ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
مع استمرار تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، ثمة مخاوف من امتداد الصراع في غزة إلى لبنان، وربما تحوله إلى حرب إقليمية أوسع لو تصاعدت الأمور. ولكن، إذا استثنينا وقوع الحوادث الكارثية التي لا يمكن التنبؤ بها، فإن خطر نشوب حرب إقليمية في الوقت الحالي منخفض، وذلك لسبب مهم، هو أن إيران، الراعي الرئيسي لحزب الله، لديها خطط أخرى لوكيلها في لبنان، ولا يبدو أنها مهتمة بفتح جبهة شمالية ضد إسرائيل.
إن لدى إيران ثلاثة أسباب رئيسية لعدم الدفع بحزب الله في حرب أوسع من إسرائيل:
أولًا، استطاعت إيران فور اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول من تحقيق جميع أهدافها المرتبطة بالصراع بين حركة حماس وإسرائيل، لأن الحرب أدت إلى تأجيل الاتفاق المحتمل بين السعودية وإسرائيل لتطبيع العلاقات الدبلوماسية بينهما، والذي تعارضه إيران، إلى أجل غير مسمى. كما عانت الأجهزة العسكرية والأمنية في أيران من الإذلال على يد الموساد، وباعتبارها داعم لحماس منذ فترة طويلة، فإن إيران سعيدة بادعاء الفضل جزئيا في الرد على إسرائيل بهجوم مفاجئ على أراضيها على نطاق لم نشهده منذ حرب أكتوبر 1973 رغم إنكار إيران للمسؤولية وكونه ردًا عن بُعد . والأمر الأكثر أهمية هو أن توغل حركة حماس في إسرائيل حطم أسطورة حصانة الدولة اليهودية، التي ساعدتها القبة الحديدية والجدران الخرسانية على التخلي عن فكرة السلام مع الفلسطينيين كشرط مسبق لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع جيرانها العرب.
ثانيًا، لو أرادت إيران إشراك حزب الله في الصراع، لفعلت ذلك على الأرجح في بداية الأحداث. لا بد أنه كان لها أسبابها الخاصة التي دفعتها لعدم الاستفادة من عنصر المفاجأة لتوريط إسرائيل منذ البداية في حرب على جبهتين.
ثالثًا، يبدو أن حزب الله يخدم في المقام الأول إيران وفيلق القدس التابع لقوات الحرس الثوري الإسلامي، كرادع ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل ضد بنية إيران التحتية النووية. ويبين تحليل القيادة الإيرانية لحرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل حساباتها الاستراتيجية. فالحرب بدأت بسبب خطأ زعيم حزب الله حسن نصر الله الفادح في يوليو/تموز من ذلك العام بإصدار أمر باختطاف جنود إسرائيليين دون تشاور مسبق مع طهران.
وفي سياق استعادة ما حدث خلال حرب 2006، كشف اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس آنذاك، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، خلال مقابلة استمرت ثلاث ساعات، أنه هرع إلى بيروت لاحتواء الموقف، ثم عاد إلى طهران سريعًا لتقديم تقرير عن الوضع في لبنان إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي ورئيس البرلمان، بالإضافة إلى رئيس السلطة القضائية ورئيس الجمهورية، وغيرهم من أعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وقال سليماني في تلك المقابلة، “قدمت تقريرًا مريرًا، ما شاهدته لم يكن أفق للنصر”. وتابع سليماني راويًا رد خامنئي الذي قال حينها، “أعتقد أن إسرائيل كانت قد أعدت للحرب، وأرادت تنفيذ خطتها في هجوم مفاجئ يقضي على حزب الله، ولكن اختطاف حزب الله للجنديين أدى إلى تحييّد عنصر المفاجأة لدى إسرائيل”. كما أمر خامنئي سليماني بنقل رسالة شخصية إلى نصر الله، الذي وجده سليماني في بيروت مصدومًا بشدة. وأشار سليماني إلى أن “عدد الشهداء زاد، وكذلك حجم الدمار”، وأن نصر الله “استخدم كلمات وتعبيرات اليأس، الأمر الذي أحزنني. ليس لدي الرغبة في تكرار تلك العبارات”.
وأضاف سليماني أن “سردية” خامنئي حول أصل هذه الحرب كانت مفيدة. ففي حال “انتقد شخص ما نصر الله واشتكى من أن حزب الله عرّض نفسه والمجتمع الشيعي بأكمله والشعب اللبناني للخطر من أجل أسيرين، فإن الرواية القائلة بأن حزب الله صد الإبادة الكاملة من خلال خطف سجينين كانت مطَمْئنة”، فضلًا عن كونها ملائمة لنصر الله.
وفي أغسطس/آب 2006 أصدر نصر الله اعتذارًا علنيًا غير مسبوق عن سوء تقديره في إعطاء الأوامر للمداهمة التي تسببت في الحرب. ولكن في خطاب ألقاه في 11 مايو/أيار 2012، اتهم فيه إسرائيل والولايات المتحدة بإثارة الإرهاب في سوريا، هدد زعيم “حزب الله ” المتبجح بإبادة إسرائيل. وبعد أربعة أيام، أصدرت “بوتيا نيوز”، وهي وسيلة إعلامية إيرانية توقف نشاطها، تقريرًا شبه نصي عن محادثة سليماني الهاتفية مع نصر الله. وورد في هذا التقرير بأن سليماني، الذي كان تركيزه في ذلك الوقت على دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية، وحذر نصر الله من “القيام بأي ضربة استباقية ضد النظام الصهيوني”. ووفقًا للتقرير، أشار سليماني أيضًا إلى حرب عام 2006 محذرًا نصر الله بأن “انتصار حزب الله في الحرب التي دامت ثلاثة وثلاثين يومًا لم يكن بسبب قوة السلاح، بل بسبب قوة الإيمان والعون الإلهي”. كما أشار سليماني إلى خطاب خامنئي بمناسبة رأس السنة الإيرانية في 2012، والذي قال فيه المرشد الأعلى بأن الله يضمن انتصار المؤمنين في حالة الدفاع عن النفس، وإذا بدأنا حربًا، فإن القرآن لا يضمن لنا النصر”. ومن الواضح أن سليماني كان يعتبر ترسانة حزب الله الصاروخية رادعًا ضد ضربات إسرائيلية محتملة على المنشآت النووية الإيرانية، وليس أداة لشن هجوم استباقي ضد إسرائيل.
وبناءً على التقارير المعلنة، يرى العميد إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الحالي وخليفة سليماني، دور حزب الله اللبناني بنفس الشكل. فقد أفادت بعض التقارير أن قاآني أصدر تعليمات إلى قيادة “حزب الله”، خلال زيارة له إلى بيروت في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2020، “بتجنب استفزاز إسرائيل” في أعقاب عملية اغتيال عالم نووي إيراني يُعتقد أن إسرائيل قد دبرتها. ويقال إن قاآني نسق خلال زيارته إلى بيروت في أبريل/نيسان الهجوم الصاروخي ضد أهداف إسرائيلية في السادس من ذلك الشهر، مع الحرص على إبقاء الهجمة دون عتبة ما يمكن أن يشعل حربًا مع إسرائيل. أما بالنسبة لهجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن تصور قاآني الجلي لدور حماس كبيدق غير مهم يمكن الاستغناء عنه في لعبة الشطرنج الكبرى يختلف تمامًا عن نظرته إلى “حزب الله” الذي يعتبره رصيدًا استراتيجيًا رئيسيًا.
هل يمكن أن يتورط حزب الله في الصراع بين إسرائيل وحماس؟ بالطبع، ولكن لا حزب الله ولا إيران – ولا حتى إسرائيل أو الولايات المتحدة – مهتمان بإشعال حرب إقليمية أوسع نطاقًا.
إن الآراء الواردة هنا هي آراء خاصة بالكاتب أو المتحدث ولا تعكس بالضرورة آراء معهد دول الخليج العربية في واشنطن أو موظفيه أو مجلس إدارته.