصدر [من أعمال فنية] من الخليج بعد المبادرات السينمائية الإماراتية والقطرية؛ حيث قال في عام 2018: “صناع السينما الخليجيون لا يجازفون في هذه الأيام. ولا يمكن أن تصنع فيلمًا عظيمًا ما لم تقوم ببعض المجازفات”.
لقد كان من دواعي سروره أن يشجع الجيل الجديد. يقول مقداد الكوت، المخرج الكويتي الذي أشركه الصدّيق في أفلامه القصيرة، “إن فيلمه يعني الكثير بالنسبة لي. لقد كبرنا نحن المخرجين الشباب دون أن يكون أمامنا مخرجون كبار نقتدي بهم باستثناء أفلام الصدّيق”، ويضيف، “على الرغم من الفجوة الجيلية، فقد كان يتصل بنا ويدعمنا. وعلى الصعيد الشخصي أيضًا، فإن أفلامه القصيرة التجريبية، إضافة إلى تقديره لأفلامي، تعطيني الثقة بتجربة المزيد من التصوير السينمائي”.
بالنسبة للصدّيق، كان الاستقلال المالي والرغبة في حماية أعماله من الرقابة أو التوزيع غير القانوني من الأمور الجوهرية في شخصيته، لدرجة أنه في إحدى القصص، التي كان يحب أن يرويها، في أوائل السبعينيات، عندما طلب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس ومؤسس دولة الإمارات حديثة النشأة آنذاك، مشاهدة فيلم “بس يا بحر”، سلمه له الصدّيق بنفسه. هذه رفاهية لا يستطيع معظم المخرجين تحملها، كما أن الأمور المالية قد قيدت قدراته الإنتاجية. وكان يشعر أنه غالبًا ما يتم استبعاد المخرجين من المعادلة عندما يتعلق الأمر بأرباح التوزيع. لا تزال أفلام الصدّيق موجودة كجزء من ممتلكاته، ولم يتم عرض فيلم “بس يا بحر” للجمهور منذ وفاته عام 2021. تستحوذ أرملة الصدّيق على أعماله، ولا تزال حقوق التوزيع والعرض وإعادة ترميم أمرًا معلقًا. يجب على عشاق الأفلام المتحمسين الاكتفاء حاليًا بالأفلام المبتذلة على اليوتيوب. يمكن اليوم وصف فيلم “بس يا بحر” بكل رونقه البصري بأنه تحفة فنية بلا جمهور.
بصرف النظر عمن سيفوز بمنصب الرئاسة في نوفمبر، فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة لاستراتيجية تسمح لها بحماية التجارة الحرة والمفتوحة في البحر الأحمر دون أن تتورط في صراع مفتوح في اليمن.
سوف يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل أن تترجم إسرائيل انتصاراتها العسكرية الواهية إلى حلول سلمية مع الفلسطينيين ومع جيرانها العرب الأخرين، بمن فيهم بقية دول الخليج العربية.
ستشهد دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيات وسلبيات مهما كانت نتيجة لانتخابات الرئاسية الأمريكية، لكن دول الخليج ستعتمد على ديمومة العلاقات طويلة الأمد مع الولايات المتحدة.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.