يشكّل تبني الأكثرية الساحقة في كل من مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكيين لـ”قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” خطرًا كبيرًا لا يحدق بالعلاقات الأمريكية السعودية فحسب، مع أن المملكة العربية السعودية تشكّل الهدف الرئيسي لهذا القانون، بل يطال أيضًا تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية بشكل عام ولربما يهدد أيضًا فعالية المسؤولين الأمريكيين حول العالم وسلامتهم وأمنهم. سيبطل هذا القانون الاتفاقية الدولية المعروفة حول الحصانة السيادية، التي تمنع مقاضاة الحكومات ومسؤوليها في دول أخرى بناء على تصرفاتهم ذات الطابع الرسمي. وسيهدف إلى السماح لعائلات ضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر بمقاضاة حكومات ومسؤولين أجانب، أي في هذه الحالة مسؤولين سعوديين، ممن يشتبه البعض بتورطهم في هذه الاعتداءات.
لا يمكن التشكيك في شرعية المطالب الرامية إلى نيل ضحايا الإرهاب العدالة في كل بقاع الأرض. إلا أن أثر رفع الولايات المتحدة الحصانة السيادية عن المسؤولين والضباط العسكريين الأمريكيين العاملين حول العالم قد يكون خطوة متشددة جدا. ففيما ستتعامل المحاكم الأمريكية بجديّة مع الدعاوى التي رفعتها عائلات ضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر ضد الحكومات الأجنبية ومسؤوليها نظرًا للاعتداءات الإرهابية التي طالت المواطنين الأمريكيين على الأراضي الأمريكية، ستنفتح أيضًا الأبواب على مصاريعها حول العالم ضدّ الممثلين الأمريكيين أنفسهم.
فعلى ضوء أي هجوم كبير لطائرات من دون طيار أو عملية سرية كبيرة أو عملية عسكرية تحصد حياة البعض، وإن اقتصر الأمر على ضربات مشروعة ضد مقاتلين وأهداف عسكرية مشروعة أخرى، قد يخضع بعض المسؤولين الأمريكيين الذين يعتبرون مسؤولين عن هذه العمليات إلى ملاحقات ودعاوى قضائية لا تعد ولا تحصى.
تحمي اتفاقية الحصانة السيادية الولايات المتحدة ومسؤوليها وضباطها العسكريين كما تحمي أي دولة أخرى في العالم. وبالفعل، يصعب التخيل أن ثمة دولة أخرى أكثر تعرضًا لحلقة مفرغة من التحديات القانونية والقضايا والدعاوى القضائية والمحاكمات من القوة العظمى الوحيدة المتبقية في العالم. وقد يكون جزء كبير من هذه التحديات غير جدي إلا أن بعضها قد يتخذ صفة قانونية في ظل القانون الداخلي الذي قد يكون نافذًا في دولة محددة.
وعمليًا، قد يستحيل على الأطراف التي مقرّها في الخارج أن تحصل على تعويضات مالية من الحكومة الأمريكية أو مسؤوليها من خلال مثل هذه الدعاوى القضائية. إلا أنه يبدو أن الهدف المتوخى من “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” هو مصادرة الأصول الأجنبية داخل الولايات المتحدة وفقًا للأحكام المناهضة للمدعى عليهم من الأجانب. وثمة دول لن تستطيع أن تضع يدها على الأصول الأمريكية. إلا أن العديد من الدول الأخرى قد تتمكن من القيام بذلك وإن نظريًا على الأقل.
فهل تجرؤ تلك الدول؟ في ظل الظروف الحالية، بالطبع لا تجرؤ. ولكن إن كانت الولايات المتحدة قدوة في هذا المجال، فلم لا؟ وماذا سنقول لو فعلت؟ أنه يحق لنا القيام بذلك ولكن لا يحق للدول الأخرى؟
تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باستخدام حقه في الفيتو لرفض “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” لأنه يشكّل باعتباره خطرًا كبيرًا على قدرة البلاد في انتهاج سياستها الخارجية من دون أن تضطر إلى أن تراعي، وبشكل مستمر، التداعيات القانونية لكل خطوة تتخذها، ومن دون أن يضطر كل مسؤول مدني أو عسكري أن ينظر في احتمال خضوعه للمساءلة القانونية قبل أن يطيع أي تعليمات تهدف إلى اتخاذ إجراءات تخدم المصلحة الوطنية.
يدّعي المسؤولون في البيت الأبيض أن العديد من أعضاء الكونغرس قد أيّدوا سرًا المخاوف التي تساور الرئيس والمتعلقة بالتداعيات التي ستترتب على وزارة الدفاع والدبلوماسية الأمريكية إن بادرت الدولة بإلغاء مبدأ الحصانة السيادية، وفتحت الباب أمام المحاكمات التي ستطال الحكومة الأمريكية ومسؤوليها. وما على الأمريكيين بأجمعهم إلا أن يأملوا أن يصحّ هذا الادعاء وأن تسود الحكمة في حال إجراء أي اقتراع لإلغاء الفيتو الرئاسي المرتقب.
ولكن، ونظرًا للصدى العاطفي الناتج عن اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر، لاسيما في الذكرى الـ15 للاعتداءات هذا الأسبوع، يلوح في الأفق خطر يتمثل بقيام عدد كاف من أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ بالتصويت على قرار إلغاء الفيتو الرئاسي ليتجنبوا أن يشرحوا لناخبيهم لماذا “حرموا” عائلات ضحايا الاعتداءات من العدالة. إلا أن المشكلة السياسية العظمى التي يطرحها “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” تكمن في أن نيل أسر ضحايا اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر العدالة اقتراح بسيط يسهل فهمه ويستحيل على أحد أن يعارضه. لا تقتصر المشكلة في هذا القانون على حقيقة أنه قد يتسبب في فرض ضغوطات إضافية على حليف حيوي لنا في الشرق الأوسط نعتمد عليه في صراعنا ضد الجماعات الإرهابية كتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وتنظيم “القاعدة” وفي الحد من النفوذ المهلك لإيران وحلفائها كـ”حزب الله”، بالرغم من أنه سيقوم بذلك بلا شك.
لا بل تتمثّل المشكلة الكبرى التي تنبثق عن “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” في الخسائر المحتملة التي قد تقضي على قدرة الولايات المتحدة على المضي قدمًا في انتهاج سياستها الخارجية من دون أن تخشى أن يمتثل مسؤولوها أمام المحاكم ليدافعوا عن أنفسهم بشكل مستمر. وعند النظر في هذا القانون، يميل تفكير الشعب وأعضاء الكونغرس وكلامهم إلى الاقتصار على تأمين ضمانات تهدف إلى محاسبة المسؤولين الأجانب المتورطين في مقتل الأمريكيين الأبرياء عبر امتثالهم أمام محاكم مستقيمة ونزيهة في الولايات المتحدة. فيصعب كثيرًا على الشعب الأمريكي أن يقدّر حجم المحاكمات والدعاوى القضائية كافة التي تنتظر الحكومة الأمريكية وممثليها في العالم بأسره إن بادرت الولايات المتحدة بإبطال مبدأ الحصانة السيادية الذي حمى هذه البلاد بطرق شتى أكثر من أي مبدأ آخر لفترة طويلة من الزمن.
وليس بالضرورة أن تقتصر التداعيات على اتهام المسؤولين الأمريكيين بالقيام بأعمال إرهابية نظرًا لقيامهم بأنشطة استخباراتية وعسكرية. فعند إبطال مبدأ الحصانة السيادية، من المحتمل أن تتكبد الحكومات ومسؤوليها مسؤولية خرق أي قانون تزعم أي سلطة قضائية أخرى أنه قد انتهك.
ثمة استعارة مألوفة تلخّص علاقة “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب” الفعلية بالأمن والدبلوماسية الأمريكية: هذا القانون بمثابة صندوق باندورا يخطف الأنفاس عند رؤيته للمرة الأولى ليكشف في ما بعد عن حلقة مفرغة من الكوابيس المرعبة. فإن قام الكونغرس بإلغاء الفيتو الرئاسي، سيندم الأمريكييون لعقود من الزمن.