ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
“هذه المقالة هي جزء من سلسلة حول المقاتلين الشيعة الأجانب المدعومين إيرانيًّا وتأثيرهم المحتمل على ديناميكيات الأمن الإقليمي.
الحرب الأهلية الفظيعة التي عصفت بالعراق ما بين كانون الثاني 2014 وكانون الأول 2017 والقتال بين العراقيين والدولة الإسلامية في العراق والشام قد أودت بحياة عشرات الآلاف من العراقيين. من ناحية أخرى، فإن الحرس الثوري الإيراني الذي شارك في المواجهة ضد داعش لم يضيع أبدًا أي فرصة ليعزو الهزيمة للسلطات العراقية، ما استفز تلك السلطات، ولم يتكبد سوى 43 قتيلاً في مجمل الحرب الأهلية. هل يشير العدد المنخفض لخسائر الحرس الثوري الإيراني في العراق إلى الانتشار المحدود لتلك القوات، وبالتالي إلى انعدام المصلحة الاستراتيجية في هذا البلد المجاور؟ إن دراسة مكثفة للعدد القليل من المواطنين الإيرانيين الذين سقطوا في القتال في العراق يشير إلى غير ذلك: بالتأكيد لم يكن العراق ذي أهمية استراتيجية أقل بالنسبة لطهران، لكن الاختلافات بين تجمع المتطوعين في جبهة القتال في سوريا والعراق أسفرت عن حضور محدود للحرس الوطني الإيراني، وبالتالي القليل من الخسائر في العراق.
بشكل إجمالي، حددت بعض المواد المفتوحة المصدر أن 561 مواطنًا إيرانيًّا سقطوا أثناء القتال في سوريا من كانون الثاني 2012 إلى تشرين الأول 2018. وفي العراق، هناك إشارة إلى أن 43 مواطنًا إيرانيًّا فقط سقطوا في القتال من نيسان 2014 إلى تشرين الأول 2017. وفي حين تحدد المواد المفتوحة المصدر ما مجموعه 2,294 قتيلاً من الأفغان واللبنانيين والباكستانيين أثناء القتال في سوريا، لم تذكر التقارير وجود قتلى من الشيعة الأجانب تقريبًا من غير العراقيين وغير الإيرانيين سقطوا في القتال في العراق – ثلاثة باكستانيين فقط من أعضاء لواء زينبيون قتلوا في العراق عام 2014.
الفارق الكبير في نمط خسائر المقاتلين الأجانب الشيعة في سوريا والعراق أمر مفهوم. في سوريا، ضعفت قوات الرئيس بشار الأسد، وكان الحرس الثوري الإيراني بحاجة إلى قوة بشرية ومتطوعين للجبهة. وفي العراق، من جهة أخرى، تم تنظيم القوات العسكرية والأمنية التابعة للحكومة العراقية، وقوات البشمركة الكردية، ومقاتلين شيعة من الشباب العراقيين تحت مظلة قوات الحشد الشعبي، التي ألحقت هزيمة حقيقية بداعش، ودفعتها للخروج من آخر معاقلها الرئيسية في العراق بحلول نهاية عام 2017.
المزيد من التحقيق في بنية رتب القتلى الإيرانيين يعزز الاستنتاج التالي: في سوريا، كان هناك 145 ضابطًا بين خسائر الحرس الثوري الإيراني البالغ عددهم 561. في العراق، كان هناك 18 ضابطًا من بين القتلى الـ 43 للحرس الثوري الإيراني. بعبارة أخرى، في سوريا، تعكس الخسائر الإيرانية إلى حد ما طبيعة القوات المنتشرة، قام الحرس الثوري الإيراني بنشر عدد أكبر نسبيًا من الجنود والأفراد في الدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد. في العراق، قام الحرس الثوري الإيراني بنشر عدد أكبر نسبيًا من الضباط لقيادة المتطوعين العراقيين في الجبهة، ويشار إلى العديد منهم على وجه الخصوص كضباط في الحرس الثوري الإيراني المعارين إلى الميليشيات العراقية. ومن بين هؤلاء الأفراد جواد هُسنوي (المعروف أيضًا باسم جهاني) المعار إلى ميليشيا سرايا الخراساني، ومحمد هادي ذو الفقاري، وأحمد قنبري، وعلي خوشلسان، وجميعهم كانوا معارين لدى قوات الحشد الشعبي العراقية، ووحيد نومي غولزار، المعار لميليشيا عصائب أهل الحق.
من بين الأسئلة ذات الصلة، كيف يمكن لضباط الحرس الثوري الإيراني، الذين يتحدث معظمهم الفارسية، أن يتواصلوا مع أعضاء الميليشيات الشيعية العراقية الذين هم تحت قيادتهم ويتحدثون اللغة العربية بشكل أساسي. إن مكان ولادة المواطنين الإيرانيين الذين قُتلوا في المعارك في العراق يقدم بعض الرؤى في هذا: مواطنو الأقاليم الغربية، وبالأخص متعددو اللغات (الفارسية والكردية والعربية) من خوزستان وكرمانشاه، نسبتهم عالية جدًا ضمن إحصائيات القتلى الإيرانيين في العراق، الأمر الذي يشير إلى التمكن من اللغات المستخدمة في العراق كان من ضمن المعايير التي استخدمها الحرس الثوري الإيراني لاختيار الجنود للخدمة في العراق.
المواطنون الإيرانيون الذين قتلوا خلال المعارك في العراق ومكان ولادتهم، من نيسان 2014 – تشرين الأول 2017
تم استقاء البيانات من العديد من المصادر المفتوحة
يبدو أن الخدمة في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني العامل وراء الحدود كانت بمثابة معيار آخر للاختيار. أفادت التقارير أن 10 أشخاص من أصل 43 من قتلى المعارك من الحرس الثوري الإيراني في العراق كانوا قد خدموا في فيلق القدس، وهو الفرع الذي لا يتم في العادة الإبلاغ عن خسائر منتسبيه، كما أنه من المحتمل جدًّا أن يكون العديد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني الـ 25 الذين لم يتم تحديد فرع خدمتهم قد خدموا أيضًا في فيلق القدس. بعبارة أخرى، يبدو أن الحرس الثوري الإيراني قد نشر قوات عمليات خاصة في العراق لقيادة العراقيين بدلاً من القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، التي يبدو أن وجودها في سوريا أكثر وضوحًا.
المواطنون الإيرانيون الذين قتلوا خلال المعارك في العراق حسب فرع خدمتهم في الحرس الثوري الإيراني، من نيسان 2014 – تشرين الأول 2017
تم استقاء هذه البيانات من العديد من المصادر المفتوحة
لذلك، لا ينبغي تفسير المشاركة العسكرية المحدودة للجمهورية الإسلامية في العراق على أنها مؤشر على قلة اهتمام طهران بالشؤون العراقية. بل تعكس الاحتياجات المختلفة لوكلاء الحرس الثوري الإيراني في ساحات منفصلة.