ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
وُلدت الجمهورية الإسلامية ذاتها من رحم الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي بلغت ذروتها في الحادي عشر من فبراير/شباط عام 1979 بانهيار نظام الشاه وانتصار الثورة فيما بعد. بحلول يونيو/حزيران 1981، تمكن النظام عملياً من هزيمة المعارضة الداخلية وإعادة إرساء النظام. وشهدت إيران عدة احتجاجات سياسية في العقود التي أعقبت الثورة، لكنها كانت قليلة ومتباعدة. ومع ذلك، في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في مايو/أيار 2018 وحملة “الضغوط القصوى” التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب ضد إيران، تتكررت الاحتجاجات المناهضة للحكومة بشكل أكثر، ويتجسد ذلك في الاحتجاجات التي عمت البلاد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 والمزيد من الاحتجاجات المحلية في تموز/ يوليو.
كيف تفهم النخب الحاكمة في الجمهورية الإسلامية هذه الاحتجاجات؟ في حين لا تزال مداولات النظام الداخلية بشأن تأثير حملة “الضغوط القصوى” بعيدة عن الشأن العام، إلا أن دراسة استقصائية لعشرة مقالات نُشرت في آفاق أمنيت (آفاق أمنية، نُشرت منذ 2010) ومديريت بحران (إدارة الأزمات، نشرت منذ عام 2009) من جامعة الإمام الحسين التابعة للحرس الثوري الإيراني تعرض رؤى فريدة من نوعها حول تحليلات النظام للاحتجاجات والانتفاضات السابقة.
تم تكريس ثلاثة من المقالات العشرة التي تناولت هذا الموضوع لدراسة أحياء المتمردين الفقيرة في إيران، وموقع الاحتجاجات الاقتصادية المتكررة. ونقلاً عن مصادر في الشرطة، يدعي سيد إبراهيم قولي زاده أنه في عام 2010، كان حوالي 2 مليون مواطن من سكان طهران البالغ عددهم 8 ملايين يسكنون الأحياء الفقيرة. في سياق بحثه الميداني، اكتشف قولي زاده أن الجيل الأول من المهاجرين إلى العاصمة الإيرانية يميلون إلى قبول صعوبات الأحياء الفقيرة. من ناحية أخرى، يشعر سكان الأحياء الفقيرة من الجيل الثاني، بشكل عام، بأن من حقهم الحصول على مستويات معيشية مماثلة لغيرهم من مواطني العاصمة، ونظراً لسخطهم على مصيرهم في الحياة، غالباً ما يلجأون للجريمة والتمرد.
وتلا تلك الدراسات، دراسة أخرى اعتمدت بشكل كبير على ما توصل إليه قولي زاده، بالإضافة إلى دراسة حالة منفصلة حول الحرمان النسبي في أحياء إسلام آباد الفقيرة في كرج، الواقعة على بعد حوالي 12 ميلاً غرب طهران. تطرح الدراسة الأخيرة رؤى حول التوترات العرقية بين سكان الأحياء الفقيرة، الذين بالرغم من ذلك يميلون إلى التوحد في مقاومتهم للسلطات البلدية والشرطة.
وفي سياق آخر، يبحث مقال لصفات الله قاسمي ورسول زرزاده الآثار المترتبة على ظهور “طبقة وسطى جديدة” في إيران. باعتماد نظرية الحداثة لصموئيل هنتنجتون كإطار تحليلي لهما، يمتدح المؤلفان صراحة الجمهورية الإسلامية على ظهور طبقة وسطى حضرية مهنية متعلمة جيداً في تسعينيات القرن الماضي، لكنهم ضمنياً يلقون باللائمة على النظام، بسبب استبعاده للطبقة الوسطى الجديدة، من خلال إنكار نفوذها السياسي. على عكس سكان الأحياء الفقيرة، الذين ينصب اهتمامهم الرئيسي على توفير الوجبة التالية، لا يمكن تهدئة الطبقة الوسطى الجديدة من خلال الحوافز الاقتصادية وحدها، على حد قول المؤلفين. إذا حُرمت الطبقة الوسطى الجديدة من النفوذ السياسي، فإنها “ستنظم تجمعات حاشدة وحركات اجتماعية سياسية” وهي “قادرة على تعبئة الجماهير حول الأيديولوجيات القومية أو اليسارية”. وخلص المؤلفان إلى أنه إذا تجاهلت الجمهورية الإسلامية هذه المجموعة، فإن الطبقة الوسطى الجديدة د ترغب في الهجرة، ما يتسبب في هجرة العقول، والأسوأ من ذلك، من منظور النظام، تنظيم حركات تخريبية سرية لمحاربة النظام.
وكما أن ثورة الاتصالات تزيد من إمكانيات الطبقة الوسطى الجديدة، يجادل كلٌ من حسين حسيني، وحميد رضا مقدمفر، ومصطفى قنبربور في مقالهم حول دور الإنترنت في التعبئة الشعبية ضد النظام في أعقاب الانتخابات الرئاسية المطعون فيها في يونيو/حزيران 2009. يعمل المؤلفون على تأطير مثل هذا النشاط المناهض للنظام على الإنترنت، وبشكل خاص على تويتر وفيسبوك واليوتيوب كدليل على محاولة الولايات المتحدة إشعال “ثورة مخملية” في إيران، على غرار الانتقال السلمي للسلطة الذي أطاح بالحكم الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا في عام 1989.
يهدف كلٌ من أحمد بصيري وعباس أحمدي في مقالهما لمناقشة تغطية البرنامج الإخباري الشهير “20:30” الذي تبثه إذاعة جمهورية إيران الإسلامية لاحتجاجات حزيران/ يونيو 2009. في الحقيقة، يعد المقال رفضاً لتغطية كل من إذاعة صوت أمريكا وراديو البي. بي. سي. (BBC) الفارسية للأحداث، اللتين أشعلتا الاحتجاجات المناهضة للنظام كما يقول المؤلفان. وعلى المنوال نفسه، فإن مقال علي رضا سوري يصور الاحتجاجات على أنها نتيجة لـ “حرب نفسية” تشنها حكومة الولايات المتحدة ضد الجمهورية الإسلامية. كما أن مقال سيد محمد حامد حسيني الذي يتناول العصيان المدني كشكل من أشكال الاحتجاج يصور احتجاجات يونيو/حزيران 2009 على أنها “ثورة مخملية” قامت بتخطيطها الوكالات التابعة للحكومة الأمريكية.
أما المقال الأكثر مدعاة للتشاؤم، فهو مقال مهدي ذولقادر، وسيد حسين حسيني، وحميد علوي فافا الذي ليس فقط يصور احتجاجات يونيو/ حزيران 2009 على أنها أحد أشكال التكتيك “للثورة المخملية” و”التغيير الناعم للنظام” برعاية الولايات المتحدة، بل يأتي أيضاً على تسمية مجموعة كبيرة من المثقفين والسياسيين الإصلاحيين كوكلاء لقوى أجنبية. وقد حوكم العديد منهم في وقت لاحق في المحاكم الثورية وحكم عليهم بالسجن.
يعرض مقال محسن باقري، ومحمود بابائي، ويحيى كمالي وصفاً خاصاً لأحداث يونيو/حزيران 2009. وكونهم باحثين جادين، يقدم المؤلفون رواية صادقة للاحتجاجات، ولكن ربما في محاولة لحماية أنفسهم من الاتهامات بالضلوع في جهود تقويض الدولة، يقدمون استنتاجاتهم بناءً على ما توصلوا إليه من النتائج التجريبية: أصبح النظام ضعيفاً نظراً لفقدان الجمهور ثقته في السلطات؛ تضعضعت القيم الدينية، حيث ردد الجمهور شعارات ضد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ومفهوم ولاية الفقيه؛ تفاقم الأسفين بين الدولة والشعب؛ وعملت التغطية الإخبارية الدولية للاحتجاجات على إذلال الجمهورية الإسلامية.
نظراً لطبيعة الموضوع المثيرة جدًا للجدل، يواجه الباحثون الإيرانيون، حتى أولئك التابعون للحرس الثوري الإيراني أو أجهزة المخابرات الإيرانية، بعض الصعوبات في مناقشة الاحتجاجات المناهضة للحكومة، وهذا ما يفسر الإشارات إلى مكائد ومؤامرات العدو على أنها السبب الجذري للمشكلة. ومع ذلك، وكما ورد في المقالات، فإن المؤلفين يدركون التحديات الحقيقية التي يواجهها النظام من سكان الأحياء الفقيرة المحرومين والطبقة الوسطى المسيّسة ومظالمها.