هذه المقالة هي جزء من سلسلة حول المقاتلين الشيعة الأجانب المدعومين إيرانيًّا وتأثيرهم المحتمل على ديناميكيات الأمن الإقليمي.
في خضم الحرب الأهلية في العراق، وبينما كانت الدولة الإسلامية في العراق والشام تهدد الحكومة المركزية في بغداد، تدفق العديد من الميليشيات الشيعية العراقية المدعومة من إيران إلى سوريا المجاورة للقتال من أجل بقاء نظام الرئيس بشار الأسد. ويبدو أن الخسائر التي تكبدها المقاتلون الشيعة العراقيون، والمشار إليهم بـ “الحيدريون“، أو أتباع الأسد، في إشارة إلى علي بن أبي طالب، الخليفة الرابع والإمام الأول للشيعة، كانت محدودة، الأمر الذي قد يشير إلى أن مشاركتهم العسكرية مقيّدة. ومع ذلك، فإن وجودهم في سوريا يثير سؤالين أساسيين: أولًا، لماذا أعطى هؤلاء الشيعة العراقيون الأولوية لسوريا بدلاً من الدفاع عن بغداد؟ ثانيًا، لماذا تقاتل الميليشيات الشيعية العراقية في سوريا في وحدات منفصلة بدلاً من ميليشيات شيعية عراقية موحدة؟ إن الإجابة على هذه الأسئلة لا تفسر فقط منطق التدخل الشيعي العراقي في سوريا، وإنما توضح أيضًا دوافع طهران: إنشاء فيلق شيعي أجنبي متعدد الجنسيات للحد من الخسائر العسكرية الإيرانية، وفي الوقت نفسه تمنع ظهور قوة شيعية عراقية وطنية قادرة على العمل بشكل مستقل عن الجمهورية الإسلامية.
واستنادًا إلى البيانات التي تم الحصول عليها من مسح لخدمات الجنائز التي عُقدت في العراق وإعلانات الموت الصادرة عن مختلف الميليشيات الشيعية العراقية، تكبد المقاتلون الشيعة الأجانب 117 فقيدًا في سوريا. بالمقارنة، قُتل 2526 شيعيًّا عراقيًّا في القتال ضد داعش في العراق. ينبغي اعتبار هذه الأرقام الحد الأدنى من التقدير، جزئيًّا بسبب السِّرية التي تمارسها بعض الميليشيات، وتعكس حجم الخسائر على كلٍّ من مسارح الحرب بدلاً من العدد الدقيق للقتلى.
المقاتلون الشيعة العراقيون الذين قتلوا في الحرب في كل من سوريا والعراق، من كانون الثاني 2012 إلى آب 2018
كما يبدو أن الميليشيات الشيعية العراقية قد تكبدت خسائر في سوريا أقل من المقاتلين من جنسيات أخرى. على سبيل المثال، قتل 158 مقاتلاً شيعيًّا باكستانيًّا و558 إيرانيًّا. في حين لا توجد معلومات مفتوحة المصدر عن عدد المقاتلين الشيعة العراقيين في سوريا، قد تكون نسبة الوفيات المنخفضة نسبيًّا مؤشرًا على وجودهم العسكري المحدود، بالمقارنة مع المقاتلين الأجانب الآخرين من الشيعة.
المقاتلون الشيعة الأجانب الذين قُتلوا خلال الحرب في سوريا ما بين كانون الثاني 2012 وآب 2018
الميزة الأبرز حول الميليشيات الشيعية العراقية هي طبيعتها المتشرذمة: في حين يتم تنظيم الأفغان والإيرانيين واللبنانيين والباكستانيين بشكل عام إلى ميليشيات وفقًا لجنسياتهم (باستثناء الضباط الإيرانيين المعارين إلى الميليشيات الأخرى)، يبدو أن المقاتلين الشيعة العراقيين في سوريا منقسمون إلى ميليشيات متعددة بدلاً من أن يكونوا ميليشيات شيعية عراقية وطنية موحدة، كما يوحي استخدام مصطلح “حيدريون” من قبل وسائل الإعلام الناطقة بالفارسية.
من بين هذه الميليشيات، يبدو أن حركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله قد تكبدوا أكبر الخسائر في سوريا، لكن البيانات قد تكون مضللة بسبب تفضيل الميليشيات الشيعية العراقية الأخرى، لأسباب سياسية أو استراتيجية عسكرية، التغطية على وجودها العسكري في سوريا المجاورة.
القتلى من الشيعة العراقيين ومنتسبي الميليشيات في معارك سوريا من شهر آب 2012 إلى آب 2018
أوقات الوفيات من المقاتلين الشيعة العراقيين في القتال يقدم مؤشرا آخر على طبيعة قواتهم المتشرذمة: على سبيل المثال، لم يقتل أحد من أفراد ميليشيا عصائب أهل الحق في القتال بالتزامن مع مقاتلي حركة النجباء. وهو ما يشير إلى أنهم لم يشتركوا في عمليات قتالية مشتركة.
القتلى من الشيعة العراقيين ومنتسبي الميليشيات في معارك سوريا من شهر آب 2012 إلى آب 2018
لدى إيران تاريخ طويل في دعم الميليشيات العراقية. منذ الستينيات وحتى اتفاق الجزائر عام 1975، الذي سوّى مؤقتًا نزاعًا إقليميًا بين إيران والعراق، قدمت طهران الدعم الاقتصادي والعسكري واللوجستي للمتمردين الأكراد. فعلت إيران ذلك بالتعاون مع إسرائيل، في محاولة لكسب النفوذ على حساب بغداد. وفي أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، التي تزامنت مع قمع حزب البعث المتزايد للنشاط السياسي الشيعي في العراق، وخلال الحرب الإيرانية العراقية (1980- 1988)، لم تعمل الجمهورية الإسلامية على تجديد دعم الشاه للمتمردين الأكراد في العراق فحسب، بل عملت أيضًا على تنظيم فيلق بدر التابع للحرس الثوري الإيراني (IRGC)، الذي كان يتألف من حزب الدعوة الإسلامي وأسرى الحرب من العراقيين الشيعة، الذين انتقلوا للطرف الآخر وتطوعوا للقتال ضد قوات صدام حسين.
لم تسفر نهاية الحرب مع العراق عن انتهاء فيلق بدر، حيث استمر في وجوده كشبح حتى عاد إلى الظهور كمنظمة بدر في العراق عام 2003، بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة والإطاحة بنظام البعث.
ولكن لماذا تتطوع منظمة بدر أو غيرها من الميليشيات الشيعية العراقية للقتال في سوريا، في الوقت الذي تعرضت فيه بغداد نفسها للتهديد من قبل داعش؟ أحد التفسيرات المحتملة هو الحدود المشتركة بين سوريا والعراق. في ظل وجود مقاتلي داعش على كلا جانبي الحدود، لم يكن لدى الميليشيات الشيعية العراقية خيارات كثيرة سوى محاربة العدو في سوريا لمنع داعش من استخدام معاقله هناك لشن عمليات في العراق. وعلى أية حال، لا يبدو أن هذا هو التفسير الكامل، إذا أخذنا بعين الاعتبار البيانات المحدودة المتوفرة حول أماكن وفاة الشيعة العراقيين في سوريا. من بين أفراد الميليشيات الشيعية العراقية الـ31 الذين عُرفت أماكن وفاتهم في القتال في سوريا، واحد منهم فقط قُتل بالقرب من الحدود العراقية في دير الزور. وقتل اثنان في دمشق، وسبعة في اللاذقية، و21 في حلب- وهي مدن في غرب سوريا، بعيدًا عن الحدود العراقية، حيث لم يكن لداعش أن يستخدمها كقواعد لانطلاق العمليات على الأراضي العراقية.
التفسير البديل، رغم كونه افتراضيًّا، هو تنافس الشيعة العراقيين فيما بينهم: بعد عام من احتلال الولايات المتحدة للعراق، انشق العديد من قادة فيلق بدر السابقين وأنشأوا ميليشيات ومنظمات خاصة بهم ووجدوا أنفسهم على الفور في حالة تنافس على سخاء طهران، الذي من الممكن أن يضمن لهم التفوق في العراق. وبالتالي، فإن المشاركة العسكرية لبعض الشيعة العراقيين في مناطق مختلفة من سوريا يمكن أن تكون محاولة لإثبات مدى جدواهم للحرس الثوري الإيراني. كان هذا الوجود كافيًا لجذب انتباه طهران وضمان استمرارية تدفق الدعم الإيراني، ولكنه كان محدودًا بما يكفي لعدم تقليص قدراتهم العسكرية في القتال ضد داعش -أو تهديد تفوقهم على المنافسين- في العراق.
كان لدى الحرس الثوري الإيراني والنظام في طهران عمومًا أسبابهم الخاصة للترحيب بكل من مساهمة الشيعة العراقيين في المجهود الحربي في سوريا، والطبيعة المتشرذمة للميليشيات، بينما ساعد الوجود العسكري العراقي الشيعي الجمهورية الإسلامية في إنشاء فيلق شيعي عابر للحدود، قادر على تنفيذ مشروع إيران في المنطقة، عملت طبيعة الميليشيات العراقية المتشرذمة على منع ظهور ميليشيات شيعية عراقية موحدة قادرة على العمل بشكل مستقل عن طهران.