ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد استقبل في يوليو/تموز كلاً من رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الجديد محمد بن زايد آل نهيان، وولي عهد المملكة العربية السعودية محمد بن سلمان. بعد عدة أشهر من الغضب الشديد ضد الحكومة الفرنسية بسبب علاقاتها مع زعماء الشرق الأوسط الأقوياء، لا سيما الموافقة على صفقات الأسلحة على خلفية حرب اليمن، فإن هذا التواجد الخليجي في قصر الإليزيه قد يبدو مفاجئًا. لماذا الآن؟ وماذا كان مدرجًا في جول الأعمال؟ وماذا يعني كل هذا؟
يُعرف عن الفرنسيين أنهم يأخذون أجازة طويلة في الصيف، ويستعيدون طاقتهم لبداية العام الدراسي في سبتمبر/أيلول. هل حاول رئيسهم توظيف ذلك لصالحه، والمراهنة أيضًا على تعاقب الأخبار الصاخبة حول أوكرانيا وأسعار الطاقة، وما إلى ذلك، آملا أن تمضي زيارات قادة الخليج دون أن تجذب الانتباه، وتكون ردود الأفعال ضدها أقل؟ على الرغم من أن الزيارات تم وصفها من قبل البعض بـ”الكتومة الحذرة” إلا أنها لم تكن بعيدة عن الأضواء بما يكفي للإيحاء بأن ماكرون كان يسعى لتجنب جذب الانتباه لها. في المقابل، ما بين زيارة محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، استقبل ماكرون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ولم تكن هذه الزيارة مدرجة أصلا على أجندة الرئيس الفرنسي الرسمية. في الواقع هناك المزيد عن توقيت الزيارات الخليجية، ولا سيما ما يتعلق بزيارة محمد بن زايد – الذي بسط له ماكرون السجاد الأحمر.
جاءت زيارة محمد بن زايد مباشرة بعد تزامن انتخاب ماكرون رئيسًا لفرنسا واختيار محمد بن زايد لرئاسة دولة الإمارات. وقد وفر ذلك فرصة فريدة للزعيمين للتأكيد على علاقتهما المميزة. ويشكل اختيار محمد بن زايد لفرنسا لتكون أولى زياراته الخارجية كرئيس إشارة قوية على الأولوية المعطاة لتنمية العلاقات مع هذا الشريك الدولي. وفي ذلك تذكير أن رئيسي الدولتين، اللذين يشتركان في أسلوب القيادة المتسم بالشخصية المفرطة والمركزية في الوقت ذاته، يشتركان أيضًا بشكل واضح في رؤية مشتركة لمزايا وفرص عالم متعدد الأقطاب. لقد رحبت دول الخليج بإعادة انتخاب ماكرون. لذا، حسب وجهة نظرها، فإن توقيت هذه الزيارات يرجع لتأثير ماكرون. ومن وجهة النظر الفرنسية، فإن عوامل أخرى جعلت هذه الزيارات ذات إشكالية أقل.
وبينما تم الاحتفال بزيارة محمد بن زايد بدرجة كبيرة، فإن زيارة محمد بن سلمان قد أثارت بعض الإشكاليات في باريس. ففي وسائل الإعلام الفرنسية، تم تقديم زيارة محمد بن زايد بعبارات إيجابية بشكل عام، مع مجرد ذكر أن لدولة الإمارات العديد من المشاكل المماثلة للسعودية فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان. بالنسبة لزيارة محمد بن سلمان، فقد ألقت وسائل الإعلام الضوء بشكل أكثر وضوحًا على الجدل المتعلق بها، داعية إلى نقاش ما إذا كان استقبال الزعيم السعودي “مقبولاً أخلاقيًا”. قامت منظمتين أجنبيتين غير حكوميتين بتقديم شكوى جنائية في باريس ضد محمد بن سلمان على خلفية مقتل الصحفي في الواشنطن بوست جمال خاشقجي أثناء تواجد ولي العهد في العاصمة الفرنسية. وقبل زيارة محمد بن زايد، كتبت ثلاث منظمات غير حكومية رسالة مفتوحة لماكرون مطالبة إياه بإثارة مسألة الحقوق والحريات في دولة الإمارات، وإيقاف مبيعات الأسلحة للإماراتيين بما ينسجم مع التزامات فرنسا الوطنية والدولية.
ومع ذلك ولعدة أسباب، كان الرئيس الفرنسي واثقًا أنه لن يكون هناك نتائج عكسية لهذه الزيارات، أو أنها على الأقل لن تنال من شعبيته بشكل كبير. بعض هذه العوامل مرتبط بسياسة فرنسا الداخلية. بينما تمت إعادة انتخاب ماكرون في مايو/أيار، أشار بعض المعلقين إلى أنه حقق “نصرًا فارغًا” شوهه بشكل لافت الأداء التاريخي المتطرف لليمين. وإضافة لذلك، كان لا يزال أمامه “اختبار بالغ الأهمية” في انتخابات يوليو/تموز البرلمانية حيث واجه ائتلافه الوسطي تحالفًا قويًا لأقصى اليمين، وأيضًا أول ائتلاف يساري في فرنسا منذ عشرين عامًا. في نهاية الأمر، فشل ائتلاف ماكرون في الحصول على أغلبية مطلقة في البرلمان (وهي المرة الأولى لرئيس فرنسي منتخب حديثًا منذ عشرين عامًا). ومع ذلك، فقد تجنب ما يمكن أن يكون أكثر من “كابوس” له: انتصار الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد، وهو التحالف اليساري الذي بناه جان لوك ميلينشون (Jean-Luc Mélenchon). لو فاز هذا التحالف، فربما اعتبر الرئيس أن من الحكمة تأجيل استضافة الزعيمين الخليجيين، بالنظر إلى أن أصوات ممثلي هذا التحالف في البرلمان هي ضد سياسة ماكرون في” إطراء غرور المستبدين” و”دبلوماسية دفتر الشيكات”.
ربما تكون استضافة الزعيمين الخليجيين مخاطرة محسوبة ضمن سياق سياسي يُعتبر أكثر تسامحًا على الساحة المحلية، وأيضًا على الصعيد الدولي، في ظل الإعلان الأخير عن “الشراكة الاستراتيجية للاتحاد الأوروبي مع دول الخليج”، والتطورات الدولية التي تدفع الدول الأوروبية لإعادة النظر في موقفها الناقد للسعودية ودولة الإمارات. إن العوامل الأخرى التي ساهمت في توقيت هذه الزيارات ترتبط طبعًا بأحداث دولية. ربما يكون وقف إطلاق النار في اليمن قد خفف من الضغط الواقع على القوى الأوروبية للابتعاد عن السعودية ودولة الإمارات (خصوصًا عندما يتعلق الأمر ببيع السلاح لهم). والأكثر أهمية من ذلك هو أن الحرب في أوكرانيا والتأثيرات المتتابعة على المواد الغذائية والطاقة والنظام المالي ربما جعلت الشعب الفرنسي أكثر انفتاحًا على منتجي النفط والغاز في الخليج.
كان الابتعاد عن حديث مبيعات الأسلحة واضحًا في مناقشات ماكرون مع الزعيمين الخليجيين خلال اللقاء الذي تم في منتصف الصيف. في حقيقة الأمر، على الرغم من المخاوف التي أعلنت عنها منظمات المجتمع المدني المتعلقة بكون صفقات السلاح والنفط البنود الوحيدة في جدول الأعمال، لم تذكر أيا من البيانات الصحفية، التي تم نشرها بعد الزيارة، أي شيء يتعلق ببيع المعدات العسكرية. في الحقيقة، لم تُذكر كلمة” دفاع” ولم تظهر في البيان الصحفي الذي أعقب زيارة محمد بن زايد، أما القضايا الأمنية الرئيسية المذكورة في البيان، الذي أعقب زيارة محمد بن سلمان، فهي الطاقة والأمن الغذائي. كان سجل طلبات الأسلحة لدولة لإمارات ممتلئًا بعد زيارة ماكرون الأخيرة لأبوظبي في ديسمبر/كانون الأول 2021. من الناحية الأخرى، يبدو أن الانخفاض المحدود مبيعات الأسلحة الفرنسية وتوريد الأسلحة إلى السعودية في 2020، يشير إلى أن تجارة الأسلحة مع المملكة قد تم تأجيلها ولم تعد أولوية – وهذا اتجاه لا يمكن تأكيده في المرحلة الحالية لأن “التقرير المقدم إلى البرلمان عن تصدير الأسلحة الفرنسية” الذي يصدر عادة في يونيو/حزيران لم يتم نشره بعد.
وبدلاً من ذلك، ومن غير المستغرب، أن تسيطر مواضيع الطاقة على المناقشات خلال الزيارتين. وكما أكد قصر الأليزيه، تسعى باريس إلى تنويع مصادرها من الهيدروكربونات بسبب النزاع في أوكرانيا. وتزداد المخاوف في أوروبا بأن “البيوت ستصبح باردة هذا الشتاء إذا قرر الكرملين استخدام مصادره في الطاقة كسلاح بشكل أكبر”. وتتوقع الحكومة الفرنسية بشكل جلي أن يوافقها الشعب الفرنسي على منح أمن الطاقة الأولوية على حقوق الإنسان. فقد صرحت رئيسة الوزراء الفرنسية اليزابيث بورن قائلة، “لن يفهم الفرنسيون إذا لم نتحدث بالتحديد إلى الدول المنتجة للنفط”.
كانت الزيارات أيضًا فرصة لإعادة التأكيد على الشراكة الأوسع بين فرنسا والدولتين الخليجيتين، ولا سيما الاعتماد على التعاون النامي بين مجتمعات الأعمال والعلاقات التجارية المتزايدة التي تتجاوز النفط والسلاح. مؤخرًا، حققت الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الفرنسية نجاحًا، خاصة في منطقة الخليج، ولا سيما في بيع منتجات الصناعات الصحية وصناعات تجهيز الأغذية. من بين المواضيع الأخرى، والتي تصدرت جدول أعمال العلاقات الفرنسية–الإماراتية، كانت الإجراءات المتعلقة بالمناخ والتعليم.
وبينما أظهرت هذه الزيارات في منتصف الصيف تأكيدًا واضحًا على أن العلاقات الفرنسية–الخليجية تبوأت مركز الصدارة، إلا أنه يمكن فهمها في سياق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كان ذلك بدرجة طفيفة. جاءت زيارات الزعيمين الخليجيين لباريس مباشرة بعد زيارة الرئيس جو بايدن إلى الشرق الأوسط. يمكن بالفعل النظر إلى المناقشات المتعلقة بالطاقة بين فرنسا ومنتجي الهيدروكربونات في الخليج على اعتبار أنها إعلان بالاستقلالية موجه لواشنطن من كل الجهات ذات الشأن. فيما يخص أبوظبي والرياض، أشارت آن جادل (Anne Gadel)، عضو مرصد شمال أفريقيا والشرق الأوسط في مؤسسة جان جوريس (Fondation Jean-Jaures) في باريس إلى أنها “غير متعجلة في الاستجابة لمطالب الولايات المتحدة بأي ثمن”. وبالنسبة لباريس، قد تكون أيضًا طريقة لتنويع الخيارات تتخطى الفكرة المطروحة للأوروبيين للتحول للغاز الأمريكي كبديل عن الغاز الروسي. هذه الرسالة للولايات المتحدة ليست بالضرورة رسالة تحدّ، ولكنها قد تكون أكثر في إطار الحزم. إنها تمثل طريقًا مستمرًا لتعزيز بيئة متعددة الأطراف يكون للدول فيها خيارات أكثر من الاختيار بين الاصطفاف مع أو ضد الولايات المتحدة. وأشار جين–لوب سمعان (Jean-Loup Samaan)، وهو كبير باحثين في معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية، إلى أن فرنسا، بالتالي، تقود استراتيجية القوة المتوسطة التي تمتلك القدرة على حماية الشركاء الخليجيين من الوقوع في “مصيدة المنافسة الأمريكية–الصينية”. وفي نهاية المطاف، ينسجم تعزيز العلاقات الفرنسية–الخليجية مع طموح هذه الأطراف لتحاشي قيود المنافسة بين الدول العظمى.