خمس سنوات مرت منذ الإعلان عن رؤية 2030، خارطة طريق المملكة العربية السعودية لاقتصاد ما بعد النفط. في أبريل/نيسان، وإحياءً لهذه المناسبة، تناول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلة مستفيضة المخاوف الاقتصادية للجمهور السعودي. وفي مقابلاتٍ لاحقة، شدد الوزراء والمسؤولون السعوديون كذلك على أهمية الرؤية، وسلطوا الضوء على الأهداف التي تم إنجازها حتى الآن. وفي حين يدرك المسؤولون السعوديون العقبات التي شكلتها جائحة فيروس كورونا، فقد أكدوا على الإصلاحات التي من شأنها أن تعود بالفائدة على المواطنين السعوديين وتحسن مستوى معيشتهم. إن تواصل الحكومة مع الجمهور في هذه المرحلة من التحول الاقتصادي يعد إدراكاً للصعوبات التي فرضتها خطط التنويع وإجراءات التقشف على الشعب السعودي، وهو في الوقت ذاته نداءٌ لمواصلة الدعم الشعبي.
تركيز مقابلة محمد بن سلمان، التي تمت متابعتها على نطاق واسع، على الاقتصاد السعودي، يوضح الوعي بالصعوبات الاقتصادية التي تواجه السعوديين اليوم. وفي حين تطرق ولي العهد للبطالة، ذكر كذلك أن 50٪ من السعوديين العاملين لديهم “وظائف سيئة” بالكاد تغطي نفقات معيشتهم. علاوة على ذلك، أصر على أنه ينبغي إعادة النظر في الزيادة التي طرأت على ضريبة القيمة المضافة من 5٪ إلى 15٪ خلال السنوات الخمس المقبلة عندما يتحسن الوضع الاقتصادي. كان تركيز محمد بن سلمان على الاقتصاد، وخاصة بالنسبة للسعوديين المثقلين حاليًا بما فرضته الحكومة من أعباء التقشف المالي والوظائف المنخفضة الأجر، يهدف لإظهار نهج مستنير ومتجاوب مع الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها السعوديون، والتي تعهد بأنها ستكون مؤقتة. في الوقت نفسه، أظهر الإنفاق الحكومي خلال جائحة فيروس كورونا، وخاصة استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على حصص في الشركات العالمية المتعثرة، في الوقت الذي رفعت فيه الحكومة ضريبة القيمة المضافة، درجة من الانفصال عن حقائق الاقتصاد على أرض الواقع.
في مايو/أيار، عقد أربعة وزراء، يترأسون لجانًا مختلفة من برامج رؤية 2030، مؤتمرًا صحفيًا لإحياء الذكرى السنوية الخامسة لانطلاق الرؤية. تمت دعوة الإعلاميين لطرح الأسئلة على الوزراء، والتي تركزت بشكل أساسي على الاقتصاد والإنفاق الحكومي. حاول أحمد الخطيب، وزير السياحة ورئيس برنامج جودة الحياة – إحدى اللجان المكلفة بتنفيذ رؤية 2030 – تبرير زيادة الإنفاق الحكومي على الترفيه والسياحة على الرغم من إجراءات التقشف التي فرضتها المملكة، حيث خصصت السعودية 810 مليارات دولار لتطوير العديد من المشاريع العملاقة في قطاع السياحة على مدى السنوات العديدة القادمة. وأشار إلى أن مثل هذا الإنفاق ما هو إلا إجراء “مرحلي” لتحفيز نمو القطاع الخاص في مجالات السياحة والترفيه، الأمر الذي سيقلل، في نهاية المطاف، من الحاجة للإنفاق الحكومي. وأشار الخطيب كذلك إلى تراجع السفر إلى خارج المملكة بنسبة 30٪ في عام 2019، وذكر أن ذلك مؤشراً على الجهود الحكومية، التي سبقت الجائحة، لتعزيز السياحة الداخلية. على الرغم من غزارة إنفاق القيادة السعودية من أجل تطوير صناعة السياحة، إلا أن السياح السعوديين الذين يسافرون عبر المملكة قد اشتكوا من انعدام البنية التحتية المناسبة وارتفاع الأسعار وتدني مستوى الفنادق. كما قال الخطيب إن 400 ألف سائح أجنبي قدموا لزيارة المملكة في غضون أربعة أشهر من إطلاق خدمة التأشيرة الإلكترونية في عام 2019، على الرغم من أنه لم يميّز في حديثه بين السياحة العادية والسياحة الدينية.
أعاقت جائحة فيروس كورونا خطط السعودية الطموحة لجذب السياح الأجانب. ومع ذلك، حققت الهيئة السعودية للسياحة نجاحًا في جذب السعوديين والمقيمين الأجانب من خلال مبادرات مثل مبادرة “صيف السعودية” التي استفادت من المناخ البارد في المنطقة الجنوبية. في عام 2020، بدأت الهيئة في تسيير رحلات بحرية فاخرة في ساحل البحر الأحمر بين جدة ومدينة نيوم، إحدى أبرز مشروعات رؤية 2030. ومع ذلك، فقد واجهت مثل هذه الخطط الجريئة بعض التحديات لأنه كان من الصعب الحفاظ على بيئة خالية من العدوى في خِضم الجائحة. لكن الجائحة لم تقف عائقاً أمام توسع السعودية في سوق الرحلات البحرية. حيث استحوذ صندوق الاستثمارات العامة على حصة بمقدار 8.2٪ من شركة كارنفال ((Carnival Corporation المتضررة بفعل فيروس كورونا في ربيع عام 2020. في يناير/كانون الثاني 2021، أطلق الصندوق شركة كروز السعودية ((Cruise Saudi لتطوير صناعة الرحلات البحرية المحلية، وقد دخلت المؤسسة بالفعل في شراكة مع خط رحلات بحرية، مقره سويسرا، لتوسيع الطرق للعقبة في الأردن والأقصر في مصر، وهي أبرز الوجهات السياحية في المنطقة.
ركزت تصريحات الخطيب خلال المؤتمر الصحفي على المشاريع الراقية في قطاعي السياحة والترفيه. لكنه لم يستطرد في توضيح إمكانية توفير المزيد من الخيارات بأسعار معقولة للطبقة المتوسطة وذوي الدخل المحدود، حيث تستهدف أغلب المشاريع الترفيهية والسياحية فئة محددة بسبب التكاليف وأنواع الفعاليات التي يتم الترويج لها. لذلك دفع ارتفاع أسعار المطاعم والفنادق السعوديين للتذمر على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أكد البعض أن السفر إلى الخارج قد يكون أرخص من قضاء الإجازة داخل الوطن. وفي حين تطورت السياحة الداخلية بالفعل في عام 2020، أقر المسؤولون الحكوميون بأن القيود المفروضة على السفر الدولي كانت السبب الرئيسي لهذه الزيادة.
تحدث كلٌ من ماجد القصبي، وزير التجارة والاستثمار، وخالد الفالح وزير الاستثمار خلال المؤتمر الصحفي عن الإصلاح الاقتصادي واستراتيجية الاستثمار في السعودية. وأصر القصبي على أنه لا ينبغي التطرق للإصلاحات الرئيسية بمعزل عن غيرها، بل يجب النظر إليها في سياق سرعة تنفيذها ومدى تأثيرها. وأكد الفالح أن الاستثمار الأجنبي ارتفع بنسبة 10٪ عام 2020، حيث بلغ عدد تراخيص الاستثمار الأجنبية التي تم إصدارها 1200 رخصة، وهذا يفوق عددها في السنوات السابقة (1131 رخصة عام 2019، و736 رخصة عام 2018، و377 رخصة عام 2017). وفي حين تراجع الاهتمام الأجنبي بالاستثمار في السعودية في عام 2018، إلا أنه ارتفع مجددًا في عام 2019، لا سيما في مجال التكنولوجيا والترفيه. ومع ذلك، فإن تزايد المنافسة الإقليمية والتفاوت في سياسات الدول الخليجية، كما يتضح من الانقسام الأخير بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي، قد يشكل رادعًا للراغبين في الاستثمار.
أكد الوزراء والمسؤولون السعوديون على أهمية تعافي أسعار النفط من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للسعوديين وتخفيف بعض إجراءات التقشف التي فرضتها الحكومة. أقر ولي العهد، أثناء مقابلته، باستمرارية مركزية عائدات النفط، قائلاً، “هناك تصور خاطئ بأن المملكة العربية السعودية ترغب في التخلص من النفط”. يبدو أن مثل هذه التصريحات تمثل محاولة للتراجع عن تعقيب سابق في عام 2016 مفاده أنه إذا اختفت عائدات النفط بحلول عام 2020، فسيكون السعوديون قادرين على “العيش من دون النفط”. وكرر محمد الجدعان، وزير المالية ورئيس برنامج تطوير القطاع المالي في رؤية 2030، التأكيد على أنه سيتم تخفيض ضريبة القيمة المضافة حالما تتعافى أسعار النفط. يبدو أن الوعد بتخفيض نسبة ضريبة القيمة المضافة هو إدراك بمدى السلبية التي تلقى بها الجمهور مثل هذه الإجراءات التقشفية، في حين أن ربطها بتعافي أسعار النفط يؤكد كذلك على أهمية النفط المستمرة للاقتصاد.
بعد مقابلة ولي العهد، وما صاحبها من تواصل إعلامي، قام برنامج التحول الوطني في السعودية، والذي كان له دور محوري في تنفيذ رؤية 2030، بإصدار الفيلم الوثائقي “رحلة التحول” في يونيو/حزيران. يهدف الفيلم الوثائقي لإثبات التقدم الذي تم إحرازه في رؤية 2030 والحفاظ على الحماس الجماهيري. تضمن الفيلم مقابلات مع عدد من الوزراء السعوديين ومسؤولي البرامج المختلفة التي تشكل جزءًا من الرؤية. قارن الأشخاص الذين تمت مقابلتهم التحول الراهن مع النظام البيروقراطي الذي كان سائدًا من خلال تعليقات كان يبدو أنها تهدف إلى توضيح تقدم المملكة، وتسليط الأضواء على الإنجازات، التي أكدوا أنها عادت بالنفع على المواطنين السعوديين على وجه التحديد.
يبدو أن الحياة تعود تدريجيًا إلى ما كانت عليه قبل الجائحة، في الوقت الذي يقيّم فيه السعوديون رؤية 2030 في الذكرى الخامسة لانطلاقتها، الأمر الذي يوفر فرصة للنظر إلى الإصلاحات ومدى تأثيرها. اليوم، تلقى أكثر من 40٪ من السكان الجرعة الأولى على الأقل من لقاح فيروس كورونا. في مايو/أيار، فتحت المملكة حدودها للسعوديين والأجانب الذين تم تطعيمهم بعد إغلاقها لأكثر من عام. إضافة إلى طموح المملكة في جذب السياح الأجانب، فقد علقت السعودية آمالاً كبيرة على السياحة الدينية، التي تسهم بنسبة 2.7٪ من إجمالي الناتج المحلي للمملكة. ومع ذلك، فإن موسم الحج، الذي يبدأ في يوليو/تموز، سوف يقتصر على السعوديين والمقيمين الأجانب للعام الثاني على التوالي. وأعلنت السلطات عن زيادة الطاقة الاستيعابية إلى 60 ألف حاج بدلًا من حد الألف حاج لعام 2020. في يونيو/حزيران، أعلنت وزارة الحج عن ثلاث باقات للحجاج تتراوح كل منها ما بين 3200 دولار إلى 4400 دولار، تتفاوت حسب الإقامة ووسائل الراحة والخدمات المقدمة. ولا تشمل هذه الأسعار ضريبة القيمة المضافة التي ستضاف إلى هذه الباقات. وقد أثار ارتفاع الأسعار، مع إضافة 15٪ ضريبة القيمة المضافة، انتقادات بعض السعوديين على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الأسابيع الأخيرة، بدأ قطاع الترفيه، وهو مصدر مهم للإيرادات غير النفطية، في تكثيف نشاطاته للأشخاص الذين تم تلقيحهم بعد الإغلاقات المتكررة بسبب الإجراءات الاحترازية لوزارة الصحة. قامت الهيئة العامة للترفيه بحملة واسعة للإعلان عن عودتها من خلال الترويج لفعاليات من شأنها، حسب شعارها العربي، “نعوضك السنتين الماضية”. في الوقت نفسه، إن الواقع الاجتماعي والاقتصادي بعد الجائحة، والذي يشهد زيادة النفقات المعيشية الأساسية (مثل أسعار الوقود)، وتأثير ضريبة القيمة المضافة وعملية الخصخصة المتواصلة، قد يردع العديد من السعوديين عن الإنفاق خلال هذه الأوقات الصعبة.
الآن، وكما يبدو أن الجائحة قد شارفت على الانتهاء، استخدمت الحكومة السعودية الذكرى السنوية الخامسة للاحتفاء بما تراه تقدمًا تم إحرازه في الوصول إلى بعض الأهداف الطموحة التي تجسدها رؤية 2030، مع السعي في الوقت نفسه لتجديد الاهتمام الشعبي بتحقيق بقية الأهداف. والقيادة السعودية لا تنكر الصعوبات الاقتصادية التي يعاني منها الكثيرون. إن الهدف من التواصل مع السعوديين من خلال المقابلات والأفلام الوثائقية – المعززة بالبيانات لدعم الآراء الفردية التي يتم التعبير عنها – هو طمأنة السكان باستمرارية الجهود الحكومية. ومع ذلك، فإن تأكيد القيادة السعودية على أن سياسات التقشف وتدني أجور الوظائف هو أمر مؤقت فقط لن يكون مقنعًا، ما لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لرفع مستوى الظروف المعيشية لتلك الشريحة الكبيرة من السكان السعوديين، التي غالبًا ما يتم نسيانها أثناء التخطيط لمشاريع المملكة الكبرى. سيكون تحقيق هذا التحسن في الظروف المعيشية أحد التحديات التي تواجه السعودية في مستهل السنوات الخمس القادمة من رؤية 2030.