ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الوقت الذي تستعد فيه واشنطن وبغداد لإجراء حوار استراتيجي لبحث مستقبل وجود القوات الأمريكية في العراق، وغير ذلك من القضايا، ترسل طهران إشارات متضاربة. طالب الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في الأول من أبريل/نيسان رسميًا بانسحاب الجيش الأمريكي من العراق، امتثالاً لتصويت البرلمان العراقي في 5 يناير/كانون الثاني، وتنبأ المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في 17 مايو/أيار “بأن الأمريكيين لن يبقوا في سوريا أو العراق، ولا شك أنه سيتم إخراجهم”. ومع ذلك، يبدو أن هنالك ضباطًا بارزين في فيلق القدس، التابع لحرس الثورة الإسلامية، يعتقدون أن استمرار الوجود العسكري الأمريكي قد يكون مفيدًا. فما هو المسوغ المنطقي وراء إشارات طهران المتضاربة هذه؟
في حين قد يكون هدف طهران على المدى الطويل هو طرد جميع القوى العظمى من الشرق الأوسط، إلا أن الجمهورية الإسلامية مستفيدة، على المدى القصير، من الوجود الأمريكي في العراق. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوجود العسكري الأمريكي في العراق يوفر لفيلق القدس وحلفائه العراقيين ووكلائه حججاً وجيهةً وأهدافًا محتملة، وكلاهما قد يكون مفيدًا في الأوقات التي تشتد فيها التوترات بين واشنطن وطهران.
في 13 أبريل/نيسان، وقبل تصويت مجلس النواب العراقي بمنح الثقة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قال حسن دانيفار، أحد ضباط فيلق القدس والسفير السابق في بغداد، مستخدماً عبارات حذرة في مقابلة مع وكالة تسنيم للأنباء، “الاتفاق لم يساعد الأمريكيين على تحقيق أهدافهم، ويواجه تحديًا جدياً من قبل الجمهور العراقي…”، كما زعم دانيفار أن الولايات المتحدة تحاول “تقليص البعد العسكري” للحوار الاستراتيجي، والتركيز على البعدين الاقتصادي والسياسي بدلاً منه. وفي تعليقه على الانسحاب العسكري الأمريكي المحتمل، قال دانيفار إن ذلك سوف يتم، ولكن “ليس من الحكمة التنبؤ بموعد [الانسحاب] على وجه الدقة”، وأضاف قائلًا بأن “الأمريكيين سوف يغادرون العراق في أقل من عامين”. من المحتمل أن يكون دانيفار قد أدلى بهذا التنبؤ للإشارة إلى موافقة طهران الضمنية على استمرار الوجود العسكري الأمريكي لمدة تصل إلى عامين.
وفي تصريح يشوبه الحذر في 18 أبريل/نيسان، تحدث حسن كاظمي قمي، وهو أيضًا ضابط في فيلق القدس وسفير سابق في بغداد، عن إمكانية وجود دور حميد للولايات المتحدة في العراق، حيث قال “لن يكون هناك حوار استراتيجي ما لم يسع الأمريكيون إلى وجودٍ حميد في العراق”. ومثل هذا الوجود الحميد لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تخلت الولايات المتحدة عن “أهدافها غير المشروعة”، مثل حل قوات الحشد الشعبي. وخلص قمي إلى أن “الطبيعة العدوانية” للولايات المتحدة لن تسمح لها بالاستمرار في وجودٍ حميد في العراق، وأردف بتهديدٍ مبطن، “إذا تجاهل الأمريكيون مبدأ إخراج قواتهم من العراق، فقد يستخدم العراقيون أي وسيلة لإخراجهم من بلادهم”. قد تنقل تصريحات قمي المبهمة هذه رسالة إلى واشنطن مفادها ما لم تسع الولايات المتحدة بشكل فعّال إلى حل قوات الحشد الشعبي، وهو خط أحمر لطهران، فإن فيلق القدس لن يعترض على استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق لبعض الوقت على الأقل.
بالإضافة إلى النقاش حول طول فترة التواجد العسكري الأمريكي في العراق وقوات الحشد الشعبي، يعمل إيرج مسجدي، السفير الحالي في بغداد والضابط السابق في فيلق القدس، على حماية صادرات إيران من الكهرباء إلى العراق وتوسيعها. في السابع من مايو/أيار، مددت الولايات المتحدة الفترة المحددة لاستغناء العراق عن الكهرباء المستوردة من إيران إلى 120 يوماً. ويعمل التهديد المستمر بإعادة فرض العقوبات على إيران على إقناع حكومة بغداد بتنويع مواردها الكهربائية. ويقر مسجدي بأن “الولايات المتحدة قد مارست ضغوطًا شديدة على العراق في محاولة لحرمان العراق من الطاقة الكهربائية التي يستوردها من إيران”، ولكنه يعتقد أن هذه الجهود ستبقى “دون جدوى”. إن مسجدي لا يقول ذلك، ولكن لو لم يكن للولايات المتحدة وجود عسكري في العراق، فلربما كانت أقل حساسية للصعوبات التي تواجه الحكومة العراقية ولربما فرضت عقوبات على العراق.
ومن المواضيع المحتملة الأخرى على طاولة الحوار الاستراتيجي، تدفق الدولارات الأمريكية إلى إيران عن طريق العراق. طالما سعت الجمهورية الإسلامية إلى استخدام العراق كوسيلة للتجارة والتهرب من العقوبات، الرسمية منها أو السرية، بما في ذلك تهريب النفط ومنتجاته. ومع ذلك، وفي ظل حملة “الضغوط القصوى” للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أصبحت السوق العراقية أكثر حيويةً بالنسبة لطهران. ولكونها حليفًا مسؤولًا وشريكًا للعراق، ونظرًا لاستمرار الجيش الأمريكي في القتال ضد المنظمات الإرهابية، فقد بذلت الولايات المتحدة جهودًا كبيرة من أجل استقرار الحكومة المركزية في بغداد، حتى وإن كان ذلك على حساب أهداف سياسية أخرى، مثل حملة الضغوط القصوى ضد إيران. ولولا وجودها العسكري في العراق، لكان من المحتمل أن تتخذ الولايات المتحدة تدابير أقوى للحد من تدفق الدولارات إلى الاقتصاد الإيراني.
وأخيرًا، فإنه لم يبق لفيلق القدس وحلفائه أهداف عسكرية. ومع انهيار أسواق النفط، يتوجب على حرس الثورة الإسلامية البحث عن أهداف أخرى غير الشحن الدولي لجذب اهتمام واشنطن. لذلك فليس من المستغرب أن نجد حلفاء الجمهورية الإسلامية ووكلاءها في العراق يعيدون التركيز الآن على الجيش الأمريكي في العراق. ولربما توصلت طهران إلى استنتاج يفيد بأنه من الحكمة الإبقاء على الولايات المتحدة قريبة، وفي متناول فيلق القدس.