لدول الخليج العربية مصلحة كبيرة في نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، نظراً لكيفية تأثير السياسات والقيادة الأميركية على المنطقة. ومع ذلك، بالنظر لهذه الحقائق، فمن الضروري، أن نحاول تكوين نظرة عامة على الكيفية التي قد تؤثر بها نتائج الانتخابات على المنطقة بطرق مختلفة. وكما هو الحال مع جميع البلدان تقريبًا، فإن السياسة الخارجية الأميركية تختلف بدرجة قليلة جداً من إدارة إلى أخرى من حيث ما قد يوحي به خطابها أو أيديولوجيتها أو التوقعات العامة منها. وعادة ما تكون عوامل الاستمرارية أكثر شيوعًا من دوافع التغيير الجذري. وذلك لأن حتى القادة الذين لديهم مواقف مختلفة بشكل كبير عن سابقيهم من الرؤساء يرثون نفس التحديات والخيارات السياسية المحتملة، حيث أن السياق الإداري في البلاد لا يتغير من خلال التغييرات في القيادة أو الحكومة أو النظام. ومع ذلك، هناك بعض الاختلافات المحتملة المهمة بين المرشحة الديمقراطية، نائبة الرئيس كامالا هاريس، ومنافسها الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي قد تؤثر على بعض أوجه هذه العلاقات مع دول الخليج.
ومن غير المتوقع أن تغير هاريس أو منافسها الجمهوري الشراكة التي حددت العلاقات بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي الست، أو تتخلى عنها بشكل جذري. كما أنه لا يوجد في أجندة أو خطاب كليهما ما يوحي بخلاف ذلك. وحتى عندما يشير المرشحون إلى تحولٍ كبير عن ما هو معتاد في السياسة الأمريكية – مثل تعهد الرئيس جوزيف بايدن بمعاملة المملكة العربية السعودية باعتبارها “منبوذة” خلال الانتخابات التمهيدية الديمقراطية عام 2020 – فإنه بمجرد توليهم القيادة والمسؤولية عن الأمن القومي، فإن المصالح الأساسية المشتركة في الأمن والاستقرار الإقليمي تجبر الرئيس على التخلي عن مثل هذا الخطاب السياسي وإصلاح العلاقات الشخصية، كما فعل بايدن مع الرياض بزيارته إلى جدة بعد 18 شهراً من تنصيبه، لكي يحافظ على هذه الشراكة ذات الأهمية البالغة.
ولكن من الممكن أن نلاحظ بعض الاختلافات في سياسة المرشحين، التي قد تكون مهمة بالنسبة لدول الخليج العربية بناء على نتائج الانتخابات. ومع ذلك، عند النظر في هذه الاختلافات، فإن قراءة سجل هاريس كنائبة للرئيس، المثقل بأجندة السياسة الخارجية للرئيس بايدن، يجعل من الصعب استخلاص مؤشرات سياسية حول سلوكها إذا تم انتخابها رئيسة مقارنة برئيس سابق. هناك بالفعل تقارير تظهر في وسائل الإعلام تشير إلى أن هاريس، إذا تم انتخابها، قد تتخلى عن تفضيل الإدارة الحالية للديمقراطية على الاستبداد بالسلطة.
مبيعات الأسلحة
فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة، من المرجح أن يكون ترامب مرحباً بسبب منظوره القائم على المعاملات والأقرب إلى العقلية التجارية. خلال فترة عملها في مجلس الشيوخ، قبل أن تشغل منصب نائبة الرئيس، انضمت هاريس إلى آخرين في السعي لفرض قيود على مبيعات الأسلحة إلى السعودية بسبب المخاوف المتعلقة بالحرب في اليمن ومقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في عام 2018. وفي عام 2021، فرضت إدارة بايدن حظرًا مؤقتًا على مبيعات الأسلحة الهجومية للسعودية، ومع ذلك، تم استئناف صفقات الأسلحة في أبريل/نيسان وسط حالة انعدام الأمن المتزايدة في المنطقة. من المرجح أن حملة الهجمات التي تستهدف طرق الشحن التجاري في البحر الأحمر من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن، وهجمات الحوثيين الصاروخية ضد إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لم تقنع الديمقراطيين بالمنطق السليم وراء التدخل العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي بدأ في عام 2015، ولكن هذه الهجمات قطعت مسارًا طويلاً في تأكيد إصرار السعودية ودول الخليج الأخرى على أن الحوثيين يشكلون تهديداً كبيراً للمنطقة. وكان إقرار الديمقراطيين المتزايد بهذا التهديد واضحاً في إعادة وزارة الخارجية إدراج الحوثيين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية العالمية المصنفة بشكل خاص في يناير/كانون الثاني. ومن غير المحتمل أن يقوم أي من المرشحَينِ برفع الحوثيين من هذه القائمة خلال الإدارة المقبلة. وبصرف النظر عن التهديد الحوثي، فمن غير المحتمل أن تعيد هاريس فرض القيود على تحويلات الأسلحة الهجومية إلى السعودية، ما لم تحدث تطورات غير عادية.
هل هناك اتفاق ثلاثي؟
تبرز القرصنة الحوثية كأحد مظاهر الجهود العديدة التي تبذلها الجماعات ما دون الدولة التي ترتبط “بمحور المقاومة” الذي تقوده إيران. وفي حين كان هذا المحور قائماً قبل أعمال العنف التي ارتكبتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول ضد إسرائيل، أصبح الصراع بين إيران وإسرائيل في الأشهر الأخيرة مباشراً بصورة أكبر، وأقل ارتباطاً بالجماعات التي تعمل بالوكالة. ومن المحتمل أن يحافظ ترامب وهاريس على دعم واشنطن القوي لإسرائيل ضد إيران، لكن من المحتمل أن يختلفا بشأن القضية الأساسية المتمثلة في الحقوق الوطنية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي. كانت هاريس من بين أكثر أعضاء إدارة بايدن صراحة بشأن القلق على المدنيين الفلسطينيين، وإصدار دعوات مبكرة نسبيًا لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. لقد أكدت هاريس بقوة على دعمها لحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية. في المقابل، في عام 2020، اقترح ترامب ضم إسرائيل لما يصل إلى 30٪ من الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك وادي الأردن، الأمر الذي من شأنه أن يجعل أي كيان فلسطيني محاطًا بشكل كامل بإسرائيل الكبرى. كان فريقه المختص بشئون إسرائيل والفلسطينيين يعمل تحت قيادة أفراد متحالفين بشكل وثيق مع اليمين الإسرائيلي ومتعاطفين مع حركة المستوطنين، التي تسعى إلى حركة استيطان واسعة النطاق بدلاً من حل دائم لدولتين. من الصعب أن نتخيل أن هاريس لن تكون أكثر تعاطفاً مع السلطة والتطلعات الفلسطينية مقارنة بترامب، الذي يتحالف بقوة مع المجموعات المسيحية الأصولية، التي تدعم بقوة إنشاء إسرائيل الكبرى، والمعادية للتطلعات الفلسطينية، والداعمة بشدة للمطالب الإسرائيلية المتطرفة.
إن العودة المحتملة للمتعاطفين مع اليمين الإسرائيلي وحركة الاستيطان تجعل من غير المرجح أن يضغط ترامب، في فترة ولايته الثانية، على إسرائيل لتكون أكثر تجاوباً بشأن الحاجة إلى دولة فلسطينية، كما أكدت السعودية في الأشهر الأخيرة. ومع ذلك، فمن المتصور أن يدفعه طموحه باعتباره صانع صفقات تاريخية على تغيير وجهة نظره. لقد أدى هذا المطلب السعودي من جهة، والعداء الإسرائيلي الشديد لقيام دولة فلسطينية من جهة أخرى، لخلق عائق منيع أمام التوصل لاتفاق ثلاثي مقترح، من شأنه أن يؤدي إلى اتفاقية دفاع متبادلة جديدة بين الولايات المتحدة والسعودية، وإلى وضع ترتيبات للإشراف الأمريكي على إنتاج الطاقة النووية السعودية في مقابل تطبيع السعودية للعلاقات مع إسرائيل. ونظرًا لأن هذا كان مشروع بايدن، فقد يكون ترامب تواقًا لرفضه، لكنه قد يحاول بدلاً من ذلك إيجاد صيغة خاصة به. ومن المؤكد أن هاريس ستحاول إعادة النظر في المشروع، ولكنها قد تجد أن تغيير الموقف الإسرائيلي يكاد يكون مستحيلاً.
إن نتائج انتخابات مجلس الشيوخ سوف تساعد في تحديد ما إذا كان هناك أي أمل في التوصل لاتفاق ثنائي بين الولايات المتحدة والسعودية من دون المكون الإسرائيلي، ولكن هذا الاختلاف في الاتفاق الثلاثي الأصلي قد يكون غير قابل للتطبيق سياسياً في واشنطن. ومع ذلك فإن العودة المحتملة لشخصيات مثل صهر ترامب، جاريد كوشنر، الذي لا يزال قريباً من السعودية، التي تعهدت بمليارات الدولارات لصندوق الاستثمار الخاص به، قد توفر مساراً مختلفاً لخلق علاقات أوثق. ولكن نظراً لخصومته مع التحالفات الثابتة، فمن غير المحتمل أن يكون ترامب مهتماً باتفاقية دفاع متبادلة رسمية مع الرياض. كانت الإمارات تأمل في الحصول على شروط مماثلة إذا تم تأمين اتفاقية دفاع سعودية أمريكية، وكذلك كانت دول الخليج الأخرى تأمل في الاستفادة بشكل غير مباشر.
الطاقة النووية والنفط
قد يكون ترامب أكثر تجاوباً بشأن اتفاقية لتطوير الطاقة النووية السعودية إذا كانت مربحة للشركات الأمريكية، وتساعد في تأمين أسعار نفط منخفضة. لكن إدارة بايدن حققت تقدماً كبيراً في هذه القضية، لذلك يمكن لهاريس أن تستمر في هذا الاتجاه باعتباره مشروع ثنائي مستقل. فيما يتعلق بسياسة الطاقة الأشمل، سعى ترامب إلى تحقيق “الهيمنة”، ولكن في عهد بايدن، وبهدوء أكبر، زادت الولايات المتحدة حصتها بشكل كبير من إنتاج النفط العالمي. ومن المحتمل أن يضغط كل من هاريس وترامب من أجل خفض الأسعار من خلال زيادة الإنتاج من قبل تحالف أوبك بلس. وعلى الرغم من أن ترامب قد يكون أكثر تصميماً في هذا الشأن، إلا أن إدارة هاريس قد تعارض بقوة أكبر التعاون السعودي-الروسي الذي يدعم تحالف أوبك بلس. نادراً ما ينتقد ترامب سياسات روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتن، وقد يمتد هذا إلى تسامح أكبر مع توافق أوبك بلس.
مفاوضات الملف النووي مع إيران
لقد كانت إيران تشير بقوة إلى اهتمامها باستئناف المفاوضات بشأن الملف النووي مع واشنطن. وفي حال تم احتواء الصراع بين طهران وإسرائيل، فقد تستكشف إدارة هاريس بشكل جاد ما يمكن عمله. وعلى الرغم مما هو معروف عن عدائه لطهران، فإن طموحات ترامب في إبرام الصفقات قد تدفعه كذلك لأخذ هذا الاحتمال على محمل الجد، على الرغم من أنه من المحتمل بالقدر نفسه أن تؤدي المشاعر المعادية لإيران بين الجمهوريين إلى العودة لعقوبات “الضغوط القصوى” خلال فترة ولاية ترامب الأولى، والتي كانت تهدف لشل الاقتصاد الإيراني. ستكون دول الخليج في وضع أفضل بكثير للسعي إلى تأمين إدراج قضية شبكة الميليشيات الإيرانية في أي مفاوضات جديدة، وذلك في سياق ما اظهره الصراع الإقليمي خلال العام الماضي في أعقاب هجوم حركة حماس على جنوب إسرائيل من خطر هذه الميليشيات.
لا أفضلية واضحة
من المحتمل أن تظل العلاقات مع عُمان والكويت والبحرين مستقرة وودية في عهد إدارة ترامب أو هاريس. ومع ذلك، كانت دولة الإمارات الأكثر جرأة في السعي إلى التنويع الاستراتيجي والتحرك بعيداً عن الاعتماد المباشر على واشنطن. سعت أبوظبي، لكنها لم تستطع تأمين، اتفاقية دفاع ثنائية “صلبة” مع إدارة بايدن، على الرغم من أنها استطاعت تأمين تعاون أوثق. ومن المحتمل أن تكون هذه الدول حريصة على الحفاظ على علاقات وثيقة مع واشنطن، ولكن لديها شكوك أيضًا في كل من هاريس وترامب. ربما لا تفضل هذه الدول الأربع أي مرشح، وإن كان يعود ذلك لأسباب مختلفة. من المحتمل أن تحتفظ قطر بذكريات متبقية من دعم ترامب القوي المبكر لمقاطعتها من قبل السعودية والبحرين والإمارات ومصر، والتي بدأت في عام 2017. ومع ذلك، نظراً للتقارب المتفق عليه في يناير/كانون الثاني 2021، فربما لا يوجد لدى قطر سبب وجيه للقلق بشأن قضية المقاطعة التي لم تعد فاعلة في الوقت الحاضر. ومع ذلك، فإن وجود دائرة انتخابية جمهورية مؤيدة لإسرائيل ومعادية بشدة لقطر قد يخلق بعض المشاكل للدوحة. إن فوز ترامب قد يزيد من احتمالات توقف قطر عن استضافة القيادة السياسية لحركة حماس. وقد تصر إدارة هاريس، على نحو مماثل، على أن تصرف الدوحة النظر في نهاية الأمر عن هذه الضيافة والدعم، وإن كان من غير المحتمل أن تصر على هذه القضية بنفس القوة مقارنة بترامب.
وتتمحور أكبر الاختلافات بين ترامب وهاريس بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي حول القدرة على التنبؤ وعلى المواقف تجاه الشراكات التقليدية. تمامًا مثل بايدن، تمثل هاريس استمرارية لاستراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية القائمة على التحالفات والشراكات، في حين كان ترامب، في بعض الأحيان، معادياً لها بشكل خاص. ولكن بما أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تعتمد على تحالفات مرتبطة بمعاهدات ثابتة مع واشنطن، فإن ما تخسره من ميول ترامب الانعزالية هو أقل مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، مثل أعضاء حلف الأطلنطي. ومع ذلك، نظراً لأن هاريس تمثل نهجاً أمريكياً تقليدياً يؤكد على الاستمرارية والسياسات الواضحة، فربما ستوفر درجة أكبر من المصداقية لجميع شركاء واشنطن القدامى. وعلى العكس، فإن نهج ترامب الشخصي للغاية، الذي يقلل من أهمية السياسات التقليدية، وحتى المتماسكة، لصالح مصالحه السياسية ودوافعه الشخصية، يضفي قدراً كبيراً من عدم القدرة على التنبؤ بسلوك واشنطن الدولي. لقد كانت بعض دول الخليج، ولا سيما السعودية، متحمسة في البداية لإدارة ترامب الشخصية للغاية، خاصة نظرا لاختياره للرياض بصفته رئيساً لتكون محطة رحلاته الأولى للخارج. ولكن عدم القدرة على التنبؤ بنهجه أدى إلى صدمة بسبب فشل إدارته في الرد على الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية في عام 2019 على منشآت نفطية رئيسية تابعة لشركة أرامكو السعودية.
إن هذه الاختلافات الواسعة بين المرشحَين لا تشير إلى تفضيل واضح لأي منهما لدى أياً من دول الخليج، حيث يبدو أن لكل خيار إيجابيات وسلبيات محتملة. ومع ذلك، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي أن تتوقع ألا تشكل أي من النتيجتين أي تحدٍّ للعلاقة مع واشنطن. إن الشراكات طويلة الأمد التي تربط كلاً من الدول الست مع الولايات المتحدة، بطرق مختلفة ومتشابهة، سوف تستمر لا محالة، تقريبًا لأنها تدعم بقوة المصالح الوطنية لكلا الطرفين.