أعلنت السلطات العُمانية، منذ بداية عام 2024، عن سلسلة سريعة من المبادرات الاقتصادية المتتالية: صندوق سيادي جديد، وأول بنك استثماري مملوك للحكومة في البلاد، ومشروع تنموي كبير متعدد الاستخدامات في الجبل الأخضر، ومشروع تطوير منطقة ساحلية جديدة للعاصمة مسقط. إن وتيرة هذه المشاريع وطبيعتها تشبه أبعاد عملية التحول الاقتصادي الجارية في المملكة العربية السعودية المجاورة. ومع ذلك، فإن الحكومة العُمانية لم تتبع أكثر الاستراتيجيات الاقتصادية طموحًا ولا تلك الاستراتيجيات التجريبية، فهذه الدولة الخليجية الأقل إنتاجًا للنفط والغاز لا تتمتع بالموارد المالية اللازمة لتحمل مجازفات اقتصادية جريئة. وبدلاً من ذلك، فقد كان صناع السياسات العُمانيون يسعون لتحقيق تقدم مطرد في الإصلاحات الاقتصادية – التي وصفها صندوق النقد الدولي بـ “زخم الإصلاح” – مع الاستمرار في تطوير مبادرات التنمية.
إن عملية بث الحيوية في سلطنة عُمان من جديد تحت قيادة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد هي المسؤولة إلى حد كبير عن هذا الزخم الاقتصادي المحلي. تضمنت السنوات الأولى من حكم السلطان هيثم، التي بدأت في يناير/كانون الثاني 2020، تحقيق الاستقرار في الاقتصاد وسط صدمة جائحة فيروس كورونا، ومعالجة مواطن الضعف التي كانت موجودة في الاقتصاد منذ أمد بعيد. وأثبت المسؤولون العُمانيون التزامهم بضبط الأمور المالية من خلال تنفيذ برامج التوازن المالي، وتخفيض مستوي الديون الحكومية المرتفعة، والشروع في إعادة تنظيم الهيئات المرتبطة بالحكومة للحد من انعدام الكفاءة إلى الحد الأدنى وإطلاق العنان لقيم جديدة. بعد إحراز التقدم في هذه الميادين، تستعد عُمان للدخول في مرحلة جديدة من صنع السياسات الاقتصادية، مزودة بأدوات سياسية جديدة ومبادرات تنموية قوية.
اُسس قوية لأدوات السياسة الجديدة
تتمتع عُمان بقاعدة اقتصادية قوية يمكن البناء عليها. تسير البلاد على الطريق الصحيح لتسجيل فائض مالي لعامي 2023 و2024 – قدرت وكالة فيتش فائضًا بنسبة 3.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، في حين توقعت فائضًا بنسبة 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024. في الربع الثالث من عام 2023، كانت عُمان تتمتع بتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر على أساس سنوي، مع وجود مصادر رئيسية للاستثمار من بريطانيا والولايات المتحدة. وقد تم رفع التصنيف الائتماني السيادي لعُمان ليصل إلى درجة واحدة دون مستوى الاستثمار.
وفي أواخر عام 2023، قامت الحكومة العُمانية بتطبيق قانون الدين العام وقانون السياحة الجديد الذي يهدف لتعزيز التنمية في قطاع السياحة. ومع بداية عام 2024، أطلقت الحكومة البرنامج الوطني للاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي، ومن المقرر أن يستمر لثلاث سنوات للنهوض بمبادرات التوازن المالي والعمل في الوقت ذاته على تطوير القطاع المالي. وقد لاحظ المراقبون أن عُمان قد قفزت 39 درجة على مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2024 الصادر عن مؤسسة هيرتادج (Heritage Foundation).
قام جهاز الاستثمار العُماني، الذي يعد صندوق الثروة السيادية في البلاد، بإنشاء صندوق عُمان المستقبل في يناير/كانون الثاني. ويهدف الصندوق الجديد لتوزيع 400 مليون ريال (1.04 مليار دولار) سنويًا من إجمالي رأسماله البالغ 2 مليار ريال (5.20 مليار دولار) على مدى السنوات الخمس القادمة كجزء من الجهود الرامية لتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، والشركات الناشئة القادرة على المساهمة في الاقتصاد العُماني. وسيكون هناك تركيز قوي على الشراكات التي يمكن أن توفر المزيد من فرص العمل للمواطنين العُمانيين، وتزيد من استغلال المواد الخام العُمانية.
يقف جهاز الاستثمار العُماني وراء العديد من المبادرات الاقتصادية الاستراتيجية في البلاد. يترأس عبد السلام بن محمد المرشدي كلاً من جهاز الاستثمار العُماني ومجلس إدارة بنك الاستثمار العُماني، وهو أول بنك في البلاد تملكه الحكومة للاستثمار في الشركات، تم تدشينه في فبراي/شباط. كما تعمل كلٌ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أيضًا على زيادة الاستفادة من صناديق الثروة السيادية لتعزيز التنمية المحلية، على الرغم من أن قطاع صناديق الثروة السيادية في الإمارات يتمتع بالقليل من المركزية، وينتشر عبر صناديق متنوعة في عدة إمارات.
مشاريع تنموية جديدة لمرحلة جديدة
بالإضافة لأدوات السياسة الجديدة والهيئات المرتبطة بالحكومة، أعلنت عُمان عن مشاريع تنموية جديدة لدعم النمو الاقتصادي والتدفق المرغوب فيه من المقيمين والزوار للسنوات القادمة. في شهر مارس/آذار، كشفت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني عن خطط لمشروع المنطقة الساحلية في مسقط بقيمة 1.3 مليار دولار. أما المنطقة الحضرية التي تركز على الاستدامة، والتي وضعت تصميمها شركة زها حديد للتصميم المعماري، فسوف تقوم على خمسة أبعاد: مرفأ وواجهة بحرية ترفيهية وممشى بمحاذاة القناة ومجمع ثقافي ومقر الوزارة. وفي وقت سابق من شهر مارس/آذار، أعلنت وزارة الإسكان والتخطيط العمراني عن مشروع قمة جبلية بقيمة 2.4 مليار دولار أسمته الوِجهة الجبلية العمانية، على الجبل الأخضر. ويمكن أن يوصف هذا المشروع الحديث بأنه وجهة فاخرة متعددة الاستخدامات، ويشبه أحدث وجهات المشاريع الفرعية الجديدة في منطقة نيوم، مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة العملاق في السعودية.
هنالك أمل في أن تستفيد المشاريع العُمانية الحالية العملاقة والمبادرات الاستثمارية من تنامي الزخم الاقتصادي في عُمان وتعمل على تعزيزه، ما سيفضي إلى دورة اقتصادية فعالة. وتظل المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم بمثابة المشروع العملاق ذي الأولوية العليا بالنسبة للحكومة. لقد عززت هجمات الحوثيين الأخيرة على السفن في البحر الأحمر موقع الدقم الاستراتيجي على بحر العرب وخارج مضيقي هرمز وباب المندب. وضعت عُمان أهدافًا طموحة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وتخطط لتصبح قوة إقليمية مؤثرة في هذا المجال. تم افتتاح شركة هايدروم المملوكة للحكومة في عام 2022 لوضع بنية لتطوير الهيدروجين الأخضر وتسريعها، وتتولى إدارة الجهود الرامية لجذب الاستثمارات لهذا القطاع.
ويمضي جهاز الاستثمار العُماني قدمًا في خطط لبيع أسهم في الهيئات المرتبطة بالحكومة. وفي أعقاب النجاح في طرح الاكتتاب العام الأولي في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023 لأعمال خطوط أنابيب الغاز التابعة لشركة النفط الوطنية العمانية، تمكنت الشركة من جمع 750 مليون دولار، كحصص من الأصول الحكومية الأخرى في خصخصة أنابيب النفط. وفي فبراير/شباط، عينت عُمان شركة لازارد لتقديم المشورة بشأن الاكتتاب العام الأولي للشركة العُمانية لنقل الكهرباء، ومن المرجح طرح اكتتابات أخرى للأصول الحكومية على المدى القريب. يعد الحفاظ على الزخم الاقتصادي وإصلاحه أمرًا بالغ الأهمية للاستفادة الكاملة من اكتتاب الأسهم.
من الطبيعي ألا تكون الصورة الاقتصادية وردية بالكامل- فعُمان تواجه تحديات متنوعة. وتشكل وتيرة التقدم البطيئة في مجال التنويع الاقتصادي مشكلة مزمنة. وتظل الإيرادات الحكومية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقطاع النفط والغاز، وما تزال المحرك الرئيسي للنمو، حيث من المتوقع أن يشكل قطاع النفط والغاز 68% من الإيرادات الحكومية في موازنة 2024. لقد كان من المخطط أن يساهم قطاع النفط والغاز بنسبة 67% من الإيرادات الحكومية في الموازنة الأولية لعام 2023، لكن النتائج الأولية لعام 2023 تشير إلى أن الرقم الفعلي كان أقرب إلى 73%، وفقًا لمؤسسة KPMG. علاوة على ذلك، تشير تقديرات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن ما يقارب الـ 77% من مخزون الاستثمار الأجنبي المباشر في عُمان يرتبط بشكل مباشر بقطاع الطاقة. إن ترجمة الاستثمار الأجنبي المباشر والتنمية بقيادة الدولة إلى وظائف عالية الجودة ومرتفعة الأجور للمواطنين العُمانيين تشكل تحديًا كبيرًا آخر. وتعد المظالم المتعلقة بالعمل قضية مثيرة للجدل في السلطنة، التي شهدت احتجاجات متعلقة بعملية التوظيف في السنوات الأخيرة.
كما يجب على الحكومة والجهات الفاعلة في قطاع الأعمال في عُمان التخفيف من خطورة أن تطغى عمليات التنمية الاقتصادية في دول الخليج المجاورة الأكبر حجمًا على عملية التنمية العُمانية. حتى الآن، حرص العُمانيون على إدارة المنافسة الإقليمية جزئيًا من خلال تشكيل شراكات مع نظرائهم المجاورين، وبالسعي لتحقيق تداعيات إيجابية. على سبيل المثال، أطلقت عُمان والسعودية برنامجًا سياحيًا مشتركًا (ولطالما كانت صناعة السياحة المتخصصة في عُمان إحدى ركائز جهود التنويع الاقتصادي في البلاد). كما اتفق البلدان على التعاون في تنمية المنطقة الاقتصادية. علاوة على ذلك، أفضت المشاركة العُمانية – بقيادة وزارة النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات العُمانية- في مؤتمر ليب (LEAP) المرتكز على التكنولوجيا في السعودية في مارس/آذار إلى توقيع 20 اتفاقية على نطاق صغير في العديد من المجالات.
الشرق الأوسط يواجه العديد من التحديات الاقتصادية – وقد ساهمت الصراعات الإقليمية الساخنة في تعقيد مهمة صناع السياسات الاقتصادية. ولا تزال الحرب المدمرة الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس تنطوي على إمكانية تحولها لصراع إقليمي. وفي هذه الأثناء، تعمل الهجمات الحوثية التخريبية في البحر الأحمر على تهديد مجموعة واسعة من المصالح التجارية. ومع ذلك، فإن المجال الاقتصادي العُماني يقدم حاليًا ومضة مشرقة في منطقة متوترة ومضطربة. ربما تكون النتائج المطلقة لصناعة السياسات الاقتصادية العُمانية متواضعة لدى مقارنتها بمثيلاتها في المنطقة، إلا أن ذلك لا ينتقص من صلابة الإنجازات وقوة الأسس الاقتصادية التي تم تحقيقها، والتي يمكن البناء عليها خلال الأعوام القادمة.