ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
يشعر قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الجنرال مظلوم عبدي، الذي اشتهر بالاسم الحركي “مظلوم كوباني”، بالقلق. يقود عبدي، وهو كردي سوري، عشرات الآلاف من القوات الكردية والعربية في شمال شرق سوريا، وتربطه شراكة وثيقة مع القوات الخاصة الأمريكية في قتال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وقال عبدي في مقابلة أجريت معه في 28 أغسطس/آب، إن قواته تواصل شن هجمات يومية ضد تنظم داعش، بالتعاون مع القوات الأمريكية التي تقدم له المشورة والمساعدة خلف الخطوط الأمامية، وتقوم بعمليات الاعتقال وتعطيل التخطيط للهجمات وتنفيذها. وهو على قناعة بأنه لولا هذه الضغوط الميدانية النشطة لنجح تنظيم داعش في إعادة بناء نفسه في شمال شرق سوريا انطلاقًا من ملاذه الآمن في منطقة البادية، الخاضعة اسمياً لسيطرة النظام السوري – ولكنها إلى حد كبير مساحة لا تخضع لأي حكم تقع في الجنوب من الربع الشمالي الواسع من الأراضي السورية الذي تسيطر عليه قوات عبدي. ولا تزال هناك مصادر تمويل لتنظيم داعش في شمال شرق البلاد، وتشمل عمليات الخطف للحصول على فدية والابتزاز، بالإضافة للتدفقات المالية الإقليمية، ووجود ملاذ محلي آمن لدى التجمعات السكانية التي لا تزال تتعاطف مع التنظيم.
القيادة المركزية الأميركية تقول إن هجمات تنظم داعش تضاعفت
تردد القيادة المركزية الأميركية تقييمات الجنرال عبدي، حيث تشير المصادر مؤخرًا لزيادة كبيرة في الهجمات – 153 هجومًا منسوبًا لتنظيم داعش في الأشهر الستة الماضية، وهو ما يتجاوز إجمالي الهجمات التي تبناها التنظيم في سوريا والعراق في عام 2023، وهذا يعتبر مؤشر رئيسي على إصرار التنظيم على إعادة بناء نفسه. ولا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بمجموعة صغيرة من القوات الخاصة تقدر بحوالي 900 فرد، يتمركزون في مواقع قوات قسد، ذات الأغلبية الكردية، والتي توفر الأمن لعدد من القواعد الصغيرة في شمال شرق سوريا. وتواصل الولايات المتحدة كذلك تدريب قوات قسد، وتجهيزهم لمحاربة تنظيم داعش، ويلتقي كبار القادة العسكريين الأمريكيين بانتظام مع الجنرال عبدي وشخصيات رفيعة المستوى من فريقه. وعلى الرغم من استمرار التواجد الأميركي والمساعدات والتعاون الوثيق مع قوات قسد، يدرك عبدي وقادته أن الولايات المتحدة لن تبقى للأبد، ويشعرون بالقلق من حدوث الانسحاب عاجلاً وليس آجلاً، كما حدث في عام 2019 عندما أصدر الرئيس دونالد ترامب أمرًا مفاجئًا بسحب القوات الأمريكية من سوريا، ثم تراجع عن هذا القرار. لم يظهر من جانب إدارة الرئيس جوزيف بايدن أي مؤشر على أنها تفكر في أي عملية لسحب هذه القوات، ولا سيما نظرًا للانتقادات الشديدة التي تلقتها نتيجة لسحبها القوات من أفغانستان في عام 2021.
الحرب في غزة تُعقد الجهود المبذولة ضد تنظيم داعش
وفي ظل هذه المعركة المستمرة والصعبة ضد قوات تنظيم داعش في سوريا، ثمة ثلاثة عوامل أخرى تلقي بثقلها على كاهل الجنرال عبدي. أولا، يشعر عبدي بالقلق إزاء تسبب الحرب في غزة – بالتزامن مع الحرب الدائرة في أوكرانيا – في تشتيت انتباه الولايات المتحدة، وإبعادها عن القتال الدائر ضد تنظيم داعش. بالإضافة إلى تأثيرها على المساعدات الأمريكية – لم يوضح عبدي ما إذا كان يقصد التدريب أو المساعدة المالية، فإن تشتيت الاهتمام الأمريكي يغذي مخاوف قوات قسد من بدء العد التنازلي للوجود العسكري الأمريكي، الذي طال أمده في شمال شرق سوريا. بعد بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023، كانت هناك أيضًا زيادة في الهجمات على القوات الأمريكية وقوات قسد من قبل الميليشيات المدعومة من إيران، بما في ذلك هجمات مسلحة بالطائرات المسيرة بتحريض من إيران، التي تدعم حركة حماس والنظام السوري، المدعوم إيرانيًا، والذي يرغب بالضغط على القوات الأمريكية للانسحاب من سوريا. أفادت قوات قسد في شهر فبراير/شباط، على سبيل المثال، بأن حزب الله العراقي، وهي جماعة تدعمها إيران، قد أعلن عن مسؤوليته عن الهجوم على مجمع حقل العمر النفطي، الذي أسفر عن مقتل ستة من عناصرها.
كما أعرب الجنرال عبدي عن قلقه إزاء الوضع الإقليمي الذي أصبح يزداد تعقيدًا تدريجيًا بالنسبة لقواته في مواصلة قتالها ضد تنظيم داعش، ولا سيما مع الحرب في غزة. وفي حين أدان عبدي هجمات حركة حماس على المدنيين في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ووصفها بأنها غير مقبولة ومستهجنة بالكامل، إلا أنه قال إن غزة – مع ما وصفه بالرد العسكري غير المتكافئ من جانب إسرائيل- تخلق “أرضًا خصبة” تغذي التطرف، وتعزز دعاية تنظيم داعش وجهود التجنيد. واستطرد بأنه كلما توسع الصراع، ازدادت إشكاليات الوضع بالنسبة لقواته. ومع تصاعد المقاومة للوجود والجهود الأمريكية في المنطقة، بسبب الغضب الناجم عن حرب غزة، أصبح العمل الذي تقوم به قوات قسد أصعب وأكثر خطورة.
وقد أعرب الجنرال عبدي عن مخاوفه من أن تركيا قد تتجرأ وتنفذ تهديدها بالتوغل عسكريًا مرة أخرى في شمال شرق سوريا، على اعتبار أن الصراع في قطاع غزة قد شتت اهتمام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي على نطاق أوسع. وقال عبدي إنه خلال الأشهر السبعة أو الثمانية الماضية، قامت القوات التركية بمهاجمة قواته ومرافق إنتاج النفط، والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك أنظمة تنقية المياه وتوزيعها وشبكات الكهرباء والمرافق الطبية. تسببت الهجمات بجعل حياة السكان المدنيين في شمال شرق سوريا صعبة، وعرضت جهود قوات قسد المناهضة لتنظيم داعش للخطر. وقال، في انتقادات مبطنة ومنتقاه بعناية، إن الولايات المتحدة “يمكنها أن تفعل المزيد” لمنع هذه الهجمات في شمال شرق سوريا باتخاذ موقف حازم يتمثل بإبلاغ تركيا بأنها تعرض القوات الأمريكية للخطر، وتقوض القتال ضد تنظيم داعش. وفقًا لتقييمات عبدي فإن الانتخابات التي جرت في أواخر مارس/آذار في تركيا قد أضعفت الحزب الحاكم، وأعرب عن أمله في تحسين آفاق الحد من التصعيد والحوار مع تركيا. وتحدث بشكل مقتضب عن بعض الاتصالات، وقال إن قوات قسد منفتحة على مثل هذا التواصل. وفي حين أعرب عن انفتاح مماثل على الحوار مع النظام السوري – وأقر بوجود اتصالات جارية – يرى عبدي أنه ليس للنظام أي مصلحة تذكر حاليًا في التوصل لأي نوع من الاتفاق أو التسوية مع قوات قسد.
مقاتلو التنظيم السجناء ما يزالوا يشكلون تحديًا أمنيًا كبيرًا
أما التحدي الرئيسي الأخير الذي شدد عليه الجنرال عبدي فيتمثل في التحدي الذي يشكله إرث تنظيم داعش بين السكان السوريين، والذي يتألف من نحو 10 آلاف مقاتل سجين، تم أسرهم في ساحة المعركة أو أثناء عمليات مكافحة الإرهاب، و50 ألف من أفراد عائلات هؤلاء المقاتلين، الذين يعيشون في مخيم الهول مترامي الأطراف. وقال عبدي إن المقاتلين يشكلون تحديًا خطيرً على الأمن الداخلي. يتآمر المقاتلون السجناء للهرب، ويخطط عناصر تنظيم داعش في الخارج بشكل منتظم لاقتحام السجون، كما حصل في سجن الصناعة عام 2022، عندما هرب، بصورة مؤقتة، المئات من مقاتلي التنظيم، وقُتل حوالي 122 من عناصر قوات قسد. ساعدت الولايات المتحدة في تعزيز الأمن المادي لعشرة أو أكثر من مرافق السجون المؤقتة، التي تم تجهيزها للخدمة عن طريق تحويل مباني مدارس ومجمعات المصانع الصغيرة لسجون. وفي حين أعلنت قوات قسد مؤخرًا عن عفوٍ محدود للمواطنين السوريين المحتجزين بتهم الإرهاب والارتباط بتنظيم داعش، بمن في ذلك السجناء المسنون والمرضى ممن لم تتلطخ أيديهم بالدماء، فإن السجناء المتوقع الإفراج عنهم، والذين يقدرون بحوالي 600 سجين، لن يؤثروا على إجمالي نزلاء السجون من عناصر التنظيم المحتجزين في ظروف بدائية نسبيًا، وفي أماكن مكتظة للغاية، وفي بيئة تتسم بالتطرف الشديد. وباستثناء السوريين والمعتقلين من العراق المجاور، فإن أكثر من 2000 من أسرى تنظم داعش هم من الأجانب الذين لا ترغب بلدانهم في استقبالهم وإعادة توطينهم.
على الرغم من أن سكان مخيم الهول يتألفون من أفراد عائلات مقاتلي تنظيم داعش وليسوا مقاتلين، إلا أنهم أيضًا يمثلون قطاعًا كبيرًا من السكان، من شبه المؤكد أن عددًا كبيرًا منهم في الطريق لاعتناق معتقدات متطرفة أو على الأقل يحتفظون ببعضاً منها. على الرغم من استمرار جهود إعادة التوطين، فإن التقدم الكبير الذي تم إحرازه منذ عام 2019 عندما توسع المخيم لاستيعاب هذا العدد من السكان، ما يزال لدى قوات قسد حوالي 50 ألف من أفراد هذه العائلات، بما في ذلك أعداد كبيرة من الصبيان الذين سرعان ما سيكونون في مرحلة الرجولة المبكرة. وأعرب الجنرال عبدي عن أمله في تكثيف جهود إعادة هؤلاء السكان لأوطانهم، بمن فيهم الأعداد الكبيرة من العراقيين، لكنه اعترف بتعثر هذه الجهود، وعدم تقديم أي حل على المدى القريب للتحديات الأمنية والاجتماعية الهائلة التي يشكلها مخيم الهول. وقال إن المخيم يمثل “قنبلة موقوتة.”
وفي رده على سؤال حول الاتصالات مع مسؤولين خليجيين، قال الجنرال عبدي إنه يرحب بإقامة علاقات أفضل مع الأطراف الخليجية. وفي حين لم يقدم أية تفاصيل، تحدث عبدي بعبارات عامة عن تبادل بعض المعلومات الاستخبارية المفيدة بشأن الإرهاب. واعترف بالاتصالات الوثيقة في عام 2017 وحتى 2019. فعلى سبيل المثال، تحدثت التقارير الإعلامية في عام 2018 عن مساعدات كبيرة من السعودية والإمارات لتحقيق الاستقرار في شمال شرق سوريا. ومنذ ذلك الحين، بدأت دول الخليج العربية بتطبيع علاقاتها مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق.