تمكنت سلطنة عُمان من رفع إنتاجها النفطي إلى مستويات قياسية، وذلك بفضل النظام السياسي المستقر، والموقع الاستراتيجي، والظروف التجارية المغرية التي اجتذبت كبريات شركات النفط الأجنبية إلى هذه الدولة العربية الخليجية. دخلت الجهات الفاعلة الجديدة إلى مراحل الإنتاج العُمانية الأولى في السنوات الأخيرة وأصبحت البلاد حاضنة للتقنيات المتقدمة التي وضعت معايير جديدة للصناعة من أجل الكفاءة والإبداع.
تشترك عُمان مع دول الخليج العربية الأخرى في الخصائص نفسها من عدة جوانب. فهي منتج ومصدر للنفط والغاز وتعتمد بشكل كبير على عائدات صادرات الهيدروكربونات. إنها ليست عضوًا في أوبك (OPEC)، بالرغم من انضمامها إلى منتجي نفط مستقلين آخرين من المتحالفين مع أوبك، والمعروفين باسم “أوبك +”، وذلك ضمن الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في سوق النفط. وهي عضو في مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من ميولها في اتباع سياسة خارجية مستقلة. لقد تمكنت السلطنة من الحفاظ على علاقات جيدة مع جيرانها العرب إضافة إلى إيران والولايات المتحدة. تسمح سياسة الاعتدال والحياد الخاصة بعُمان بالعمل كوسيط في أوقات التوترات المتصاعدة في المنطقة، وآخرها خلال الهجمات على الملاحة البحرية في خليج عُمان.
تنتج عُمان اليوم ما يقارب المليون برميل يوميًا من النفط الخام والمكثفات- وهو نوع خفيف جدًا من النفط الخام المشتق من إنتاج الغاز. بعد الانخفاض الحاد في الإنتاج في وقت مبكر من هذا العقد، تمكنت من استعادة الإنتاج إلى مليون برميل يوميًا من خلال تطبيق التقنيات المتقدمة وتقديم المزيد من العقود الجذابة لشركات النفط الأجنبية، التي كان العديد منها شركاء مخلصين للسلطنة منذ عقود. تعد حقول النفط العُمانية صعبة من الناحية الجيولوجية وتتطلب تقنيات استرداد متقدمة لرفع النفط الثقيل. ما من شأنه أن يجعل تكاليف الإنتاج في عُمان أعلى منها في دول الخليج الأخرى. تتم إعادة حقن حوالي 20٪ من إجمالي إنتاج الغاز في حقول النفط لاستخراج النفط الثقيل، وفقا للمركز الوطني العُماني للإحصاء والمعلومات. تحاول وزارة النفط والغاز العُمانية اتخاذ تقنيات جديدة لاستخدام كميات أقل من الغاز لاستخراج النفط لتوفير بعض الغاز للتصدير. إنها بالفعل مُصَدر للغاز الطبيعي المسال، لكن الطلب المحلي العالي أدى إلى عدم القدرة على زيادة الصادرات. إنها تستورد الغاز من قطر عن طريق الإمارات العربية المتحدة، وهو وضع تأمل في تصحيحه بمزيد من الاستثمار في استخراج الغاز وتوسيع منشآت معالجته وتصديره.
نظرًا لاعتمادها الكبير على عائدات النفط والغاز، والتي تشكل ما بين 70٪ و85٪ من العائدات الحكومية حسب أسعار النفط، تتعرض البلاد للتقلبات في سوق النفط.
ووفقًا للتقرير الإحصائي الشهري للبنك المركزي العُماني لشهر آب، تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6٪ في الربع الأول من عام 2019 وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط بنسبة 3٪ مقارنة بالربع المماثل من عام 2018، على الرغم من الزيادة الطفيفة في إنتاج النفط.
وكغيرها من منتجي النفط في منطقة الخليج العربية، اتسع عجز الموازنة في عُمان في عام 2016 بعد انهيار أسعار النفط في الأعوام 2014 – 2015، مسجلاً عجزًا بلغ 13.8 مليار دولار في عام 2016. ما أدى إلى تخفيض دعم الحكومة للطاقة، على الرغم من أن أسعار الطاقة المحلية لا تزال منخفضة وفقا للمعايير الدولية وهناك المزيد من الإصلاحات على الأسعار على الطريق. لم يتجاوز الاقتصاد مرحلة الخطر بعد حتى مع تقلص العجز. وفقًا للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فقد انخفض العجز إلى 6.9 مليار دولار في عام 2018، بعد أن كان 9.8 مليار دولار في عام 2017. لكن حقيقة أن الحكومة تمر في عجز -على الرغم من أن أسعار النفط في عام 2018 قد تجاوز معدلها 50 دولارا للبرميل وهو ما شكل إيراداتها لهذا العام- تُظهر أن عُمان لا تزال تعتمد اعتمادًا كبيرًا على عائدات النفط. لقد كان برنامج التنويع الاقتصادي بطيئًا في انطلاقته، وما زالت مساهمة الإيرادات غير النفطية صغيرة. تشير الاستثمارات الجديدة إلى أن هذا الاعتماد على الهيدروكربونات سيظل حجر الزاوية في الاقتصاد العُماني على المدى المتوسط مع وجود مخططات لمصافٍ جديدة لتكرير النفط ومعامل البتروكيماويات بالإضافة إلى توسيع البنية التحتية للغاز.
تنتج عُمان حاليًا 970.000 برميل من النفط الخام يوميًا، وهو إنجاز هام إذا أخذنا بعين الاعتبار أن إنتاجها قد انخفض إلى ما يزيد قليلاً عن 715.000 برميل يوميًا في عام 2007. وهو ما جعل عُمان أكبر منتج للنفط من خارج أوبك في منطقة الخليج. وافقت عُمان على خفض إنتاجها من النفط بنسبة 2٪ كجزء من صفقة (أوبك +) التي تهدف إلى إزالة 1.2 مليون برميل يوميًا من السوق، وهي الاتفاقية التي تم تمديدها حتى آذار 2020.
يستفيد قطاع النفط العُماني من شراكاته مع كبار منتجي النفط الدوليين مثل كونوكو، وشل، وتوتال، وبريتش بتروليوم (BP)، ومؤخرًا إيني (Eni). كما استفادت عُمان من العمر المديد لوزير النفط والغاز محمد بن حمد الرمحي الذي شغل المنصب منذ كانون الأول 1997 ويحظى باحترام كبير في هذه الصناعة.
ويترأس الرمحي أيضًا مجلس إدارة شركة تنمية نفط عُمان (PDO)، التي تعد أكبر منتج للنفط في البلاد. أنتجت شركة PDO 610.170 برميل من النفط الخام يوميًا، و65.300 برميل من المواد المكثفة يوميًا في عام 2018، وفقًا لأرقام الشركة. شركة تنمية نفط عُمان هي مشروع مشترك بين حكومة سلطنة عُمان (بنسبة فائدة 60٪)، وشركة رويال داتش شل (34٪)، وتوتال (4٪)، وتايلاند PTTEP بنسبة فائدة 2٪، وهي الحصة التي استحوذت عليها مؤخرًا من بارتكس البرتغالية.
كانت شركة تنمية نفط عُمان في طليعة التحسينات التكنولوجية التي سمحت لسلطنة عُمان بأن تعكس التراجع في الإنتاج وترفع الإنتاج إلى المستويات الحالية. بحلول عام 2025، سوف يأتي أكثر من 23٪ من إنتاج شركة تنمية نفط عُمان من تطوير مشاريع استخراج النفط باستخدام مجموعة متنوعة من التقنيات من حقن البوليمر إلى استخدام الطاقة الشمسية لإنتاج البخار لإعادة الحقن. تُعد سلطنة عُمان موطنًا لأكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم مصمم لاستخراج النفط من حقل أمل النفطي.
أوكسيدنتال بتروليوم هي ثاني أكبر منتج للنفط في سلطنة عُمان وقد ساهمت أيضًا في انتعاش إنتاج النفط في عُمان. في حقل مخيزنة النفطي، قامت أوكسيدنتال بتنفيذ برنامج جريء للحفر والتطوير، شملَ مشروعًا كبيرًا لنموذج فيضان البخار من أجل تحسين استخلاص النفط باستخدام بعض أكبر ضواغط البخار الميكانيكية التي تم بناؤها على الإطلاق. في عام 2016، كان متوسط إجمالي الإنتاج اليومي أعلى بنحو 16 مرة من معدل الإنتاج في أيلول 2005 عندما باشرت أوكسيدنتال عملها، وفقًا للشركة.
في نيسان 2018، قامت شركة شل التي كانت حصتها 17٪ من اتفاقية الإنتاج المشترك في حقل مخيزنة، ببيع حصتها إلى IOCL سنغافورة PTE Ltd.، وهي فرع لمؤسسة النفط الهندي. تُظهر هذه الصفقة المزيج الجغرافي المتغير للمستثمرين الأجانب في عُمان، كما يعكس الوافدون الآسيويون الجدد في بدايات قطاع النفط العُماني العلاقات التجارية المتزايدة بين السلطنة والمنطقة. تعتبر آسيا هي السوق الأكبر لصادرات النفط الخام العُماني: والصين هي أكبر مستورد للخام العُماني، وتأتي الهند في المركز الثاني.
تمتاز عُمان على جاراتها الخليجيات في التصدير من حيث كون محطات التصدير لديها تقع خارج مضيق هرمز، الممر المائي المزدحم بالنفط الذي هددت إيران بإغلاقه مرارًا وتكرارًا ردًا على العقوبات المفروضة على قطاعها النفطي. وتخطط السلطنة للاستفادة من موقعها الاستراتيجي من خلال بناء مصفاة نفطية جديدة ومرافق تخزين في ميناء الدقم على بحر العرب.
عزز دخول شركة النفط الإيطالية الكبيرة إيني مؤخرًا إلى قطاع التنقيب عن النفط والغاز العُماني سمعة سلطنة عُمان كمشروع استثماري جذاب. وقعت إيني اتفاقية استكشاف ومشاركة في الإنتاج في موقع في عرض البحر في عام 2017. وقالت الشركة إن توقيع اتفاقية Block 52 يمثل “علامة فارقة مهمة في استراتيجية شركة إيني لتعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط”. في عام 2018، أضافت إيني أصولًا أخرى للتنقيب عن النفط باشتراكها في حقل نفط ساحلي وتخطط لإضافة المزيد في المستقبل بالشراكة مع BP.
نظرًا لحرية التجارة في هذا النفط الخام، بعكس المنتجين الخليجيين الآخرين الذين يحددون بنود الوجهة في عقودهم، فإن النفط العُماني يمثل مؤشرًا لمبيعات النفط الخام إلى آسيا. على سبيل المثال، تستخدم المملكة العربية السعودية الخام العُماني كما هو مدرج في بورصة دبي التجارية لتسعير مبيعاتها من النفط الخام إلى السوق الآسيوية. وللحفاظ على هذا الدور، يجب أن يكون الإنتاج على مستوى كافٍ من السيولة للسماح بإجراء تقييم مناسب لقيمته كمؤشر لخام النفط. في الشهر المنصرم، ارتفع سعر الخام العُماني، ما جعله أغلى سعر للنفط الخام حيث تقدم على الأصناف الخفيفة مثل برينت ووست تكساس انترميديات في الولايات المتحدة. عادة ما يتم المتاجرة بالصنفين الأخيرين بأفضلية على النفط العُماني لأنهما أخف وزنا وتنتجان المزيد من المنتجات العالية القيمة عند تكريرهما. في أواخر أيلول، ارتفع الخام العُماني في بورصة دبي التجارية بنسبة 11٪ على مدى يومين. ويعزى ذلك جزئيًا إلى العقوبات المفروضة على إيران، التي أزاحت الخام الذي يماثل في جودته النفط العُماني، وإلى زيادة المشتريات من الصين. وهذا من شأنه أن يجعل خامات النفط الأخرى التي تستخدم النفط العُماني مؤشرًا أكثر تكلفة وأصعب في التسويق.
لكن عُمان ليست مقتصرة على النفط. فهي منتج ومصدر للغاز. تنتج شركة تنمية نفط عُمان (PDO) تقريبًا كل الغاز الطبيعي العُماني، حيث يتم تصدير بعضه كغاز طبيعي مسال بشكل أساسي إلى آسيا. يتم استهلاك معظم الغاز محليًا في إنتاج النفط، وتوليد الكهرباء، وكمادة أولية لصناعة البتروكيماويات. أجبر هذا الاستخدام العالي للغاز عُمان على استيراد بعض الغاز من خلال خط أنابيب الدولفين من قطر عبر الإمارات العربية المتحدة، ولكنها تعمل على زيادة إنتاجها من الغاز واستخدام الفائض لتصنيع منتجات بقيمة إضافية. تستثمر عُمان بكثافة في مشاريع ذات قيمة إضافية تستخدم الغاز الفائض لتوسيع أعمال البتروكيماويات وزيادة الصادرات. تستحوذ شركة تنمية نفط عُمان على كل إنتاج عُمان الحالي من الغاز، والذي يبلغ 110 ملايين متر مكعب في اليوم.
من المقرر أن تأتي الزيادة الكبيرة التالية في الغاز من حقل خزان- مكارم في بلوك 61 التابع لشركة BP. وسوف يضيف التطوير الذي سيتم على مرحلتين، عند الانتهاء منه في عام 2021، 42 مليون متر مكعب يوميًا إلى الإنتاج الغازي.
بسبب استهلاكها الكبير من الغاز، وقعت سلطنة عُمان اتفاقية مع إيران في عام 2014 لاستيراد الغاز عبر خط أنابيب جديد تحت سطح البحر عبر خليج عُمان. ومع ذلك، تم تأجيل المشروع بسبب العقوبات المفروضة على إيران. تخطط عُمان لتحويل الغاز إلى غاز طبيعي مسال للتصدير. وقال الرمحي في مقابلة مع “الشرق الأوسط للمسح الاقتصادي” في أيلول 2018 إن عُمان كانت ماضية في المشروع، لكنه اعترف بأن العقوبات قد عملت على تباطئه. “لقد انسحب عدد قليل من اللاعبين الرئيسيين -أمثال شل … إلى جانب شركائهم الكوريين واليابانيين [Kogas و Mitsui]. لقد كان ذلك سببًا في التباطؤ، ولكن هناك آخرون- الروس على سبيل المثال والصينيين الذين ما زال لديهم الاهتمام. لذلك سوف نرى ما إذا كان بإمكانهم البدء بعمل بسيط حتى يتم حل المشكلة. لكننا حقيقةً لم نغلق كل شيء”.
كما تستثمر سلطنة عُمان في عدد من مشاريع البنية التحتية لتعزيز مرافق التخزين مع الاستعداد أيضًا لتلبية الطلب على نفط الوقود المنخفض الكبريت بمجرد دخول المواصفات الجديدة لتخزين الوقود حيز التنفيذ في عام 2020. تخطط شركة نفط عُمان، المسؤولة عن استثمارات النفط والغاز في الداخل وفي الخارج، في استثمار 15 مليار دولار في مشاريع في الدقم.
في نيسان 2017، وقعت شركة النفط العُمانية وشركة البترول الكويتية الدولية اتفاقية شراكة لتطوير مصفاة الدقم ومجمع البتروكيماويات الذي من المقرر أن يكون قيد التشغيل في عام 2021. وفي المركز الصناعي في صحار، يجري العمل على توسيع مصفاة تكرير نفط قائمة ويتم تركيب وحدات جديدة لإنتاج المواد الأولية لإنتاج البتروكيماويات.
قبل انضمامها إلى اتفاقية (أوبك +) لتخفيض الإنتاج، كانت عُمان تنتج 1.015 مليون برميل يوميًا. أي إضافات على الطاقة الإنتاجية ستأتي من شركة تنمية نفط عُمان وشركات النفط الأجنبية، على الرغم من إقرار الرمحي بأنه، نظرًا للجيولوجيا المعقدة في عُمان ونسبة الانخفاض، فإن تحقيق 1.1 مليون برميل يوميًا سيعتبر توسعًا.
ومع ذلك، إذا ارتفعت أسعار النفط عن المستويات الحالية، يمكن تطوير بعض حقول النفط العُمانية التي لا تعتبر تجارية. ولكن مع الاستمرار في الإنتاج الراهن للنفط والغاز قريبًا من الطاقة الإنتاجية، سوف تحتاج عُمان إلى تنمية قطاعها غير الهيدروكربوني. في الوقت الراهن، فإن المستقبل يكمن في الغاز الذي يوفر فرصًا للتنويع. أخبر الرمحي شركة MEES أن أحد الخيارات المطروحة للبحث هو إخراج منشأة الغاز الطبيعي المسال الحالية من عنق الزجاجة واستخدام قسم من الغاز في تطوير منشأة لتخزين الغاز الطبيعي المسال إما في صحار أو الدقم بالشراكة مع شركة توتال. وهذا يستلزم توفير الغاز الطبيعي المسال للسفن كبديل عن الوقود النفطي الثقيل أو وقود الديزل البحري أو غاز النفط. مع وجود قيود صارمة جديدة للكبريت لمستودعات الوقود والمقرر أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2020، فإن المشروع، إذا تحقق، سيكون مثالًا على انفتاح سلطنة عُمان على الأفكار والتقنيات الجديدة. قد لا تمتلك السلطنة الموارد النفطية الهائلة التي تملكها المملكة العربية السعودية أو أي من جاراتها الأخريات في الخليج، ولكن هذا هو السبب الحقيقي وراء تمسكها بالابتكار والتكنولوجيا للتأكد من تحقيق أقصى فائدة ممكنة من الموارد المحدودة.