سيكون لظهور جوزيف بايدن كرئيس منتخب عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني عدد من الانعكاسات على العلاقة بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية. لعل أحد أكثر التحديات إلحاحاً وصعوبة يكمن في علاقات واشنطن مع الرياض في ظل إدارة ديمقراطية. هناك مؤشر على هذه التحديات يتجلى في العديد من تعليقات بايدن وكبار مستشاري حملته الانتخابية إلى جانب غيرهم من كبار القادة الديمقراطيين في الأشهر الأخيرة، قال بايدن إنه يجب أن تتم معاملة بعض القادة السعوديين على أنهم “منبوذون“، وتعهد بالحد من دعم الولايات المتحدة للمشاركة السعودية في حرب اليمن. سيمثل هذا قطيعة كبيرة مع سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب، التي أكدت على العلاقات القوية والشخصية ما بين الرئيس وعائلته من جهة وبين العائلة المالكة في السعودية، والعلاقات القوية في مجالات التجارة والطاقة، والعقود العسكرية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، والدعم الأمريكي الثابت للسعودية في حرب اليمن، لا سيما من خلال مبيعات الأسلحة.
مظالم الحزب الديمقراطي
ظلت العلاقات الأمريكية-السعودية قوية منذ أربعينيات القرن الماضي، ولا يخلو الأمر من فترات متكررة من التوتر. ولكنها أصبحت قضية حزبية في الولايات المتحدة خلال حقبة ترامب، حيث تسببت سلسلة من المظالم الهامة بأزمة ثقة غير مسبوقة بين الحكومة السعودية والعديد من الديمقراطيين. إن التقارب الكبير بين ترامب والحكومة السعودية في بداية عام 2017، والذي تتم تتويجه بالزيارة رفيعة المستوى للرئيس الجديد إلى المملكة العربية السعودية، قد أثار الشكوك بين الديمقراطيين حول هذه العلاقة.
ولكونه الحزب المعارض، انتقد الديمقراطيون هجوم ترامب على التعددية والتحالفات الراسخة والاتفاقيات القائمة في مجال التجارة والتحكم في الأسلحة. فقد استهدف الديمقراطيون المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل الإمارات العربية المتحدة، ما يشير إلى أنهم من حلفاء الولايات المتحدة المشكوك فيهم، وأصبحوا الوكلاء المستهدفين للنهج الدولي لإدارة ترامب.
كان أكبر انتقاد لسياسات ترامب الدولية من قبل الديمقراطيين يتعلق بحرب اليمن، ومقاومة الإدارة الأمريكية للجهود المبذولة للحد أو منع أي شكل من أشكال الدعم الأمريكي للحرب السعودية ضد المتمردين الحوثيين. ورغم أن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما قد دعمت أيضاً المشاركة العسكرية السعودية في اليمن، إلا أن الأزمة الإنسانية ازدادت حدتها بشكل كبير واتضح بشكل أكبر الجمود الفعلي القائم في الصراع في شمال اليمن خلال النصف الأول من إدارة ترامب.
أثار مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، المقيم في الولايات المتحدة، على يد عملاء الحكومة السعودية داخل قنصلية المملكة في إسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018، غضب الديمقراطيين والجمهوريين في الكونجرس. وعندما ردت إدارة ترامب، ولا سيما الرئيس، بالتقليل المستمر من شأن القتل ورفضه، صبّ ذلك مزيداً من الزيت على نار الديمقراطيين ضد المملكة العربية السعودية والعلاقة الأمريكية-السعودية. كما ساعد بشكل كبير على عزل الجمهوريين، ذوي التوجه الدولي، في مجلس الشيوخ، من أمثال ليندسي جراهام وماركو روبيو. بعد مقتل خاشقجي، أصبح الكونجرس أكثر جدية بشأن تشريع قيود على مشاركة الولايات المتحدة في الصراع اليمني، بما في ذلك مبيعات الأسلحة. وقد بلغ هذا الأمر أوجه مع أول جهد من قبل الكونجرس لمنع الولايات المتحدة من المشاركة في الصراع من خلال “قرار قوى الحرب” الذي حصل على دعم من الحزبين في كلا مجلسي الكونجرس، لكن ترامب نقضه في أبريل/نيسان 2019، ولذلك لم يدخل حيز التنفيذ.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب منتقدو العلاقة الأمريكية-السعودية في عهد ترامب، وخاصة الديمقراطيين، عن مخاوفهم البالغة بشأن إجراءات القمع السياسي في المملكة العربية السعودية، لا سيما السجن والادعاءات بسوء معاملة الناشطات في مجال حقوق المرأة، مثل لجين الهذلول، والكُتاب مثل رائف بدوي. كما تذمروا أيضاً من المراقبة السعودية والضغط الذي تمارسه على منتقدي الحكومة من القاطنين في الولايات المتحدة وكندا، والجهود المبذولة لإجبارهم على العودة إلى المملكة لمواجهة مستقبل غامض. كما برز مصدر إضافي للتوتر من الاتهامات التي أيدها مكتب التحقيقات الفيدرالي، بأن دبلوماسيين سعوديين في الولايات المتحدة ساعدوا مواطنين سعوديين على التهرب من الولاية القضائية الأمريكية لتجنب محاكمات بتهم جنائية خطيرة. ويلقي العديد من الديمقراطيين باللوم أيضاً على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لكونهم المحرضين الرئيسيين ضد الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يشير إلى أنهم حاولوا جر الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران نيابة عنهم.
ساعدت هذه المظالم على تغذية رواية الديمقراطيين إبان رئاسة ترامب بإعادة صياغة دعم الحزبين للشراكة الطويلة بين واشنطن والرياض كتوجه سياسي جمهوري على وجه التحديد. وفي أشكالها الأكثر تطرفاً، تنظر هذه الرواية إلى الشراكة الأمريكية-السعودية على أنها خطأ فادح يُعزى شخصياً إلى ترامب وصهره وكبير مستشاريه، جاريد كوشنير، الذي ذُكر أنه أقام علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وفي الوقت نفسه، وضع العديد من الديمقراطيين رواية عن سياسات إدارة أوباما تجاه الخليج، اعتبرت أن التواصل مع إيران والابتعاد النسبي عن ممالك الخليج العربي هو النهج المميز لحزبهم. وعلى الرغم من أن مثل هذه الرواية تُعد خياليةً إلى حد كبير، إلا أنها تتناغم بشكل جيد مع الآراء التي تنظر إلى الشراكة الأمريكية-السعودية القائمة منذ 80 عاماً على أنها أمر خاطئ، وربما فاسد من قبل إدارة ترامب.
مخاوف سعودية
كما أن العديد من السعوديين أخطأوا في قراءة سياسات حقبة أوباما على أنها ليست مجرد اهتمام بإيران على حساب الأصدقاء العرب القدامى، ولكن أيضاً على أنها متعاطفة أو داعمة للجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين في جمهوريات ما بعد الديكتاتوريات العربية. وأوضحت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في خطاب تحديد السياسة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أن إدارة أوباما كانت على استعداد لاعتبار الأحزاب التابعة للإخوان المسلمين مشاركين شرعيين في المشهد السياسي العربي، لا سيما في الديمقراطيات الناشئة حديثاً، ولكن فقط بقدر ما تستوفي من الشروط المحددة والمعايير الديمقراطية الأساسية. ولكن بمجرد تخلي إدارة أوباما بشكل ملحوظ عن دعمها لرئيس مصر القوي وحليف الولايات المتحدة القديم، بدأ التصور يترسخ، لا سيما في الخليج، بأن واشنطن قررت دعم حكم الإخوان المسلمين بشكل فعال في دول مثل مصر وتونس، وليبيا. وقد أعربت وسائل الإعلام السعودية وغيرها علانيةً عن قلقها من أن إدارة بايدن قد تعني العودة إلى مثل هذه السياسة.
بالإضافة إلى ذلك، شعرت معظم دول الخليج العربية بأنها مستبعدة من المفاوضات النووية مع إيران، وكانت متشككة من “خطة العمل الشاملة المشتركة”. كانوا يخشون أن يتجدد الحوار الأمريكي-الإيراني على حسابهم، مع نتيجة غير متوقعة في أن تتخلى واشنطن عن دول الخليج لتشكيل ترتيب أمني إقليمي بالشراكة مع إيران. ومع ذلك، أكدت أفعال إيران العدوانية المتزايدة ودعمها لوكلائها الإقليميين أن الشراكة بين واشنطن وطهران في منطقة الخليج أمر لا يمكن تصوره عملياً. ومع ذلك، فقد ساد الشعور بأن إدارة أوباما كانت غير جديرة بالثقة، وفشلت في إعطاء الاعتبارات الأمنية السعودية الأساسية الاهتمام اللازم في هذا التحول السياسي الرئيسي تجاه إيران.
إن استعداد إدارة ترامب للانسحاب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” وفرض عقوبات صارمة على إيران ضمن حملة “الضغوط القصوى” هو أحد الأسباب الرئيسية لعلاقات الحكومة السعودية الوثيقة مع البيت الأبيض في ظل ترامب. على نقيض ذلك، هناك مخاوف الآن بين القادة السعوديين من أن بايدن قد يعود إلى السياسة، التي شعروا أنها اختزلت قيمة مساهماتهم على مدى عقود عِدة في الشراكة، وهددت مصالحهم الأمنية الوطنية الأساسية.
من المرجح أن تعطي إدارة بايدن الأولوية لجهود إحياء الحوار مع إيران، ربما تحت عنوان أشمل يتمثل في إعادة تفعيل “خطة العمل الشاملة المشتركة” (على الرغم من أن ذلك يقتضي القيام بمفاوضات للتوصل إلى اتفاقية جديدة). لذلك، هناك احتمال لتجدد التوترات إذا ساد الاعتقاد بأن الإدارة تقدم مبادرات تجاه إيران مرة أخرى على حساب السعودية، أو إذا استنتج الديمقراطيون أن المملكة العربية السعودية، ربما إلى جانب إسرائيل، عرقلت بشكل فعال الجهود المبذولة لاستئناف المشاركة الدبلوماسية الأمريكية-الإيرانية البناءة.
خيارات سعودية
يشوب سمعة محمد بن سلمان الكثير من التلوث في نظر الكثير من المسؤولين الأمريكيين، وخاصة الديمقراطيين، ولا سيما بسبب مقتل خاشقجي. ومع ذلك، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى شراكة مع قوة عالمية عظمى لتأمين مصالحها، والولايات المتحدة وحدها في وضع يمكنها من القيام بمثل هذا الدور.
سيكون لدى الحكومة السعودية ثلاثة نُهُج فاعلة محتملة لإصلاح هذا الصدع، تنفيذ سلسلة من الإجراءات المتواضعة بهدوء لمعالجة المظالم القائمة على أمل أن يكون ذلك كافيًا؛ عرض مبادرة كبيرة تجاه المصالح الأمريكي،ة مع توضيح أن تهدئة مخاوف الولايات المتحدة كانت عاملاً مهماً في التغيير السياسي الدراماتيكي والمحفوف بالمخاطر؛ القيام بالقليل أو عدم فعل أي شيء واعتماد موقف “إما أن تقبله كما هو أو تتركه” على أمل الحصول على الأفضل.
خطوات صغيرة
يتمثل أحد الخيارات المتاحة أمام القادة السعوديين في الشروع بحوار هادئ مع إدارة بايدن وكبار القادة الجمهوريين، ذوي التوجه الدولي، في مجلس الشيوخ لمعالجة العديد من المظالم حول السلوك السعودي دون تحول كبير في السياسة. يمكن للمملكة العربية السعودية إطلاق سراح ناشطات حقوق المرأة وسجناء الرأي الآخرين، الذين لا تفضي عملية سجنهم في الواقع إلى تعزيز الأمن القومي السعودي أو الاستقرار السياسي. بعد أن أعلنت وسائل الإعلام الأمريكية فوز بايدن على ترامب بوقت قصير، بدأ كبار الدبلوماسيين السعوديين يفكرون علناً في إمكانية الإفراج عن بعض أبرز الناشطات لأسباب إنسانية، وقد يكون لذلك علاقة بقمة مجموعة العشرين.
بالإضافة إلى ذلك، حتى لو أنكرت السعودية أن دبلوماسييها ساعدوا مواطنين سعوديين على التهرب من الملاحقة الجنائية الأمريكية، يمكن للرياض أن تطمئن واشنطن بهدوء بأنها ستقوم بما يلزم لضمان عدم تكرار ذلك في المستقبل. قد تفكر المملكة العربية السعودية في إعادة بعض المشتبه بهم الأكثر فظاعة على الرغم من عدم وجود معاهدة رسمية لتبادل المجرمين. لدى المملكة العربية السعودية العديد من الخيارات لتدابير من شأنها إقناع القادة الأمريكيين بأنها تحاول تحقيق الحد الأدنى من العدالة في مقتل خاشقجي، وضمان عدم اتخاذ مثل هذا الإجراء في المستقبل، بما في ذلك التبعات الواضحة على الشخصيات غير الملكية، التي يُعتقد، على نطاق واسع، أنها لعبت دوراً رئيسياً في عملية القتل. والأهم من ذلك، ونظراً لأنه من المرجح أن تؤكد إدارة بايدن على الأهمية المركزية المتجددة للدبلوماسية الأمريكية في السياسة الخارجية، فإنه من الممكن للمملكة العربية السعودية أن تعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة للمساعدة في وضع مسار لإنهاء الحرب في اليمن.
تحركات دراماتيكية
حتى إدارة ترامب أوضحت أنها تريد من المملكة العربية السعودية أن تُنهي حرب اليمن. والسعودية كذلك تريد استراتيجية للخروج من الحرب، لكن المتمردين الحوثيين حققوا هيمنتهم في معظم شمال اليمن وأظهروا القدرة على تهديد الأراضي السعودية بشكل مباشر. في ظل الوضع الراهن، ليس هناك ما يحفز الحوثيين على التعاون في مساعدة السعودية على تخليص نفسها من هذا المأزق المكلف.
ليس واقعياً أن نتوقع من المملكة العربية السعودية أن تنسحب ببساطة من اليمن دون ضمانات أمنية قابلة للتنفيذ. ولكن يمكن التفاوض على مثل هذه الشروط بمساعدة من الولايات المتحدة. على أقل تقدير، يمكن للمملكة العربية السعودية أن توضح لإدارة بايدن الخطوط الحمراء المطلوبة كحد أدنى لانسحاب السعودية؛ إنهاء التوغلات عبر الحدود والهجمات بالقذائف الصاروخية على السعودية من اليمن. بالإضافة إلى ذلك، ستسعى المملكة العربية السعودية بالتأكيد للحصول على ضمانات تتعلق بفرض قيود على أنشطة إيران وحزب الله في اليمن، ولكن قد يتبين أن فرض تلك الضمانات أكثر صعوبة.
قد تكون مساعدة واشنطن مفيدة في حشد المجتمع الدولي للمساعدة في الضغط على الحوثيين للتعاون مع جهود الأمم المتحدة للسلام، وخاصة الإعلان المشترك. وقد يساعد ذلك أيضاً في إقناع حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالموافقة على هذه الترتيبات. إذا التزمت المملكة العربية السعودية بشكل جدي بإنهاء الصراع، ووضعت الخطوط العريضة للشروط، وباشرت في تقليص وجودها في البلاد، فإن واشنطن ستعتبرها خطوة إلى الأمام في غاية الأهمية. إذا كان هذا الانسحاب يعتمد في المقام الأول على الدفاعات القوية المضادة للصواريخ وأنظمة حماية الحدود وشرعيتها، وخاصة إذا كانت الرياض ستقر بدعم الحكومة الأمريكية لهذه الإجراءات، فإن ذلك سيكون بمثابة انطلاقة هامة مع الديمقراطيين والجمهوريين.
ربما تؤدي بادرةٌ رئيسية واحدة أخرى على الأقل إلى كسب استحسان الديمقراطيين. فعلى الرغم من أن كلاً من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين بذلت جهوداً كبيرة لتعزو الفضل الكبير في اتفاقيات إبراهام إلى إدارة ترامب، ما أسفر عن عملية تطبيع العلاقات، إلا أن التيار الرئيسي من الديمقراطيين قد رحبوا بهذا التطور. فهو يتناسب مع نموذجهم للكيفية التي ينبغي أن تتقدم بها العلاقات الدولية في الشرق الأوسط: وذلك من خلال الدبلوماسية، ودمج إسرائيل في المنطقة، وتعزيز العلاقات بين الدول الموالية للولايات المتحدة، والقيام بمبادرات أخرى لتعزيز نظام دولي متعدد الأطراف مستنداً إلى القوانين. ونتيجة لذلك، تمكنت الإمارات العربية المتحدة من التودد إلى الديمقراطيين، وألغت قدراً كبيراً من الضرر الناجم عن مشاركتها في حرب اليمن، والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، وارتباطها الوثيق بسياسات السعودية الإقليمية.
يمكن للمملكة العربية السعودية ومحمد بن سلمان إصلاح صورة المملكة في الولايات المتحدة، ومع الديمقراطيين بشكل خاص، وذلك من خلال الموافقة أيضاً على تطبيع العلاقات مع إسرائيل. بالطبع، لدى المملكة العربية السعودية سلسلة من المخاوف الرئيسية التي لا تشاركها فيها الدول الخليجية الصغيرة المجاورة، بما في ذلك التأثير على دورها القيادي في المنطقة العربية، ودورها القيادي في العالم الإسلامي ككل، والمشهد السياسي الداخلي الأكثر تعقيداً وربما الأكثر تقلباً. ومع ذلك، فلهذه الأسباب بالتحديد، ولمكانة المملكة العربية السعودية البارزة وأهميتها الاستراتيجية، ستنظر إدارة بايدن إلى انطلاقةٍ دبلوماسية مع إسرائيل على أنها أمر في غاية الأهمية. كما أنها ستعمل على المزيد من التقارب بين اثنين من شركاء واشنطن الرئيسيين في الجهود المترابطة بشكل وثيق لاحتواء انتشار الهيمنة الإيرانية، والحفاظ على الاستقرار والوضع الراهن في الشرق الأوسط. وقد تدفع مثل هذه الانطلاقة العديد من الأمريكيين إلى إعادة تقييم مواقفهم تجاه محمد بن سلمان شخصياً. وبما أنه من المرجح أن يرث العرش في السنوات القادمة، ومن المحتمل أن يبقى هو العاهل السعودي لعقود قادمة، فإنه سيكون من الضروري استعادة سمعته.
إما أن تقبله كما هو أو تتركه
الخيار الثالث أمام المملكة العربية السعودية خطير ولكنه منطقي: وهو عملياً ألا تفعل شيئاً بشكل فعّال. قد تشعر الرياض بأنها في الوقت الذي لا تزال بحاجة إلى واشنطن، فإن واشنطن أيضًا تحتاج إلى المملكة العربية السعودية. إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في أن تبقى قوة عالمية عظمى، إن لم تكن مهيمنة، فلا يمكنها التخلي عن منطقة الخليج بما فيها من موارد الطاقة لصالح قوى إقليمية وعالمية أخرى أو لاستشراء حالة عدم الاستقرار. حتى إن “التمحور مع آسيا” يعزز من استمرارية المركزية الاستراتيجية والاقتصادية لدول الخليج لأن اقتصادات شرق وجنوب آسيا تعتمد على طاقة الخليج. وفي حين تحتاج المملكة العربية السعودية لدولة عالمية راعية، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى شريك محلي في الخليج.
ويكمن السبب الرئيسي لديمومة العلاقة الأمريكية-السعودية وقدرتها على الصمود في وجه العديد من الضغوطات الرئيسية في القيمة التي يوليها لها كلا البلدين بشكل متواصل. وقد تجلى هذا مؤخراً من جديد خلال حرب أسعار النفط السعودية الروسية في مارس/آذار. حيث أظهرت المملكة العربية السعودية قدرتها الفريدة على التأثير السريع على الأسعار. فلديها ميزتان رئيسيتان في مواجهة معظم منافسيها، بما في ذلك روسيا. يمكنها أن تتوقف عن الإنتاج وتبدأه دون الإضرار بمعظم حقولها النفطية، وتبقى أكثر قدرة على اقتراض الأموال لتغطية الخسائر الفورية. وهذا يمنحها مرونة هائلة فيما يتعلق بالإنتاج، وبالتالي القدرة على رفع الأسعار وتخفيضها. وتجلت أهمية ذلك بالنسبة لواشنطن من خلال دعوة ترامب للمملكة العربية السعودية لخفض الإنتاج لرفع الأسعار، وذلك للدفاع عن الشركات والولايات الأمريكية المنتجة للنفط.
بمراجعة التاريخ الطويل للشراكة الأمريكية-السعودية، قد تعتقد الرياض أن واشنطن لن تستغني عنها، وتتبنى بذلك موقف “إما أن تقبله كما هو أو تتركه”. قد يكون هذا الخيار جريئاً وخطيراً، ولكن نظراً لأن إدارة بايدن سوف تسعى بلا شك إلى إعادة التأكيد على المكانة القيادية العالمية للولايات المتحدة مع التركيز على التحالفات التقليدية والاستقرار، فلن يكون الفشل هو بالضرورة مصير هذا الخيار.
مع وجود بايدن في البيت الأبيض، سوف تواجه المملكة العربية السعودية فجأة تحديات مهمة جديدة في التعامل مع الولايات المتحدة، حليفها الذي لا غنى عنه. من حسن حظ القادة السعوديين أن لديهم العديد من الاستراتيجيات المحتملة. التحدي الذي يواجه الرياض هو اختيار الأنسب لها من بين الخيارات المطروحة عليها بناءً على قراءة متأنية للإشارات المبكرة الصادرة عن الإدارة فيما يتعلق بالشروط التي ستكون أساساً لإعادة بناء الثقة مع المملكة.