على مدى عقود، تفاخرت باكستان والمملكة العربية السعودية بروابط سياسية واقتصادية وأمنية قوية. تم تعزيز العلاقة أكثر فأكثر من خلال الروابط الشخصية القوية بين أفراد العائلة المالكة السعودية والنخب المدنية والعسكرية الباكستانية. ولكن الديناميكيات السياسية المتغيرة في جنوب آسيا والشرق الأوسط تعمل على تعقيد هذه العلاقة بشكل متزايد.
على الصعيد السياسي، تمت إقامة العلاقات السعودية الباكستانية على العديد من الصداقات الشخصية. في الماضي، كان لعلاقات الصداقة بين العاهل السعودي الملك فيصل بن عبد العزيز ورئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو، وبين الأمير نايف والجنرال محمد ضياء الحق، ولاحقًا بين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس برويز مشرف، أثر كبير على العلاقات الثنائية وكذلك على الأحداث السياسية في الباكستان.
عملت الدولتان أيضاً على تطوير شراكة أمنية وثيقة، ونظراً للدور الفريد الذي تلعبه القوات المسلحة في السياسة الباكستانية، أصبح لهذه القوات مصلحة حيوية في العلاقة مع المملكة العربية السعودية؛ فقد كانت العلاقات الثنائية هي الأقوى تاريخياً في ظل الحكومة العسكرية في الباكستان. أضفى اتفاق 1967 الطابع الرسمي على التعاون الدفاعي وعلى إرسال مدربين عسكريين وجويين باكستانيين إلى المملكة العربية السعودية. وفي أعقاب الثورة الإيرانية، تم تعزيز التفاهم الأمني بين الجانبين من خلال بروتوكول عام 1982 بشأن “انتداب عناصر من القوات المسلحة الباكستانية والمدربين العسكريين”. وهو ما أسفر عن نشر ما يقرب من 15 ألف جندي باكستاني في المملكة. بقيت هذه القوات في المملكة العربية السعودية طوال فترة الحرب العراقية الإيرانية.
عملياً على الأرض، خلقت هذه الاتفاقات رابطة فريدة بين المؤسسات الأمنية الباكستانية والعائلة المالكة السعودية. وتجلت هذه العلاقة الخاصة عندما قام وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان بن عبد العزيز بزيارة المنشآت النووية الباكستانية في عام 1999. ومع وصول حكومة موالية نسبياً لإيران إلى السلطة في باكستان عام 2008 بعد رحيل مشرف، أصبحت القوات المسلحة هي المحرك الرئيسي في العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
ظهر هذا التفاعل بين النخب المدنية والعسكرية في باكستان والعائلة المالكة السعودية للعيان بعد أن واجهت العلاقة الثنائية أزمة اندلعت عندما رفض البرلمان الباكستاني طلباً سعوديًا بإرسال قوات إلى اليمن في عام 2015، كجزء من عملية عاصفة الحزم. واستاء السعوديون بشكل خاص من قلة الدعم الذي تلقوه من حكومة رئيس الوزراء آنذاك نواز شريف، الذي كان عميلهم السياسي الرئيسي في الباكستان على مدى عقود. كانت العلاقات قد تحسنت بسبب المشاركة القوية لقيادة القوات المسلحة الباكستانية وزيادة التعاون الأمني. وطور قادة القوات المسلحة الباكستانية المتعاقبون علاقة عمل مع وزير الدفاع السعودي الجديد، محمد بن سلمان، الذي أصبح فيما بعد ولياً للعهد. عندما استقال الجنرال رحيل شريف من منصبه كقائد للجيش الباكستاني، تولى قيادة التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب بقيادة السعودية. وخلفه الجنرال قمر جاويد باجوا، الذي خدم أيضاً في المملكة العربية السعودية لمدة ثلاث سنوات. كان لباجوا دور رئيسي ليس فقط في تعزيز العلاقات الدفاعية السعودية-الباكستانية، وإنما أيضاً في إعادة تأهيل الجانب السياسي من الشراكة، حيث قام بأكثر من ست رحلات إلى المملكة. وكان تحت قيادته أن أرسل الجيش الباكستاني كتيبةً مكونةً من ألف جندي إلى المملكة العربية السعودية. مع وجود 1600 جندي منتشرين بالفعل داخل المملكة في مهمة تدريبية واستشارية، أصبحت باكستان الدولة الوحيدة التي لديها قوة أجنبية كبيرة في المملكة العربية السعودية.
ولكن علاقات المملكة العربية السعودية مع القيادة المدنية الباكستانية ظلت متوترة حتى تولى عمران خان منصب رئيس الوزراء. تمكن خان من إقامة علاقات وثيقة مع محمد بن سلمان، وشارك في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار عام 2018 في الرياض رغم المقاطعة العالمية في أعقاب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي. وصلت العلاقات إلى ذروتها عندما زار محمد بن سلمان باكستان في فبراير/شباط 2019، وتعهد باستثمار 21 مليار دولار في مشاريع تشمل إنشاء مصفاة نفط في مدينة جوادر الساحلية.
بدأت هذه العلاقات الثنائية الحميمة تفسح المجال أمام التعقيدات في أعقاب التحرك الهندي في أغسطس/آب 2019 لإلغاء الوضع الخاص لولاية كشمير التي تديرها. اعتمدت باكستان على دعم الأخوة الإسلامية العالمية ضد الهند، ولكن تم إسكات رد فعل المملكة العربية السعودية بسبب العلاقات الاقتصادية للمملكة مع الهند. من ناحية أخرى، جاءت تركيا، التي أصبحت علاقتها بالسعودية موضع خلاف متزايد، بدعم قوي لموقف باكستان حتى عندما جاء ذلك على حساب علاقة تركيا بالهند.
أوشكت باكستان والمملكة العربية السعودية على الوقوع في أزمة دبلوماسية، عندما اتفقت إسلام أباد مع تركيا وماليزيا على عقد قمة للدول الإسلامية في كوالالمبور، لمعالجة القضايا المتعلقة بالعالم الإسلامي. مع إدراج قطر وإيران على المنصة، أصبحت المملكة العربية السعودية تنظر بشكل متزايد إلى القمة على أنها تحدٍ لقيادتها للعالم الإسلامي، وبديل لمنظمة التعاون الإسلامي التي تتزعمها السعودية. كان يبدو أن القادة الباكستانيين غافلون عن هذه المخاوف، ولم ينسحبوا من الحدث إلا بعد أن أبلغت المملكة العربية السعودية مخاوفها لصناع القرار الباكستانيين. وقد أدى ذلك إلى تخفيف حدة التوتر بين الجانبين، وقام وزير الخارجية السعودي على الفور بزيارة للباكستان، والتزم بعقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي حول كشمير. ولكن هذه الحادثة أثرت على العلاقة الشخصية بين خان ومحمد بن سلمان، ولم يتواصلا علنًا منذ زيارة خان للمملكة في ديسمبر/كانون الأول 2019.
ومع توتر العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ازدهرت العلاقات بين الباكستان وتركيا كما ازدهرت الكيمياء الشخصية ما بين خان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان. خلال زيارته إلى باكستان في شباط/ فبراير، التي وصفتها وزارة الخارجية الباكستانية بأنها حدث افتتاحي، استمال أردوغان الباكستانيين إليه، عندما تحدث بشكل قاطع عن كشمير، وأعلن أن أمرها يهم تركيا تماماً كما يهم باكستان. في غضون ذلك، بدأت باكستان أيضاً في بث مسلسل تلفزيوني تركي، يصور الأحداث التي أدت إلى تأسيس الإمبراطورية العثمانية. هذا العرض المثقل بمواضيع الصحوة الإسلامية أذهل الجماهير في جميع أنحاء باكستان، ولكن الأهم من ذلك كله أنه جاء برعاية فاعلة من قبل خان أيضاً. ولكن لم يتم الاحتفاء بهذه بالأساطير العثمانية والبرنامج التلفزيوني الذي أقره الرئيس التركي بشكل جيد في المملكة العربية السعودية، حيث تم حظره.
في أعقاب هذه التطورات، تدهورت العلاقات إلى مستوىً متدنٍ آخر، عندما ألغت المملكة العربية السعودية، في يوليو/تموز، حزمة الدعم التي قدمتها لباكستان في مطلع عام 2019. وقد كانت حزمة المساعدة المالية هذه تشمل قرضاً لميزان المدفوعات بقيمة 3 مليارات دولار، واتفاقية إضافية لتأجيل مستحقات النفط لسنة واحدة بقيمة 3.2 مليار دولار، مع إمكانية تمديدها لمدة 3 سنوات. وقد تم في يناير /كانون الثاني تجديد قرض ميزان المدفوعات، ولكن في يوليو/تموز طالبت المملكة العربية السعودية بالسداد المبكر؛ تلقت الباكستان مليار دولار من الصين، وتجري الآن مفاوضات مع المملكة بشأن سداد ما تبقى. ولم يتم تجديد سداد المستحقات النفطية المؤجلة بعد انتهائها في مايو/أيار. وقد تسبب هذا الانسحاب السعودي السريع من برنامج المساعدات الاقتصادية لباكستان خلال جائحة فيروس كورونا في خلق صعوبات في الشراكة بين الجانبين.
وازدادت التوترات عندما أعرب وزير الخارجية الباكستاني عن أسفه لقلة الدعم السعودي لقضية كشمير، وأشار إلى أن باكستان قد تضطر إلى عقد اجتماع للقوى ذات الرؤية المتماثلة خارج إطار منظمة التعاون الإسلامي.
ينبغي النظر إلى هذا الشرخ الأخير في العلاقات السعودية-الباكستانية في سياق الانهيار في العلاقات الشخصية بين قادة كل من الدولتين، وانعدام الغضب السعودي الجاد بشأن قضية كشمير، وتصاعد التعاون بين باكستان وتركيا. ومع ذلك، فلن يكون من الحكمة كتابة نعيٍ للعلاقات السعودية-الباكستانية العميقة الجذور والمتعددة الأوجه. قام قائد الجيش الباكستاني، الجنرال باجوا، مؤخراً بزيارة للمملكة لتحقيق الاستقرار في الوضع، وإعادة العلاقة إلى مسارٍ واقعيٍ ومفيد للطرفين كذلك. في محاولة للحد من الضرر الذي تسببت به القيادة السياسية في العلاقات، شدد الناطق العسكري الباكستاني أيضاً على مكانة السعودية المحورية التي لا جدال فيها في العالم الإسلامي. وعلى الصعيد السياسي، اجتمع ممثلو الحكومة الباكستانية والزعماء السياسيون والدينيون مع السفير السعودي في إسلام أباد لتخفيف التوترات. وفي حين تشير هذه التطورات إلى أنه من غير المرجح أن تنضم باكستان إلى كتلة إقليمية أخرى، فمن غير المرجح أيضاً أن الأسباب البنيوية التي تسببت في اندلاع الأزمة ستختفي قريبًا. وربما يكون هناك أيضاً تباينٌ مدنيٌ-عسكري حول هذه المسألة داخل باكستان؛ حيث دعا وزير الخارجية الباكستاني المبعوث القطري إلى إسلام أباد في الوقت الذي كان باجوا يلتقي مسؤولين سعوديين في الرياض.
إن القيادة الباكستانية الآن في موقف صعب حيث إن تأثير باكستان على المملكة العربية السعودية أصبح محدوداً جدًا في حين لا تزال تعتمد على الهبات الاقتصادية السعودية وتحويلات المغتربين. فلعبة التوازن الباكستانية في الشرق الأوسط قد لا تكون نهجاً قابلاً للتطبيق. ومع تضعضع العلاقات الشخصية بين ولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الباكستاني، سيكون الجيش الباكستاني مجددًا هو اللاعب المركزي في هذه العلاقة.