ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
رد القادة السياسيون والعسكريون الإيرانيون ووسائل الإعلام، الخاضعة للرقابة الحكومية، بغضب على نبأ الاتفاقية التاريخية بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل بوساطة الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنه لا الاتفاقية نفسها ولا احتمالات قيام الدول العربية الأخرى بتطبيع العلاقات مع إسرائيل ستمثل تحولاً مزلزلاً في توازن القوى الإقليمية، لأنها مجرد إضفاء للطابع الرسمي على الانحيازات القائمة مسبقاً. ومع ذلك، فإن غضب الجمهورية الإسلامية قد يعكس جزئياً مخاوفها من احتمالات زيادة التواجد الإسرائيلي في الجوار المباشر لها. لكن الجمهورية الإسلامية لم تدرك بعد أن اتخاذ مثل هذا الموقف تجاه جيرانها العرب من شأنه أن يشجعهم أكثر على الانحياز إلى جانب خصومها.
تصدرت وزارة الخارجية الإيرانية قصف النظام الإيراني اللفظي للإمارات “مُدينةً الاتفاقية بشدة”، وواصفةً إياها بـ”الحماقة الاستراتيجية”، و”طعنة في الظهر للفلسطينيين”. وحذرت الوزارة في بيانها الصادر في 15 أغسطس/آب من “أي تدخل للكيان الصهيوني في المعادلات الإقليمية”، والذي “ستحمل إيران الحكومة الإماراتية وحلفاءها المسؤولية” عنه. بالإضافة إلى ذلك، أشار البيان إلى “الحكام المقيمين في قصورهم الزجاجية”، تكراراً للتهديدات التي أطلقتها صحيفة كيهان في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، وتهديدات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 20 سبتمبر/أيلول 2019 ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
كما علق الرئيس حسن روحاني، مخاطباً المركز الوطني لمكافحة فيروس كورونا، على الاتفاقية قائلاً بأنها “مزرية”، وتساءل لماذا “تقوم دولة إسلامية بفعل مثل هذا الشيء، لإرضاء حاكم تواجه بلاده الانتخابات خلال بضعة أشهر؟” وأضاف روحاني، “على حكام الإمارات أن يعلموا أنهم يخطئون إذا ظنوا أن بإمكانهم شراء الأمن من خلال التقرب من أعداء الإسلام وإيران”. وحذر بمزيدٍ من الصراحة، “إذا كانوا يريدون فتح الطريق أمام التواجد الإسرائيلي في المنطقة، فسوف يتم التعامل معهم [الإمارات] بأسلوب مختلف”.
وأصدر الحرس الثوري الإيراني بياناً رسمياً، أدان فيه هذا “العمل الخائن” الذي قامت به أبو ظبي، وادعى أنه يهدف إلى “إضفاء الشرعية على الكيان الصهيوني، وإضعاف جبهة المقاومة الفلسطينية، وتهميش قضية القدس وفلسطين”. وادعى الحرس الثوري الإيراني أن الاتفاقية تختزل الإمارات إلى “مستعمرة إسرائيلية”، وتوقع “انتفاضات شعبية” ضد حكام البلاد أو من سماهم “سكان القصور الزجاجية”. في 16 أغسطس/آب، قام اللواء محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة في الحرس الثوري الإيراني، بتكرار التهديدات ضد الإمارات العربية المتحدة، “إذا حدث في منطقة الخليج الفارسي ما يهدد الأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية… فلن نتسامح وسوف تتم محاسبة الإمارات العربية المتحدة على ذلك”.
وحذت وسائل الإعلام الخاضعة للرقابة الحكومية حذو المسؤولين الإيرانيين. فتقدمت كيهان، الناطقة بلسان المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بالتهديدات ضد الإمارات خطوة إلى الأمام تحت عنوان: “لقد جعلت الإمارات نفسها هدفاً مشروعاً للمقاومة”، في إشارة إلى حلفاء طهران الإقليميين، وتحديداً إلى تهديدات كتائب حزب الله العراقية للإمارات. ونددت صحيفة جافان اليومية الموالية للحرس الثوري الإيراني بالاتفاقية، واصفة إياها بـ”خيانة وحماقة”، وأشارت إلى أن دولاً عربية أخرى “تنتظر في طابور لتطبيع العلاقات مع إسرائيل”، ووجدت لها بعض العزاء في معارضة تركيا للاتفاقية.
أما المنابر الإعلامية المقربة مما يشار إليه عادة بالمعسكر الإصلاحي، فاختارت نهجاً أكثر تحليلاً في تغطيتها للاتفاقية. أشارت ساره معصومي، وهي كاتبة عمود في “اعتماد”: “حاولت الإمارات إضعاف دور إيران في القضايا الإقليمية من سوريا إلى اليمن… وتمكنت من إدارة تلك الأزمات، ولكن في سياق التخوف من مواجهة مباشرة مع طهران”. كما نوهت أيضاً إلى الطريقة التي من خلالها تمكنت إسرائيل بمهارة من تصوير إيران على أنها العدو الرئيسي للدول العربية، وتوقعت أن تحذو دول عربية أخرى حذو الإمارات. ونقلت صحيفة “أرمان إي ميلي” اليومية عن المحلل السياسي علي بيجديلي، الذي أشار إلى أن “فلسطين لم تعد قضية” العالم العربي، ورجّح أن “المقاومة” ستواجه تحديات أكبر عندما تقوم المزيد من الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأن محاولات الجمهورية الإسلامية لتحسين العلاقات مع العالم العربي أصبحت “لاغية” بشكل أو بآخر. أما “شرق“، وهي الأرقى فكرياً من بين الصحف الإصلاحية، فلم تغطِّ الاتفاقية.
ربما أدركت الجمهورية الإسلامية أنها لم تعد قادرة على مد القضية الفلسطينية بالسلاح ضد إسرائيل، ولديها مخاوف من إمكانية التواجد الإسرائيلي المستدام في منطقة الخليج. ولكنها لم تدرك بعد ما عبّر عنه عضو مجلس الشورى السابق علي مطهري في تغريدةٍ له في 15 أغسطس/آب، “بصرف النظر عن خيانة الإمارات، فنحن أيضاً ملومون. لقد أرعبنا العرب ليلجأوا إلى أحضان إسرائيل”.
تتجذر عملية تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في عدة عوامل، أحدها فقط هو تحقيق التوازن مع الجمهورية الإسلامية. ولكن ما دام يُنظر إلى النظام في طهران على أنه تهديد لجيرانه العرب، فينبغي أن نتوقع منهم [العرب] التصرف بما يتناسب مع ذلك، ومن غير المرجح أن تسفر ردود فعل طهران الغاضبة بهذا الشأن عن أية فائدة للنظام.