في أوائل شهر مارس/آذار، استضافت مدينة جميرا معرض آرت دبي السابع عشر، الذي يعد أكبر معرض فني تجاري في الشرق الأوسط. تميز المعرض بإبرازه للفنون الرقمية والحديثة والمعاصرة وعقد نقاشات ومؤتمرات حول التكنولوجيا والبيئة والتجارة والأعمال وبرنامج للأطفال وجدول أعمال مكثف من العروض. بصفته “نقطة التقاء للأوساط الإبداعية في الجنوب العالمي”، تضمن معرض آرت دبي ما يزيد على 120 عرضًا في صالاته، ينتمي أكثر من نصفها إلى الجنوب العالمي.
في حين برز العديد من الفنانين الخليجيين في الأقسام التجارية للمعرض، المتمثلة في صالات العرض مثل الطبري آرت سبيس في دبي، ومعرض أثر في جدة. شهد هذا العام معرضًا خاصًا تحت مسمى “لقاءات” الذي عرض 26 عملاً فنيًا لما يقارب عشرة فنانين إماراتيين من مختلف الأجيال؛ وجميعها مستمدة من أول مجموعة فنية مؤسساتية في المدينة، وهي مقتنيات دبي، وهي عبارة عن مبادرة من هيئة الثقافة والفنون في دبي تهدف لربط الجمهور بالمجموعات الفنية المتنوعة، جغرافيًا وماديًا، التي يقوم عليها مجموعة من القائمين على رعاية الفن من خلال المعارض والبرامج العامة والمشاريع البحثية ومتحف رقمي.
في معرض آرت دبي، يتمحور معرض “لقاءات”، الذي يعد المعرض الثاني لمقتنيات دبي منذ تأسيسها في عام 2020، حول “روح القرية” التي تتجسد في جغرافية دبي المكتظة، والدوائر الاجتماعية المترابطة ارتباطًا وثيقًا. أشرفت الفنانة والقيّمة علياء زعل لوتاه على تنظيم المعرض، وكان نهجها التنظيمي يقوم على تجنب فرض إطار تفسيري يربط كل قطعة في المعرض. وبدلاً من ذلك، سعت لتقديم الأعمال الفنية على أنها “لقاءات، تمامًا كما لو كانت اجتماعًا بين شخصين… كل ما على الزوار هو أن يتمكنوا من رؤية أوجه التشابه بين الأعمال الفنية من حيث طريقة التفكير، والعمل مع الشكل والمواد والموضوع”. من خلال وضع رواد الفن الإماراتيين، مثل حسن شريف ومحمد أحمد إبراهيم، إلى جانب فنانين ناشئين وأصغر سنًا، مثل سارة المهيري وميثاء عبد الله، استكشف معرض “لقاءات” أوجه التشابه الموجودة في الممارسات الإبداعية للفنانين الإماراتيين، بدءًا من التجريب المادي وحتى الخيارات اللونية.
لغة بصرية جوهرية
من بين الأعمال الموجودة في المعرض هناك ثلاث لوحات للفنانة سارة المهيري المولودة في أبوظبي، تم عرض أحد لوحات سارة بجانب لوحة خطية أخرى لعفراء الظاهري، وفي مواقع أخرى من المعرض إلى جانب أعمال محمد أحمد إبراهيم وشما العامري، تنخرط أعمالها في حوار مع أعمال فنانين تجريديين آخرين في الإمارات. تؤمن سارة في أعمالها بالبساطة مع التشديد على استخدام المواد المعاد تدويرها الموجودة في مساحات واستوديوهات الفنانين المختلفة. تقول سارة لمعهد دول الخليج العربية في واشنطن قائلةً، “أحب العمل ضمن حدود، لذلك فإن الأشكال والنماذج الموجودة الآن هي بمثابة قوالب استانسل لهذه الملصقات”.
وعلى نحو مماثل، يستخدم محمد العناصر الطبيعية الموجودة بالقرب من أستوديو خورفكان الخاص به. محمد هو عضو في مجموعة الخمسة، وهي مجموعة من رواد الفن الإماراتيين الذين يزاولون مهنة الفن منذ الأيام الأولى لتأسيس الدولة. مع كون سارة واحدة من أصغر الفنانين المشاركين في المعرض، فإن وضع أعمالها بجانب أعمال محمد يبرز الموضوعات الراسخة التي تغذي إبداع الفنانين في المشهد المحلي، على حد قول علياء. كما أخبرت سارة المعهد “إن موضوع المعرض من المواضيع التي لا تتكرر كثيرًا، ويسمح بتضييق الفجوة بين الأجيال أو مجموعات الفنانين في الإمارات، والتقريب بينهم قدر الإمكان. إن وجود أعمالي إلى جانب أعمال الفنانين الآخرين يعزز الروابط التي نتحدث عنها أكثر من الناحية البصرية. كما يسمح لنا ذلك بالتطور كفنانين، ويحافظ على حيوية هذه النقاشات، وقد يسمح حتى بإجراء حوارات بشأن ما لم يحدث بعد. والأهم من ذلك، أنه يسمح لنا بمواصلة صناعة تاريخ الفن لهذا البلد، وإنشاء ما ينبغي أن يحققه الفن الإماراتي، وإيجاد الروابط التي تربط كل ذلك بعضه ببعض”.
بالإضافة إلى أوجه الشبه المادية بينهما، يُظهر كل من سارة ومحمد إحساسًا بالمرح لاستخدامهما الأشكال والنماذج الأساسية. وبالانتقال إلى عمل “أزرق وأصفر: 9 من 3” (2022) لشما العامري، أوضحت علياء كيف أن الهندسة واللون، وكلاهما من العناصر الأساسية للإنتاج الفني، يواصلان الاستحواذ على الوعي الإبداعي للفنانين على مر العقود. إن أعمال محمد وشما أحادية اللون والهندسية، تشبه إلى حد بعيد أعمال سارة ببساطتها المفرطة. ومن خلال تركيزهم على العناصر الجوهرية للفن، فإنهم يخلقون لغة بصرية خالية من الانشغال، وهذا ما يشجع المشاهد على التفكير في وسائل اتصال بديلة متجذرة في الأشكال الأساسية.
وعلى نحو مماثل، في لوحة “التحول بعيدًا عن المركز” (2023) تقوم سارة بتصوير الأشكال والعناصر الأساسية، وتسرد قصة “ليست واضحة تمامًا”. يتم استخدام هذه العناصر “في جميع لوحاتها كوسيلة لاستكشاف الوضوح، وتنظيم المعلومات التي يتم جمعها”. يمكن تفسير التركيبات في أعمالها بأشكال مختلفة – طريق ورصيف ولغز وسلسلة من المباني – وتعتمد في معانيها على المشاهد. وبهذا المعنى، فإنهم يعتمدون على الذاكرة والتراكمات الشخصية من الرموز لتعزيز كيفية رؤية الناس للعالم من حولهم وفهمه. هل لوحة “العمالقة الظرفاء” تشبه حديقة عامة أو ربما أقراصًا متناثرة على طاولة؟ وفي لوحة “الهبوط”، هل يرى المشاهد مشهدًا للمدينة أم مطارًا؟ تقول سارة، “هذه السلسلة على وجه الخصوص مرحة تمامًا حيث أقوم بوضع الطبقات وإنشاء أعمال تركيبية من الأشكال الأساسية، التي يُنظر إليها فيما بعد على أنها شيء مألوف عند تجميعها معًا”. تمامًا مثل الكتل الملونة في أعمال شما ومحمد، تكشف أعمال سارة عن قدرة الفن على أن يكون ذاتياً تماماً.
الفولكلور المخيف
في غرفة منزوية ضعيفة الإضاءة في نهاية معرض “لقاءات”، يوجد عمل تركيبي للفنانة آلاء إدريس، المولودة في الشارقة والمقيمة في أبوظبي، يتكون من سبعة كراسي خشبية منحوتة. عند دخول المكان، تنطلق موسيقى تصويرية مخيفة، يجد المشاهدون أنفسهم في وسط تصميم نصف دائري كما لو كانوا يواجهون مجلس المواعظ التاريخية، والفولكلور والأساطير التي تجسدها هذه الكراسي. من حيث المبدأ والعدد، تمثل الكراسي الإمارات السبع التي تتألف منها دولة الإمارات. يمثل كل كرسي الحكايات الشعبية الشائعة بين مختلف التجمعات والمجتمعات في الإمارات، والتي كانت الفنانة قد استمعت إليها في صباها – علمًا بأنه من المرجح للمشاهدين المطلعين على الفولكلور في منطقة الخليج أن يعرفوا بعض القصص التي يستمعون إليها في هذا العمل التركيبي.
تروى آلاء إحدى هذه القصص مع معهد دول الخليج العربية في واشنطن، والتي تدور أحداثها حول إحدى الأمهات التي فقدت ابنها ذات مرة، وبدأت تبكي عليه كل ليلة في حصن المدينة الشهير. واشتد نحيبها وحزنها بشكل واضح لدرجة أنها تحولت إلى بومة. ينظر للبومة، في العديد من الخرافات الإقليمية، على أنها نذير شؤم، وترمز إلى أرواح الموتى الذين لم يتم الانتقام لهم، ويواصلون التجول في الأرض سعيًا للانتقام. استنادًا إلى هذه القصة، صممت آلاء أحد الكراسي السبعة في هذه السلسلة بهيئة بومة بشرية منحوتة على ظهر الكرسي. تخطف عيون البومة الجاحظة أنظار المشاهد، وتطارده، بينما يخترق منقارها الناتئ ظهر أي شخص يجرؤ على الجلوس على الكرسي.
من خلال تصوير الازدواجية في مواعظ الحكايات الشعبية – التي تصور، من الناحية الأولى، الحيوانات والنباتات البريئة بشكل عام، ومن الناحية الأخرى تصور قصصًا مخيفة وصورًا مؤرقة – يرحب عمل “الكرسي” بالزوار في التقاليد العريقة لسرد القصص، وتاريخ المنطقة المنقول شفهيًا. تذكرنا الكراسي، المصنوعة من خشب الإيروكو الذي يمكن استخدامه كبديل موثوق به لخشب الساج في بناء السفن الشراعية، بالكراسي الهزازة التي قد تريح الطفل للخلود للنوم عند سماع قصة في حضن أمه. لكن لا تخطئوا، فإن كراسي آلاء وملامحها الحادة الثاقبة لن توفر الراحة المطلوبة من القصص التي تروى بين أذرعها.
تحويل المجموعات الخاصة إلى عامة
سعى معرض “لقاءات”، الذي أشبه ما يكون بالمعرض الفني بحد ذاته، إلى تسليط الضوء على عالمية الفن ورموزه ومعانيه. فهو يقدم طريقة جديدة للنظر إلى المشهد الفني الإماراتي الذي يمتد لعقود من الزمن – ويحمل في طياته التواصل والحوار والتعاون. وقد أوضحت علياء أن المعرض يعكس، على نطاق أوسع، العلاقة بين الفنانين وجامعي الأعمال الفنية والحكومة الإماراتية، حيث يقوم هواة التجميع بدعم الأعمال الفنية، ثم يعيرون ما جمعوه للحكومة لتسهيل المشاركة العامة على نطاق أوسع من خلال مقتنيات دبي. قالت علياء، “إنها مبادرة جميلة”، تلك التي تعتمد على “العلاقة المبكرة بين الحكام والتجار عبر موانئ دبي”. وتابعت قولها بأن تلك العلاقة “قد تنامت بشكل عضوي مع مرور الوقت، وأوجدت هذا الارتباط الوثيق بين الشعب والحكومة”.
بالإضافة إلى هدف المعرض المتمثل في رعاية السياق الفني المحلي والإقليمي، يلخص معرض “لقاءات” السبب وراء كون الدعم الرأسي والأفقي، إضافة إلى الرعاية الخاصة والعامة، من العناصر الأساسية في تطوير المشهد الفني.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستخلق خطوط تماس وتوتر داخلية يمكن أن تؤدي إلى توترات اجتماعية وسياسية جديدة. إضافة إلى خطوط تماس أخطر خارجياً، قد تزج الولايات المتحدة في حرب تجارية مع الصين.
سواء فاز الرئيس السابق دونالد ترامب بالرئاسة للمرة الثانية أم لا، فإن علامته التجارية ستبقى سمة واضحة في منطقة الخليج.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.