ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
لعدد من الأسباب، يبدو أن تدخل الصين السياسي في منطقة الخليج يُعد إيجابياً بالدرجة الأولى لدول الخليج العربية. من المتوقع أن تتراوح قيمة مبادرة الحزام والطريق من 1.2 تريليون إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2027، ويمكن أن تساعد في تغيير المنطقة من خلال إثراء التنمية الاقتصادية والاستثمار الداخلي وخطط التنويع، بما في ذلك الطاقة المتجددة. ونظراً للضغوط الزمنية على العديد من دول الخليج العربية لتحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي أو “الرؤية” بحلول عام 2030، لا بد للاقتصاد الصيني من التعافي سريعاً مما حل به بعد تفشي جائحة فيروس كورونا. تفتقر بكين إلى المعيقات السياسية والعسكرية الحديثة، في حين شاركت الولايات المتحدة في عدد من الصراعات في المنطقة في العقدين الماضيين.
ومع ذلك، هناك مخاوف في عدد من المجالات بشأن المشاركة الصينية، بما في ذلك أنها قد تتسبب في تفاقم التحديات الأمنية القائمة. من خلال مبادراتها ونشاطاتها الاقتصادية في جميع أنحاء العالم، تُتهم الصين باستخدام القوة الحادة والتسبب في تأثيرات بيئية سلبية واستحداث انبعاثات قوية، وتهميش المجتمعات، وهو ما يرقى إلى “[القهر البيئي]“. ومع ذلك، فإن المشاريع الصينية في منطقة الخليج تختلف عما هي عليه في مناطق أخرى من العالم، فهي تولي الأولوية لبناء البنية التحتية، ووضع برامج الطاقة النووية المدنية، وإنتاج أنظمة التكنولوجيا، مثل الذكاء الاصطناعي وتوسيع الروابط العسكرية الثنائية، بما في ذلك تصدير الطائرات المسلحة دون طيار.
العلاقات الصينية-الخليجية حدودها السماء
عملت العلاقات الصينية الوثيقة مع دول الخليج في مجال الطاقة وتدني مستوى الاستثمار الأجنبي المباشر مؤخراً في عام 2013، عندما أصبح شي جين بينج رئيساً ورائداً لمبادرة الحزام والطريق، “حزام طريق الحرير الاقتصادي” و”طريق الحرير البحري” التي تم إطلاقها، على توفير الأسس لتعزيز العلاقات. وقد أدى ذلك في نهاية المطاف إلى شراكات استراتيجية شاملة مع الجزائر ومصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وإلى جانب ذلك، وقعت الصين شراكات استراتيجية مع قطر والأردن والعراق والمغرب والسودان وجيبوتي وعُمان والكويت مع بنود اقتصادية في الاتفاقيات تساهم في توفير فرص العمل لدول الخليج وأهداف تنموية وسياسات خارجية أخرى. في المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية في عام 2014، قدم الرئيس شي جين بينج اقتراحاً بأن يتمحور التعاون حول أُطر 1 (الطاقة) + 2 (البناء والبنية التحتية والتجارة والاستثمار) + 3 (الطاقة النووية والفضاء والطاقة الجديدة). وفي الاجتماع ذاته، شجع على زيادة مبادرات التعاون الاقتصادي من 240 مليار دولار في 2013 لتصل إلى 600 مليار دولار في 2023.
على خلفية توثيق أواصر التواصل مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال آليات، مثل الحوارات الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي انطلقت في عام 2010، ارتفع النشاط التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون من أقل من 10 مليارات دولار في عام 2000 ليصل إلى ما يقارب 115 مليار دولار في عام 2016. ووصلت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما بين عامي 2005 و2020 إلى ما قيمته 196.93 مليار دولار، مع السعودية (39.9 مليار دولار) والإمارات (34.7 مليار دولار) وهما الوجهتان ذات الأهمية الخاصة. في السنوات القليلة الماضية، كانت الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر للصين في المنطقة، حيث بلغ حجم التبادل التجارة بينهما 53 مليار دولار في عام 2018، وكان من المتوقع أن يرتفع إلى أكثر من 70 مليار دولار في عام 2020، وفقاً لجمال سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج. تعتبر الإمارات وجهةً جذابة، لأنها تعمل أيضاً بمثابة مستودع تجاري يمكن للصينيين من خلاله الوصول إلى الأسواق الإقليمية. تخطط الإمارات، في عام 2021، لاستضافة أول اجتماع للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية في الشرق الأوسط، وهو ما يؤكد على أفضلية وضعها. تضمنت الاستثمارات الصينية في الخليج 11 مليار دولار في هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم في عُمان عام 2017؛ واستثماراً بقيمة 4 مليارات دولار في مصنع للبتروكيماويات في مدينة جازان للصناعات الأولية والتحويلية في السعودية، في عام 2017؛ واستثماراً بقيمة مليار دولار في منطقة خليفة الصناعية بأبوظبي في عام 2018، مع احتمال استثمار 10 مليارات دولار أخرى من مجموعة (East Hope Group).
إن التزام الصين بأن تكون محايدة في مجال انبعاثات الكربون بحلول عام 2060، وأن تبلغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 يضيف حافزاً قوياً لتنويع العلاقات الصينية-الخليجية إلى ما هو أبعد من العلاقات القائمة على النفط والغاز في أسرع وقت ممكن. وفي حين أن هناك فرصاً كبيرة في البنية التحتية والتجارة الإلكترونية والسياحة التي يمكن أن تعزز استراتيجيات التنويع الاقتصادي لدول الخليج والعلاقات بين الشعوب، إلا أن هناك تفاوتاً في الاستثمارات الصينية والبناء عبر دول الخليج، وأكثر من ذلك عبر دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فقد جذبت إيران – على سبيل المثال – الانتباه في يوليو/تموز 2020 بسبب التفاوض بشأن التعاون السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي (ما يسمى الميثاق) مع الصين بقيمة تبلغ 400 مليار دولار. لكنها تلقت، في مارس/آذار 2020، ما قيمته 115 مليون دولار فقط من مدفوعات النفط المعلنة، ووصل التبادل التجاري في عام 2019 إلى أدنى مستوى له على مدى عقد من الزمن، ما يجعلها أقل أهمية مما تم تحديده في الأصل وأكثر تماشياِ مع شركاء الصين الخليجيين الآخرين. وتعتبر سلطنة عُمان حالة مثيرة للاهتمام لأنها تلقت حتى الآن استثمارات من دول الخليج العربية المجاورة أكثر مما تلقته من الدول الأجنبية الأخرى، ما يبرز الدور الإقليمي والدولي المهيمن، الذي يمكن أن تلعبه الأطراف الفاعلة من الدول الخليجية.
إذا استمرت مبادرة الحزام والطريق في التوسع وأصبحت المسؤولة عن تنويع العلاقات بين الصين ودول الخليج، فيمكن اعتبارها ميزة إستراتيجية للدول المنخرطة في الارتقاء السلطوي، والذي يُعرّف بأنه إعادة تنظيم استراتيجيات الحوكمة في ظروف عالمية، وإقليمية وداخلية جديدة من شأنها أن تقوض برامج تعزيز الديمقراطية. وسوف تتمكن من مزج العديد من السمات المكونة لها: تنويع الروابط الدولية، والتحكم في تقنيات الاتصالات الجديدة، والاستفادة من فوائد الإصلاحات الاقتصادية الانتقائية. ربما يكون لـ “نموذج صربيا” [Serbia Model] الصيني أيضاً تأثير غير متكافئ على الأمن القومي والبشري، من خلال بيع تقنية الذكاء الاصطناعي لدول الخليج، والتي تشير التقديرات إلى أنها قد تصل قيمتها إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030، وبشكل أساسي للسعودية وقطر والبحرين والإمارات. يكمن الذكاء الاصطناعي في قلب ما يُعرف بـ “المدن الذكية (والآمنة)”، التي تستخدمه للتتبع والمراقبة المكثفة من أجل التعامل مع مكافحة الإرهاب ومتطلبات السلامة الحضرية. وقد دخلت الطائرات الصينية دون طيار من طراز وينغ لونج 1 و2 (Wing Loong I وII) بالفعل ساحات القتال في اليمن والعراق وليبيا. كما تم إنتاج طائرات دون طيار من طراز CH-4 في السعودية، والتي تم الإعلان عنها في عام 2017، بالإضافة إلى عرض لبيع مركبات جوية من طراز Blowfish A3 للسعودية، وهي من مركبات الذكاء الاصطناعي غير المأهولة والمزودة بمدفع رشاش.
البيئة الدولية
إن القلق الأساسي المتعلق بتأثير الصين على الأمن في الخليج لا يقتصر على الخليج أو الشرق الأوسط فحسب، وإنما يمتد إلى علاقات القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين. ولعل أفضل ما يعبر عن ذلك هو فخ ثيوسيديدز. حيث يصف جراهام تي أليسون ذلك بأنه الميل الواضح نحو الحرب عندما تلجأ قوة ناشئة إلى التهديد بإزاحة قوة عظمى قائمة كقوة دولية مهيمنة. لكن لا يوجد سبب كافٍ ليجعل التوترات بين الولايات المتحدة والصين تمتد إلى الخليج. فالصين تحصل على 40٪ من نفطها من دول الخليج، وتعتمد بشكل متزايد على استيراد الغاز الطبيعي من قطر. وتحتفظ الولايات المتحدة بما بين 60 ألفاًً إلى 80 ألف جندي يتمركزون في منطقة الخليج، يعملون بنشاط في محاولات لمنع النفوذ الإيراني. إن ما يلفت الانتباه هنا هو المسارات المختلفة التي قد تشرع فيها الصين للتأثير على العالم.
في عام 2020، قام كلٌ من جيك سوليفان، الذي يشغل الآن منصب مستشار الأمن القومي للرئيس جوزيف بايدن وهال براندز بدراسة مسارين يمكن للصين أن تختار من بينهما في التحرك نحو “الهيمنة العالمية“. يركز أحد الاحتمالين على الهيمنة الإقليمية، ويركز الآخر على بناء نظام أمني واقتصادي عبر أوراسيا والمحيط الهندي. في الحالة الأخيرة، سيكون التركيز على تحويل القوة الاقتصادية إلى نفوذ سياسي، وترسيخ الإبداع والقدرة على تشكيل المؤسسات الدولية الرئيسية. من الناحية الاقتصادية، فإن انطلاق شبكة المحمول من الجيل الخامس (G5)، وهي جزء من طريق الحرير الرقمي، التي انطلقت عام 2015، قد أثار المخاوف الأمنية للولايات المتحدة، وحفز على الإسراع بالشراكة الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي واليابان في عام 2018. وسوف تتوضح القيادة العالمية للصين بشكل أكبر من خلال نشر التكنولوجيا النووية بحلول عام 2030، وستكون ذات أهمية بارزة لمعايير السلامة النووية وعدم انتشار السلاح النووي في الخليج وخارجه، حيث تقوم بعض الدول بإنشاء برامجها الخاصة للطاقة النووية المدنية. ورداً على تدخل حلف الناتو في ليبيا، أشارت روزماري فوت إلى أن بكين أوقفت التدخل الذي أقرته الأمم المتحدة في سوريا باستخدامها حق النقض (الفيتو) بشكل متكرر، سبع مرات بين عام 2011 وشهر سبتمبر/أيلول 2019، وهي خطوة غير معتادة على الإطلاق نظراً لأن الصين لم تستخدم حق النقض (الفيتو) إلا في ست مناسبات فقط بين عام 1971، عندما أصبحت عضواً في مجلس الأمن الدولي، وعام 2009. وما يزال من الممكن لواشنطن والصين التخفيف من حدة التوترات لتحقيق توازن أكثر استقراراً للقوى الدولية وإطار عمل تعاوني، ما قد يكسر الجمود في مجلس الأمن بشأن مجموعة من القضايا التي تؤثر على مصالح دول الخليج، بما في ذلك الصراعات الإقليمية وعدم انتشار السلاح النووي.
في المستقبل المنظور، هنالك فرصة جيدة أمام مجموعة جديدة مقترحة من 10 ديمقراطيات رائدة أو D-10، بما في ذلك كوريا الجنوبية والهند وأستراليا بالإضافة إلى مجموعة السبع أو G-7 المكونة من الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا واليابان وألمانيا وكندا والمملكة المتحدة، لصياغة الوضع الأمني في الخليج وعلى المستوى الدولي. وتبشر إدارة بايدن بسياسات جديدة تستهدف المنطقة، بما في ذلك المساهمة في التقارب بين قطر وجيرانها، والدعوة إلى الدبلوماسية مع إيران مع الحفاظ على موقف حازم ضد نشاطاتها الإقليمية، والضغط من أجل الإصلاحات المتعلقة بحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن تأجيل مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية والإمارات في عام 2021 يمكن أن يدفع البلدين الخليجيين نحو الصين وروسيا، ما يؤدي إلى فقدان الولايات المتحدة لنفوذها، وزيادة مستوى مبيعات الأسلحة الصينية المنخفض نسبياً حتى الآن إلى المنطقة. من عام 2000 وحتى 2019، تخلفت الصين عن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية في هذه الأسواق الرئيسية للأسلحة. وفي حين أن مبيعات الأسلحة الصينية ونفوذها السياسي قد يرتفعان نتيجة لسياسة ضبط النفس الأمريكية، إلا أنه في مناطق أخرى، مثل جنوب الصحراء الأفريقية، غالباً ما كان نمط العلاقات الدولية متأرجحاً بين بكين وواشنطن لتحقيق الحد الأقصى من الاستقلالية للدولة وبقاء النظام، ولا يزال العديد من قادة الخليج يعتمدون على المظلة الأمنية الأمريكية.
مبادرة الحزام والطريق في المرحلة الانتقالية
من المتوقع أن تكتمل مبادرة الحزام والطريق في عام 2049، أي بعد قرن من تأسيس جمهورية الصين الشعبية. ويبدو أن مبادرة الحزام والطريق وخطة مارشال (وهي خطة إغاثية اقتصادية صغيرة الحجم، مقارنة بمبادرة الحزام والطريق وقد حفزت الانتعاش الاقتصادي بعد الحرب في أوروبا الغربية في عام 1948) تميلان للانحراف في ثلاث نقاط رئيسية: تستمر مبادرة الحزام والطريق في تفضيل بعض البلدان على بلدان أخرى؛ ويختلف مقدار المساعدات نسبة للقروض أو الاستثمار؛ التنوع الاقتصادي والسياسي له تطبيقات متزايدة مرتبطة بالأمن في الخليج. قد تتم تسوية هذه الانحرافات في الوقت المناسب. بشكل عام، سيتم تقييم نجاح مبادرة الحزام والطريق من خلال درجة قدرتها على مساعدة الحكومات الخليجية على تحقيق أهداف التنويع والتنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.