بعد عام من انطلاق بينالي الدرعية للفن المعاصر في الرياض، يحتضن بينالي الفنون الإسلامية في جدة عددًا لا حصر له من التقاليد العالمية للممارسات الدينية الإسلامية، ويضع المدينة في قلب سرديات الحج والعبادة والهجرة والتنقل.
يدخل بينالي الفنون الإسلامية الأول أسابيعه الأخيرة، وسيتم اختتامه بالتزامن مع نهاية شهر رمضان المبارك. تم افتتاح المعرض للجمهور في يناير/كانون الثاني تحت عنوان “أول بيت“. يقام بينالي الفنون الإسلامية في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة بالسعودية، وتعمل على تنظيمه مؤسسة بينالي الدرعية، التي تم إنشاؤها حديثًا. يأتي بينالي الفنون الإسلامية في أعقاب افتتاح بينالي الدرعية للفن المعاصر في عام 2022، ويعد بينالي الفنون الإسلامية الثاني، من بين معرضين كبيرين، يقام مرة كل عامين في السعودية، ويهدف، وفقًا لمؤسسة بينالي الدرعية، إلى “رعاية التعبير الإبداعي وغرس التقدير لطاقة الفنون”. على نطاق أوسع، يعد بينالي الفنون الإسلامية واحدًا من أحدث المبادرات في الجهود التي تبذلها السعودية لتطوير قطاعاتها الثقافية والترفيهية كجزء من خطة رؤية 2030 لتنويع الاقتصاد السعودي استعدادًا لمستقبل ما بعد النفط.
يستفيد موقع بينالي في الجناح المغطى بالمظلات في صالة الحجاج والمساحة الداخلية المجاورة، المصممة خصيصًا لهذا الغرض، من الموقع المفاهيمي والمادي لمدينة جدة كنقطة انطلاق الحجاج، وهي رحلة يصبو إليها جميع المسلمين. صُممت الصالة، التي استلهم شكلها من الخيام البدوية الشائعة في الخليج، من قبل شركة الهندسة المعمارية الأمريكية الشهيرة سكيدمور وأوينج وميريل ((Skidmore, Owings & Merrill، وفازت بجائزة آغا خان العريقة للعمارة في عام 1983. خلال موسم الحج، يمكن للصالة أن تتسع لما يقارب 80 ألف مسافر في اليوم. من الناحية الرمزية، تمثل الصالة بوابة بين العالم الإسلامي والأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وهو الموضوع الذي تم استحضاره في المعرض.
التقاء القديم بالجديد
على النقيض من شكل بينالي الفن المعاصر، جمع بينالي الفنون الإسلامية 280 قطعة أثرية تاريخية من جميع أنحاء العالم الإسلامي – من الصحائف القرآنية القديمة إلى كسوة للكعبة عمرها ما يقارب 150 عامًا، وهي غطاء مطرز بالحرير للكعبة التي تعد الموقع المقدس الأول في الإسلام – إلى جانب الأعمال الفنية التركيبية والمعاصرة بتفويض من مؤسسة بينالي الدرعية. العديد من القطع الأثرية المعروضة معارة من مؤسسات محلية وإقليمية، مثل مركز الملك عبد العزيز للثقافة العالمية في السعودية ومتحف اللوفر. وعلى الرغم من أن العديد من المؤسسات الثقافية في جميع أنحاء العالم لديها مجموعات من القطع التاريخية من الحضارات الإسلامية، إلا أن بينالي الفنون الإسلامية يعتبر حدثًا بارزًا له تقديره في مشهد الفن الإسلامي العالمي، لأن القليل من العروض الدولية واسعة النطاق ركزت فقط على الفن الإسلامي منذ مهرجان العالم الإسلامي عام 1976 في لندن.
بإبرازه لما يزيد عن 40 فنانًا عالميًا ومبدعًا من هواة التجميع، بمن فيهم ثمانية عشر من السعودية، فإن أول بيت “يحتفل بالإنجازات الثقافية والفكرية والفنية التي تعود أصولها إلى بيت الله” في مكة. يتم تنظيم المعرض حول موضوعين رئيسيين: القِبلة، في اتجاه الكعبة، والتي يتجه نحوها أكثر من مليار مسلم حول العالم في صلاتهم؛ والهجرة، التي تشير إلى تهجير وهجرة النبي محمد من مكة إلى المدينة وبداية التقويم الإسلامي. وفي حين يَعتبر الموضوع الأول أن الطقوس في الإسلام مثل الوضوء، والصلاة، وصلاة الجماعة تحظى بأهمية مركزية. يستكشف الموضوع الثاني التنقل والضياع والتهجير، وعلى العكس من ذلك، الحج والتبادل الثقافي. وبالتزامن مع البينالي هنالك “المدار”، وهو معرض عبر الأقمار الصناعية يعرض كذلك قطعًا تاريخية من المجموعات الدولية للفنون والقطع الأثرية الإسلامية في محاولة “ليصبح مرجعًا عالميًا وحاضنةً للحوار الفكري.”
تمت إقامة بينالي الفنون الإسلامية من قبل فريق من القيمين بقيادة المهندسة المعمارية الجنوب أفريقية الشهيرة سمية فالي، ويتألف الفريق من مجموعة من كبار علماء الفن الإسلامي وعلم الآثار والهندسة المعمارية. أوضحت فالي أن “البينالي يدور حول منح الأشياء المعاصرة منزلًا من خلال منحها سلالة ومنح الأشياء التاريخية منزلًا من خلال منحها مستقبلًا.” من خلال دمج عناصر متنوعة زمنيًا ومفاهيميًا وماديًا تحت هذه الموضوعات العالمية، يسلط المعرض الضوء على مجموعة حيوية من نتاجات الإبداع الإسلامي وظواهر العبادة المادية. إن السعودية، التي كانت تعد ذات يوم “أكثر المجتمعات الإسلامية تزمتًا”، تحتضن الآن التنوع الغني للنفوذ الإسلامي والتقاليد والتاريخ المحلي من خلال دمج السرديات التاريخية والقطع الأثرية مع الحقائق المعاصرة والأعمال التركيبية الفنية. أكدت فريدة الحسيني، مديرة البينالي، أن “البينالي يتجاوز كونه مجرد معرض بسيط لعناصر عديمة الحياة من مناطق نائية وقرون من الماضي البعيد، إلى كونه فرصة رئيسية لتوسيع التفاهم الثقافي، واستلهام رؤى جديدة، وتحديد التوجهات، والشروع في حوارات حول الفنون الإسلامية”.
الفنانون السعوديون في الطليعة
حوالي نصف الفنانين وهواة التجميع المعاصرين، الذين تم اختيارهم لعرض أعمالهم في بينالي الفنون الإسلامية، هم من السعودية، وهو ما يسلط الضوء على التزام مؤسسة بينالي الدرعية بدعم المشهد الإبداعي والفني المحلي وتمكينه. في المعرض، يستكشف الفنانون السعوديون، بمن فيهم الفنان المعاصر الشهير أحمد ماطر، موضوعات مثل البيئة والزخارف والخط والمجتمع وفن عمارة العبادة. تم تصميم “سكن حجاج الجو 1958″، وهو عمل تركيبي يأخذ بالاعتبار الموضوع الأخير على وجه الخصوص، من قبل الأخوين عبد الرحمن وتركي قزاز من شركة الهندسة المعمارية السعودية بريكلاب (Bricklab)، والتي صممت أيضًا سينما حيّ (Hayy Cinema)، أول دار سينما فنية مستقلة في المملكة.
يسلط عمل بريكلاب الضوء على تاريخ فن العمارة المعاصر للحج في السعودية. حيث يعرض العمل التركيبي أشياء – متنوعة من كتل النسيم ومصاريع النوافذ إلى الصور والقطع التذكارية – تم جمعها من مبنى سكن الحجاج الذي تم هدمه مؤخرًا في جدة، أقيمت جميعها تحت سقالات مخصصة لتذكرنا بنموذج التصميم البسيط للمبنى الأصلي. كانت مدينة سكن الحجاج، الواقعة بالقرب من مطار جدة القديم، تؤوي تاريخيًا مئات الآلاف من الزوار الدوليين سنويًا، وهم يشقون طريقهم من جدة إلى مكة. إلى جانب العناصر الموجودة في “سكن حجاج الجو 1958” نجد المقابلات المسجلة والقصص الشفوية التي التقطت من حكايات الملايين من الحجاج الذين مروا في قاعات المبنى. كجزء من الجهود المتواصلة لبريكلاب للاحتفاء بفن العمارة السعودي الحديث، والحفاظ عليه وإعادة توظيفه، يشكل العمل التركيبي “أرشيفًا تاريخيًا لتجربة المجتمع أثناء الحج”.
يعتمد العمل التركيبي لمعاذ العوفي، المصور والباحث والكاتب السعودي، “التشهد الأخير” على موضوعات المجتمع والهجرة والانتماء من خلال الهندسة المعمارية. التقطت أعماله، وهي سلسلة صور تطورت على مدار 10 سنوات تقريبًا، مساجد مؤقتة على قارعة الطريق، وأماكن للصلاة بين جدة والمدينة. يمكن التعرف على هذه الأماكن فورًا من خلال مآذنها وجدران القبلة البارزة، والتي تروي قصص مئات الحجاج الذين قاموا بالرحلة بين المدينتين. أخبر معاذ معهد دول الخليج العربية في واشنطن أنه استوحى عمل هذه السلسلة من الصور في عام 2014 عندما صادف مسجدًا على قارعة الطريق لأول مرة على غرار تلك المساجد الموجودة في عمله التركيبي. يتم عرض الصور في صناديق ضوئية كبيرة، الأمر الذي يعطي منظرًا طبيعيًا غامرًا ينقل المشاهدين إلى الطرق المتعرجة المؤدية إلى المدينة.
أوضح معاذ أن عمله التركيبي يدور حول “الاستدامة والبيئة والفن المعماري المثير للاهتمام، أو التفكير المعماري لدى البدو، والمسافرين والذين قد يكونون من غير المتعلمين”. وفي حين أنه من الناحية الأولى يسلط الضوء على البراعة والمجتمع والعبادة لدى المسافرين الذين يجدون مكانًا للصلاة فيه في منتصف رحلتهم الطويلة إلى المدينة، يبعث عمل معاذ التركيبي من الناحية الأخرى على تأمل قصص “الهجر والقفر” والآثار المادية للحجاج القادمين من جميع أنحاء العالم لأداء واجباتهم الدينية. من خلال استخدام التأمل المعماري الغامر لعرض المساحات التي أمضى فيها هؤلاء الحجاج وقتهم، تبعث الأعمال التركيبية لمعاذ وبريكلاب على تشجيع الزوار على تأمل التجارب الحية للحجاج، والمجتمعات التي كانوا يشكلونها، ومساهماتهم في المشهد المحلي.
فعاليات الشهر الفضيل
في حين أن المعرض مفتوح منذ يناير/كانون الثاني، إلا أن شهر رمضان يوفر للزوار فرصة فريدة “لتجربة السكينة والروحانية” في إطار برنامج “ليالي البينالي”. يتضمن البرنامج عرض أفلام وحوارات وورش عمل معمارية وعروضًا تراثية وخطابات لرواد الأعمال ونشاطات عائلية، وترحب “ليالي البينالي”، التي تبدأ بعد صلوات التراويح، وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، بالزوار للتفاعل مع الموضوعات التي تم تسليط الضوء عليها في المعرض، مع الاستفادة من الممارسات الاجتماعية الشائعة خلال شهر رمضان، مثل السهرات الجماعية إلى وقت متأخر من الليل. وقد قام المعرض تلقائيًا بتمديد ساعات الدوام حتى الساعة الثالثة صباحًا لاستيعاب الحشود المسائية. على غرار بينالي الفنون الإسلامية، غالبًا ما تعقد المؤسسات الثقافية في جميع أرجاء المنطقة فعاليات خاصة خلال شهر رمضان لتعزيز الشعور الاجتماعي والتواصل والتأمل.
قدّم شهر رمضان للمعرض فرصة إضافية للاندماج في النسيج الاجتماعي للمجتمعات المحلية من خلال الاستفادة من الممارسات الشائعة خلال الشهر الفضيل. يشدد بينالي الفنون الإسلامية على أن السعودية تهدف لوضع السرديات المتعلقة بالحج والهجرة والعبادة ضمن قصص مادية محلية من خلال تسليط الضوء على الروابط القديمة بين البلاد والمجتمعات الإسلامية العالمية. باستكشافه المكثف للروابط بين هذه المواقع، يأخذ المعرض في الاعتبار المفهوم الذي يتصوره الفنانون الدوليون والمحليون حول دور الإسلام في الحياة اليومية طوال الوقت، ويضع جدة والسعودية في جوهر هذه النقاشات، ويخلق فرصًا جديدة لعرض المواهب السعودية. كجزء من الاستثمارات الأخيرة في القطاع الثقافي في البلاد، يشير بينالي الفنون الإسلامية إلى وجود التزام بدعم تنمية المشهد الفني السعودي وحضوره على الساحة العالمية.
بدأت قوة مدعومة من تركيا في سوريا هجوماً على مدينة كوباني، ذات الأغلبية الكردية، وحذر القادة الأكراد من أن ذلك قد يؤدي إلى تطهير عرقي، ويقوض المعركة ضد تنظيم داعش في شمال شرق سوريا.
ستشكل استضافة كأس العالم فرصة عظيمة للسعودية في دعم الإصلاحات المرتبطة برؤية2030 . وفي حين أن الاستعدادات للبطولة ستكون مكلفة، إلا أنها ستعزز النمو الاقتصادي، ومن شأنها أن تدفع نحو المزيد من التغيير الاجتماعي.
ادعمنا
من خلال تفحصها الدقيق للقوى التي تعمل على تشكيل المجتمعات الخليجية والأجيال الجديدة من القادة الناشئين، يعمل معهد دول الخليج العربية في واشنطن على تسهيل حصول فهم أعمق للدور المتوقع أن تلعبه دول هذه المنطقة الجيوستراتيجية في القرن الحادي والعشرين.