يُعد معرض أبو ظبي للأسلحة، آيدكس، (معرض ومؤتمر الدفاع الدولي-International Defence Exhibition and Conference)، الذي يُعقد كل عامين، حدثًا يجب متابعته بالنسبة لجميع المحللين في الإمارات العربية المتحدة، خاصة عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار بشأن “الكيفية التي يخطط بها القادة الإماراتيون للمضي قدماً في استراتيجيات تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الدفاع والأمن”، وفق ما أشار إليه ديفيد دي روش في عام 2019. لقد تم انتظار معرض هذا العام بفارغ الصبر أكثر من المعتاد، وكانت هنالك تساؤلات تتراوح ما بين التأثير الاقتصادي لجائحة فيروس كورونا وبين التأثير المحتمل للتغيير في القيادة الأمريكية في إعادة ترتيب أولويات القضايا المتعلقة بالأمن القومي الخليجي. ومع اقتراب آيدكس 2021، تضاعفت الإعلانات من قبل شركات الأسلحة العالمية الرائدة، مثل شركة ساب (Saab) السويدية، مروجةً لإزاحة الستار عن أول منتج لها تم تطويره في الإمارات، وكذلك من المسؤولين العسكريين الإماراتيين، متوقعين “نجاح آيدكس 2021، على الرغم من التحديات العالمية”. وفي النهاية، أكد آيدكس 2021 على أهمية الصناعات الدفاعية بالنسبة للإمارات كعميل رئيسي، وكذلك كلاعب ناشئ يتحلى بالمصداقية في تجارة الأسلحة العالمية.
منذ معرض آيدكس الأول في عام 1993، كان المعرض يعد مركزياً لاستراتيجية الإمارات – ولا سيما لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان – في استخدام القوة الصلبة بشكل فعال كإحدى أدوات القوة الناعمة والنفوذ، وكوسيلة أيضاً لترسيخ القومية. كما ساهم في ترسيخ مكانة الدولة كمحور استراتيجي في العديد من المجالات، بما في ذلك تجارة الأسلحة العالمية. وفي النهاية أصبح آيدكس – يشبه إلى درجة كبيرة معرض دبي للطيران الذي يُعقد كل عامين – مكاناً مختاراً للإعلانات الضخمة التي تعكس صياغة الاستراتيجية الأمنية للإمارات. لقد أصبح الحال كذلك على وجه الخصوص منذ أن جعلت الإمارات من تطوير الصناعات الدفاعية المحلية أمراً مركزياً لخطة التنويع الاقتصادي، وطموحها في الحصول على قدر أكبر من الاستقلالية الذاتية والسلطة على الصعيدين الإقليمي والدولي. فعلى سبيل المثال، تم الإعلان عن تشكيل إيدج، وهو تكتل دفاعي وتكنولوجي شامل كان بحد ذاته تغييراً للعلامة التجارية لشركة الصناعات الدفاعية الإماراتية التي تأسست عام 2014 وإعادة تنظيمٍ لها، في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2019، قبل معرض دبي للطيران في ذلك العام.
لقد تم انتظار معرض آيدكس لهذا العام بفارغ الصبر لأن الجائحة قد أثرت بشكل كبير على اقتصاد الإمارات – وجميع دول الخليج الأخرى. ولكنه عُقد أيضًا وسط رقابة مشددة على تجارة الأسلحة لدول الخليج العربية في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (وكلتاهما من المصدرين الرئيسيين للأسلحة إلى المنطقة)، وإعادة تنظيم أوسع لأولويات أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة. قد تكون الضغوط التي تفرضها هذه البيئة على الشركات الصناعية لتأمين أسواقها التصديرية هي التي تفسر التعهدات الحماسية الصريحة التي قادت إلى هذه الفعالية من قبل أصحاب المصلحة مثل رايثيون ونكستار وإي إم جنرال. وفي هذا السياق، كانت هنالك ثلاثة مظاهر مهمة، بشكل خاص، للمراقبة في آيدكس 2021: كميات مشتريات الأسلحة الإماراتية نفسها، وتفاصيل العقود الموقعة (كل من نوع الأنظمة والشركاء)، والسردية المحيطة بالعقود.
تظل الصناعات الدفاعية مركزية في استراتيجية الإمارات
كانت العبرة الرئيسية من معرض هذا العام أنه أكد على مركزية الصناعات الدفاعية في الاستراتيجية الأمنية الإماراتية. بالرغم من قيود موازنة الإمارات بسبب التأثير الاقتصادي للجائحة، لم يطرأ هناك أي انخفاض على إجمالي مشتريات الأسلحة. وقد أغلق آيدكس 2021 على قيمة إجمالية تُقدر بنحو 5.7 مليار دولار من مشتريات الإمارات، وهو ما يتماشى تماماً مع المعرضين السابقين (5.45 مليار دولار في آيدكس 2019 و5 مليارات دولار في آيدكس 2017). كان هذا غير متوقع إلى حد ما، لأن صندوق النقد الدولي في يوليو/تموز 2020 قدّر أن الاقتصادات الريعية في الشرق الأوسط يمكن أن تتقلص بنسبة 7.3٪ وسط الجائحة، وأشار المحللون إلى أنه من المرجح أن يترجم هذا إلى تخفيضات في الإنفاق الدفاعي (بما في ذلك ما يتعلق بشراء الأسلحة). قبل أيام قليلة من الفعالية، أعلنت شركة جينز عن تقليص متوقع لميزانيات الدفاع الخليجية بنسبة 10٪ في عام 2021، وحسب تقييمها لا ينبغي توقع العودة إلى مستويات ما قبل الجائحة قبل عام 2024. واعتبر العميد الركن محمد الحساني المتحدث الرسمي باسم آيدكس ومعرض الدفاع البحري والأمن البحري أن القيمة الإجمالية للصفقات التي تم التوصل إليها في هذه الفعالية “مؤشر على نجاح هذا المعرض”.
ومع ذلك، لا يكفي النظر إلى الأعداد البحتة. فهنالك عبرة أخرى من آيدكس 2021، ربما تكون أكثر أهمية، وهي كيف يبدو أن المعرض يؤكد على أن الإمارات العربية المتحدة تقوم بتحويل تركيزها عندما يتعلق الأمر بنوع المواد التي تستثمر فيها، والشراكات التي ترغب في إقامتها، والأهم من ذلك رغبتها في أن تصبح جهة فاعلة جديدة تتمتع بالمصداقية في تجارة الأسلحة العالمية.
الأعمال المصرفية في مجال الأنظمة ذاتية التشغيل
باستثناء العقود الكبيرة ذات الأهمية السياسية والاستراتيجية العالية (مثل صفقة الطائرات المقاتلة F-35 مع الولايات المتحدة، والتي لا تزال مجمدة وقيد المراجعة)، فإن معظم العقود المعلنة في آيدكس 2021 تؤكد الطموح الإماراتي إلى إعطاء الأولوية “للأمن السيبراني والأسلحة ذاتية التشغيل والتكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي في التطبيقات الدفاعية وحماية سلاسل التوريد وسط الأزمة الصحية العالمية”، والتي كانت كلها محور التركيز الرسمي لمعرض الأسلحة لهذا العام. في 17 فبراير/شباط، أكد فيصل البناي، الرئيس التنفيذي والمدير الإداري لمجموعة إيدج، في ندوة لمجلس الأعمال الأمريكي-الإماراتي عبر الإنترنت، على الأهمية التي توليها دولة الإمارات، باعتبارها “دولة صغيرة وليس فيها الكثير من السكان”، للقدرات ذاتية التشغيل التي تعمل بمثابة “مضاعف للقوة”.
تجلى اهتمام الإمارات بالأنظمة ذاتية التشغيل على نطاق واسع طوال الفعالية التي استمرت خمسة أيام، ليس فقط كعميل محتمل للشركات الأجنبية، وإنما أيضاً كدولة مصنعة – يبدو أن الإمارات حريصة على تطوير مكانة لنفسها في هذه التقنيات. فعلى سبيل المثال، كانت كاميرا ساب RCAM-IR التي تم الكشف عنها في آيدكس 2021، نتاج التعاون مع شركة مراكب للتكنولوجيا، وهي شركة مقرها الإمارات وتصنع القوارب بالإضافة إلى الأنظمة البرية والبحرية والجوية غير المأهولة. كانت إحدى اللحظات الأساسية في اليوم الأول من آيدكس 2021 هي كشف النقاب عن أربع معدات متعددة الأطوار الحركية، تُعرف باسم طائرات كاميكازي المسيرة، من قبل شركتي إيدج وأداسي، حيث تقوم إيدج بتطوير تقنيات المركبات الجوية غير المأهولة.
الدفاع الصاروخي والمراقبة والشراكة مع الولايات المتحدة
كما تم عرض الكثير من القدرات التقليدية، وأكدت الإمارات على تركيزها الزائد على القدرات الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع بالإضافة إلى الدفاع الصاروخي. في اليوم الثاني، حصلت شركة رايثيون الأمريكية على عقد بقيمة 2.6 مليار درهم (701 مليون دولار) لتزويد القوات الجوية الإماراتية والدفاع الجوي بالصواريخ ومعدات الدفاع الجوي. وحصلت شركة ساب على “أكبر صفقة لهذا اليوم” بقيمة 3.7 مليار درهم (حوالي 1 مليار دولار). كان هذا على الأرجح العقد الرسمي الملحق المتعلق ببيع نظامين من جلوبال آي (GlobalEye)، وهو نظام المراقبة الجوي المتقدم للشركة، والذي أعلنت عنه ساب في يناير/أوائل كانون الثاني.
ومن بين العِبر المهمة الأخرى لآيدكس هذا العام، الديناميكيات الجديدة المحتملة للشراكات التي تم التلميح إليها، ليس فقط من خلال توقيع العقود، ولكن من حيث كل من الاجتماعات الرسمية التي عقدها محمد بن زايد والدول التي تم تمثيلها في معرض الأسلحة. بالنسبة لرياض قهوجي، “كان هناك شيء كبير مفقود” في آيدكس: الوفود الرسمية الأمريكية الرفيعة المستوى. قد يكون هذا إشارة إلى العلاقات المتوترة بين أبو ظبي وواشنطن على خلفية المراجعة الأمريكية لصادرات الأسلحة إلى الإمارات، وهو الأمر الذي أوضحه، على سبيل المثال، المسؤولون الإماراتيون الذين “توقفوا لفترات طويلة في الأجنحة الصينية والروسية التي احتلت مساحات كبيرة من المعرض مقارنة بالشركات الأمريكية”. وفي حين أنه من الممكن أن تكون الإمارات العربية المتحدة تريد إرسال رسالة إلى شريكها الاستراتيجي، فإنه لا ينبغي للمرء أن يبالغ كثيرًا في هذا الأمر. ليس فقط كان هنالك ما يقارب الستين شركة أمريكية حاضرة في آيدكس 2021، بل أشارت إيدج إلى أنها تريد الانضمام إلى سلسلة التوريد لـ F-35، بمجرد إتمام البيع – الشيء الذي قال سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة إنه واثق منه. وربما كان انخفاض المشاركة الأمريكية في آيدكس 2021 انعكاساً لحقيقة أن الشركات الأمريكية قد مُنحت بالفعل عقوداً بقيمة 24 مليار دولار من أبوظبي في عام 2020 وأن الإمارات ليست بحاجة للمزيد منها في الوقت الحالي.
تأمين العملاء وتعزيز الصبغة المحلية
ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو تلك الشراكات التي عززتها الإمارات أو أنشأتها. فقد التقى محمد بن زايد بممثلين عن المملكة المتحدة واليونان وروسيا وإثيوبيا وصربيا وقبرص. وللمرة الأولى ظهرت الشركات الإسرائيلية كذلك في معرض الأسلحة، على الرغم من قيود فيروس كورونا التي تمنع الكثيرين من السفر إلى الإمارات. وربما الأهم من ذلك، وقعت الإمارات عقوداً لبيع معدات عسكرية لشريكين مهمين: مركبات مدرعة إلى المملكة العربية السعودية (من منتجات النمر التي سيتم إنتاجها بالاشتراك مع الصناعات العسكرية السعودية) والنظام الصاروخي سكاي نايت (SkyKnight) المصنع والمصمم محلياً إلى ألمانيا (شركة رينميتال). يؤكد هذان العقدان على طموح الإمارات المتنامي في أن تظهر كطرف فاعل ومنافس في تجارة الأسلحة العالمية -على الأقل في بعض المجالات المتخصصة – وهو ما كان واضحاً كل الوضوح في الخطاب المحيط بمعرض الأسلحة.
إن السردية التي تحيط بجميع العقود الموقعة في آيدكس 2021 تستحق فعلاً الاستكشاف، حيث إن الكثير منها يدور حول تصاعد الاستقلالية الاستراتيجية للإمارات عندما يتعلق الأمر بشراء الأسلحة. في آيدكس 2019، استأثرت الشركات الأجنبية بـ 65٪ من المشتريات الإماراتية، في حين انخفضت التعاقدات الإماراتية إلى 35٪، الأمر الذي قد يُظهر “الاعتماد المستمر لدولة الإمارات على المعدات العسكرية المستوردة”. ولكن في آيدكس 2021، استأثرت الشركات المحلية على ما يقارب الـ 50٪ من مشتريات الإمارات. ومن الجدير بالذكر أن المقالات التي كانت تغطي معرض الأسلحة أبرزت النسبة الهائلة للعقود الممنوحة للشركات المحلية بشكل يومي تقريباً (78٪ في اليوم الأول، و79٪ في اليوم الثالث، و66٪ في اليوم الرابع) ولكن ليس في اليوم الثاني، عندما تم الإعلان عن أعلى مبلغ، حيث تم منح 95٪ منها للشركات الدولية. وبصرف النظر عن ذلك، فإن القفزة من 35٪ إلى 50٪ في العقود المحلية في غضون عامين فقط تعتبر دليلاً على أن الأمور قد بدأت في التحول عندما يتعلق الأمر بمبيعات الأسلحة في الإمارات ومنها.