ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
خلال قمة الدول الصناعية السبعة في بياريتز، فرنسا في آخر الشهر الماضي، سعى الرئيس ايمانويل ماكرون الذي فاجأ المؤتمرين حين دعا وزير خارجية إيران جواد ظريف، إلى نقل الرسائل بين الأمريكيين والإيرانيين ومحاولة تحضير الأرضية لاجتماع بين الرئيس دونالد ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني خلال وجود الرئيسين في نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية الشهر الجاري. وعندما قال ترامب إنه من الناحية النظرية منفتح على فكرة اجتماع مع روحاني في ظل الظروف المناسبة، فسّر ذلك على أن مثل هذه القمة هي في حيز الممكن.
مساعي ماكرون عكست رغبة – وإحباط – الدول الأوروبية الثلاثة الموقعة على الاتفاق النووي الدولي مع إيران، (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) باقناع إيران بعدم تقويض بنود الاتفاق المتعلقة بمنع إيران من تخصيب اليورانيوم بدرجة متقدمة تسمح بتطوير القنابل النووية، واقناع واشنطن باستثناء بعض الدول من العقوبات والسماح لها بشراء كميات محدودة من النفط الإيراني، وأخيرا تقديم خط أئتمان بقيمة 15 مليار لإيران للتعويض عن خسائرها جراء نظام العقوبات الأمريكي القاسي الذي حرمها تقريبا من تصدير النفط الذي يشكل 80 بالمئة من ميزان مدفوعاتها من العملة الصعبة.
ولكن منذ عودة الرئيس ترامب إلى واشنطن، صعّدت حكومته من وتيرة وحجم ومدى العقوبات الاقتصادية ضد المؤسسات والتنظيمات والكيانات الإيرانية، وضد وكلائها في المنطقة مثل حزب الله، وتزامن ذلك مع تصريحات للرئيس ترامب قال فيها بصراحة، وحتى بفظاظة إن الولايات المتحدة “لا تتعامل مع إيران عبر الرئيس ماكرون. الناس يتعاملون معنا مباشرة، ولا داعي لأن نتحرك عبر دولة أخرى.. ونستطيع أن نتعامل معهم (إيران) بشكل مباشر إذا أردنا ذلك”. وحين سؤاله عن احتمال اجتماعه بالرئيس روحاني، أعطى ترامب جوابا عاما ومبهما يستخدمه دائما حين قال “كل شيء ممكن”. وفي السابق كان الإيرانيون يقولون إنهم مستعدون للتفاوض مع الأمريكيين، ولكن بشرط العودة إلى تطبيق الاتفاق النووي، أو –وهذا موقفهم الأخير- الغاء العقوبات الاقتصادية أو بعضها. ولكن ترامب كرر قبل أيام خلال لقائه مع الصحفيين في البيت الأبيض رفضه لتعليق العقوبات، مؤكدا ” هذا لن يحدث” مكررا هذه الجملة لأكثر من مرة. وحين سألنا مسؤول أمريكي معني بالسياسة تجاه إيران، ما إذا يمكن تفسير هذه العقوبات الأمريكية ومواقف الرئيس ترامب على أنها بمثابة تقويض كامل لمساعي الرئيس ماكرون، اكتفى بالقول إن كلام الرئيس ترامب يفسر نفسه.
عقوبات في كل الاتجاهات
في التاسع والعشرين من آب- أغسطس الماضي فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على “جمّال تراست بنك” اللبناني وعدد من الشركات التابعة له في لبنان بتهم تسهيل الأنشطة والمعاملات المالية لأعضاء وقياديين في حزب الله. وشملت العقوبات أربعة أفراد يحولون الودائع المالية من الحرس الثوري الإيراني إلى “حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية” (حماس) عبر حزب الله. القرار لم يكن مفاجئا، لأن المسؤولين الأمريكيين كانوا قد ألمحوا قبل أسابيع إلى أن وزارة الخزانة بالتعاون مع الأجهزة الأمريكية الأخرى تحضر لإدراج مؤسسات مالية وشخصيات سياسية لبنانية لا تنتمي فقط إلى حزب الله، بل أيضا إلى حليفه “التيار الوطني الحر” الذي أسسه رئيس الجمهورية ميشال عون، ويقوده حاليا صهره وزير الخارجية جبران باسيل، لأن “التيار” كما يقول المسؤولون الأمريكيون “يوفر الغطاء المسيحي لحزب الله ولنشاطات إيران المؤذية في لبنان وسوريا” كما قال لنا مسؤول أمريكي معني بالعقوبات. وتأتي هذه العقوبات في سياق تفاقم التوتر العسكري في المنطقة في أعقاب الغارات الجوية التي كثفتها إسرائيل ضد أهداف إيرانية واخرى تابعة لحزب الله في سوريا، وفي الأسبوع الماضي ضد أهداف في ضاحية بيروت الجنوبية، وهي معقل حزب الله في العاصمة اللبنانية. وفي الأسابيع الماضية صعدت أسرائيل من ضرباتها العسكرية لتشمل قواعد تابعة لقوات الحشد الشعبي، التي تمولها وتدربها إيران في العراق لتدمير صواريخ باليستية، ومعدات وآليات مصممة لتحسين دقة الصواريخ الإيرانية الموجودة في ترسانة حزب الله في لبنان. وسوف تكون هذه المسائل في طليعة القضايا التي سيبحثها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الذي سيزور بيروت في الأيام القليلة المقبلة ضمن جولته الشرق أوسطية الراهنة.
ويوم الثلاثاء الماضي فرضت وزارة الخزانة عقوبات على وكالة الفضاء الإيرانية ومركزي أبحاث تابعان لها بتهمة تسهيل تطوير الصواريخ الباليستية القادرة على حمل الرؤوس النووية. وجاءت العقوبات في أعقاب تغريدة ساخرة للرئيس ترامب صاحبتها صورة زودته بها الاستخبارات الأمريكية، لتجربة إيرانية فاشلة لإطلاق صاروخ باليستي.
ويوم الأربعاء جلب عقوبات جديدة ضد شبكة واسعة للنقل البحري بتهمة بيع النفط الإيراني بشكل غير قانوني. وجاء في بيان لوزارة الخزانة أن العقوبات تشمل 16 كيانا و11 سفينة و10 أفراد. ويقود هذه الشبكة رستم قاسمي وزير النفط الإيراني السابق. وتبين هذه العقوبات مدى اعتماد إيران على حزب الله اللبناني، ومدى نفوذ طهران في سوريا، لأن بيان الخزانة أشار إلى أن الشبكة المستهدفة “يقودها فيلق القدس وحليفه الإرهابي حزب الله” لافتة إلى أن الطرفين يستفيدان ماليا من نشاطاتها. وأشار البيان إلى أن الشبكة قامت في السنة الماضية بشحن كميات من النفط بقيمة مئات الملايين من الدولارات “لصالح نظام الأسد الدموي” في سوريا. وتؤكد سلسلة هذه العقوبات أن ما تسميه واشنطن سياسة فرض “الضغوط القصوى” ضد إيران تستهدف عمليا جميع حلفاء ووكلاء إيران في المنطقة. وقال وزير الخزانة ستيفن مانوشن “تواصل إيران اتخاذ الإجراءات الاستفزازية لخلق الاضطرابات في المنطقة والعالم. واجراءاتنا خلال الأسبوعين الماضيين يجب أن تعتبر تحذيرا قويا لأي جهة تفكر بتسهيل مبيعات النفط لفيلق القدس، بأنها ستتعرض إلى عواقب سريعة”.
وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية رصد مكافآت مالية تصل إلى 15 مليون دولار لأي شخص يقدم معلومات تساهم في استهداف العمليات المالية للحرس الثوري ولفيلق القدس. وكانت واشنطن قد صنفت قبل أشهر الحرس الثوري الإيراني على أنه تنظيم إرهابي دولي، ولهذا السبب لاحظ مسؤول أمريكي أن تخصيص هذه المكافأة المالية هو حدث “تاريخي” لأنه يستهدف نشاطات مالية لكيان حكومي.
تحذيرات الوزير ستيفن مانوشن هي رسالة أمريكية واضحة للحلفاء بأن عليهم التعامل أما مع واشنطن أو مع طهران، ولكن ليس مع الإثنين. تزامن هذه النشاطات والتحذيرات قبل أسابيع من بدء أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي سيشارك فيها الرؤساء ترامب وماكرون وروحاني يعني عمليا أن فرص نجاح أي وساطة فرنسية أصبحت شبه معدومة. وبدت واشنطن وكأنها غير مهتمة بعرض الرئيس ماكرون توفير خط ائتمان لإيران بقيمة 15 مليون دولار لإقناعها بعدم تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة وأن تلتزم بتلك النسبة الواردة في الاتفاق النووي والتي لا تزيد عن 3.67 بالمئة. وقال المبعوث الأمريكي المعني بالشأن الإيراني برايان هوك للصحفيين قبل أيام “لا يوجد هناك اقتراح بهذا الشأن” لافتا إلى أن الرئيس ماكرون لم يتقدم باقتراحه “رسميا” حتى الآن، مضيفا في إشارة عكست استخفاف واشنطن بالعرض “ولذلك لن نعلق على شيء غير موجود”.