بينما كانت الطموحات واحتمالات الازدهار كبيرة، يبدو أن تنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة ليس على القدر نفسه من حيث المضمون، الأمر الذي يسلط الضوء على استراتيجية الصين الطويلة الأمد المتمثلة في اعتبار طهران كقطعة يمكن التضحية به في لعبة الشطرنج مع واشنطن.
في 15 يناير/كانون الثاني، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان ونظيره الصيني وانج يي عن البدء بتنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة ومدتها 25 عامًا، والتي وقعتها إيران والصين في مارس/آذار 2021 بعد خمس سنوات من المفاوضات. جاء الإعلان في فترة زيادة التعاطي بين الصين والشرق الأوسط. في الواقع، قبل استضافة وزيري خارجية إيران وتركيا مباشرة، استقبل وانج يي في الصين وفدًا من أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، برئاسة الأمين العام للمجلس ووزراء خارجية المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت وعُمان. كانت الرسالة هي أن العلاقات الصينية مع الشركاء في جميع أنحاء الشرق الأوسط بدأت العام الجديد بخيرٍ وسلام. بالنسبة لإيران، أوضح التوقيت، مجددًا، أن بكين لم تكن تحابي أحدًا في الخليج، وأن المرحلة الجديدة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة، إن تحققت، هي مجرد استمرار لاستراتيجية التوازن الصينية في المنطقة.
منذ مارس/آذار 2021، تصدر تطوران في العلاقات الصينية-الإيرانية العناوين الرئيسية. في قمتها لعام 2021 في دوشانبي، أعلنت منظمة شنغهاي للتعاون عن الموافقة، أخيرًا وبعد 15 عامًا، على العرض الإيراني للحصول على العضوية الكاملة في المنظمة. واحتفل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بالموافقة باعتبارها نجاحًا غير عادي، واعتبرها مؤشرًا على “فشل الهيمنة والانفراد” لصالح دول “مستقلة” مثل إيران. ومنذ نهاية عام 2021، كثفت الصين، بشكل كبير، من وارداتها النفطية من إيران على الرغم من العقوبات، حيث أعلنت سلطات الجمارك الصينية رسميًا عن شراء الخام الإيراني لأول مرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2020.
ومع ذلك، وبعد ثلاثة أشهر من بدء مرحلة تنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة، لا توجد مؤشرات تذكر على أي تغيير جوهري في المسار الأوسع للعلاقات الصينية-الإيرانية. وفي حين أن هذا الوقت من الإطار الزمني يعد قصيرًا جدًا للحكم على خارطة طريق من المفترض أن تحدد الخمسين عامًا القادمة من العلاقات الثنائية، إلا أن هناك ثلاث مسائل جوهرية على الأقل لم يتم حلها، ما يشير إلى أن أي تحسن حقيقي في العلاقة بين الصين وإيران لن يتحقق بهذه السرعة.
أولاً، على الرغم من الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تقدم تصورًا متعدد القطاعات، من الواضح أن المكون الاقتصادي يستأثر بجوهر التقدم في العلاقات الصينية-الإيرانية. إن العودة إلى الاتفاق النووي- خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015 – مع إيران، والذي تدعمه بكين، وما يصاحب ذلك من رفع للعقوبات الأمريكية، هو أمر ضروري لتحقيق انطلاقة كبيرة في الاستثمارات الصينية العامة والخاصة في إيران. انطلقت الشراكة الاستراتيجية الشاملة في الأصل في عام 2016 فورًا في أعقاب تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة التي تربط ضمنيًا بين اهتمام بكين المتجدد بتطوير علاقتها مع طهران وبين التطورات السياسية والاقتصادية المنبثقة عن الاتفاق النووي.
يبدو أن افتتاح قنصلية صينية، مؤخرًا، في مدينة بندر عباس، الساحلية، وهي الأولى في البلاد، يُعد أمرًا مهمًا. في الواقع، تعتبر منطقة بندر عباس ذات أهمية إستراتيجية كبيرة، حيث قد يسهل على الصين الوصول إلى منطقة التجارة الحرة في تشابهار، بالإضافة إلى المنطقة الساحلية الأوسع التي تشمل موانئ تشابهار الإيرانية وجوادار الباكستانية. ومع ذلك، تشهد إيران منذ عام 2018 ركودًا كبيرًا في الاستثمارات الصينية. وفقًا لبيانات مرصد استثمارات الصين العالمية التابع لمعهد أمريكان انتربرايز (American Enterprise Institute)، انتعشت استثمارات بكين في إيران في عام 2017، ما يعكس الزخم الناتج عن تنفيذ اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، ثم تراجعت بعد إعادة فرض العقوبات الثانوية الأمريكية في عام 2018.
بشكل عام، تواجه طهران حاليًا صعوبات كبيرة في الاندماج في مبادرة الحزام والطريق، وعلى نطاق أوسع، في الاستثمارات الصينية المالية والبنية التحتية في المنطقة. تسلط لوسيل جرير (Lucille Gree) وإسفانديار باتمانجليج (Esfandyar Batmanghelidj) الضوء على أن انخراط بكين الاقتصادي مع إيران أدنى بكثير من انخراطها مع السعودية والإمارات وباكستان، وهو ما يعكس أن “الصين قطعيًا ونسبيًا لا تستثمر بما فيه الكفاية في إيران”.
ومع ذلك، حتى في حال العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، فإنه من الصعب جدًا التصور بأن رأس المال الصيني سوف يتدفق إلى إيران. سوف تبقى حالة انعدام الثقة قائمة فيما يتعلق بقدرة طهران على المدى القصير والمتوسط على الاندماج في الأسواق المالية العالمية والمخاطر السياسية قد تواصل ثني الصين عن الانفتاح على إيران بطريقة يمكن مقارنتها، على سبيل المثال، بالعلاقات الناضجة التي أقامتها مع الإمارات.
ثانيًا، ظلت شروط الميزانية الفعلية للاتفاقية والأحكام التنفيذية والجداول الزمنية غامضة نسبيًا، هذا إن لم تكن غائبة كليًا. في مارس/آذار 2021، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان، إن الشراكة الاستراتيجية الشاملة “لا تتضمن أي عقود أو أهداف كمية ومحددة ولا تستهدف أي طرف ثالث، وسوف توفر إطارًا عامًا للمضي قدمًا في التعاون الصيني-الإيراني” ورد فرهاد دجبسند (Farhad Dejpasand)، وزير الشؤون الاقتصادية والمالية الإيراني آنذاك، بأن الوثيقة “تحدد حجم التعاملات بين البلدين”. وأثار هذا مخاوف بين بعض المشرعين الإيرانيين من أن أي اتفاقية ملزمة قانونًا بين إيران ودولة أجنبية تتطلب موافقة برلمانية.
إن حكومة رئيسي، التي جعلت من استراتيجية “النظر شرقًا” أحد المكونات الجوهرية لبرنامجها الانتخابي، لم تقدم الاتفاق للبرلمان الإيراني أيضًا، ما من شأنه أن يؤكد، على ما يبدو، أنه يُقصد للشراكة الاستراتيجية الشاملة أن تبقى إطارًا واسعًا وطموحًا – إطارًا للتعاون طويل الأمد دون أحكام ملزمة والتزامات صارمة متبادلة. ويشير هذا، في نهاية المطاف، إلى أنه من شأن إطلاق مرحلة التنفيذ أن تتسبب في بعض الضوضاء السياسية في مرحلة حرجة من محادثات فيينا الهادفة لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة بدلاً من المضي قدمًا بخطوة ملموسة على طريق الشراكة الاستراتيجية الشاملة.
أخيرًا، لا تزال السياسات المحيطة بالشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإيران تثير الجدل. فعلى المستوى الإقليمي، تواصل الصين الإشارة إلى أنها لا تنوي الابتعاد عن إستراتيجية التوازن التي تعمل بسلاسة مع الشركاء في المنطقة. وأعادت زيارة وزراء خارجية مجلس التعاون لدول الخليج العربية في يناير/كانون الثاني إلى طاولة المفاوضات اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها بين الصين وبلدان المجلس. وفي حين أن الاجتماع لم يسفر عن اتفاق نهائي، لكن المهم هو أن وفود أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية وإيران غادروا الصين بفرصة تُظهر شعار بكين بالالتزام علنًا باحترام الاتفاقيات الأساسية ذات الصلة. ومع ذلك، فإن إيران تعتبر إظهار الدعم السياسي العام للصين يبدو بلا جوهر إذا لم يتم دعمه من خلال تطورات ملموسة في الشراكة مع بكين.
كتب جوناثان فولتون (Jonathan Fulton) مؤخرًا، وهو كبير باحثين غير مقيم في المجلس الأطلنطي، أن هناك دليلًا ناشئًا على أن الصين لم تعد تتحوط، لكنها تحاول وضع حاجز بين واشنطن ودول الخليج العربية. ومن المثير للاهتمام، أن الحجة الكلاسيكية التي توضح أهمية إيران في الحسابات الاستراتيجية لبكين تعتبر دور طهران يكمن في تحقيق التوازن مع هيمنة واشنطن في المنطقة. إن التأثيرات المتبادلة لهذه الديناميكيات معقدة بلا شك، ولكن في مثلث السياسة الصيني-الأمريكي-الإيراني، غالبًا ما تعاملت بكين مع طهران على أنها قطعة يمكن التضحية بها في لعبة الشطرنج مع واشنطن. ليس هناك إشارات تُذكر بأن انطلاق مرحلة تنفيذ الشراكة الاستراتيجية الشاملة قد غير من هذه الديناميكية.
من غير المرجح أن تتمكن أرامكو من الحفاظ على سياستها الحالية في توزيع عائدات الأسهم في ظل غياب انتعاش قوي في عائدات النفط. وقد يؤدي تخفيض الأرباح الموزعة إلى آثار سلبية على الأوضاع المالية للحكومة وصندوق الاستثمارات العامة.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
على صعيد العلاقات الأمريكية-الخليجية، سترث إدارة هاريس إطار عمل راسخ للمضي قدماً، ومن غير المرجح أن تتخلى عنه.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.