ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
تبين مختلف المؤشرات والتطورات الأخيرة بما فيها محادثات الرئيس ترامب مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أن الظروف الموضوعية غير ناضجة لتجديد الوساطة الكويتية، أو للبدء بمبادرة وساطة أمريكية جديدة، لحل الأزمة المتفاقمة بين قطر من جهة، والرباعية المؤلفة من السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين من جهة أخرى التي بدأت منذ أكثر من ثلاثة أشهر، على الرغم من تأكيد الرئيس ترامب استعداده لبذل جهود شخصية “في البيت الأبيض” للتوصل إلى حل “وبسرعة كبيرة” للأزمة. وتظهر مواقف جميع الدول المتنازعة أنها تحضر نفسها لمواجهة سياسية واقتصادية وإعلامية مفتوحة من المؤكد أنها ستستمر إلى أشهر وربما إلى سنوات مع ما يحمله ذلك من مضاعفات سلبية لجدوى وفعالية مجلس التعاون الخليجي وفرص استمراره ككتلة سياسية واقتصادية وأمنية فّعالة في المستقبل، فضلا عن تعديل وخلط بعض المعادلات الإقليمية، حيث ستسارع دول مثل تركيا وإيران إلى استغلال الأزمة وتعزيز علاقتها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية مع قطر. ويرى المحلل الاستراتيجي آندرو أيكسوم في حوار خاص أن الأزمة الخليجية “مرشحة للاستمرار لوقت طويل. الطرفان الأساسيان في النزاع مع قطر، اي السعودية ودولة الإمارات وصلا في نزاعهما مع قطر إلى مرحلة دعتهم للقول: كفى، وخاصة لجهة تدخل قطر في الشؤون الداخلية لجيرانها.” ويتابع أيكسوم، الذي شارك في حرب افغانستان، أن الولايات المتحدة “تشعر بالاحباط من الازمة لأنها تريد جبهة عربية موحدة في الخليج تردع إيران”. ويشير أيكسوم ايضا إلى أن الاحباط الأمريكي مع قطر، لا يلغي أهمية استخدام الولايات المتحدة لقاعدة العديد الجوية في الدولة الخليجية كونها ضرورية جدا لنجاح الحرب الأمريكية ضد إرهاب “داعش” وتنظيم القاعدة، كما أنها ضرورية لإدارة أنظمة الدفاع الصاروخية في المنطقة. ولذلك فإن “استمرار الأزمة ليس من مصلحة الولايات المتحدة، على الرغم من تفهم الرئيس ترامب للإحباط السعودي والإماراتي في التعامل مع قطر”.
مصير الوساطة الكويتية
الإشارة العابرة في أحد أجوبة الشيخ الصباح إلى أن جهوده أدت إلى تفادي اللجوء إلى خيار عسكري، أدت إلى رد فعل سريع من الرباعية التي أصدرت بيانا أعربت فيه عن أسفها لما “قاله أمير الكويت عن نجاح الوساطة بوقف التدخل العسكري ؛ إذ تشدد أن الخيار العسكري لم ولن يكون مطروحاً بأي حال…”. وأثارت هذه الإشارة الاستغراب لأنه وفقا لمصادر أمريكية وخليجية، لم تلوح أي دولة من دول الرباعية بالخيار العسكري، لا بل قالت لنا مصادر مطلعة على الاتصالات بين الرباعية وواشنطن إن ممثلي الرباعية شددوا منذ بدء الأزمة على أن إجراءاتهم ضد قطر سوف تبقى محصورة بالضغوط السياسية والاقتصادية والاعلامية. اللافت أن بيان الرباعية الذي أكد الموقف التقليدي من أن الحوار مع قطر “يجب ألا يسبقه أي شروط”، والذي أشار إلى تصريحات وزير الخارجية القطري الذي كرر رفض قطر للحوار إلا بعد رفع إجراءات المقاطعة، جاء بعد التأكيدات العامة من الرئيس ترامب عن استعداده للقيام بوساطة أمريكية. الحديث العام للرئيس ترامب عن استعداده للعب دور الوسيط للتوصل إلى حل سريع لحل الأزمة الخليجية، لا يختلف كثيرا عن حديثه المتفائل عن نجاح الوساطة الأمريكية لإيجاد حل سريع للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. مصادر مطلعة على الاتصالات الأمريكية مع الرباعية أعربت عن دهشتها من تصريحات ترامب هذه، وقالت إنها لم تتلق أي معلومات مسبقة من البيت الأبيض أو من المبعوث الأمريكي الجنرال أنتوني زيني توحي بأن واشنطن بالفعل تعتزم البدء بمبادرة جديدة. وليس من الواضح حتى الآن ما هو مصير الوساطة الكويتية في أعقاب تصريحات أمير الكويت في واشنطن والرد السريع عليها من الرباعية، وإن أشار مصدر معني بالأزمة إلى أنه لا يتوقع أي تحركات ديبلوماسية، “وقطعا لا أتوقع أي اختراقات جدية” في المستقبل القريب، وخاصة في أعقاب تصريحات أمير الكويت حول الخيار العسكري التي فاجأت الرباعية.
ترامب يلطف لهجته ولم يغير موقفه من قطر
مواقف الرئيس ترامب خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع أمير الكويت، اتسمت بانحسار حدة لهجته تجاه قطر والتي عكسها في تصريحات علنية سابقة وخاصة عندما اتهم قطر بالاسم بدعم وتمويل التنظيمات الإرهابية وتشجيع أيديولوجية التطرف. ولكن تصريحات ترامب لم تغير من حقيقة أنه كان ولا يزال يقف في زاوية الرباعية، بينما لا تزال مواقف وزير خارجيته ريكس تيلرسون تعكس ميلا إلى زاوية قطر، في الوقت الذي يعتبر فيه وزير الدفاع جيمس ماتيس مجمل الأزمة الخليجية كتطور سلبي للولايات المتحدة ولمصالحها الاستراتيجية في الخليج، لأنها تضعف حلفائها العرب وتضعفها في مواجهة إيران.
تصريحات ترامب في مؤتمره الصحفي لافتة لأكثر من سبب. ففي سياق حديثه عن استعداده للتوسط في الأزمة الخليجية أظهر انحيازه الضمني للسعودية ودولة الإمارات بقوله “لدي علاقات جيدة” مع قادتها، مشيرا إلى مكالمته الهاتفية قبل أيام مع العاهل السعودي الملك سلمان “وهو صديقي”. وأوضح ترامب أن موقفه من قطر لم يتغير عندما أشار إليها ضمنا حين قال إن الأزمة بدأت “لأن بعض الدول قدمت دعما ماليا كبيرا للإرهاب. وما أريده هو وقف هذا التمويل، وسوف نقوم بوقف تمويل الارهاب”، واضاف في تحذير ضمني لقطر “وإذا لم يوقفوا دعمهم للإرهاب، فأنا لا أريدهم أن يتفقوا، ولكنني أعتقد أنهم سيفعلون ذلك”. وبعد المحادثات مع أمير الكويت أجرى الرئيس ترامب اتصالا هاتفيا بحاكم قطر الأمير تميم بن حمد الثاني، شدد فيه على أهمية التزام جميع دول الخليج بتعهداتها خلال قمة الرياض في الحفاظ على وحدتها لهزيمة الإرهاب ووقف تمويل التنظيمات الإرهابية ومحاربة الأيديولوجية المتطرفة. ولم يتطرق بيان البيت الأبيض بشأن الاتصال الهاتفي إلى مسألة الوساطة.
وعكس ترامب في مؤتمره الصحفي “فلسفته التجارية” في التعامل مع حلفاء الولايات المتحدة، وذلك حين أشار أكثر من مرة إلى أن الكويت تنفق مليارات الدولارات لشراء الأسلحة الأمريكية المتطورة، وطائرات الركاب “الجميلة” التي تصنعها شركة بوينغ وهي صفقات تخلق وظائف أمريكية جديدة.
ويشير المحلل الاستراتيجي آندرو أيكسوم إلى ازدياد مشاعر القلق في أوساط الشركات الأمريكية الكبيرة الناشطة في دول الخليج العربية، وخاصة في ضوء التوتر المتفاقم بين دولة الإمارات وقطر “لأنهما مركزان كبيران لهذه الشركات الكبرى، ومن بينها شركات الاستثمار المعنية بصناديق السيادة الخليجية”، ويضيف أن كبار المسؤولين في هذه الشركات لا يريدون أن يؤثر عملهم في دولة الإمارات على عملهم في قطر وبالعكس. ويشير أيكسوم إلى أن الازمة الراهنة “قد ايقظت مشاعر الاعتزاز الوطنية القوية في البلدين، وخاصة في قطر”، التي ترى نفسها في حالة حصار.
وخلص أيكسوم، الذي ينشر مقالات دورية حول السياسة الأمريكية في جنوب آسيا والخليج، إلى القول “من المهم أن يدرك أصدقائنا وشركائنا في الخليج أن الطبقة السياسية في واشنطن والأمريكيين العاديين المهتمين بمنطقة الشرق الأوسط ينظرون إلى هذه الأزمة الخليجية باستياء متزايد. ويعتبرونها مثال آخر على تفكك العرب، وعدم قدرتهم على التعاون مع بعضهم البعض”. ويتابع “هناك تعب وإحباط أمريكيين واضحين من هذه الأزمة، لأن الولايات المتحدة شاركت في قمة الرياض التي أظهرت وجود وحدة خليجية واعدة، ولكنها سرعان ما انهارت لتظهر وجود تفكك عربي عميق ومقلق للغاية”.