ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
منذ الوفاة المريبة لمهسا أميني، البالغة من العمر 22 عامًا، في حجز شرطة الأخلاق في 16 سبتمبر/أيلول، شهدت إيران جولة جديدة من الاحتجاجات المناوئة للحكومة والاضطرابات المدنية التي عمت البلاد. وكما كان حال الاحتجاجات السابقة، يبدو أن النظام قد احتوى الاضطرابات، ولا يوجد ما يشير بشكل فوري إلى احتمال سقوط الجمهورية الإسلامية. ومع ذلك، من المرجح أن تندلع الاحتجاجات مرة أخرى نتيجة لمحاولة النظام تحديث البلاد بينما يقوم بحرمان أبناء الحداثة من الحريات الشخصية والسياسية: وهم الطبقة الحضرية الوسطى المتعلمة. والأسوأ من ذلك، من وجهة نظر النظام، أن ينضم المحرومون للطبقة الوسطى، لأنهم لم يعودوا محافظين اجتماعيًا، كما كانوا سابقًا، وبسبب المظالم الاقتصادية التي يعانون منها، والتي يشاركونها مع الطبقة الوسطى. لقد نجح النظام حتى الآن في التلاعب بالطبقة الوسطى والمحرومين ويستغلهما ضد بعضهما البعض وقمع كليهما. وفي حال وحدت الطبقة الوسطى والمحرومون جهودهما في المستقبل، فإنهما سيشكلان تحديًا مذهلاً لنظام لا يوفر الخبز ولا الحرية.
على عكس الاعتقاد الأساسي للمعارضة العلمانية في إيران، فإن الجمهورية الإسلامية هي قوة تحديث لا تختلف عن نظام الشاه محمد رضى بهلوي، الذي سقط في مواجهة الثورة عام 1979. إن حالة أميني تعطي درسًا يتعلق بتحديث إيران في عهد الجمهورية الإسلامية ومشكلات النظام مع مخرجات التحديث.
أميني هي من مواليد مدينة سقز الفقيرة اجتماعيًا واقتصاديًا في منطقة كردستان إيران، وقد أكملت تعليمها الابتدائي والثانوي، ونجحت في امتحان القبول في الجامعة، وقد تم قبولها في فرع أرومية في جامعة آزاد الإسلامية، التي تم تأسيسها في عام 1982. ولو أنها نجت حتى تتابع دراستها، لكان 60% من زملاء دراستها من الإناث. وكانت ستقوم بتحميل بعض مواد المنهج من شبكة الإنترنت، وكحال أغلبية سكان المدن الإيرانية الآخرين، كانت ستبقى على تواصل مع الأصدقاء عن طريق الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، فإن النظام الذي يوفر للنساء الإيرانيات الحصول على التعليم الابتدائي والثانوي والعالي، إضافة إلى الوصول للإنترنت، المقيد كما يبدو، يحد في الوقت نفسه من حرياتهن الشخصية من خلال التحكم في لباسهن عن طريق فرض التكليف بالحجاب، وحتى اعطائهن محاضرات حول عدد الأطفال الواجب عليهن إنجابهم، وعدم المبالاة بمعاناة الطبقة الوسطى في ظل نظام العقوبات. كما يحرم النظام النساء من الحرية السياسية، واللواتي لا يستطعن، وفقا لتفسير مجلس صيانة الدستور، الترشح لمنصب الرئيس، ويقتصر نطاق خياراتهن السياسية في الانتخابات على المرشحات اللواتي يقرهن مجلس الصيانة – وهو حرمان يشاركنه مع الرجال الإيرانيين.
المحرومون في إيران ليسوا في حال أفضل كثيرًا في ظل الجمهورية الإسلامية. وبينما أشاد آية الله العظمى روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، بالمحافظين اجتماعيًا والمحرومين اقتصاديًا “سكان مناطق الأكواخ الفقيرة” بصفتهم عماد الثورة، فإن الجمهورية الإسلامية وبشكل متزايد تعتبر المحرومين غير متدينين ويشكلون تهديدًا أمنيًا.
بحسب تقرير حديث نشرته هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن القيم الاجتماعية تتغير بسرعة عبر طبقات الدخل المختلفة في إيران، ويبدو أن الانقسام الاجتماعي حول القيم الاجتماعية هو انقسام جيلي وليس انقسام على أساس الطبقة الاجتماعية. وبينما يعتقد 35.8% من المشاركين في الاستطلاع أن النساء يمكن أن يكنّ مسلمات جيدات دون أن يلبسن الحجاب، فإن 48.2% من المشاركين تحت سن الثلاثين لديهم ذلك الاعتقاد. إضافة لذلك، فإن 50.3% من الشباب المشاركين أنفسهم يعارضون الحجاب الإجباري، ويوافق 46.6% منهم على أن للنساء الحق في عدم الالتزام بقواعد الحجاب. وقد نقل التقرير عن استطلاع منفصل أجرته إذاعة جمهورية إيران الإسلامية بأن هناك تراجعًا لدى الجمهور الداعم للحجاب في السنوات العشر الأخيرة. بمعنى آخر، قد لا يُظهر المحرومون الإيرانيون الأصغر سنًا الحماسة الدينية ويتعاطفون أكثر مع نساء الطبقة الوسطى اللواتي لا يغطين شعرهن بالحجاب بشكل كامل بدلاً من اعتبارهن نساء منحلات. وهذا الاتجاه العابر للطبقات الاجتماعية، والواضح بشكل مختصر من خلال المواقف تجاه الحجاب، من الممكن أن يفتح الطريق للشباب المحرومين للانضمام إلى نضال الطبقة الوسطى من أجل الحريات الشخصية.
كما يرى النظام أن الحرمان الاقتصادي للمحرومين هو بمثابة تهديد. يقول العميد حسين نجات، الذي يقع في المرتبة الثانية في قيادة سر الله للحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن أمن طهران، في مناقشة الاحتجاجات المناوئة للنظام في 26 ديسمبر/كانون الأول 2019، “لقد تغير نموذج الغرب لتغيير النظام خلال الأربعين عاما الماضية… وإن النموذج الجديد هو عبارة عن حركات اجتماعية تعتمد على سكان الضواحي المحرومين وغير المتعلمين”، الذين أصبحت عقولهم “ملوثة من الفضاء الإلكتروني”.
وبوجود الطبقة الوسطى المعدمة، وبفضل العقوبات الأمريكية المفروضة على النظام، والفهم المتزايد لحرمان المحرومين، والمحرومين الأقل تحفظًا اجتماعيًا من أجل الحريات الشخصية والأكثر تسامحًا مع نضال نساء الطبقة الوسطى من أجل الحريات الشخصية، من المحتمل للطبقتين أن يوحدا قواهما لتحدي الجمهورية الإسلامية. هذا شيء لم يحدث بعد، ولكن آفاق النجاح غير متوفرة عند نظام لا يوفر الخبز ولا الحرية.