الصراع البحري قبالة الساحل اليمني
أنذرت سلسلة الصواريخ التي أُطلقت مؤخرًا بخطر توسّع نطاق الحرب اليمنية لتصل إلى أهم ممر للملاحة في مضيق باب المندب حيث يلتقي البحر الأحمر بالمحيط الهندي. ولقد سُجّلت الضربة الأولى في الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر عندما استهدف هجوم صاروخي سفينةً سريعة ذات هيكل مزدوج كانت الإمارات العربية المتحدة قد استأجرتها من البحرية الأمريكية ويعمل على متنها طاقم معظمهم من الأجانب. وفي حين لا يزال نوع الصاروخ الذي استهدف السفينة مجهولاً، يُرجّح أن يكون صاروخًا مضادًا للسفن مصنوعًا في الصين. وقد كانت هذه الصواريخ مخزنة لدى القوات المسلحة اليمنية قبل ثورة 2011، ومن المحتمل أن تكون قد أُطلقت على يد عدد من البحّارة الموالين للرئيس السابق علي عبدالله صالح. ومن الممكن أيضًا أن تكون هذه الصواريخ – المماثلة للصواريخ التي أطلقها “حزب الله” عام 2006 لإغراق سفينة إسرائيلية – مقدّمة من إيران إلى الميليشيات الحوثية التي أطلقتها.
بغض النظر عن هوية الطرف الذي أطلق الصاروخ، استهدف هذا الأخير سفينة مدنية في خطوط الملاحة الدولية فيما كانت السفينة مزوّدة بأداة تعقّب كاشفة كما تقتضي متطلبات الملاحة المدنية. ويُذكر أن البحرية الأمريكية فحصت السفينة ذات الهيكل المزدوج ورفضت في النهاية استخدامها بسبب افتقارها إلى تجهيزات الحماية اللازمة، والأضرار الفادحة التي لحقت بالسفينة من جرّاء الضربة الصاروخية هي خير دليل على صحّة هذا القرار. إلا أن أي هجوم على الملاحة المدنية في مثل هذا الموقع الاستراتيجي يشكّل مصدر قلق كبير للولايات المتحدة. ولذا ردّت الولايات المتحدة على ما حصل عبر إرسال المدمّرة “يو أس أس ميسون” والسفينة الحربية “يو أس أس بونس” والمدمّرة “يو أس أس نيتز” إلى المنطقة.
ولا تعتبر عملية نشر السفن هذه تدخلًا في الصراع السعودي-اليمني وإنما رد فعل متوقع تمامًا من الولايات المتحدة على خطر يهدد الملاحة العالمية. وتعتبر هذه الخطوة رد فعل تلقائي أكثر مما تعتبر تغييرًا في مسارها.
بيد أن الحوثيّين (أو حلفائهم) صعّدوا هذا الصراع عبر إطلاق صاروخين على المدمّرتين “ميسون” و”بونس” في التاسع من شهر تشرين الأول/أكتوبر. وفي 12 تشرين الأول/أكتوبر، أُطلق صاروخ آخر على المدمرة “ميسون”، إلا أن الصواريخ الدفاعية على متن السفينتين أوقفت كل الصواريخ المتجهة نحوها. وقد كان هذا الإجراء الدفاعي فعالاً مع أنه كان باهظ الثمن. ولكن سيكون من المستغرب أن تكتفي الولايات المتحدة بدرء المخاطر التي ستحدق بسفنها، وقد كان متوقعًا أن تثأر الولايات المتحدة بشكل من الأشكال بعد الهجمات المتكررة التي طالتها.
وأتى الرد الأمريكي في 13 تشرين الأول/أكتوبر عبر إطلاق ثلاثة صواريخ كروز من نوع “توماهوك” من المدمّرة “نيتز” على منشآت الرادار اليمنية المتمركزة على الساحل والتي ادّعت الحكومة الأمريكية أنها استُخدمت لتوجيه الصواريخ التي أطلقت على المدمّرة “ميسون”. وتجدر الإشارة إلى أن الهدف الذي وقع عليه الاختيار مهم، فمن منظار الولايات المتحدة، تمثّل الهجمات على محطات الرادار البعيدة ردًّا مناسبًا على استفزاز واضح وعلى خطر يحدق بالملاحة العالمية.
ما ليست عليه الهجمات
على الرغم من الأقاويل التي تفيد بأن هذه الهجمات تشكّل تغيرًا في السياسة الأمريكية لجهة التدخل الفاعل في اليمن، من المجدي أكثر اعتبار هذه الهجمات الصاروخية ردًا مؤسساتيًا على خطر معيّن. والمؤسسة المعنية في هذه الحالة هي البحرية الأمريكية، إذ أنها لن تقف مكتوفة الأيدي فيما تُهاجَم سفنها التي تبحر بشكل قانوني في المياه الدولية.
ويُشار إلى أن بناء السفن يعتبر من أكثر الأعمال التي تقوم بها وزارة الدفاع الأمريكية كلفةً. ويعد الحضور الأمريكي العالمي في البحار الأكثر قوة إلا أن تكلفته باهظة. ولكن الخبراء في مجال الدفاع قد أشاروا إلى أن السفن الباهظة الثمن باتت عرضة أكثر فأكثر لصواريخ وتكتيكات منع الولوج/عزل المناطق (A2AD) كالهجمات الصاروخية وحشد أعداد هائلة من القوارب الصغيرة لتنفيذ الهجمات فضلاً عن الطوربيدات السريعة وغيرها من الأسلحة الحديثة. والواقع أن هزيمة سفينة بقيمة مليار دولار على يد صاروخ تقدّر تكلفته بعشرات آلاف الدولارات يقضّ مضاجع قادة البحرية. فإن دمّر صاروخ يمني سفينة تابعة للبحرية الأمريكية أو قام بتعطيلها، فسيتم التشكيك بفعالية استراتيجية البحرية بأكملها.
ومع ذلك، إن لم تُستهدف أي سفينة أخرى (عبر إطلاق الصواريخ أو أي وسيلة استفزازية أخرى)، فمن غير المرجح أن تتخذ الولايات المتحدة المزيد من الإجراءات البحرية في اليمن. فالولايات المتحدة تعتبر أن الضربة على الرادارات اليمنية قد طوى صفحة الهجمات على السفن. إلا أن هذه الصفحة قد تفتح مجددًا وبسرعة البرق، كما تبين لفترة وجيزة في نهاية الأسبوع عندما أفيد عن احتمال إطلاق صاروخ إنما تم التراجع عنه فيما بعد-على الأغلب بسبب خطأ في قراءة الرادار. ومن المرجح أن تتكرر مثل هذه الحالات فيما لا تزال السفن في حالة تأهب.
في هذا السياق، يشكل نشر إيران لسفنها في خليج عدن كمن يتخفى وراء ورقة التين درءا للإحراج أمام المتشددين في البلاد ولحلفائها في اليمن، إلا أنها لن تعتبر مهمة إلا إذا عمدت السفن الإيرانية فعليًا إلى مواجهة السفن المدنية أو العسكرية. لكن هذا الأمر جنوني. فالسفن الإيرانية هذه قادرة على رفع العلم الإيراني بكل فخر، وتستطيع أن تستفيد من حرية الإبحار في خطوط الملاحة إلى أقصى حد ممكن، من دون أن يكون لها تأثير يُذكر أو أي تأثير على الإطلاق على الوضع قبالة اليمن. وقد يكون هناك بعض الصخب إلا أنه سيكون من دون جدوى.
المسار (أو الخط البحري) المقبل
ستسعى البحرية الأمريكية إلى إبقاء الخطوط البحرية حرة فيما تقلل من تدخلاتها في اليمن إلى أقصى حد ممكن. لكن ثمة عيبان قد يشوبان هذه الخطة، الأول هو أنها خطة تفاعلية، فعادةً ما تربح القوات البحرية عندما تأخذ زمام المبادرة، إلا أن عملية نشر السفن هذه لها هدف دفاعي. أما الثاني فهو أن السياسة السعودية تخلق ظرفًا يدفع الحوثيين والجهات الداعمة لهم إلى الشعور بأنه لم يعد لديهم ما يخسرونه – حيث أن الرد الطبيعي والمتوقع للحوثيين على الحصار الذي يفرض عليهم والهجمات التي تطالهم يتمثّل بتوسيع نطاق الحرب، والطريقة الفضلى لتوسيع الحرب هي باستهداف الشريك الأقوى للمملكة العربية السعودية.
يبقى أن نرى ما إذا كان الحوثيون وشركاؤهم سيقبلون بأن يشكّل هذا الثأر البحري خاتمةً لهذه الأحداث. وإبان ذلك، سيبقى البحارة الأمريكيون في مضيق باب المندب رهائن القدر إلى حدٍّ ما، مترقبين إفشال هجوم صاروخي لا يُعرف ما إذا كان سيحدث أم لا ، ريثما يتم التوصل إلى حل للحرب اليمنية.
إن هذه الآراء لا تمثل وجهة نظر أي فرع من فروع الحكومة الأمريكية.