في 11 أبريل/نيسان، حضر نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان حفل التخرج للطلبة العسكريين في كلية الملك عبد العزيز الحربية. وكما هو الحال في الكثير من دول المنطقة الأخرى، يعد هذا النمط من الكليات العسكرية جديدًا على دول الخليج العربية. يركز التعليم والتدريب الذي تقدمه مثل هذه المؤسسات على التدريب الاستراتيجي وتطوير المهارات القتالية للمتدربين، وهو ما شكل تحولاً عن التدريب التكتيكي الذي عادةً ما تقدمه المدارس العسكرية في الخليج. في معظم الحالات، كانت هذه الكليات الجديدة انعكاسًا للعديد من الكليات العسكرية في الغرب، وخاصة تلك الموجودة في الولايات المتحدة.
لتنفيذ هذه المناهج الجديدة، تعمل العديد من دول الشرق الأوسط، مثل الإمارات العربية المتحدة وتونس ولبنان والأردن، مع مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية (NESA)، وهو مركز بارز تابع لوزارة الدفاع الأمريكية. وتتمثل مهمة المركز في تعزيز التعاون الأمني بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأدنى وجنوب آسيا. يُعنى البرنامج بما هو أبعد من المعدات والمهارات التكتيكية في الدفاع العسكري، معطيًا الأولوية لتنمية الموارد البشرية. يقود مركز نيسا العديد من البرامج وورش العمل لتطوير هذه الموارد البشرية، وبالتعاون مع الحكومات الأجنبية، يضع مناهج للجامعات العسكرية والكليات الحربية التي تركز على تدريس المهارات الإستراتيجية والعملياتية.
شراكات جديدة مع أصدقاء قدامى
تعمل وزارة الدفاع السعودية مع مركز نيسا منذ عام 2012 في كل من واشنطن والرياض. في عام 2017، شرعت الوزارة السعودية في اتفاقية جديدة مع المركز للتعاون في وضع استراتيجيات للارتقاء بالمؤسسات العسكرية السعودية. كانت هذه الاتفاقية جزءًا من مبادرة سعودية أوسع لتعزيز الصناعات الدفاعية المحلية. كما استضافت وزارة الدفاع السعودية معرض الدفاع العالمي في مارس/آذار الماضي، ووقعت عقودًا لتأمين أنواع مختلفة من الذخيرة للجيش السعودي، الأمر الذي انعكس على زيادة الإنتاج المحلي وترقب الانتهاء للعديد من الصفقات الدفاعية في ميزانيتها العسكرية، وتم تأسيس الأكاديمية الوطنية للصناعات العسكرية للوصول إلى الهدف المنشود المتمثل في الإنتاج المحلي لأكثر من 50٪ من نفقات المملكة العسكرية.
وفي حين تركزت الجهود السابقة على الاستثمار المالي في الجيش السعودي، تعمل اتفاقية وزارة الدفاع مع مركز نيسا على الارتقاء بتدريب العسكريين السعوديين وتعليمهم. وصرح مصدر مطلع على المشروع بأن “وضع الجيش السعودي كان على ما يرام قبل البدء بالعمل مع مركز نيسا، لقد أرادوا فقط الارتقاء بجيشهم إلى المستوى الذهبي والحصول على اعتماد دولي”. في يناير/كانون الثاني 2020، وقع الطرفان مذكرة تفاهم للمساعدة في تطوير المؤسسات العسكرية السعودية مهنيًا، بما في ذلك البنية التحتية والمناهج الدراسية في الكليات الحربية والجامعات العسكرية.
يتمثل هدف السعودية في قطاع الدفاع في إنشاء أربع مؤسسات عسكرية: كلية القيادة والأركان المشتركة وكلية حربية ومعهد البحوث ومركز تنمية القدرات القيادية. وفقًا لدافيد لام (David Lamm)، نائب مدير مركز نيسا، وافق المركز على تقديم خطة لإنشاء هذه المؤسسات، وتقديم توصيات بالدورات التي سيتم تدريسها في الكلية الحربية. يهدف الطرفان لإنشاء جامعة عسكرية سعودية مستقلة تمامًا ومعتمدة دوليًا. وبمجرد تحقيق هذا الإنجاز، يوافق مركز نيسا على الاستمرار في العمل “كمستشار موثوق به” للجيش السعودي، وتوفير الموارد وغيرها من أشكال المساعدة، مثل المساعدة في التدريب وتوفير معلمين الدورات، كلما استدعت الضرورة.
في 8 فبراير/شباط ، اجتمع مكتب التنفيذ الاستراتيجي – وهو فريق التصميم المكون من موظفين من مركز نيسا ومن كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية – لتزويد وزارة الدفاع السعودية بخطة شاملة لإنشاء جامعة الدفاع الوطني السعودية (SANDU) (ساندو). بعد بضعة أسابيع، قدم مكتب التنفيذ الاستراتيجي التصميم النهائي لـ جامعة الدفاع الوطني السعودية، والذي تضمن كلية القيادة والأركان المشتركة والكلية الحربية ومركز تنمية القدرات القيادية ومركز الدراسات الإستراتيجية. في مارس/آذار، استضاف مركز نيسا كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة السعودية في واشنطن العاصمة لكي يتمكن الأعضاء من التعاون بحرية مع خبراء التعليم العسكري الأمريكيين المحترفين بشأن الاعتماد والمرافق والبحوث والبرامج التعليمية وحوكمة الجامعات. بالإضافة إلى ذلك، يعمل الجيش الأمريكي مع الجيش السعودي في تدريبات متنوعة، مثل اختبارات “الجاهزية القتالية“، وتدريبات القوات الجوية وتدريبات البحرية. وغالبًا ما تحضر جيوش الدول المجاورة مثل إسرائيل ومصر والأردن هذه الدورات التدريبية المشتركة.
مستقبل العلاقات العسكرية الأمريكية-السعودية
“خط العمليات في حرب الأفكار” هذا هو الاسم الذي أطلقه مصدر مطلع على البرنامج على المشروع بين مركز نيسا ووزارة الدفاع السعودية. فعلى الرغم من توقيع الاتفاقية مع المركز في عام 2020، إلا أن الولايات المتحدة والسعودية شريكان منذ زمن بعيد. ومع ذلك، فقد حدثت بينهما بعض التوترات في السنوات الأخيرة. أدى ابتعاد الرئيس جوزيف بايدن عن العائلة المالكة السعودية، والذي يعزى جزئيًا لمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وتورط السعودية في حرب اليمن، إلى مزيد من التعقيد في العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، الأمر الذي أسفر عن جمود العلاقات الدبلوماسية بينهما.
إن التعاون العسكري الوثيق بين الولايات المتحدة والسعودية يثير تساؤلات بشأن المزيد من المشاركة العسكرية في الشرق الأوسط، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية الداخلية لتفادي المزيد من الانخراط في المنطقة. قد يؤدي استمرار التدخل العسكري إلى ردات فعل عنيفة من قبل الجمهور في كل من الولايات المتحدة والشرق الأوسط. كما يوجد تخوفات من الظهور بمظهر الموافق على سلوك السعودية، وخاصة ما تقوم به السعودية في اليمن، حيث تم تقديم اتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان ضد المملكة.
على الرغم من كل هذه التوترات، من الواضح أن كلا الطرفين مهتمان بالحفاظ على العلاقة القائمة بينهما. في مايو/أيار، التقى خالد بن سلمان بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان (Jake Sullivan)، الذي أكد مجددًا التزام بايدن “بمساعدة السعودية في الدفاع عن أراضيها”. ناقش الاثنان سبل تطوير وتعزيز التعاون المشترك ضمن الرؤية المشتركة لكلا البلدين، وهو تذكير بأنه على الرغم من أي توترات، لا يزال هنالك اهتمام ثنائي قوي في سياق الجهود الرئيسية المبذولة في عدة مجالات مثل التعاون الأمني والتدريب. كما تم أيضًا وضع خطط لعقد اجتماعات مستقبلية بين موفدين سعوديين رفيعي المستوى ونظرائهما الأمريكيين في منتصف يونيو/حزيران. كما تعمل الإدارة الأمريكية أيضًا على ترتيب الاجتماع الأول بين الرئيس بايدن وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
جاءت هذه التحركات الدبلوماسية وسط المخاوف السعودية القائمة بشأن التزامات الولايات المتحدة تجاه المنطقة، وتهدف إلى معالجة سوء التفاهم بين البلدين فيما يتعلق بالمصالح الاستراتيجية والنوايا الدبلوماسية لكل منهما. وعلى الرغم من أن وزارة الدفاع السعودية تعمل مع مركز نيسا، وهو مؤسسة حكومية أمريكية، إلا أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان السعوديون ينظرون إلى هذه الاتفاقية على أنها علاقة بين حكومتين، كما يراها مركز نيسا، أم أنهم ينظرون إليها كعلاقة تجارية، حالها كحال العديد من المشاريع التنموية التي تم تنفيذها سابقًا في مختلف قطاعات الدولة. أدى هذا الانقطاع في التواصل وما صاحبه من قضايا إلى تعليق المشروع في الوقت الحالي، على الرغم من التقدم الذي تم إحرازه في السابق. وفي حين تم وضع الخطط ورسم الخرائط، لم يتم اتخاذ أي إجراء آخر لتنفيذ هذا المشروع، لأن كل طرف يسعى للحصول على إيضاحات من الطرف الآخر حول رؤاهم على المدى الطويل وأدوارهم ضمن هذه الشراكة العسكرية.
يرى مؤيدو هذا المشروع أن استمراره مفيد لكلا الطرفين. من الجانب الأمريكي للشراكة، فإن تعزيز المؤسسات العسكرية السعودية سوف يساعد في تمكين الشريك الإقليمي من تأمين أراضيه والدفاع عنها، وذلك من أجل أن يتولى حلفاء الولايات المتحدة مسؤولية الدفاع الإقليمي بشكل كامل. علاوة على ذلك، فإن تعزيز التعاون العسكري مع السعودية سوف يساعد على ثني المملكة عن السعي لإقامة علاقات وثيقة مع روسيا. بالنسبة للسعوديين، فإن العمل مع مركز نيسا يمنح مؤسساتهم العسكرية الفرصة للحصول على الاعتماد الدولي ورفع مكانتهم الدولية، والمساعدة في تطوير صناعاتهم الدفاعية المحلية انسجامًا مع رؤية 2030.
يمثل وضع مشروع مركز نيسا–جامعة الدفاع الوطني السعودية (NESA-SANDU) صورة مصغرة عن الوضع الحالي للعلاقات الأمريكية-السعودية. إن التناقض في التصورات لدور كل من البلدين في المشروع ورؤية كل منهما للمشروع على المدى الطويل، بالإضافة إلى التصورات التي أفضى إليها توقف المشروع، يشير لسوء التفاهم الناتج عن وضع العلاقات الأمريكية-السعودية الشائك على مستوى القيادة. وعلى الرغم من التوترات الحالية، فإن هذه العلاقة الموسعة طويلة الأمد تبقى راسخة على الرغم من أي شكوك حولها في المرحلة الحالية. ومن المرجح أن يكون مدى التقدم في هذا المشروع وسرعة عملية التقدم بمثابة مؤشر مفيد على مستقبل العلاقات الأمريكية-السعودية، وذلك بسبب كثرة نقاط الالتقاء في التعاون الأمني والتعاون الثنائي الأوسع الذي يتضمنه المشروع.