ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
عاد تنظيم داعش إلى الأضواء بعد تبنيه تفجيرين بمدينة كرمان جنوب شرق إيران في الثالث من يناير/كانون الثاني، ليثبت أنه ما يزال قوة لا يستهان بها. ولعل هذا الأمر كان الدافع وراء العملية. أما تأثيرات هذا الاعتداء على الجمهورية الإسلامية فإنها أكثر جدلًا: هل قوض الهجوم ثقة الشعب في قدرات الأجهزة الأمنية؟ هل قوّى عزيمة المعارضة الداخلية للانتفاض في وجه النظام؟ أو أنه، على العكس من ذلك، قد حشد الإيرانيين للالتفاف حول راية الوطن ضد عدو إرهابي؟ إذا كان للتاريخ دلالات، فإن هجوم تنظيم داعش الأخير قد يعزز النظام في طهران بدلًا من أن يضعفه.
تم اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإسلامي، والمسؤول عن عمليات الحرس الثوري خارج الحدود الإقليمية، على يد الجيش الأمريكي في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020. ومنذ ذلك الوقت، تُحيي سلطات الجمهورية الإسلامية الذكرى السنوية لاغتيال سليماني من خلال فاعليات عامة، تعتبر شكل من أشكال الدعاية والترويج [بروباجندا]. ولم يكن هذا العام استثناء، عدا أن موكب المعزين الذين توافدوا إلى مقبرة الشهداء في منطقة كرمان تعرض لانفجار قنبلتين بفارق زمني 12 دقيقة، أسفرتا عن مقتل 89 شخصًا وإصابة 284 آخرين.
وفي الرابع من يناير/كانون الثاني، بعد حوالي يوم كامل تخللته تقارير متناقضة بشأن أسلوب التفجير، والتكهنات العامة حول هوية الجناة ودوافعهم، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الانفجارين. كما كشف التنظيم عن أسماء الذين نفذوا الهجوم، عمر الموحد وسيف الله مجاهد، اللذين ارتديا الأحزمة الناسفة. وحددت مصادر غربية أيضًا أن المسؤول عن الهجوم هو تنظيم داعش ولاية خراسان. وفي بيان صدر في الخامس من يناير/كانون الثاني، زعمت وزارة الاستخبارات الإيرانية أن أحد الجناة كان طاجيكيًا، مما يدل على أنه كان من مواطني طاجيكستان أو أفغانستان، في حين أن جنسية الجاني الثاني لم تُعرف بعد. وذكرت وزارة الاستخبارات كذلك أنها عثرت على مكان إقامة منفذا الهجوم، واعتقلت اثنين من مساعديهم في كرمان، وتسعة أفراد آخرين في ست محافظات إيرانية مختلفة.
ويعد الاعتداء في كرمان الأحدث في سلسلة من هجمات داعش في إيران، والتي بدأت في السابع من يونيو/حزيران 2017 بهجومين مزدوجين ضد البرلمان الإيراني، وتفجير انتحاري وقع في ضريح آية الله العظمى روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، كما أعلن تنظم داعش مسئوليته عن الهجوم على عرض عسكري في الأحواز جنوب غرب البلاد في 22 سبتمبر/أيلول 2018، وأسفر عن مقتل 25 شخصًا، من بينهم جنود في الحرس الثوري الإيراني ومارة مدنيين. في تحرك أكثر معقولية، ألقت سلطات الجمهورية الإسلامية اللوم على حركة النضال العربي لتحرير الأحواز الانفصالية. وكانت هذه المجموعة قد أعلنت في البداية مسؤوليتها عن الاعتداء، قبل أن تنفي بعد تورطها فيه. وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قَتل شخص، عرّفه تنظيم داعش لاحقًا باسم أبو عائشة العمري، والذي اعتبرته وزارة الاستخبارات من مواطني طاجيكستان، 13 حاجًا في ضريح شاه جراغ بمدينة شيراز. في 13 أغسطس/آب 2023، فتح مواطن آخر من طاجيكستان النار على الحجاج، في نفس الضريح، مما أسفر عن مقتل اثنين وإصابة سبعة.
وقد تباينت ردود الفعل العامة على هجمات تنظيم داعش في إيران. فبعض جماعات المعارضة في الخارج سخرت من مزاعم النظام السابقة القائلة بأن إيران جزيرة استقرار في بحر من الاضطرابات الإقليمية. ومن اللافت للنظر أن هذه المجموعات، وكذلك حسابات مجهولة على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تظهر أي تعاطف مع الضحايا، زاعمة بأنهم من أنصار النظام، وأنهم استحقوا ما أصابهم. في الداخل، كانت هناك انتقادات للأجهزة الأمنية لعدم قدرتها على إحباط الهجمات. رغم ذلك تسببت هجمات تنظم داعش وخطابه الخبيث المعادي للشيعة وإيران في دفع الشعب إلى توحيد الصفوف، بشكل عام.
ومن المرجح أن يكون لهجوم تنظم داعش الأخير تأثير مماثل. ففي حين أن شخصيات مثل علي كريمي، لاعب كرة القدم الإيراني السابق، الذي تحول إلى شخصية معارضة في الخارج، سخروا على وسائل التواصل الاجتماعي من ضحايا الهجوم، على اعتبار أنهم يصطفون أمام المقابر من أجل الطعام والشراب المجاني، شعر الشعب الإيراني إلى حد بعيد بالاشمئزاز من العمل الإرهابي الذي قام به تنظيم داعش.