برزت، في العقد الماضي، العديد من الحسابات على وسائل التواصل الاجتماعي متخذة على عاتقها توثيق تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة ونشره. وقد جذبت بعض هذه الحسابات مئات الآلاف من المتابعين المهتمين بالتاريخ، فيما تحوّل عدد من هذه الحسابات لمشاريع بحثية منظمة. يقوم على إدارة هذه الحسابات باحثون مستقلون من جيل الألفية، وغالباً ما ينشطون على عدة منصات لتحقيق هذا الغرض. وتغطي هذه الحسابات مواضيع مختلفة، بما في ذلك علم الأنساب والتراث الديني والتصوير الفوتوغرافي. ويتمحور التاريخ الشعبي الذي يقدمه هؤلاء حول المجتمع، والذي يستهوي الأشخاص الذين يرغبون في التعرف على تاريخ عائلاتهم أو قبائلهم، أو أولئك الذين يرغبون في مشاهدة صور نادرة لأحيائهم أو مدنهم. يقوم الباحثون الذين يقفون وراء هذه الحسابات بإنتاج أبحاث أصلية، من خلال إجراء المقابلات وجمع المصادر الأولية. يتابع الناس هذه الحسابات، ليس فقط من أجل محتواها الشامل والمنظم، بل للانضمام إلى مجتمع متنام من الباحثين الهواة، واستكشاف فرص التعاون.
يركز التاريخ الرسمي للإمارات على المرحلة التي أعقبت التوحيد الرسمي للدولة في عام 1971. وفي ظل غياب الجهود المؤسسية المنظمة، ساعدت هذه الحسابات المستقلة في سد فجوة معرفية لدى الناس تتعلق بتاريخ حقبة ما قبل تأسيس الدولة، مما أتاح إنتاج سردية تاريخية أكثر عمقاً وتنوعاً. ويتم تحقيق ذلك من خلال جمع الروايات الشفهية لأشخاص عاصروا تلك الحقبة، ودراسة مصادر أولية لم تحظ بالاهتمام الكافي سابقاً.
خلال جلسة لمناقشة سياسات وزارة الثقافة في المجلس الوطني الاتحادي [البرلمان الإماراتي] في أبريل/نيسان 2022، أشارت كفاح الزعابي، عضو المجلس، إلى هذه الحسابات، قائلة “نجد كثيراً من الحسابات المتميزة المهتمة بالتراث والموروث الإماراتي، وبالشعر والهوية”. ودعت الوزارة إلى إيجاد سبل لدعم هذه المبادرات من أجل الترويج للتراث الإماراتي. وقد أطلقت وزارة الثقافة منذ ذلك الحين البرنامج الوطني لمنح الثقافة والإبداع، والذي يقدم منحاً سنويةً لدعم المبدعين، وتعزيز الإنتاج الثقافي في الإمارات. كما يهدف البرنامج “الحفاظ على الهوية الوطنية والموروث الإماراتي”. وقد تلقى الفائزون في الدورة الافتتاحية منحهم في عام 2023.
تُنتج العديد من هذه الحسابات البارزة محتوى جذاباً، وتستقطب جمهوراً متحمساً يتطلع للمعرفة، والمساهمة في الجهود المبذولة لإخراج صورة متكاملة للتاريخ والتراث الإماراتيين.
تاريخ الإمارات
يقوم باحث، يفضل عدم الكشف عن هويته، على إدارة حساب تاريخ الإمارات على منصة إنستجرام، ويسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراة في المملكة المتحدة. أُطلق الحساب في عام 2014، ويضم 351 ألف متابع. ويركز جهوده في جمع الصور، ومقاطع الفيديو، والمنشورات ودراستها. وقد أنشأ الباحث الحساب، جزئيا،ً بهدف تحدي “الاعتقاد بأن تاريخ الإمارات بدأ قبل 53 عاماً فقط” مع إعلان الاتحاد في عام 1971. وأكد الباحث على التزامه بالتعاون مع الآخرين، فيقول، “نقوم بنشر محتوانا ومحتوى زملائنا أيضاً، ونقوم بدعمهم”.
مبادرة الموروث
يقوم باحث، يفضل عدم الكشف عن هويته، على إدارة حساب تاريخ الإمارات على منصة إنستجرام، ويسعى حالياً للحصول على درجة الدكتوراة في المملكة المتحدة. أُطلق الحساب في عام 2014، ويضم 351 ألف متابع. ويركز جهوده في جمع الصور، ومقاطع الفيديو، والمنشورات ودراستها. وقد أنشأ الباحث الحساب، جزئيا،ً بهدف تحدي “الاعتقاد بأن تاريخ الإمارات بدأ قبل 53 عاماً فقط” مع إعلان الاتحاد في عام 1971. وأكد الباحث على التزامه بالتعاون مع الآخرين، فيقول، “نقوم بنشر محتوانا ومحتوى زملائنا أيضاً، ونقوم بدعمهم”.
حسين البادي
يصف حسين البادي نفسه بأنه “باحث ميداني”. فهو يدرس تاريخ دولة الإمارات منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي. ويركز بشكل أساسي على حسابه على إنستجرام، الذي يضم 47 ألف متابع، ولديه حضور محدود على المنصات الأخرى، مثل اليوتيوب.
بدأ حسين جهوده البحثية بعد أن شهد وفاة العديد من كبار السن، الذين اعتادوا زيارة والده. يقول في هذا الصدد، “بفقداننا كبار السن، فقدنا المعرفة بتاريخنا.” شرع البادي أولاً بإجراء مقابلات مع كبار السن في الحي الذي يقطن فيه، ومن هناك توسعت شبكته البحثية. وبعد أكثر من 35 عاماً من البحث والتجميع، أصبح الآن يمتلك مجموعة كبيرة من الوثائق والمخطوطات والصور الفوتوغرافية. كما يمد حسين يد العون والمساعدة للباحثين المبتدئين، والطلبة الذين يجدون صعوبة في التعامل مع الأرشيفات الرسمية للدولة. وأوضح قائلاً، “للأسف، هناك الكثير في الأرشيفات، ولكن الموظفون لا يعرفون ما لديهم. فهم مجرد موظفين، وليسوا باحثين”. وفي معرض حديثه عن وضع هذا المجال ومستقبله، قال، “أكبر مشكلة هي الفئوية التي ينتهجها بعض الباحثين في مجال التاريخ والتراث، حيث يتحدثون عن فئة معينة وينسون فئات أخرى، فيكون تاريخ فئوي مجزأ وأنا ضد ذلك النهج”.
مبادرة فلاح
أنشأ ثاني المهيري مبادرة فلاح في عام 2017 في مؤسسة طابة، وهي مؤسسة غير ربحية تم إنشاؤها في أبوظبي عام 2005 لتوثيق التراث الديني في المنطقة. تمتلك المبادرة حسابات على منصات إنستجرام وإكس وتيك توك وفيسبوك ويوتيوب. تغطي المبادرة شرق شبه الجزيرة العربية وجنوب إيران، مع التركيز على الحقبتين الحديثة والمعاصرة. درس ثاني الشريعة الإسلامية، ويسعى الآن لمواصلة دراساته العليا في الفلسفة وعلم الاجتماع في جامعة السوربون أبوظبي. بدأ مبادرته بإجراء مقابلات مع كبار السن، وخاصة رجال الدين. وقد شجعه أصدقاؤه على مشاركة أبحاثه على وسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى جمهور أكبر. وقد نشرت المبادرة حتى الآن أبحاثاً عن أكثر من 102 من رجال الدين في المنطقة، من بينهم أكثر من عشرة نساء. وقال ثاني، “في بعض الأحيان لا يعرف الأحفاد أن جدهم كان عالماً، لذلك نقوم بتسليط الضوء عليهم وعلى كتاباتهم، وعلاقاتهم بالعلماء في العالم الإسلامي”.
يتمثل أحد أهداف المبادرة في إحياء تقليد المولد (المالد باللهجة الإماراتية)، وهو الاحتفال بالمولد النبوي الشريف. قال ثاني، ” المالد في طريقه إلى الاندثار. لقد جمعنا الشباب المهتمين بالمالد، كما جمعنا كبار السن الذين عايشوه ويعرفونه. وجمعنا كذلك قصائد المالد، وحفظناها لنؤديها في تجمع أسبوعي في أبوظبي”. لقد واجهت المبادرة ردود فعل سلبية، نتيجة لعملها على إحياء المولد، ووجهت لها اتهامات بالبدعة. ولمواجهة ذلك، أصدرت المبادرة كتيباً إرشادياً. كما تقوم المبادرة بدعوة الناس للتواصل مع الجهات الدينية للفتاوى موضحاً أن دورها يتمثل في الحفاظ على هذا التقليد، وليس الخوض في جدال حول مشروعيته في الإسلام.
وقال ثاني إنه على تواصل دائم مع سعيد السويدي، وغالباً ما يتصل به للسؤال عن نسب رجل دين أو شخصية تاريخية. كما ذكر ثاني أنه يتلقى استفسارات من باحثين آخرين حول التراث الديني. وأكد على الروح التعاونية والمجتمعية لهذه الشبكة البحثية. وذكر أيضاً كيف أثرى متابعوه على وسائل التواصل الاجتماعي هذه العملية البحثية من خلال المساعدة في تحديد المصادر، والانخراط في نقاشات مثمرة عبر الرسائل المباشرة. في حين أن المبادرة لا تقيم شراكات رسمية مع منظمات أخرى، قال ثاني إنه يستخدم الأرشيفات الحكومية والخاصة داخل الإمارات وخارجها. لكنه يأسف قائلاً، “إن العمل المؤسسي أحياناً يفسد العمل البحثي. فالباحث المستقل يكون حراً، وليس مقيد”.
وكغيره من الباحثين، يريد ثاني تصحيح المفاهيم الخاطئة المتعلقة بتاريخ الإمارات قبل عام 1971، مثل “الاعتقاد بأننا شعب بلا تاريخ، مساكين وفقراء إلى أن ظهر النفط. لقد كنا في خير قبل أزمة اللؤلؤ والحرب العالمية. كانت لدينا أملاك ومزارع. كان لدينا علماء. وكان لدينا حصون وتعليم وروحانية”. ومن النقاط الخلافية الأخرى التي طرحها ثاني هي إضفاء الطابع الرومانسي على البيئة الصحراوية في المنطقة والاستخفاف بها. حيث يقول، “لقد ربطوا صورة الإمارات بالصحراء فقط. إن مفهومنا للحضارة يختلف عن مفهوم الغرب. فالحضارة بالنسبة لنا لا تعني بالضرورة المباني. عند العرب قديماً بناء المعاني كان أولى من بناء المباني. فقد كان لديهم مباني معنوية وقصور من الأخلاق والمفاهيم – التراث والمحبة والكرم”.
تسخير وسائل التواصل الاجتماعي من أجل التراث
إن في تسخير الامكانيات التعليمية لوسائل التواصل الاجتماعي فائدة لمنطقة الخليج، ذات التعداد السكاني الكبير من الشباب، كما تتسم بالاستخدام الكثيف لوسائل التواصل الاجتماعي. ففي الوقت الذي تظل فيه التطورات الأكاديمية في مجال دراسة التاريخ محصورة ضمن دائرة ضيقة من الأكاديميين، ويصعب تحديث المناهج الوطنية، من الممكن أن يكون عمل الباحثين المستقلين وسيلة فعالة لإيصال المعرفة التاريخية إلى الجمهور الأوسع. ورغم أن هذا المسار لا يتمتع باتساع وانتشار التعليم ما قبل الجامعي، إلا أنه يوفر وسيلة جاذبة ومستقلة عن البيروقراطية المؤسسية.