كيف يمكن مقارنة حركة الاحتجاجات في 2022-2023 في إيران بالاحتجاجات السابقة، وكيف تطورت الاحتجاجات المناهضة للنظام في ظل الجمهورية الإسلامية؟ الاحتجاجات المناهضة للنظام ليست، بحد ذاتها، غريبة على إيران، فهي قد ولدت من رحم الحركة الاحتجاجية ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي الملكي. بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة في 11 فبراير/شباط 1979 وتأسيس الجمهورية الإسلامية، انقلب الثوار ضد بعضهم البعض في محاولات للسيطرة على النظام الجديد. وقد أدى هذا بدوره إلى حالة شبه دائمة من الأزمة والظهور المتكرر للحركات الانفصالية في المناطق المحاذية لإيران، والتي كانت خامدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. لكن بحلول يونيو/حزيران 1981، تغلب تحالف رجال الدين الشيعة الثوريين وفيلق الحرس الثوري الإيراني على جميع أطياف المعارضة المنظمة داخل إيران، وعزز بذلك حكم النظام الجديد.
منذ يونيو/حزيران 1981، شهدت إيران عددًا لا يحصى من الاحتجاجات والانتفاضات المحلية، بما في ذلك احتجاجات متفرقة مناهضة للحرب في المرحلة الأخيرة من الحرب مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي والاحتجاجات العمالية والاحتجاجات العرقية والطائفية، وعلى نحو متزايد الاحتجاجات الناجمة عن تأثير التغيرات المناخية. ومع ذلك، فقد واجهت إيران سبع حركات احتجاجية كبيرة ضد النظام يمكن تصنيفها، بشكل تقريبي، إلى احتجاجات اقتصادية وسياسية:
- في عام 1992، اندلعت احتجاجات اقتصادية جراء محاولات الحكومة المحلية تجريف حي كو-يي طُلاب العشوائي في منطقة مشهد بمحافظة خراسان الرضوية. وسرعان ما انتشرت أعمال الشغب إلى منطقة أراك بمحافظة مركزي ومنطقة مباركة بمحافظة أصفهان وحي شاهاردانج الخاص بذوي الدخل المحدود في طهران. تمكن الحرس الثوري الإيراني بصعوبة من إعادة النظام إلى هذه المناطق.
- في عام 1999، خرج الطلبة إلى الشوارع في طهران في احتجاجات سياسية على إغلاق صحيفة السلام.
- في عام 2009، اندلعت احتجاجات سياسية ومسيرات مليونية بسبب الاشتباه بتزوير الانتخابات الرئاسية التي ضمنت للرئيس محمود أحمدي نجاد فترة رئاسية ثانية.
- في 2017-2018، انتفض سكان الضواحي الفقيرة في كبرى المراكز السكانية في احتجاجات اقتصادية على زيادة أسعار المواد الغذائية.
- في عام 2019، انتشرت احتجاجات اقتصادية في جميع أنحاء البلاد ضد تقنين الحكومة للبنزين وزيادة أسعاره بما لا يقل عن 50٪.
- في عام 2022، اندلعت احتجاجات سياسية بسبب الشبهات التي اكتنفت وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عامًا في مركز للشرطة.
- بدأت الاحتجاجات الاقتصادية في الضواحي الفقيرة للمراكز السكانية الرئيسية دون استثناء، والتي يتكون معظم سكانها من الجيل الأول الذين هجروا الريف. وغالبًا ما يعاني هؤلاء من عدم الاستقرار بسبب حرمانهم من شبكة الأمان الاجتماعي الخاصة بالامتدادات العائلية في القرية، وعدم اندماجهم بعد في النسيج الاجتماعي للمدينة. نظرًا لكونهم عمالاً باليومية أو باعة جائلين، ليس لديهم مدخرات يعتمدون عليها في حال حدوث الصدمات الاقتصادية. عند مواجهة تهديدات وجودية، مثل قيام السلطات المحلية – كجزء من خطط التنمية الحضرية – بهدم مساكنهم المصنوعة من الصفيح والطين، أو ارتفاع أسعار النقل العام لوسط المدينة حيث يعملون، أو عند مواجهة زيادة أسعار المواد الغذائية وإلغاء الدعم الحكومي، لا يترددون في الخروج إلى الشوارع للاحتجاج. اندلعت الاحتجاجات الاقتصادية بسبب سياسات تحقيق الاستقرار الاقتصادي للرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني في تسعينيات القرن الماضي والرئيس حسن روحاني في العقد الأول من هذا القرن، والتي تضمنت إلغاء الدعم الحكومي للفئات ذات الدخل المحدود. في السنوات الأخيرة، تسببت المصاعب الاقتصادية الناجمة إلى حد كبير عن نظام العقوبات الدولية في اندلاع الاحتجاجات. من ناحية أخرى، يبدو أن المفاهيم السياسية المجردة، مثل الحرية الشخصية والسياسية، ليست هي ما حفز المحرومين في إيران.
مقارنة بذلك، فإن الحرية الشخصية والسياسية تعتبر دافعًا للطبقة الوسطى المتعلمة في إيران بشكل كبير. تطالب الطبقة الوسطى الإيرانية الحضرية والمتعلمة والمطلعة جيدًا على العالم الخارجي، عن طريق وسائل الإعلام التقليدية والجديدة، وتواصلهم الوثيق من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، بنفوذٍ سياسيٍ لها، كما هو الحال مع الطبقات الوسطى الحضرية على مر التاريخ العالمي. كان لوعد محمد خاتمي المتعلق بالتحرر السياسي أثر في استنهاض هذه الطبقة، وهو ما أدى إلى فوزه المذهل في الانتخابات الرئاسية عام 1997. تسببت رد فعل النظام الغاضب ضد خاتمي وإغلاق الصحف، إلى جانب ارتفاع سقف توقعات الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة، في اندلاع انتفاضة الطلبة في عام 1999. في عام 2009، أثارت الشكوك حول تزوير الانتخابات، التي ضمنت لأحمدي نجاد فترة رئاسية ثانية، أكبر الاحتجاجات المناهضة للنظام في تاريخ الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، فقد ظل منافسو أحمدي نجاد السياسيون يلعبون دور الإصلاحيين، وليس الناشطين في الشوارع أو الثوريين، وحثوا المتظاهرين على إخلاء الشوارع أثناء تفاوضهم على نتائج الانتخابات مع المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. ومع إخلاء الشوارع، وضع النظام مرشحي الرئاسة مير حسين موسوي ومهدي كروبي رهن الإقامة الجبرية، وتم سجن معظم الأشخاص الذين شاركوا في حملاتهم السياسية، وتم بشكل ممنهج قمع المتظاهرين الذين لا قيادة لهم. كما كان للاحتجاجات التي اندلعت في عام 2022 جذور أعمق من كونها مجرد ردة فعل على الشبهات التي اكتنفت وفاة شابة في مركز الشرطة، وقانون لباس المرأة في إيران وتنفيذه بعنف. خلاصة القول، قامت الجمهورية الإسلامية بتحديث إيران وخلقت طبقة وسطى حضرية متعلمة، ولكن تحرمها من المسارات القانونية المشروعة للمشاركة السياسية، تاركةً احتجاجات الشارع كواحدة من الأدوات القليلة للإفصاح عن المطالب السياسية والتعبير عن المظالم.
ومن الجدير بالملاحظة، أن أيًا من هذه الاحتجاجات السبع الكبرى لم ينجح في استنهاض كلتا الطبقتين الاجتماعيتين معًا. ربما يعزى ذلك لمحدودية التضامن بين الطبقات أو انعدامه، وللتوترات، إن لم يكن الاستياء، بين كلتا الطبقتين، وهو ما يجعل تشكيل تحالفات واسعة مناهضة للنظام أمرًا معقدًا. ومع ذلك، ومع تفاقم المِحن الاقتصادية لإيران نتيجة لمزيج من سوء الإدارة ونظام العقوبات الدولي، قد تجد الطبقة الوسطى التي تزداد فقرًا أرضية مشتركة مع المحرومين، وربما تقنعهم بأن تحسين وضعهم الاقتصادي يسير جنبًا إلى جنب مع الحرية الشخصية والسياسية، إن لم يكن يعتمد عليها كليًا.
* تم تحديد عدد الوفيات المقدرة من قاعدة بيانات المؤلف التي تستند إلى التغطية الإعلامية للجنائز ومنظمة العفو الدولية وجمعية حقوق الإنسان الإيرانية ومقرها أوسلو.
** تشمل القوات المسلحة، كما حددها دستور جمهورية إيران الإسلامية، الجيش والحرس الثوري الإيراني وقوات إنفاذ القانون (الشرطة).
تطورت الاحتجاجات الاقتصادية والسياسية في إيران مع مرور الزمن، لا سيما فيما يتعلق بطول مدتها، وتمركزها في أماكن محددة، ووسائل الحشد الأساسية، ومستوى العنف، وينعكس ذلك في أعداد الوفيات المقدرة. يبدو أن الاحتجاجات الاقتصادية هي الأقصر، ولا تدوم عادة أكثر من بضعة أيام أو أسابيع على الأكثر. تميل الاحتجاجات السياسية للامتداد لفترة زمنية أطول، فانتفاضات الطلبة عام 1999 التي استمرت أسبوعًا في طهران أعقبها ما يقارب ستة أشهر من الاحتجاجات بعد الانتخابات الرئاسية لعام 2009، وقد تستمر احتجاجات 2022 أيضًا خلال عام 2023.
في أوائل التسعينيات، كانت الاحتجاجات محصورة بشكل عام في أماكن محددة، ولكن منذ عام 2009، انتشرت الاحتجاجات على نطاق واسع. قد يكون هذا بسبب الابتكار التكنولوجي وإدخال وسائل جديدة للحشد والتعبئة، الأمر الذي مكّن الاحتجاجات في مكان معين من الانتشار إلى جميع أنحاء البلاد كانتشار النار في الهشيم. في حين كان نظام بهلوي يلقى باللوم على إذاعة بي بي سي الفارسية، في بثها على الموجات القصيرة الموجه لإيران، في التحريض على الاضطرابات خلال ثورة 1979، إلا أن تأثير الإذاعة الأجنبية والتلفزة الفضائية لاحقًا وقنوات البث على الاحتجاجات في إيران كان معدومًا أو محدودًا للغاية، حيث ظلت وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة للرقابة الحكومية هي المصدر الرئيسي للمعلومات بالنسبة لأغلبية الإيرانيين. لقد تغير هذا الوضع تدريجيًا بحلول أواخر التسعينيات مع دخول الهواتف المحمولة وخدمات الرسائل النصية، وفيما بعد الهواتف الذكية التي توفر الوصول لوسائل التواصل الاجتماعي. على الرغم من جهود الحكومة، يتمكن الإيرانيون، البارعون تكنولوجيًا، من تجنب وسائل الرقابة الحكومية على الإنترنت للوصول إلى معلومات تلفزيون إيران الدولي في لندن وأمثاله، ويُقال أن السعودية هي التي تمول تلفزيون إيران الدولي الذي يلعب دورًا في الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة مماثلاً لدور قناة الجزيرة أثناء انتفاضات الربيع العربي.
ليس من السهل تقييم حجم الاحتجاجات لأن النظام يميل للتقليل من أهمية الأرقام، في حين تميل المعارضة لتضخيمها. لا تزال تقديرات عدد المتظاهرين المعتقلين، والتي يمكن أن تشير إلى حجم الاحتجاجات، غير دقيقة. حتى إنه يوجد خلاف حول أعداد الوفيات؛ على سبيل المثال، خلال احتجاجات عام 2019، حددت منظمة العفو الدولية بالأسماء 305 قتيل من صفوف المتظاهرين، وزعمت وزارة الخارجية الأمريكية، دون تحديد أسماء الضحايا، أن عدد القتلى تجاوز الألف. ثمة تقديرات متحفظة، تستند إلى الضحايا الذين تم تحديدهم، مع استبعاد بيانات وزارة الخارجية، تُظهر ارتفاعًا كبيرًا في عدد القتلى بين المتظاهرين وبين القوات المسلحة أيضًا. مع مقتل 592 متظاهرًا و73 عنصرًا حكوميًا، فإن احتجاجات 2022 لا تمثل فقط العدد الأكبر من القتلى في الاحتجاجات الإيرانية الرئيسية منذ يونيو/حزيران 1981، ولكنها أودت بحياة أعداد أكثر من إجمالي القتلى في جميع الاحتجاجات السابقة مجتمعة.
على الرغم من انتشار الاحتجاجات الأخيرة في جميع أنحاء البلاد، إلا أن وفيات العناصر الحكومية والمتظاهرين تظهر تركيزًا للعنف المميت في عدد قليل من المحافظات: حيث فقد 154 من أصل 592 متظاهرًا حياتهم في محافظة كردستان الإيرانية، بالإضافة إلى المدن التي يسكنها الأكراد وذات الأغلبية السنية في محافظات أذربيجان الغربية وكرمانشاه. في محافظة سيستان وبلوشستان، التي يتألف معظم سكانها من الأقلية السنية في إيران، قُتل 131 متظاهرًا. ولذلك، فإن ما يقارب من نصف قتلى المحتجين، 285 قتيل، كانوا من بين الأقليات الكردية أو البلوشية في إيران. كما يبدو أن القوات المسلحة عانت كذلك بشكل غير متناسب في تلك المقاطعات نفسها: حيث فقد 33 من أصل 73، أو 45٪، من العناصر الحكومية حياتهم في تلك المقاطعات والمدن نفسها.
يمكن تفسير الارتفاع في عدد الوفيات في الاحتجاجات الأخيرة، جزئيًا، باستخدام الأسلحة النارية من قبل القوات المسلحة والمتظاهرين على حد سواء. في حين أن سبب وفاة 133 متظاهرًا غير معروف، يُذكر أن 377 من قتلى المتظاهرين، البالغ عددهم 592، أي حوالي 64٪، سقطوا بالأعيرة النارية. من جانب النظام، سقط 40 من أصل 73، أي حوالي 55٪، بسلاح ناري. وعلى القدر ذاته من الأهمية، فإن معظم العناصر الحكومية الذين قتلوا بالأسلحة النارية قد سقطوا في محافظات كردستان وسيستان وبلوشستان، وهو ما قد يشير إلى السهولة النسبية في تهريب الأسلحة النارية إلى إيران من إقليم كردستان العراق وأفغانستان.
ترسم هذه التوجهات صورة قاتمة لمسار الاحتجاجات المناهضة للنظام في إيران. طالما ظلت الجمهورية الإسلامية عاجزة عن تحسين الوضع الاقتصادي للطبقة المُعدمة، وعاجزة أو غير راغبة في استيعاب مطالب الطبقة الوسطى في التحرر السياسي، فمن المرجح أن يواجه النظام المزيد من الاحتجاجات في المستقبل. إذا وجدت كل من الطبقة الوسطى والطبقة المعدمة أرضية مشتركة وتضافرت قواهما، فمن المرجح أن يواجه النظام تحديًا هائلاً لحكمه. ولكن حتى لو لم يتحقق مثل هذا التحالف الواسع المناهض للنظام، فمن المرجح أن تكون الاحتجاجات المستقبلية أكثر صعوبة. قد تبدأ الاحتجاجات كصراعات محلية، ولكنها ستمتد إلى بقية أنحاء البلاد بفضل وسائل التواصل الاجتماعي والبث التلفزيوني الفضائي الأجنبي الموجه لإيران، ومن المرجح أن تستمر لفترة أطول وأكثر عنفًا، وعلى امتداد حدود إيران الدولية على وجه الخصوص.