في 21 ديسمبر/كانون الأول 2021، أعلنت وزارة المالية العراقية أنها قد سددت الدفعة النهائية للتعويضات عن غزو العراق للكويت عام 1990. وأشار أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى أنه مع هذه الدفعة، البالغة 44 مليون دولار، “يكون العراق قد دفع جميع الالتزامات المفروضة عليه” من قبل مجلس الأمن.
قام العراق بتسديد مدفوعاته من خلال لجنة الأمم المتحدة للتعويضات، وهي منظمة ليست معروفة جيدًا تابعة للأمم المتحدة، أنشأها مجلس الأمن في عام 1991 للفصل في دعاوى التعويض عن غزو عام 1990 ودفعها. ومكنت قرارات مجلس الأمن اللجنة من أخذ 5٪ من عائدات النفط العراقي لدفع المطالبات المقدمة من الحكومات والشركات والمواطنين العاديين. وقام العراق، على مدى ثلاثة عقود، بدفع 52,4 مليار دولار كتعويض لأكثر من 1,5 مليون مُطالِب. أعلنت اللجنة عن تحويلها لدفعة التعويض النهائية للكويت في 13 يناير/كانون الثاني.
كان الغزو العراقي للكويت واحدًا من أكثر الصراعات تدويلًا في العالم. بين عامي 1990 و2017، أصدر مجلس الأمن أكثر من 40 قرارًا تتناول قضايا نتجت عن الحرب، طالبت معظمها العراق بالقيام بإجراءات معينة. ليس من المستغرب أن يستاء العراقيون من الالتزامات التي فرضتها الأمم المتحدة، حتى لو فهموا سبب فرضها، ولا سيما بعد الإطاحة بصدام حسين من السلطة في عام 2003، حيث استمرت العديد من الالتزامات على الحكومة العراقية الجديدة. هناك، على سبيل المثال، استياء بسبب العائدات التي ذهبت للكويت. في ديسمبر/كانون الأول 2021، أشار أحد مستشاري رئيس الوزراء إلى أنه لو تم توجيه الأموال التي دفعت للكويت على مدى 30 عامًا للاستثمار الإنتاجي داخل العراق، لكان ذلك “كافيًا لبناء شبكة كهرباء” بمقدورها أن تمد العراق بالطاقة لسنوات.
من المفترض أن تغلق الدفعة النهائية من التعويضات العراقية واحدًا من فصول هذه القصة الطويلة. أشار سفير الكويت في العراق إلى أن لجنة الأمم المتحدة للتعويضات ستقدم مشروع قرار لمجلس الأمن يقضي بإغلاق ملف الالتزامات العراقية بالتعويض بشكل دائم. ومن المقرر أن يستمع مجلس الأمن إلى رئيس اللجنة في فبراير/شباط، ومن المتوقع أن ينظر، في القريب، في قرار يؤكد أن العراق قد أوفى بالتزاماته المتعلقة بالتعويضات.
إذا تم إنهاء الالتزام العراقي بدفع 5٪ من عائداته النفطية إلى اللجنة، فسوف تسترد الخزانة العراقية 2 مليار دولار من العائدات سنويًا. لكن ذلك لن يحل النزاعات العالقة الأخرى، بما في ذلك عودة الأشخاص المفقودين والممتلكات المسروقة وترسيم الحدود البحرية صعب المنال.
الأشخاص المفقودون والممتلكات المسروقة
كما يحدث في الحرب في كثير من الأحيان، اختفى عدد من الأشخاص، بالإضافة إلى ممتلكات شخصية وأخرى حكومية، أثناء الغزو والاحتلال العراقي للكويت. في عام 1991، أصدر مجلس الأمن قرارين (686 و 687) يلزمان العراق، بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، والإفراج عن جميع الكويتيين ومواطني الدول الثالثة الذين اعتقلهم خلال الحرب، وإعادة رفات أي من المتوفين، وإعادة جميع الممتلكات الكويتية التي استولى عليها العراق. وأفرج العراق عن العديد من أسرى الحرب الكويتيين الذين تم تسجيلهم لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لكن السجلات لم تكن تتضمن جميع أولئك الذين تم الإبلاغ عن أسرهم من قبل العراق في وقت لاحق. حددت الكويت 605 مواطن تعتقد أنهم اعتُقلوا ولم يتم الإفراج عنهم. وشكلت الأمم المتحدة اللجنة الثلاثية، برئاسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وتضم ممثلين عن الكويت والعراق والسعودية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لإدارة ملف البحث عن السجناء ورفات الموتى وإعادتهم، بالإضافة إلى استعادة ممتلكات دولة الكويت والممتلكات الشخصية.
خلال فترة عمل اللجنة، أعاد العراق ثلاث دفعات من المواد من الأرشيف الوطني الكويتي، بالإضافة إلى رفات 275 كويتيًا تم أسرهم خلال الحرب. وبالمثل، تعرفت الكويت على رفات 98 عراقيًا وقامت بإعادتهم. وعلى الرغم من هذا التقدم، لا يزال هناك أكثر من ألف حالة لأشخاص مفقودين، من بينهم قرابة 400 كويتي و700 عراقي و9 سعوديين. بعد مرور أكثر من 30 عامًا على الغزو، سيتطلب الأمر مشاركة نشطة من الحكومتين العراقية والكويتية لتشجيع مواطني الدولتين، ممن قد يكون لديهم معلومات عن أولئك المفقودين أو الممتلكات المسروقة على المجيء وتقديم تلك المعلومات إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر دون خوف من الانتقام.
ترسيم الحدود البرية
تتم الآن حماية الحدود البرية بين الكويت والعراق بسياج وأجهزة استشعار إلكترونية. وقد تم ترسيم الحدود وضمانها بقرارات من مجلس الأمن، لكن هذا الترسيم لم يتأتِ بسهولة ولم يكتمل بعد.
حاول كلٌ من الكويت والعراق عدة مرات خلال القرن العشرين تعيين وترسيم حدودهما البرية والبحرية. وأدى تبادل للرسائل بين الكويت والعراق في عام 1932 إلى تعيين معظم الحدود، حيث اتفق البلدان من حيث المبدأ على مكان الحدود على الخريطة، ولكن لم يتم ترسيمها على أرض الواقع. في عام 1961، عندما نالت الكويت استقلالها، رفض العراق الاعتراف بالدولة الجديدة وطالب بأراضيها. وتراجع العراق عن مسعاه واعترف بالكويت عام 1963، ووافق على الحدود التي تم تعيينها في عام 1932.
في عام 1990، بعد غزوه للكويت، ادعى العراق مرة أخرى أن الكويت جزء من أراضيه. بعد الحرب، شكلت الأمم المتحدة لجنة لترسيم حدود عام 1932 بشكل نهائي. أكملت اللجنة عملها في عام 1993، وأعلن مجلس الأمن، في القرار رقم 833، أن “قرارات اللجنة بشأن ترسيم الحدود تعد نهائية”.
وضعت الحدود المرسومة عددًا من العائلات العراقية داخل الكويت. وقدمت الحكومة الكويتية الأموال لبناء قرية جديدة لتلك العائلات على الجانب العراقي من الحدود، لكن بعضهم، وبعض السياسيين العراقيين، اتهموا الكويت والأمم المتحدة علنًا بسرقة ممتلكاتهم وأراضيهم العراقية. وفي محاولة لتقليل حدة هذه الادعاءات، أشار مجلس الأمن في القرار رقم 833 إلى أن “اللجنة لم تُعد توزيع الأراضي بين الكويت والعراق”، وأن ما فعلته مجرد “تنفيذ المهمة الفنية اللازمة لرسم الإحداثيات الدقيقة للمرة الأولى للحدود” المتفق عليها في عام 1932. لكن سخط هذه العائلات، واحتمال حدوث تصعيد سياسي، ما يزال قائمًا، على الرغم من جهود الأمم المتحدة.
ترسيم الحدود البحرية
بعد وضع علامات الحدود البرية، ومباركتها من قبل الأمم المتحدة، وإحاطتها بسياج، تحولت الأنظار إلى المهمة الأصعب المتمثلة في ترسيم الحدود البحرية في ممر خور عبد الله المائي المشترك. تتيح هذه القناة الضيقة، والضحلة المتغيرة، بين شبه جزيرة الفاو العراقية وجزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين الوصول إلى الموانئ العراقية الكبيرة في أم قصر والزبير على بعد عدة أميال إلى الداخل. وتعد الملاحة في هذا الممر المائي حقًا واضحًا وبالغ الأهمية للتجارة العراقية. ورغبة منها في تجنب المطالبات العراقية المستقبلية بالسيادة، طلبت الكويت من الحكومة العراقية في عام 2005 تسوية الحدود البحرية. وعلى الرغم من توقيع الجانبين، في عام 2012، على اتفاقٍ بشأن سلامة الملاحة في خور عبد الله، إلا أنهما لا يزالان بعيدين عن الاتفاق على مسار الحدود البحرية.
تُعزى عدم تسوية الحدود البحرية، جزئيًا، أيضًا إلى التوترات بشأن مسارات التنمية التنافسية لميناء مبارك الكبير الكويتي في جزيرة بوبيان ومشروع ميناء الفاو العراقي الذي لا يبعد سوى بضع مئات من الأمتار في شبه جزيرة الفاو. ويستند القلق لدى كل من الجانبين إلى الرؤية التنافسية لموانئ كلٍ منهما. ويحدو الكويت الأمل في أن يصبح ميناء مبارك الكبير الرابط البحري الرئيسي والمركز التجاري لكل من الكويت والعراق، مع إيجاد طرق لوجستية على اليابسة لتزويد اقتصاد الجانبين. ولدى العراق طموحات مماثلة لميناء الفاو.
الالتزام بالاستقرار والازدهار؟
لقد كان تطبيع العلاقات بين الكويت والعراق تحت إشراف مجلس الأمن بطيئًا، ومؤلمًا سياسيًا في بعض الأحيان. في حين أن السياسة في كل من العراق والكويت، لا سيما في البرلمانين الصاخبين، غالبًا ما تعّقد التقدم للأمام، إلا أن التقدم كان ثابتًا. يدرك كبار المسؤولين في الحكومتين أهمية العلاقات الودية لتوفير الاستقرار والتنمية الاقتصادية.
قال أمير الكويت الراحل، صباح الأحمد الصباح، إن استقرار العراق وازدهاره أمران مهمان للغاية لاستقرار الكويت. بناءً على هذه الفكرة، أصبحت الكويت، وبهدوء، أكبر مزود خليجي للمساعدات التنموية للعراق، وفي فبراير/شباط 2018 استضافت الكويت مؤتمر الدول المانحة لتسهيل الاستثمار في القطاعين العام والخاص العراقيين. وعلى نحو مماثل، جادل من الجانب العراقي أحد وزراء خارجية العراق، بحماس، في إحدى المرات بأن السبيل الوحيد أمام العراق للتخلص من الالتزامات التي فرضتها عليه الأمم المتحدة هو الاعتراف بما ارتكبه صدام حسين بحق الكويت – والعراق – والوفاء بمسؤوليات العراق الدولية. يشير كلٌ من هذين الاتجاهين الإيجابيين إلى وجود إمكانية حقيقية لمواصلة التقدم في المستقبل.
سوف تكون النهاية المحتملة لمسألة التعويضات العراقية بمثابة تطور إيجابي للعراق. وبقليل من حُسن النوايا من كلا الجانبين، يمكن للعلاقة بين العراق والكويت أن تواصل مسعاها لتصبح مصدرًا للاستقرار والازدهار لكلا البلدين وللمنطقة.