منذ أكثر من عقد من الزمن، تضاءل الإنتاج المحلي للغاز عمليًا في إمارة دبي إلى درجة الصفر، ما أدى إلى الاعتماد الكلي على الواردات لتلبية الاحتياجات الكبيرة، وإجراء إصلاحات شاملة لاستراتيجية الطاقة في الإمارة. ولكن أعلنت دبي عن اكتشاف كميات ضخمة من الغاز بالاشتراك مع إمارة أبو ظبي المجاورة. يمكن أن يكون هذا الاكتشاف تحويليًا، إذا استطاعت الإمارات التغلب على تحديات إنتاج الغاز وتسويقه.
جاء الإعلان في الثالث من فبراير/شباط، بتوقيع اتفاقية بين شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) وهيئة دبي للتجهيزات، وهي المزود الحصري للغاز في دبي. وقد أعلنوا عن اكتشاف 80 تريليون قدم مكعب من الغاز في المنطقة الواقعة جنوب ميناء جبل علي في دبي، ويمتد إلى أراضي إمارة أبو ظبي. قبل هذا الإعلان، قامت أدنوك بحفر ما لا يقل عن 10 آبار تقييم، ما يدل على تعقيد الحقل. الاكتشاف عبارة عن مخزونًا مختلطًا تقليديًا وغير تقليدي من الغاز، وقد يتطلب تكسيرًا هيدروليكيًا، من أجل الإنتاج بنسبٍ تجارية.
سرعان ما رحب المحللون بهذا الحقل باعتباره ثالث أكبر حقل في الخليج (بعد حقل غاز الشمال/حقل فارس الجنوبي، وهو أكبر حقل في العالم، وحقل باب في أبو ظبي)، ويعتبر أكبر اكتشاف للغاز في العالم منذ عام 2005. ومع ذلك، فقد يكون هذا التقييم مفرطًا في التفاؤل، فهذا التقييم يعتمد على عامل الاستخراج المفترض–وهو مقدار مخزون الغاز الذي يمكن إنتاجه بشكل تجاري.
يُعد اكتشاف جبل علي من الغاز السطحي، الذي يبدو أنه بيولوجي المنشأ، بمعنى أنه يتكون من التحلل البكتيري للمادة العضوية على درجات حرارة منخفضة، وليس على درجة النضج الحراري المعتادة لصخور المنشأ الحارة والمدفونة في أعماق كبيرة. الغاز البيولوجي عادة ما يكون جافًا ونقيًّا، ويتكون من الميثان، دون سوائل الغاز الطبيعي أو الكبريت.
يبدو أن الخزان يتكون من طبقة دوغنبدان من العصر الميوسيني، وهو سلسلة كثيفة من الصخور الزيتية (شيلز) والكربونات وصخور المتبخرات المتواجدة في جميع أنحاء منطقة الخليج، والتي تعتبر بمثابة إشارة لتراكمات بترولية أكثر من كونها مخزون. ومع ذلك، فقد تم تقييمها حديثًا في شرق أبو ظبي ودبي على أنها تحتوي على مصادر الغاز. في المنطقة الأكثر سُمكاً شمال شرق أبو ظبي يتجاوز السمك 1000 متر، ويتراوح العمق ما بين 600 و1000 متر، وهذا أقل عمقًا من الاحتياطيات البترولية التقليدية في البلاد، التي يبلغ عمقها 3000 متر أو أكثر. ويمتد هذا الاكتشاف على مساحة أكثر من 1930 ميلًا مربعًا، وهو أكبر من مساحة إمارة دبي بأكملها، ما يعني وجود حوالي 40 مليار قدم مكعب من الغاز لكل ميل مربع في الحقل، مقارنة بالأجزاء الأقل جودة من صخور مارسيلوس الزيتية الشهيرة في شمال شرق الولايات المتحدة. يتمتع هذا المخزون بخاصية نفاذ منخفضة، ما يعني أن الغاز سوف يتدفق منه بمعدلات منخفضة فقط، ما لم يتم استخدام تقنيات مثل التكسير الهيدروليكي.
عوامل استخراج احتياطي الغاز الصخري -كمية الغاز الموجودة التي يمكن استخراجها بتكلفة اقتصادية– قد تتراوح من 10٪ إلى 15٪ تقريبًا. وهو ما يسمح باستخراج ما بين ثماني تريليونات إلى 12 تريليون قدم مكعب من حقل جبل علي، وهى كمية ليست في مستوى انتاج أكبر الحقول الخليجية، ولكنها تبقى كمية في غاية الأهمية. كمقارنة تقريبية، هذه الكمية تعادل حوالي 17 عامًا من استهلاك الغاز في دبي. يمتاز الحقل اقتصاديًا بكونه على الشاطئ، وسطحيًّا (مما يقلل من تكاليف الحفر)، كما أنه قريب من البنية التحتية، وبالقرب من المواقع الرئيسية لاستهلاك الغاز، مثل مجمعات توليد الطاقة وصهر الألمنيوم، بالقرب من ميناء جبل علي في دبي وفي الطويلة في أبو ظبي.
إجمالًا، على الرغم من امتلاك الإمارات العربية المتحدة لسادس أكبر احتياطي للغاز في العالم (جميعها تقريبًا في أبو ظبي)، إلا أنها تبقى مستوردًا صرفًا للغاز، وذلك بسبب الاستخدام الفردي المرتفع للطاقة، والتأخير في تطوير حقولها، وهو أمر صعب تقنياً.
إن أي إنتاج لحقل جبل علي سيحل محل بعض واردات دبي، ولكن لا بد من معرفة تفاصيل كيفية تقسيمه بين إماراتي دبي وأبو ظبي. لقد استمرت الواردات من قطر على الرغم من مقاطعة الإمارات، إلى جانب السعودية والبحرين ومصر، لجارتها منذ يونيو/حزيران 2017. كما أن دبي تستورد الغاز الطبيعي المسال.
عملت المخاوف المتعلقة بتأمين الإمدادات، والتكلفة المرتفعة للغاز الطبيعي المسال المستورد (LNG) (حتى حدوث الانخفاض الأخير في الأسعار)، وقلة التنوع في الموارد، على تشجيع دبي للكشف عن استراتيجيتها المتكاملة للطاقة في عام 2011، واستراتيجية الطاقة النظيفة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015. وتهدف من ذلك إلى تخفيض استخدام الطاقة بنسبة 30٪ مقابل ما يتم استخدامه في الوقت الحالي، وإلى توليد الكهرباء عام 2030 من خليط مكون من 61٪ غاز و7٪ فحم “نقي” و7٪ طاقة نووية (من مفاعلات أبو ظبي الجديدة في البركة)، و25٪ من الطاقة الشمسية، مستمدة معظمها من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية، الذي تبلغ طاقته 5000 ميجاوات، والمقرر له أن يكون أكبر مجمع للطاقة الشمسية أحادية الموقع في العالم. ينبغي أن يبدأ تشغيل محطة الحسيان للفحم في دبي هذا العام.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أصدرت شركة بترول أبو ظبي الوطنية (أدنوك) استراتيجيتها المتكاملة للغاز، وقامت بتحديثها منذ ذلك الحين. وتهدف من وراء ذلك أن تصبح الإمارات مكتفية ذاتيًّا في مجال الغاز، من خلال قيام أبو ظبي بـتطوير اـلغاز الحِمضي -بالشراكة مع شركات أوكسيدنتال (Occidental) وأومفي (OMV) وإني (Eni) ووينترشال (Wintershall) ولوك أويل (Lukoil) – وأغطية الغاز على الحقول النفطية، والغاز غير التقليدي في مشروع مع شركة توتال. كما ستعمل تقنية التقاط الكربون وتخزينه على استبدال الغاز، الذي تتم إعادة حقنه حاليًا، لاستخلاص النفط بشكل أفضل. من المقرر أن يبدأ أول مفاعل نووي إماراتي في بَرَكة، غرب أبو ظبي، في العمل قريبًا. وتقوم شركة مياه وكهرباء الإمارات، التي أعيد تنظيمها حديثًا، بطرح عطاء، لإنشاء محطة كبيرة ثانية للطاقة الشمسية. أخيرًا، أعلنت إمارة الشارقة المجاورة عن حقل جديد للغاز في شهر يناير/كانون الثاني، هو الأول للإمارة منذ ثلاثة عقود، الأمر الذي يلغي حاجتها المخطط لها باستيراد الغاز الطبيعي المسال. من المحتمل أن تؤدي كل هذه المبادرات إلى انخفاض كبير في الطلب على استيراد الغاز في دولة الإمارات على المدى المتوسط.
من المفترض أن ينافس غاز حقل جبل علي اقتصاديًا الغاز الطبيعي المسال المستورد، الذي سجّل مؤخرًا انخفاضًا قياسيًا في الأسعار، على الرغم من أن ذلك قد ينتعش نوعًا ما. في عام 2032، سينتهي العقد مع خط أنابيب دولفين، ويمنح اكتشاف الغاز الجديد دولة الإمارات القدرة للتفاوض مع قطر، لتجديد العقد بأسعار معقولة (بالرغم من أنها قد تكون أعلى) أو لإنهاء الواردات من جارتها بالكامل. حتى إمدادات الغاز الرخيصة ستواجه صعوبة في المنافسة مع الطاقة الشمسية الجديدة في مجال توليد الطاقة بتكلفة منخفضة للغاية. وقد تم تكريم منشأة دبي الحديثة، التي تنتج 900 ميجاوات، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، لتسجيلها رقمًا قياسيًّا عالميًّا يقارب 1.69 سنت لكل كيلو وات/ساعة.
بعد ذلك كله، تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة سؤال ما يمكن عمله بكل هذا الغاز. هناك مخطط للتوسع في الصناعة، لكن، من غير المرجح أن تكون عملية إنتاج الغاز الجديد غير التقليدي والحِمضي رخيصةً. وليس من المرجح أن يكون هناك توسع رئيسي في صادرات الغاز الطبيعي المسال، بالنظر إلى التكلفة المرتفعة للمواد الخام، والكساد الحالي في السوق العالمي. يُبشر اكتشاف حقل جبل علي بتخفيض فواتير الاستيراد، وتأمين الإمدادات بشكل أفضل، والمزيد من الغاز لتعزيز الاقتصاد، لكنه سوف يتطلب بعض الأعمال التقنية والتجارية الذكية للاستفادة منه على أكمل وجه.