لم يكن هناك وقت عصيب أكثر من هذا لاستقبال جائحة فيروس كورونا في اليمن، حيث جاءت بعد ستة أعوام من الصراع، لتدمر وضع السكان الصحي، المتدهور أصلاً. وفي حين أن إجمالي عدد الوفيات بسبب الجائحة في اليمن آخذ في الارتفاع، إلا أن الإحصاءات الصادرة عن الحوثيين في العاصمة صنعاء، لا تعكس عدد الإصابات. وتبادل الرئيس عبد ربه منصور هادي ومنافسوه في المجلس الانتقالي الجنوبي، ذي الميول الانفصالية، علناً معلومات حول حالات الإصابة بفيروس كورونا، ونشروا أعداد المصابين، ولكن المتمردين الحوثيين احتفظوا بهذه المعلومات تحت إدارة مركزية صارمة، تاركين الجمهور على جهلٍ بتأثير الفيروس وانتشاره. ويبدو أن تحكم الحوثيين الصارم بالمعلومات المتعلقة بالمرض هو خطوة تكتيكية تهدف إلى حماية مصالح قيادتهم والنخبة.
يسيطر الحوثيون على عدد كبير من المناطق الحضرية في مرتفعات اليمن الشمالية ذات الكثافة السكانية العالية. الحي القديم في صنعاء مزدحم تماماً، حيث يبلغ متوسط حجم الأسرة ثمانية أشخاص يعيشون في غرفة أو اثنتين. وهذا ما يزيد من خطر انتقال الفيروس، ويجعل إمكانيات الحجر الصحي الذاتي صعبة جداً، كما أنه يجعل التكتم على المعلومات شبه مستحيل. أعرب سكان صنعاء الذين لاحظوا العدد المتزايد من الجنازات وحالات الدفن في أحيائهم عن فزعهم على منصات التواصل الاجتماعي حول تزايد عدد الوفيات. ونعى آخرون وأعلنوا عن مواكب الجنازات على الإنترنت، ما منح اليمنيين شعوراً بالاتجاه العام الذي تواجهه مدنهم. ويلقى أخصائيو العناية الصحية حتفهم بشكل مفاجئ، ومن بينهم الدكتور أحمد المؤيد، مؤسس مستشفى المؤيد بصنعاء، والدكتور محمد القناد، وهو طبيب بارز في مستشفى الأهلي بصنعاء. في هذه الأثناء، لم تعترف المصادر الرسمية الحوثية إلا بأربع إصابات بفيروس كورونا، واحدة منها أدت إلى الوفاة.
ونظراً لكون المساءلة العامة والحصول على المعلومات غير موجودين في ظل الظروف الحالية، فإن المواطنين يخشون من عدم المساواة الطبقية أو الطائفية والتمييز الاجتماعي في المستشفيات، التي يدير معظمها نخبة من الحوثيين. وحتى أتباع الحوثي المخلصون يمكن أن يتعرضوا للتمييز ضدهم، إذا لم يكونوا من النخبة التي تقتصر غالباً على أسر معينة في البلاد، تدعي أن نسبها يعود إلى النبي محمد (ص)، وعادة ما يشار إليهم بالسيد أو الأشرف أو الهاشمي. كان هذا التمييز الاجتماعي القائم على النسب العائد للنبي يمارس منذ استيلاء الحوثيين على مساحات شاسعة من اليمن في عام 2014، وأصبح مؤسساتياً في العديد من القطاعات، بما في ذلك قطاع الصناعة الاستخراجية، حيث خصص الحوثيون 20٪ من الإيرادات للهاشميين.
في ظل هذه الظروف، يصبح تصنيف الإصابات محفوفاً بالمخاطر، وخاصة بالنسبة للأطباء الذين يسعون للالتزام بالمعايير الأخلاقية. فلا يُطلب منهم مباشرة التمييز بين المرضى أنفسهم، ولكن يُطلب منهم إعطاء الأولوية لأفراد معينين في الحصول على العناية المطلوبة. ويخضع الأطباء في صنعاء لتوجيهات صارمة بعدم الإفصاح عن حالات فيروس كورونا للمرضى. وفي مقابلة لقناة المسيرة الحوثية مع مريض بفيروس كورونا في مستشفى الكويت، عبر المريض عن امتنانه للكادر الطبي لأنهم لم يخبروه أنه مصاب. وقال: “أخبروني بأنني مصاب بالربو والسكري”، وأضاف قائلاً: “لو أخبروني أنني مصاب بالكورونا في أول يوم [وصلت هنا]، ربما كنت سأموت”.
يبقى هذا المجتمع الغارق في الظلام بيئة مثالية للتضليل والشائعات، مثل تلك التي أبلغت عنها وكالة أسوشييتد برس حول “حُقن الرحمة”، التي يُقال إن الحوثيين يستخدمونها لقتل مرضى فيروس كورونا ببطء.
في مواجهة الضغوط الشعبية والدولية للإفصاح عن المعلومات، ابتكر المسؤولون الحوثيون رواية يعترفون فيها أنهم تكتموا على الأعداد لمواجهة القلق العام، والتخفيف من الذعر. وصرح وزير الصحة العامة والسكان الحوثي د. يحيى المتوكل، أن الأطباء والصيادلة اليمنيين يعملون على مدار الساعة لإيجاد علاج للفيروس، ثم قدروا حالات التعافي بنسبة 80٪، دون ذكر الأرقام الحقيقية. وادعى أن النجاح المزعوم لوزارته جاء نتيجة لكبح “الإعلام الإرهابي”، متهماً وسائل الإعلام “بتحمل مسؤولية الجزء الأكبر من أعداد القتلى في جميع أنحاء العالم”. وعلاوة على ذلك، انتقد المتوكل الدول الغربية على المبالغة في التهديد، وتشجيع المواطنين على الخوف من الفيروس، ما قد يؤدي إلى ظهور أعراض الوسواس المَرضي. كما انتقد إجراءات الإغلاق بسبب تأثيرها المدمر على الضعفاء والاقتصاد.
لقد زاد انعدام الشفافية من قلق الجمهور. وعملت مقاطع الفيديو لأشخاص يقتادهم مسلحون بالقوة من منازلهم في سيارات الإسعاف على إثارة الذعر ذاته الذي يدعي الحوثيون أنهم يريدون تجنبه. وأظهر مقطع فيديو آخر لأكياس من الجثث تدفن ليلاً على يد رجال يرتدون بدلات طبية واقية، أساليب الحوثيين المشكوك فيها في إدارة الجائحة. كما كانت البيئة الغامضة التي يعمل فيها الحوثيون من العوامل التي ساهمت في خروج موظفي الأمم المتحدة من صنعاء.
إن تأكيدات المتوكل بعيدة كل البعد عن موقفه المثير للجزع في أوائل أبريل/نيسان، عندما خاطب البرلمان، محذراً من أن اليمن لا يمكنه التعامل مع الجائحة. وقال “إذا وصل كوفيد-19، فإن 90٪ من سكان اليمن قد يصابون، في حين أننا لا نملك سوى 1500 سرير مستشفى”. وأخبر البرلمان أن اليمن لا يستطيع تحمل العبء الطبي والمالي للفيروس، وأنه في غضون شهرين قد يصاب مليون شخص.
إن تحول موقف الحوثيين جراء التنبؤات المريعة للمتوكل إلى التركيز الحالي على طمأنة السكان، بأن صحتهم ليست معرضة للخطر، يمكن أن يعكس حسابات ذاتية المصلحة. ويفهم الحوثيون أنه نظراً لعدم وجود الإمكانيات الكافية لخدمة الجميع، يصبح إعطاء الأولوية للرعاية الصحية أمراً بالغ الأهمية، وخاصة للنخب وعائلاتهم. وسيطرة الحوثيين على معلومات الفيروس تسمح لهم بتحديد أولويات العلاج والحجر الصحي وفقًا لنظام معتقداتهم ومصالحهم. ثانياً، يدرك قادة الحوثيين أن منظمات الإغاثة الدولية قد تتدخل في هذه العملية، وتصر على التمسك بالتزاماتها، بموجب القانون الدولي كسلطة احتلال، وهو ما يمكن أن يفسر سبب تزايد مواقفهم العدائية تجاه الأمم المتحدة.
لسوء الحظ، يبدو أنه من غير المحتمل أن يتغير نهج الحوثيين في التعامل مع قضايا الجائحة. فليس لديهم ما يدفعهم لقبول وقف إطلاق النار السعودي المقترح، الذي جاء استجابةً لدعوة الأمم المتحدة بتخفيض التصعيد، والتحول إلى مكافحة فيروس كورونا. وكما رأينا في المفاوضات السابقة، فغالباً ما كان الحوثيون يعقدون محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة لانتزاع تنازلات لقيادتهم، بما في ذلك العلاج الطبي.
مع أخذ ذلك في الحسبان، سيحتاج المجتمع الدولي إلى مقاومة جهود الحوثيين في التلاعب بتقديم المساعدات. وتمكن مؤتمر جمع التبرعات لليمن في الثاني من يونيو/حزيران من توفير 1.35 مليار دولار، وهو تقريباً نصف المبلغ المطلوب لمساعدة اليمن في أزمته الإنسانية. يجب أن تُصرف هذه الأموال بسرعة. وستكون هناك ضرورة لجهود حثيثة من قبل الجهات المانحة لضمان حصول كافة المواطنين على هذه المساعدات بشكل علني ودون تمييز، خشية أن يتفاقم التحيز الاجتماعي وعدم المساواة بشكل أكبر في بلد هش أصلاً.