ساعد معهد دول الخليج العربية في واشنطن في تسليط الضوء على أصوات الشباب الخليجي.
تبرع
في الوقت الذي تستعد فيه الجمهورية الإسلامية لإجراء الانتخابات الرئاسية في 18 يونيو/حزيران، تمتلئ وسائل الإعلام الإيرانية والدولية بالتكهنات بشأن الفائز المرجح، وكيفية تأثير النتيجة على علاقات إيران بالولايات المتحدة. إن مراجعة للإجراءات الأساسية والديناميكيات السياسية للانتخابات الرئاسية بالإضافة إلى اتخاذ القرار الاستراتيجي في إيران منذ عام 1979 تعد بمثابة ترياق تحذيري لمثل هذه التكهنات. إذا أخذنا العبرة من التاريخ، فإن الجادين في التنافس على الرئاسة لن ينضموا إلى السباق حتى خمسة أسابيع قبل الانتخابات، ولن يكون الرئيس سوى واحد من بين العديد من صناع القرار المؤسساتي في الهيئة العليا لصنع القرار الاستراتيجي في إيران، وهو المجلس الأعلى للأمن القومي.
وعلى الرغم من الضجة الإعلامية المكثفة، فإن تسجيل المرشحين لن يبدأ حتى الحادي عشر من مايو /أيار، ويستمر حتى الخامس عشر من الشهر نفسه. خلال هذه الأيام الخمسة، سيقوم مجلس صيانة الدستور، المكلف بحماية الدستور، بالتحقق وإصدار حكمه بشأن كفاءة المرشحين وفقًا للمتطلبات الدستورية المفصلة في قانون 26 يونيو/حزيران 1984 بشأن الانتخابات الرئاسية وتعديلاته اللاحقة. وتتضمن هذه المتطلبات معايير موضوعية وأخرى ذاتية. تشمل الموضوعية التمسك بالشيعة الاثنا عشرية والجنسية الإيرانية، وألا يكون خاضعاً أو قد خضع في أي وقت مضى لدولة أجنبية، وأن يكون حاصلًا على درجة الماجستير أو ما يعادلها، وأن يتراوح عمره ما بين 40 و70 عاماً وقت التسجيل، وأن يكون قد أكمل الخدمة العسكرية (أو أن يكون معفى منها قانوناً). ومن المتطلبات الذاتية الانتماء إلى “كبار رجال الدين والسياسة” الإيرانيين، وامتلاك “مهارات قيادية” و”سمعة طيبة” من “الصدق والتقوى” والإيمان بـ “بمبادئ الجمهورية الإسلامية”.
المعايير الموضوعية وحدها تمنع أكثر من نصف سكان إيران من الترشح للرئاسة: التفسير الحرفي لمجلس صيانة الدستور لمصطلح “كبار رجال” الدين والسياسة على أنهم “رجال” يؤدي وحده إلى استبعاد النساء. بالإضافة إلى ذلك، فإن مطلب الشيعة الاثنا عشرية يستبعد الأقلية السنية في إيران، والتي تشكل حوالي 10٪ من السكان، والأقليات الدينية الأصغر، مثل المسيحيين واليهود والزرادشتيين، بالإضافة إلى الإيرانيين العلمانيين.
أما المعايير الذاتية فتمكن مجلس صيانة الدستور، وبالتالي المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، من استبعاد أولئك الذين يُعتبرون غير مرغوب فيهم سياسياً وضمان الانسجام الأيديولوجي بين النخب. باستثناء أول انتخابات رئاسية للجمهورية الإسلامية، والتي جرت قبل إنشاء مجلس صيانة الدستور، فإن المسموح لهم بالترشح في كل دورة انتخابية يعدون على الأصابع، ويتم فصل المسجلين الآخرين لأسباب تعسفية. يمكن القول إن أكثر عمليات الاستبعاد إثارة للجدل جرت في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية لعام 2013، عندما قام مجلس صيانة الدستور، لأسباب لم يعلن عنها على الملأ، باستبعاد علي أكبر هاشمي رفسنجاني، أحد أركان النظام والرئيس السابق، والعديد من شخصيات النظام البارزة الآخرين. لا تعمل حالات الاستبعاد هذه على تحديد المعايير لما يراه النظام مقبولاً فحسب، وإنما أيضاً تسمح لجمهور الناخبين باختيار شكلي بين القلة القليلة المختارة.
ولرغبتهم في أن يكونوا ضمن القلة القليلة المختارة، فإن مرشحي الرئاسة الجادين ليسوا على عجلة من أمرهم للإعلان عن ترشحهم ولن يسجلوا رسمياً كمرشحين إلا قبل ساعات قليلة من الموعد النهائي. وينخرطون، في تلك الأثناء، في حشد التأييد خفيةً بين زملائهم من النخب، ومن خلال الرسائل غير المباشرة للجمهور لحثهم على المشاركة. وما إن تتوفر لديهم الثقة من حصولهم على قدر ولو يسير من دعم النخب، وربما حتى الحصول على الضوء الأخضر من خامنئي شخصياً، وإذا تمكنوا كذلك من حشد درجة من الحماس الجماهيري، فإنهم يسجلون رسمياً كمرشحين. في مثل هذه الظروف، سيجد مجلس صيانة الدستور صعوبة أكبر في استبعادهم، ما لم يكن الضوء الأخضر لخامنئي مجرد خدعة بهدف إغواء الشخص بالتسجيل، ثم استبعاده وفضحه فيما بعد لتدمير حياة المرشح السياسية، كما كان الحال في عام 2013 حسب ادعاء رفسنجاني. لا يتم تقييد المرشحين الأقل جدية بهذه الاعتبارات ويعلنون ترشحهم في وقت مبكر لزيادة التغطية الإعلامية.
تركزت تكهنات وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة على ثلاثة ضباط من الحرس الثوري الإيراني كمرشحين محتملين. محمد باقر قاليباف، وهو قائد سابق لسلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني ورئيس الشرطة سابقاً، ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس النواب، وهو منصب ليس من المرجح أن يقايضه بالنتيجة غير المؤكدة للانتخابات الرئاسية. حسين دهقان – والذي كان من بين أولئك الذين قاموا باحتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، وشغل منصب قائد الحرس الثوري الإيراني في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي، ووزيراً للدفاع بعد ذلك، هو الآخر مرشحٌ، ولكنه لا يتمتع بثقل كبير. يبدو أن دهقان مهتم بتنميق سيرته الذاتية بالترشح للرئاسة أكثر من اهتمامه بالسعي الفعلي للرئاسة. أما المرشح الثالث فهو، سعيد محمد، وهو الوجه الشاب للحرس الثوري الإيراني، الذي ترك منصبه مؤخرًا كقائد “مقر خاتم الأنبياء للإعمار” التابع للحرس الثوري الإيراني، وهي أكبر شركة مقاولات في إيران. استهل محمد محاولته للترشح للانتخابات الرئاسية ببداية سيئة مع انتشار شائعات تدور حول فصله من “مقر خاتم الأنبياء” بسبب “مخالفات” سلوكية. وكما هو الحال مع محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، الذي اعتاد الترشح للانتخابات الرئاسية والفشل، لا يوجد أي مؤشر على دعم شعبي كبير لرجال إيرانيين على صهوة الخيل.
إذا تمكن الثلاثة من المرور عبر مجلس صيانة الدستور، فقد تتاح لوزير الخارجية محمد جواد ظريف وغيره من أعضاء الفريق التكنوقراطي للرئيس حسن روحاني فرصة ضرب الضباط في صناديق الاقتراع. وقد يحصل ذلك على الرغم من وعد الناخبين بغنائم السلام، الذي لم يتحقق، بسبب سقوط الاتفاق النووي. ومع ذلك، يعكف فريق روحاني حالياً بهدوء على حشد التأييد في أروقة السلطة، للتعرف على معايير السياسات والمرشحين، التي يجدها النظام مقبولة.
ربما تتمتع نتائج هذه المناورات ببعض الأهمية بالنسبة للصراع من أجل خلافة المرشد الأعلى بعد خامنئي، وهو ما يفسر التنافس الفصائلي بين الحرس الثوري الإيراني من جهة والتكنوقراط من جهة أخرى. ومع ذلك، سيكون من الخطأ توقع حدوث تحول مزلزل في العلاقات الأمريكية-الإيرانية بناءً على من سيفوز في الانتخابات الرئاسية. منذ التعديل الدستوري لعام 1989، الذي أدى إلى إنشاء المجلس الأعلى للأمن القومي، تطور المجلس تدريجيًا ليصبح أعلى هيئة استراتيجية لصنع القرار في الجمهورية الإسلامية.
يترأس الرئيس المجلس الأعلى للأمن القومي، لكن التكوين المعتمد دستورياً للمجلس يمنح كلا من سلطات الدولة مقعدا على الطاولة. يتمتع كل من الوزراء الاستراتيجيين في مجلس الوزراء، بالإضافة للمرشد الأعلى أو ممثله، بحق التصويت. وفي حين تبقى تفاصيل الأعمال الداخلية لهذه المؤسسة غامضة بالنسبة للغرباء، إلا أن الروايات المتداولة تشير إلى اتخاذ قرارات بشكل ديمقراطي بين الأعضاء. بعبارة أخرى، سيكون التوجه السياسي السائد بين أغلبية أعضاء المجلس نحو سياسة الدولة الإيرانية، وليس بالضرورة نحو الخيارات السياسية للرئيس.
في ضوء ذلك، يبدو أنه من السابق لأوانه التكهن بشأن المرشحين ونتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة، كما يبدو أن التقييمات حول التأثير المحتمل للعلاقات الأمريكية-الإيرانية مبالغ فيها. ولا ينبغي لتركيز الأفراد، الناتج عن الحملة الانتخابية، أن يشتت الانتباه عن المؤسسات التي من المرجح أن يكون تأثيرها أكبر من تأثير الأفراد.